DELMON POST LOGO

كُنْ وحيداً في الصلاةِ ووحيداً في الأمل .. في المحبةِ كُنْ واحداً متوحداً منزوياً مشرقاً

ضاعَ مِنّي لونُ عينيّ واسمي،

ضاعتْ الأقلامُ والأوراقُ والحِبرُ وظني،

للشاعرة : فاطمة التيتون

تواصل الشاعرة الشاعرة فاطمة التيتون نشر عدد اخر من ديوانها الاخير الذي عنونته بــ " كتاب الهوى " ، جميع الاشعار التي بالكتاب متعلقة بالحب والهوى والاشتياق ، في اسلوب جديد ولكنه لا يخلو من الحزن ، او الحب الحزين وفيما يلي جزء من القصائد :

(76)

صيفٌ يمرُّ بنا بعد صيف، والمسافاتُ لا تقترب،

تواسينا حباتُ القمحِ، تسلينا زنبقةُ الفجرِ،

تأخذنا سُحُبٌ تبددُ أصواتنا، نتجاوزها، نظنها لنا، تظننا لها.

صيفٌ يمرُّ، بهجةٌ تتراخى قليلاً وتمرُّ.

على رِسلكِ أيتها الساعاتُ، لم تنتهِ الحكايةُ بعدُ،

ولم يتلاشَ الليلُ، لم يخبُ الضيا.

صيفٌ يوقظُ الياسمين، يجددُ الرُّطب،

صيفٌ لنا ولهم، لشمسٍ سخيّة، لكركرةٍ لا تغيب،

صيفٌ للعشاقِ ويجتمعون، لا يعرفون إلا الجنون.

صيفٌ يمرُّ ثقيلاً، يستلُّ منا السنين، يعزفُ ناي الضجر،

يمرُّ بطيئاً، يطلُّ في المرايا، يُعاقبنا دونَ جناية.

هو الصيفُ الذي يخنقُ الشجر، يقبعُ في الأزمنةِ في الأمكنة،

يأتي ويمضي مقيتاً وظلاً عنيداً ووجهاً مهشّم،

صيفٌ يمرُّ، حُلمٌ يلمسُ أهدابنا ووعد.

(77)

العمرُ كالمسرحياتِ التي سرعان ما تنتهي، وتنتهي البطولة،

أريجُ الوقتِ ينتهي، وفِتنةُ الصِبا، ووهجُ الكهولة.

يخبو الضجيجُ، يغيبُ الصدى، يتلاشى أنينُ الرجا.

تبتعدٌ القِصصُ، وتجفُّ السُّحُب،

ننسى كلَّ وعدٍ، كلَّ بريقٍ، كلَّ كركرةٍ، وكلَّ معنى.

ننسى الأسى، يهجرُنا البحرُ والسفنُ، نشتكي ظمأ الرمل،

يبحثُ عنا دُودُ الأرضِ، والنعشُ ينتظر،

وينجلي الوهمُ، وتنجلي الأسئلة.

(78)

كُنْ وحيداً في الصلاةِ، ووحيداً في الأمل،

في المحبةِ كُنْ واحداً متوحداً منزوياً مشرقاً،

كُنْ رفرفةَ الطيرِ، وعبيرَ الوجدِ، لا تلتفتْ للمرايا،

كُنْ حفيفَ العشقِ، وأغنيةَ الشمسِ، بومةَ الصُبحِ، وعندليبَ العصرِ،

كُنْ لهبَ البردِ، ولسعَ الصيف.

كُنْ الصوتَ والصدى، كُنْ واحداً وعشرةً وألفا،

لا تختلفْ، لا تأتلفْ، كُن كالمزامير، كالصمتِ.

كُنْ راضياً في البرءِ والشقاء، لا تنتظرْ إنهم لا يأتون.

كُنْ عاشقاً للعشقِ، كُنْ الدهرَ للدهرِ،

كُنْ العطرَ حين تأتي وحين يرحلون.

