DELMON POST LOGO

لا أطلبُ الكثير، لا أطلبُ النجمَ ولا القمر.. أطلبُ الرضا، وأفراحَ الهوى، وعناقَ الشجر

ليس همّاً، ليس حُزناً، ليس سُقماً، ليس من وردِ الهوى،

إنه العمرُ الذي يمضي سريعاً في دهاليز الفضا

بقلم : الشاعرة فاطمة التيتون

(51)

لا تنتشلني من البحرِ، البحرُ أوفى.

قد أغرقُ، قد أطفو، قد أستقرُ على شاطئٍ، لكننني أدري،

لا تنتشلني، فالبحرُ يحنو قليلاً، والبحرُ أرحم.

(52)

هل يصيرُ المُرُّ أحلى؟ ويكونُ العمرُ أغلى؟

هل تنادينا النجوم؟ ويصيرُ الوعدُ وردا؟

هل حكاياتي تغني؟ ويكونُ الصبحُ وقتي؟ ويناديني الكلام؟

هل تواسيني رواياتُ الغرام؟ هل أكون في بداياتِ الجنون؟

هل يكونُ المرُّ حلواً وأكون؟

(53)

النجمة السوداءُ يلبسُها الرجا وتبتسم،

وتسألُ الضيا، لعلهُ لعلها. وتنتظر، أيامَها أعيادَها حبيبَها،

ضيّعها الفضا، وخانها الزمن، لا تشتهي من السما غيرَ السنا.

وحيدةٌ وليلُها وحيد، قصتُها صمتٌ، ونارُها ردى،

تعشقُ أسرارَ المدى، غائبةٌ في الدهرِ حاضرة،

يعرفُها الندى والفجرُ والصبحُ، وتعرفُ الضحى.

(54)

كأن النجومَ تعود،

كأن السُّهَا والدجى والمدى يضحكون، كأن الهُمومَ تهون.

كأنكَ تأتي يا مالكَ القلبِ، يا بهجةَ العينين والنفسِ.

أراكَ تداري هواكَ، كوردٍ خجولٍ،

كعطرٍ يلملمُ أنفاسَه. وفي الشوقِ تهذي،

تتلعثمُ في الصمتِ وتأتي. وكنتَ تداري، وكنتُ اللهب.

(55)

يا بائعَ الوردِ تذكّرْ أن الطيورَ إليكَ تغني،

أن الغصونَ إليكَ تكون،

أن البساتينَ تحنُّ إليكَ، وتهتدي القلوب.

(56)

هل تتكسرُ لامُ الأمل؟

هل تنهارُ الشُّرفاتُ؟ هل تتوارى آخرُ نجمةٍ، آخرُ بسمة؟

هل في الوقتِ نغيب؟ هل تتبرأ منا البحارُ؟ ويضيعُ الوقتُ الضائع؟!

يا قصصَ الأمسِ أكتبي قِصصاً ثانية،

أسكبي الحِبرَ، لا ترحلي، لم يأزفْ الرحيلُ بعدُ، وما زلنا في الوقتِ الضائع.

                                     مازال العمرُ يحنُّ، والمُنى تتنفس، لا ترحلي يا قصصَ الأشواقِ،

القلبُ في انتظاركِ والرذاذ، وكلُّ البيوتِ عيونٌ وكلُّ النوافذ.

(57)

ونرفلُ بالحُبِّ، نتوشحُ الأنوارَ، نواسي الجارةَ والجار،

ونكونُ في قصصِ الغصون في الياسمين في الزنبقِ،

نأتي كالأناشيدِ الثمينة،

كالوعودِ التي لا تضيعُ نجيء، نلبسُ شالَ المطر،

ولا يضيعُ ما مضى، ولا الذي يأتي، ولا قلائدُ الهوى.

(58)

سرقوا منكَ المُنى، سرقوا كلَّ الضيا،

قتلوا القلبَ وغابوا، أحرقوا الليلَ وناموا!!

(59)

تتأرجحُ في الشكّ الأحلام، تغيرُ كلَّ الألوان، تغيبُ وتأتي،

تعبثُ في الظلِّ في الضوءِ، تنأى، تتذكرُ، تنسى،

كالعصافيرِ لا تستقرُّ، تتلعثمُ في كلِّ يومٍ، ولها القولُ الفصلُ.

أحلامٌ الزمنِ الضائعِ أوهامٌ تتشظى عند الفجر، تتبلورُ في العصر.

أحلامُ  خادعةٌ وضنينة، تضجرُ منا، نضجرُ منها، تسرقنا، نسرقها،

لكنْ لا نتخلى عنها، لا تتخلى.

كالسِّحْر تكون، في آناءِ الليلِ تلوب، أحلامٌ في الكونِ لو تكون.

(60)

قصصٌ في العشقِ تهوي، لا تكون،

في متاهاتِ الردى لا تواسيها الجفون،

قصصٌ من كلامِ العنكبوت،

قصصٌ فيها نموت، قصصٌ نقرأُها في كفِّ ماءٍ،

لا نراها، لا ترانا، لا تزول، غافلتنا نسيتنا في متاهاتِ الظنون.

