DELMON POST LOGO

إذا كان قلبُ الحبيبِ حجر،،، لا تنتحب

أرى الشهدَ في عينيهِ والسَّحَر، من قصصِ العطرِ يأتي، من المدنِ البعيدة  

بقلم : الشاعرة فاطمة التيتون

(51)

أخذتني الدموعُ، وارتميتُ في رملِ، في بحرٍ من حزنٍ.

كالغريبةِ عُدتُ بلا ألفٍ أو باءٍ أو راء، بلا بهجةٍ عُدتُ.

في العصفِ كنتُ وحيدة، وفي الحُبِّ غريبة.

(52)

كنا في العشقِ، كان وعداً مني، ووعدكَ كان،

والتقينا في أقصى الحُلمِ، في جوفِ العيدِ والرؤى.

53))

ربما العشاقُ لا يكترثون،

يرحلون دون وعدٍ، وفي الدُّجى يغرقون.

(54)

ولا نكتفي بعطرِ اللحظاتِ، بالبهجةِ العابرة،

لا نكتفي بالصمتِ، بالكلماتِ الحائرة،

نكتفي باللهبِ، بضجيجٍ يملأُ القلبَ، يهزُّ الخاصرة.

(55)

في قفصٍ من صمت، تسطعُ شمسٌ ولا تسطع،

يهلُّ ليلٌ ولا يهلُّ، لا فرق.

                                     العشبُ ينمو، والحديقة لا تنتظر، أمطرتْ أم لم تمطرْ، لا فرق.

الوردةُ التي تنفستْ وماتت،

لم تكن في الذكرى ولا في النسيان، لأنه لا فرق.

العشقُ الذي كتبناهُ، وحلُمنا به ورقصنا،

دامَ أم لم يدمْ، لا فرق.

إن كنا قططاً ضالةً أم مدللةً، لا فرقَ، كنا في مَرمى الحزن.

أنامُ على غصنٍ يميلُ على نفسِه، ولو لم أنمْ لا فرق.

(56)

تبكي الكلماتُ علينا وفينا،

والذكرياتُ تؤججُ ناراً دفينة، والعشقُ يستعصي،

نجترُ آخرَ أنفاسنا، ويغرقُ وعدُ السفينة.

(57)

أهيمُ على وجهي في الصُبحِ في الليلِ،

لعلَّ الشمسَ ... لعلَّ الهِلالَ ...

لعلَّ الوردَ يرقصُ لي، ولعلَّ الشجر...

(58)

أعرفُ أني مشيتُ كثيراً، وتعبتُ كثيراً،

وقلبي كثيراً تشظّى، ورأيتُ أخيراً.

(59)

أراقبُ أشلاءَ وقتي على ضفةِ الليلِ،

في زوايا الكلامِ أرى قِصصاً محروقة،

أرى موطناً لا يجيء، وزنابقَ مخنوقة.

وانتهي في لعنةِ الغربانِ في العويل.

(60)

أيها العاشقُ كنْ ماءَ الوردِ، كنْ أناشيدَ الهوى،

كنْ الميلادَ والحكاية.

لا تغفلْ، لا تغفُ، لا تنسَ الشمسِ، لا تنسَ الليلك.

(61)

ما ظنناهُ عشقاً كان وهماً، كان انكساراً، كان أرجوزةً ميته،

كان قهوةً مسكوبةً وأحاديثَ ضجر. كنا، وتجمدَ الزمن.

(62)

نظلُّ في الأسى، نظلُّ في الوجدِ وفي الهوى،

وبين وردةٍ ووردةٍ تموتُ وردةٌ، وتصرخُ الرؤى.

(63)

الجوعُ لا يُغري، لا يؤدي إلى الكُديةِ،

لا يستجدي، يموتُ صلباً كريماً،

يموتُ راضياً في أمسهِ ويومهِ والغد، ودائماً لا يُغري بالجيف.

(64)

أخذتني السُّحُبُ، لم أترددْ، لم أنبسْ، كنتُ لها أينما هطلت.

كنتُ أنينَ الفقيرِ، كنتُ زنبقةً حائرة، وزاوية مبهمة،

وجراداً يعبثُ بالزرعِ، وأينما تأخذني الريحُ أكون.

نعم هي الموجة العاتية، لا ضيرَ أن أنزوي في هلالٍ في نجمةٍ،

في بقايا غصنٍ، في تمرةٍ ميتة.

لا ضيرَ إن وجهتُ قلبي لشرقٍ لغربٍ سواء.

الحكايةُ ليست لي ولستُ لها منذ الأزل.

أعرفُ هذه الطُرفةَ العتيقةَ،

التي لا تدعو إلى الضحكِ، ولا تدعو إلى الأسف.

(65)

كُلي إليكَ، وكُلي نشيج،

كُلي صمتٌ، وكُلي ضجيج.

(66)

العشقُ يموتُ حياً، يخبو اشتعالاً.