(79)

تغيبُ الكلماتُ، بعدها بعدنا لا أثر، ويضيعُ الحديث،

ينتهي الكلامُ، تكتملُ الروايةُ والوعدُ، ويهدأ الحنين.

حتى الرؤى تزولُ والوردُ،

نكونُ ضجيجَ الغيمِ، مرايا الشمسِ، وغفوةَ النجم.

نكونُ العشقَ، والليلَ والنهارَ، الصيفَ والشتاء،

نكونُ العبيرَ الذي لا يضيع.

(80)

حين يهيمنُ الليلُ، تلتقي الخفافيشُ خِفيةً،

وتعبثُ في الأثير، تشوّهُ معنى المعنى،

تقهقهُ بين البينِ، وتبتعد، والليلُ يبتعد.

(81)

الحسراتُ تلاشتْ هربتْ،

ماتتْ من جوعٍ، انقضت أيامها، ودالت دولتها،

أقلامها جفّتْ، تقطعتْ أوتارُها.

الحسراتُ لا تدومُ ولا الليلُ ولا الخفافيش.

(82)

لم يسأمْ العشاقُ من التجوالِ،

لم يسأموا من الحروفِ، لم تنتهِ الأغنياتُ التي كتبوا،

مِن رحِمِ الأسى ازهروا، لم يندموا،

يتبعونَ الصَفصَافَ والصنوبرَ والزنبق،

يقفُ الجوعى على بابهم والمتخمون،

يقفُ الجاهلون والعارفون، دائماً يقفون ولا يسأمون.

(83)

في العشقِ لا بدَّ من ألمٍ، لا بدَّ من نارٍ، ولا بدَّ من شظيّة.

في العشقِ لابدَّ من حيٍّ من موتٍ،

لا بدَّ من عودةٍ تضجُّ وتخبو. لا بدَّ من نشيجٍ، لا بدَّ من ندم.

(84)

إنه وعدُ الشجر، وعدُ الحنينِ إلى المطر.

أوراقٌ من ماء، تغرقُ في ألفِ سؤال،

تمحو كل الأسماء، لا تذكرُ حرفاً، لا تفهمُ معنى الأيام.

جدلٌ في العمرِ يرافقها في الأزمان، وكل خريفٍ يسأل،

تبددُها الريحُ وتجمعُها، تنثرُها في الأشياء.

(85)

كالحديقةِ المهجورةِ، كالقصصِ المستحيلةِ،

نستقرُّ في رُكنٍ، نغصُّ بالكلمة، ننزوي، نختنق.

لا تسألُ عنا اللحظة، تنكسرُ الشمسُ فينا، ويضيعُ البصر.

(86)

أيُّ كِساءٍ لنا؟ وأيُّ غرس؟ وأيُّ باب؟

ما الأغنياتُ التي تؤدي إلى الأغنيات؟

ما الهديرُ الذي يؤدي إلى الهدير؟ ما العشقُ الذي يفتحُ أبوابَ العشاق؟؟

(87)

يتخلى البحرُ،لا يتخلى، يراوحُ بين عشقٍ وحقد،

يمضي إلى حيثُ يمضي، لا وعدَ له،

في الصمتِ يضجُّ، وفي اللُّجةِ يهجع.

لا يبكي البحرُ ولا يشكو، لا يعشق.

يحذو حذو الأيام، يلتهمُ النارَ، والوعدَ، والوجدَ، والولد.

يأخذ ما يأخذ، أبداً لا يُعطي، كان أُكذوبةً صادقةً، وحكايةً شائكة!!

(88)

هل ضاعَ الوقتُ المتأرجحُ في الليل؟

هل تلاشت النجوم؟ هل الماءُ تبخر؟ هل النجوى خرست؟

الأمسُ في صحوةٍ كان أم عتمة؟ والآتي لم يأتِ!

بين وقتٍ ووقتٍ نكون، وتكونُ الوردةُ حائرةً، والدمعةُ جامدةً،

والروايةُ في الفصلِ الذي لا ينتهي.

(89)

بعد رحيل النخيل،

تلطخَ وجهي بالجوعِ، تشوّهتْ أناملي، وضاعَ القلم.

