DELMON POST LOGO

حين يغني الحُبُّ، يكونُ الليلُ أجمل،

العشقُ في أولِ العُمرِ أجمل، وفي آخرِ العُمرِ أغلى، وفي نهاياتِ الكتبِ أحلى

بقلم : الشاعرة فاطمة التيتون

(26)

ولسوفَ يبتسمُ النهار، ولسوف تأتي،

تحملُ الوردَ والشهدَ وتأتي، أيها الطيرُ ستأتي،

سوف تروي العُشبَ والأحلامَ يوماً، وستأتي.

(27)

لولا تتلاشى السُفن، لولا ينجلي الرجا،

لولا يخبو الشوقُ، لولا ينتهي الطريق والبحر، لو يتجددُ الوعد.

لو القرنفلُ ينطق، لو المعنى يُحدِّثُ المعنى،

لو لا تنتهي الضحكاتُ، لولا تأفلُ المُنى.

لو تتلاشى الحسراتُ، لولا تبدأ الغضون، ولا تترهلُ الخلايا،

لولا تهرمُ الكلمات. لو أُقيمُ بين النهرين، ويلبسُ الصيفُ ردائي،

لو يتحنّى بالحبِّ كتابي. لو يبدأ الفجرُ مرةً ثانية، والقواربُ تهشُّ،

لو تترفقُ السما، لو أرسمُ للشمسِ بيتاً، وللبدرِ أرجوحةً، وللنجومِ سُلّمَاً.

(28)

نحن – العشاقَ – الذين ينتظرون ولا ينتظرون،

العشاقُ المجروحون القابعون في الأسف،

الهائمون على وجوهِهم في عتمةِ الليلِ، القاطنون في البكاء.

نحن - العشاقَ – الذين لم نذقْ العشق،

الواقفون على ضفافِ الوقت إلى الليل، إلى الفجرِ إلى الأبد.

في دمنا العشقُ يضجُّ، يحرقنا الأسفُ، يعذبنا ألمُ الشوقِ، ويأكلنا الجوع.

نحن الذين لم يذكرْنا أحد، لم يعشقنا أحدٌ في صيفِنا والشتاء،

جفّتْ ضلوعُنا، ولم نزلْ في عشقِنا في انتظار.

29))

أكتبُ الكلماتِ إليكَ لعلك تأتي،

لعلّ الكلامَ يصيرُ حكاية، لعلكَ تأتي، لعلَ الهوى يكتبُ وردَ الروحِ،

لعلّ النسيمَ يغني إليكَ وتأتي، لعلكَ الآن تأتي يا بهجةَ النفس.

(30)

قُتلَ الحبُّ في مهدِهِ بيدٍ غاشمة!!

والفرحةُ أُغتيلتْ بيدٍ عابثة!!

(31)

لم يبدأ النهار، لم يبدأ العناق، لم يبدأ الكلام،

العصافيرُ مُحنّطة، الروحُ مجروحة، والمَلامحُ مشلولة.

كان الردى أولَ الحاضرين، أولَ العابسين في مرايا الندم.

والشجرُ الأخرسُ كان الأولَ في الألم!!

(32)

على سجيّةِ الوردِ نكون،

قد يسرقنا الأسى، قد يحرقنا الوقتُ، قد تضيّعُنا الآلامُ، قد نتضوّر،

لكنْ على سجيّةِ الوردِ نكون، والأريجُ لا يضيع.

(33)

حين يغني الحُبُّ، يكونُ الليلُ أجمل،

والوردُ أثمن، والكلماتُ أغلى، تكونُ السماءُ أرقَّ،

والنخيلُ يكونُ رفيقاً، والزمنُ صديقاً، ويضحكُ الوطن.

(34)

أبحثُ عن كلماتٍ غيرَ موجودة،

عن نُخيلاتٍ لا تبكي، عن لؤلؤٍ لم يتكون، عن أمطارٍ لا تتوقف،

أبحثُ عن قلادةٍ لا تصدأ، عن جوادٍ لا يهرم!!

(35)

تحدثتْ العرافةُ عن وطني،

عن أريكةِ الفرحِ، عن قيثارِ الوردِ، تحدثت عنكَ.

كأن المرايا أخبرتها عن المطر، عن شراهةِ السُّحُبِ،

عن البرقِ، عن سرِّ البردِ، عن خوفِ الشجر.

تحدثتْ عن رقرقةِ الماءِ والخُلجان، عن ارتجافِ النهرِ، عن صهيلِ البحر.

وفي القلبِ حديثٌ عن الرجا، عن انتظارٍ ينتظر، عن خاتمةٍ وبدء.

وتحدثتْ عن وهمٍ يكبرُ في الضلوعِ، في الخلايا،

في النُخاع، يصيرُ كوناً، يصيرُ هباء، ويصيرُ النايَ والضجر.

(36)

في شقوقِ الليلِ شمس، في مرايا الفجرِ وعد،

ثمرٌ في الصَفصَافِ، وفي العينين شوق،

في الكفينِ ماسٌ، وفي الكلماتِ جُمان.

(37)

العشقُ في أولِ العُمرِ أجمل،

وفي آخرِ العُمرِ أغلى، وفي نهاياتِ الكتبِ أحلى.

والشدّوُ في الصيفِ أعلى، والبحرُ في اللُّجةِ أروع.