علقمٌ عذبٌ هو العشقُ وقيد.

والعاشقُ يحيا في قبرهِ، يرتلُ كلَّ الأغاني، ولا ينتهي في النحيب.

(67)

كالزرافةِ الميْتةِ أصبحتُ، عالقة في الشجر،

لا يواريها قبرٌ، لا يواسيها ثمر!

(68)

لعناتُ أمي مازالتْ تطاردني!!

وكفُّ أبي مازالتْ تصفعُني!! ولم أنبس!

(69)

في غيابكَ يبكي السعف،

غيابكَ كان نحيباً، وانتظاري نشيجاً، وجوعي إليكَ أرق.

(70)

جميعُ السُفنِ ندوبٌ رضوضٌ جروح،

جميعُ السُفنِ حكاياتُ عشقٍ عقيم،

يؤدي لمقصلةٍ، لموعدِ دفنٍ، لأهزوجةٍ من عويل.

(71)

أحبُّ عينيكَ، أحبُّ الحديثَ إلى الماءِ، إلى النخلةِ الحائرة،

أحبُّ العطرَ الذي يدورُ في المدى، ويرتمي في معصمك،

أحبُّ مرآةَ الهوى، أحبُّ وعداً منكَ باللقا.

(72)

غريبٌ صوتُ الجوع! يأكلُ الخلايا!

يمتصُّ الماءَ، يضجُّ نهاراً، يصرخُ ليلاً.

وأعيشُ موتي، أحفر مقبرتي، يدفنني حزني، ويشيّعُني نحيبي.

(73)

الساعة الثانية بعد منتصف الليل،

والأجلُ على البابِ لا ينبس،

كسُلحفاةٍ ننتظر، لا ندري متى وإلى أين نتجه؟

ويمرُّ اليومُ والعمرُ، والأجلُ ينتظر.

(74)

الصمتُ يأكلُ الكلماتِ، والساعةُ في الندب،

هَرِمَ الليلُ، والأيامُ تجمدت،

تبلّدَ المكانُ، الشمسُ هاجرت، والنجومُ شحيحة.

لماذا تتهاوى الأشرعةُ والسفن؟ والبحرُ يبتلعُ النارَ؟

لماذا أولُ الصيفِ أسفٌ، وآخرهُ جمر؟

ولماذا أفتحُ قبري في الشتاء؟

(75)

ويظلُّ الشوقُ يبكي، وتظلُّ الروحُ تهوي،

البدرُ يتجعّد، الحكاياتُ تهذي.

وأراني أتجمد، أخبو، أرتجف، أراني أموت.

(76)

والوردةُ في الشكِّ، تعرفُ الربيعَ أكثر.

أيها العاشقُ هل تدري عن حزنِ الوردةِ؟ عن احتضارِ الشجر؟

عن وجعِ الياسمينِ، عن إبر الشوقِ هل تدري؟

حين تبكي السماءُ دَماً، حين ينتحبُ الطريقُ، هل تسمع؟

(78)

البحرُ في الصمتِ يضيع،

الويلُ للبحرِ حين ينزوي، وحين ينتحب.

(79)

وأظنني في صمتِ التيهِ،

أظنُّكَ من خوفٍ تمضي، تتلاشى خلفَ الإسمنتِ.

قد تبدو أو لا تبدو، خلفَ ستارٍ تغفو،

أظنكَ في زاويةٍ تبكي، مسكوناً بالشوقِ ولا تدري.

(80)

أراني أُلملمُ أيامي،

أُلملمُ أحزاني، كلماتي، عنواني، وأغيب،

كالشجرِ المطعونِ أموت، كالنهرِ المهجورِ أجفُّ،

دَمي يَضمرُ، يسألني النجمُ ولا أنبس، وكأنني في سيرةِ نعش.

(81)

أقولُ لك:

وقبلَ أن أهلكَ هذا القلبُ لك.

(82)

أرى الوردَ في كفيكَ، أرى عطركَ المنزوي،

كأنكَ تأتي، كأنكَ تمضي،

أناديكَ في الضوءِ في الليلِ في السَّحَر.

أبكي كثيراً ولا تكترث، ولا تلتفت.

(83)

ليتني يا ليلُ متُّ في أولِ الصبحِ، في أولِ العُمرِ،

ليتني ما عطشتُ إلى آخرِ الدهرِ،

وليتني صرتُ إلى مَهَبٍ لا عَودةَ منه.

(84)

كنتَ وهماً أم حقيقة؟ كنتَ بحراً أم حديقة؟

كنتَ آلافَ الليالي الماطرة؟ أم دواء؟

أم رواياتٍ عتيقة؟ من تكون؟

(85)

ونكونُ في جمرِ السفينة،

تتبعنا جثثُ الطيرِ، وجوعٌ وجمجمةٌ وملح،

والضبابُ يأكلُ السفينة.

(86)

إذا كان قلبُ الحبيبِ حجر،

لا تنتحب.