(90)

تمرُّ القصصُ ولا التفت، تتجولُ الكلماتُ لا أنتبه،

الحكايةُ التي بدأتْ قبل عامين انتهت،

ويبكي الليلُ إلى آخرِ الدهرِ، وأبكي، والصدى يبكي.

(91)

العشقُ صارَ ردى، الطيرُ في شكٍّ يمضي،

يعبرُ كل الأرضِ ويهوي، والرحلةُ مبهمةٌ كالعُمر.

الشمسُ التي سطعتْ لم تنبس،

لم تتهجَ، لم تتراقصْ، كالحزنِ مرتْ، كالهزيمةِ، كالوعدِ المكسور!

(92)

أرسلتُ أيامي إليكَ،

أرسلتُ عطرَ الزهرِ والقصب، أرسلتُ ماءَ الفراتِ،

لعلكَ تروي النهارَ، لعلكَ تسمعُ صمتَ الشجر،

لعلكَ من شوقٍ تأتي.

وبكيتُ كثيراً عند بابِ الهوى. وتجمدَ الغيمُ، واحترقَ الشجر.

(93)

ضاعَ مني السؤال، ضاعَ الهوى، وماتَ النهار.

ماتَ الهِلالُ والوقتُ والماسُ،

صارَ المكانُ غريباً، صارَ وحيداً، وصار أنغامَ العويل!

(94)

حين تأتي لن تراني،

ربما أنأى، وينأى عنكَ ظلي، ربما يسكنُ في العتمةِ وجهي،

ربما يبكي الردى بيني وبيني، ربما لا يكون الوقتُ لي،

ربما لا تراني، لا ترى اسمي يُصلي.

(95)

ضاعَ مِنّي لونُ عينيّ واسمي،

ضاعتْ الأقلامُ والأوراقُ والحِبرُ وظني،

لم أزلْ في عمري المهجورِ مهجوراً، ولا يهرمُ عطري،

كالليالي السالفة، كان وقتي.

(96)

الأقاصيصُ مزيفةٌ، الأخاديدُ أكاذيبُ، والقناديلُ مبهمة.

الدمُ ماءٌ، والشمسُ ضبابٌ.

لا تحسبنَّ الليلَ يروي النهار،

ولا الفجرَ يبددُ السُّهادَ، فكلُّ الحروفِ سراب.

(97)

لستُ أنا، لا تعرفني النارُ ولا الرملُ ولا الصدى،

لا تعرفني الأراجيحُ، ولا كِسرةُ الخبزِ، ولا الكتبُ،

ولا الرداءُ، ولا الجارةُ ولا الرفقة،

لا يعرفني الحنينُ، ولا يذكرُني الندى.

(98)

وحقِ السماءِ والطيرِ، تكلمْ أيها القلم،

عن العمرِ، عن الحدائقِ، عن الياسمين والهوى تكلم،

عن نجمةِ الأسفِ، عن كِسرةِ الجوعِ، عن نهرِ العطش،

في الوداعِ واللقاءِ، تكلم عن القناديلِ الضنينة،

والقلائدِ المفقودةِ، عن الشجرِ الأخرسِ، تكلمْ أيها القلم.

تكلمْ عن قصصٍ لم تُكتب، عن جروحٍ لم تندمل،

عن مرارةِ اللُّهاةِ، عن شكِّ الماءِ، عن شللِ الأسماءِ،

عن عقاربٍ لا تتحرك، عن سُمٍّ لا يُشفي لا يُميتُ، تكلمْ أيها القلم.

الشمسُ تنتظرُ الضحى، لعل الكلامَ يُصيبُ،

لعل الحروفَ تحنُّ، لعل المعاني تعني،

لم يجفّْ العمرُ بعدُ، والساعةُ لم تتلاشَ، والمكانُ لم يتهدّم، تكلم.

الحبرُ في عينيكَ يبكي، والكلماتُ تتضوّرُ، والصفحات،

والسطورُ في انتظار.