(38)

دائماً في العصرِ يأتون، يتبخترونَ على الخيل،

ويرحلون، إنهم يعبرون، يسرقون الفؤادَ،

وكأنهم لم يعبروا، كأنهم لم يرسموا الهوى.

(39)

الثالثُ الثابتُ أنتَ، والربيعُ الأخير، وشهدُ النهارِ.

أنتَ انتظاري، وحزني، وضجيجُ المطر.

كأنكَ عطري الجديد، كأنكَ صمتي وكلامي والأغاني والشهب.

أراكَ حين أراني، أناديكَ وتلبي.

(40)

الزهورُ التي هرمتْ لا تطلبُ الماء، المرايا التي تهشمتْ لا تبتسم،

الغصونُ التي جفت لا تسترخي، النجومُ التي تكسرتْ لا تبكي،

الحكاياتُ التي لم تُروَ لا تروي.

القهوةُ التي لا تتألمُ لا تُحتسى، والسرُّ الذي لم يُسرُّ به لم يكن.

(41)

قصصٌ في العشقِ لا تبدأ،

تذوبُ في الشمسِ ولا تُكتب، وتموتُ في اللهب.

والعشاقُ ينتظرون، في أقاصي الليلِ ينتحبون، من علقمٍ يشربون،

والمنايا تلاحقهم، وينتظرون لعل الكلماتِ تملأُ الزمن،

تروي العطشى، تطعمُ الجوعى.

لعلها تكتبُ تاريخَ الأرضِ والفضا، ولعلها تجمعُ الأبجدية.

(42)

كانت لكَ الأسماءُ وضاعت، والهدايا كانت وتلاشت،

ولك الابتساماتُ وتهاوت، وتهشمت أغنية الهوى.

صارَ الليلُ سقيماً وطويلاً وحزيناً ووحيداً،

صارَ دموعاً مجروحةً وبساتينَ مهجورة.

(43)

هل يمرُّ الندى في آخرِ العُمرِ؟

هل يضجُّ الهوى؟ هل تضحكُ الغصونُ؟ ويهطلُ المطر؟

هل أغنياتُ الصيفِ تعودُ؟ هل يبدأ الشغف؟

هل ترقصُ الكتابةُ في آخرِ العُمرِ؟ هل تبدأ الرواية؟

والعصافيرُ هل تهتدي للثمر؟

(44)

تعودُ الأغاني ويعودُ النهار،

يعودُ البنفسجُ والبساتينُ والزينةُ، لأنكَ تأتي،

لأن الهوى يتأجج، لأن المرايا تراكَ تعود.

كأنكَ عطرٌ لأيامنا، يلّونُ أثوابنا.

قبلَ الأفولِ أراكَ تعود، يا سيدَ العاشقين تعود.

(45)

الصفحاتُ الأخيرةُ كالكفن، لا تعرفها لغةٌ، لا يُلاطفُها زمن،

لا تزورُها نجمة، لا تذكرُها شمسٌ.

وتظلُّ في المكانِ خاوية، تقلّبها العاتية.

(46)

حزنٌ يُدندنُ بين الفرح، وعشقٌ يُدوّي، وطبل.

مِراراً مَررنا، لم تبتسمْ لنا الأرضُ ولا السما، ولم يضحكْ الكوكب،

ومِراراً يندسُ في الخلايا السأم، لكنْ نعودَ لنفسِ الدروبِ،

نترجّى الليلَ، والعشقَ، نترجّى أن يدومَ الوجد،

ونعودُ كأنا خُلقنا لأمرٍ يكون، كأن الأحبةَ يرجِعون.

(47)

سبعٌ وسبعٌ عِجاف، جفَّ القلبُ فيها، تجمّدَ الماء.

تجهّمتْ الليالي، عطشَ الوردُ، والنخيلُ خان.

ترهلتْ السُفْنُ فيها، والبحرُ مات،

النجومُ نأتْ، هوتْ البلابلُ، انطفأتْ القناديل، انزوتْ الأحلام.

سبعٌ وسبعٌ، تجعّدَ فيها العنبُ، هجرَ الأحبة.

ضجرت فيها القوافي، ارتطمت الأقلام.

تبرّمَ المعنى، تفاقمَ الأسى، تأججت الآلام،

انتهينا وبدأنا وانتهينا، أكلتنا السنوات.

(48)

انطوى الليلُ، وعادت زهرةُ الأمسِ الحزينة،

تكتبُ الوقتَ وتبكي، عادتْ الشمسُ وعدنا لفساتينِ الضجر،

للتمنّي للترجّي لابتهالاتِ الهوى.

(49)

لا تكتبْ الكلمة، لا تكتبْ المعنى،

دَعْ السطورَ هامدة، والليالي خاوية، دَعْ الضيا يضيع، دَعْ المرايا خائفة.

كُنْ في العطش، بين أطباقِ الجياعِ كُنْ، كُنْ غيمةً بلا مطر،

كُنْ للغصونِ رؤى، وللزهورِ كُنْ ندى،

لا تكنْ في الكونِ حتى أغنية، لا تكنْ حتى الصدى،

لا تكُنْ من ندمٍ من حسرةٍ ومن شجن.

إن لم تكنْ في الكونِ مَحواً لا تكن.

(50)

في العشقِ كان عابداً، مُتهدّجاً،

كان ملاكاً مالكاً، أعطى ومضى، وفي الروحِ لظى.