(87)

كان صحواً، كان غفلة، كان أنشودةَ حزنٍ، كان بهجة.

كان لا شيء، ولكنْ كلَّ شيء!

(88)

الحبُّ يبكي ويصرخُ، الحبُّ يصمتُ،

ويميلُ للعزلةِ، يحضنُ أيامَهُ ويخبو.

وأيضاً الحبُّ يضحك، حين يرتوي النهرُ، حين يكبرُ البدر.

الحبُّ يغيبُ ويرحلُ حين يعطشُ، حين تجفُّ المآقي.

الحبُّ يبكي ويبكي حين تمرُّ الجنائز، تشيّعُهُ الحسرةُ، ويغتالهُ الأسف.

(89)

هل يذكُرُني العابرون؟

هل يسمعُني الصدى؟ هل تنتهي الأسئلة؟

أرقٌ يأخذني إلى أرقٍ، يلفُني الضباب، لا صحوَ، لا غياب.

أجهلُ أم الوقتُ يجهلُ؟  الطريقُ ملبَّدةٌ، والعناقيدُ خواء.

(90)

اغرورقت عيناي بالدَّم، غرقتُ في ألمٍ قضَّ مضجعي،

اللهاةُ التهبت، الكلماتُ احترقت.

(91)

تسألني القهوةُ عنكَ، أقولُ لها: لم يصلْ،

تسألني عني، أقولُ: لم أصلْ،

والفناجينُ تبكي وتنتظرُ، ولا نصلْ.

(92)

ليس سوى ظلالٍ عتيقة، تمرُّ هنا وهناك،

تقهقه منّا، تبددُ الذكريات، وكلنا إلى فناء،

الظنُّ في الظنِّ خاب، خدعتنا المُنى، ظننا الجمرَ برداً،

ظننا الخواءَ حياة، هرِمنا قبلَ موعِدنا، رَحلنا قبلَ الوداع.

(93)

أسفٌ يُلاحقنا وأسف، ضيّعتنا البهجةُ والأمنيات،

أواهُ يا وردُ كنتَ، وكنّا للفناء،

نغرقُ في حفرةٍ، يتبعنا النشيجُ، وتتبعنا الحسرات.

الشمسُ تذكّرُنا بالنعشِ، والحفيفُ يُذكّرُنا بالنحيب.

(94)

تجوعُ، كأنكَ ليلٌ لا يعرفُ البدرَ ولا النجوم،

لا تعرفكَ الثمار، لا يقرعُ بابكَ جار!

لا يعرفُ عنوانكَ إنسان.

(95)

وهذا النخيل، بين البيوتِ يضيع،

يخجلُ منّا، من مرايا الطريق، ولا ينبس.

ماتَ فيه السَّعَف، زالَ عنه الرُّطب،

هجرَ البساتينَ والطيرَ والعشاق، هجرَ الماءَ والصيفَ والعناق.

يترقبُ في الموتِ موتاً، يجترُّ أحزانه، يحرقُ أنفاسه.

يتبرأ من نفسِهِ، ويندبُ التراب. صارَ في وجعٍ في جوعٍ وجفاء.

(96)

أمرتني العنقاءُ أن أرتدي السواد،

أن أقطعَ أناملي، أن أنتفَ شَعري، أن أغادرَ الوقت،

أن أهيمَ في الدُّنا، ألا أنبسَ، أن أترجّل. أمرتني أن أهجرَ الدارَ والوطن.

ويحقُ لها أن تأمرني، أن تُهشّمَ هيكلي،

أن تبيعَ ما أشتري، ويحقُ لي أن أطيع.

(97)

وقهوتي تتذكر، مَنْ الذي أشاحَ بوجههِ؟ ومَنْ أقبل؟

مازالتْ ترنو للبعيد، مازالتْ تتذكر.

(98)

السكوتُ يعانقُ السكوت،

كيف تأتي الفراشاتُ؟ من أين تأتي الطيور؟

المراكبُ والشطآنُ خاوية، لا سأمَ في المرآةِ، لا ابتسامَ،

لا انتظار، والشظايا تروي الحكاية.

لا شهدَ، لا أسئلة، أقفرَ العمرُ، توفيَ الشوق،

تلاشى الاشتهاء، حتى الهوى تهاوى!

وننتهي كأننا لم نبدأ، كأننا لم نرثْ الكلمات،

الحسرةُ تبلعنا ويموتُ الفرقد، وجدارُ الصمتِ يصرخ.

(99)

وأظلُّ في قلبِ الأنين، يلفني وجعُ السنين،

ترافقني سُحُبٌ من دماء، تطاردني وحشةُ القبرِ، وأبكي.

(100)

كان يُشبهُ الوردَ والزلال،

أرى الشهدَ في عينيهِ والسَّحَر،

من قصصِ العطرِ يأتي، من المدنِ البعيدة،

من السَراب، كطائرٍ مزركشٍ يغني، ومصباحُ قلبي يغني.