(61)

وقرأتُ لك أن الذي يهواكَ قد هلك،

أن الأحاديثَ التي كانت إليكَ قد نأت،

لا تسألْ الآن السؤالُ ليس لك،

ضاعَ الكلامُ من الكلامِ، وصارَ كلُّ الصمتِ لك.

(62)

القرنفلُ يبكي كضوءٍ غريبٍ، كأغنيةٍ هاربة،

ضيّعته المنافي، أثكلته المُنى،

في الحديقةِ المنسيةِ يبكي، وعلى قبورِ الأحبة.

(63)

النجومُ نائمةٌ، والفضاءُ ظلام،

الصمتُ أجملُ، والكلماتُ رُكام.

(64)

ليس همّاً، ليس حُزناً، ليس سُقماً، ليس من وردِ الهوى،

إنه العمرُ الذي يمضي سريعاً في دهاليز الفضا.

(65)

لبسنا الوجع، رحلنا وعُدنا بلا شيءٍ،

بلا قمرٍ في الكفِّ، بلا وعدٍ، بلا كِسرةٍ لبقايا العُمرِ،

عُدنا نجرجرُ شالَ الشجن، تتحدثُ عنا الأسمالُ،

تبكي علينا غصونُ الزمن.

(66)

هنيئاً لمَنْ نامَ عُمراً ولم يدرِ،

هنيئاً لمَن غفل، لمَن تلاشى في الصدى،

لمَن تناسى، لمَن تناثرَ في الضبابِ ولم يَعُد،

لمَن هجر، لِمَن تبخَّرَ في المسا، هنيئاً لِمَن ماتَ قبلَ العذاب،

لِمَن نسيته الكلماتُ، لِمَنْ غادرته المُنى.

(67)

مَن أواسي في الليالي الحالكة؟

ولِمَن أهدي الهوى في الدروبِ الوعرة؟

(68)

ألفُ روايةٍ تتحدثُ عنا ولا ننتهي!

كأننا شجرُ الدهرِ، كأننا البحرُ الذي لا يجفُّ ولا يرتوي.

انتهينا في البدءِ، بدأنا في الختام،

وصارَ الزمانُ مكاناً والمكانُ زمان.

(69)

ستظلُّ منبوذاً إلى أبدٍ، وتظلُّ تنتظرُ الهوى،

تلاحقُ الغيومَ، تُحصي الطيورَ،

تظلُّ غريباً على أُرجوحةِ الدهرِ تبكي،

منبوذاً منسياً في زوايا العنكبوت.

ووحيداً تسألُ الأشجارَ والنهر، لا يواسيك القمر،

تظلُّ كالغصنِ المكسورِ منبوذاً، لا يعرفكَ القاصي،

لا يسألُ عنكَ الأدنى، كاليتيمِ تئنُّ، وتأكلكَ الحسراتُ،

منبوذاً تلعنكَ البيوتُ والأرصفة، يتبعُكَ الظنُّ، تناديك مقصلة.

(70)

ما لم يكتبْهُ السرد، يتجددُ في هذا الفصل،

يصحو في الهزيعِ، والوقتُ يلهو، لعل الهوى، لعل نبوءةً تتحقق،

لعل من بحارِ الضجرِ يخرجُ الماردُ الكامنُ في الدهرِ،

يكتبُ تاريخَ الأفلاك، لعله يغيرُ المسار،

يكتبُ اسماً وسماء، ولعله يرسمُ الصَبَا.

(71)

تضيعُ المعاني، يألفنا الليلُ، نهيمُ في اللامكان.

تأخذنا سَحابةٌ ونبتعد، يهربُ منا الكون.

يحسبُنا الناسُ بشراً، وقد يظننا البعضُ طيوراً،

والبعضُ يظننا أخشاباً، ولسنا بأحد.

لكننا في هواءِ الهواءِ، في الضيا، في الظلامِ، نكونُ ولا نكون.

(72)

غفونا في حديقةٍ مبهمة، ماتَ النهرُ بعدنا، وماتت البلابل،

عزفَ الصيفُ ألحانه ومضى، والخريفُ انقضى.

(73)

ولا تنتهي ليالي الضجر،

الأشجارُ السُّودُ لا تنبس، أكلتها قِصصُ الخوفِ،

لم ترتوِ، لم تجدْ أماً ولا ولد،

مرتْ أسرابُ البومِ عليها، وجاعَ فيها الثمر،

والليلُ لا ينتهي، ولا ينتهي الضجر.

(74)

لم يألفْ الليلُ الحكاية، لم يفهمْ السؤال.

في طلاسمِ الليلِ نهوي، نصغي لنجمةٍ وحيدة،

لعلها تسمعُ أو ترى، لعلها تشكو، لعلها تعطي.

(75)

لا أطلبُ الكثير، لا أطلبُ الجنةَ ولا الجحيم،

لا أطلبُ النجمَ ولا القمر.

أطلبُ الرضا، وأفراحَ الهوى، وعناقَ الشجر.