قبل انقضاءِ الأجلِ تكلم، قبل الحريقِ، قبل الرحيل، قبل غيابِ السفن.

البحرُ حِبرٌ، والسما وعدٌ، والوردُ أقدارٌ، تكلم.

(99)

صارَ قلبي كالفراشاتِ الحزينة،

صارَ في الدهرِ احتضاراً، واغتراباً وأسى،

صارَ يمضي دون ماءٍ دون خبزٍ، صارَ يبكي كلما لاحَ البُكا،

صارَ للحزنِ رسولاً وكتاباً وقلم، صارَ في العشقِ غريباً،

صار آياتِ النشيج، إنه قلبي الوحيد.

(100)

عندما يصمتُ الياسمين، تموتُ الرؤى، ويزولُ الشغف،

عندما تخبو اللهفةُ، يضحكُ فينا الأسف.

(101)

هل أنتَ ضربٌ من المستحيل؟

هل سرقتكَ السنون؟ هل ضيّعتكَ الدروب؟

هل تلاشيتَ في ضبابٍ أيها الحُبُّ؟

أسفٌ عليكَ، تباعدتَ في العمر، ترددتَ في الوقتِ، هجرتَ المكان،

خذلتَ المنتظرين، لم تشفقْ على حائرٍ أو مسكين،

ربما هجرتَ الدهورَ والقبورَ والأرض.

أيها الحُبُّ أسرفتَ في الغيابِ في القتلِ، أيها الحبُّ ضعتَ وضيّعت.

(102)

لا شيءَ يدعو لشيء، ولا الكلماتُ تنبس،

تساقطَ بعضُ المطر، لكننا في العطش،

والأرضُ ظمأى، والروحُ هائمةٌ في الضجر،

كلُّ الكواكبِ مكسورة، والأرضُ مهزومة،

والمراكبُ في التيه، ولا شيءَ يدعو لشيء.

(103)

كالحديقةِ المهجورةِ كنتُ، كالطيورِ المطعونةِ،

كالعنقاءِ المفقوءةِ العينين، كالفراشاتِ الذابلة، كالأشرعةِ المهملة،

كان صوتي يجفُّ، يذعنُ للريحِ، يتلاشى في قُزحٍ،

وفي الهوى يهوي،

كنتُ كحباتِ قمحٍ مرمية، كأقحوانةٍ منفية، لا أرضَ لي ولا سما.

يهجرني الصدى، تهملني القوافلُ، تعصفُ بي الرمال.

بين الوجوهِ أبدو غريبة، في المرايا أبدو محواً،

في الحدائقِ أبدو قرنفلاً هَرِماً،

أسكنُ في زاويةٍ لا شمسَ فيها لا ظلَّ لا وعدَ لا رضا.

قهوتي مهشّمة، خبزي محترقٌ، والشمعدانُ ظلام.

(104)

بكفين فارغتين نعود، بقلوبٍ مكسورة.

لم نذقْ أبداً شهداً، لم يعرْفنا نجمٌ، لم يهشّْ البدرُ يوماً.

(105)

أيُّ معنى للمعاني؟ كلُّ بابٍ ذاتَ يومٍ سوفَ يُغلق،

كلُّ أهدابٍ ستُطوى في الليالي العاتية، كلُّ قنديلٍ سيهرم.

(106)

في غفلةِ الليلِ ننام، ينامُ الجَنانُ والنخلةُ الحزينة،

في السرِّ يغفو الشجن، تتراقصُ الأحلامُ حيناً، وحيناً تعبس،

والكائناتُ لا تدركُ المعنى، والمعنى لا يُدركُ الكائنات،

الأسماءُ تغيبُ، السيرةُ تضمحلُّ، النشوةُ تتبخر.

القلبُ لا يعرفُ، لا يدري، لا يهشُّ،

والسُحُبُ لا تبوحُ بشيءٍ، ولا المدى يستفسر.

يغيبُ الليلُ ولا نكون، لا اليقينَ ولا الشكَ يكون،

صار سراباً عمرُ الليل وصرنا.