DELMON POST LOGO

في رؤى الشمسِ أراكِ، وفي الوردِ، .. النسيمُ يتنفسُ أكثر حين أراكِ، والعصافيرُ تعرفُ أنني أنتِ

في آخرِ أيامنا ، لا زهرةً تُهدى لنا، لا حديقةَ تسألُ عنا،يتساقطُ الأصدقاءُ، يفرُّ الأحبةُ، يضنُّ الرفاق

شعر : فاطمة التيتون

(118)

أيها العاشق أدري أنكَ تدري،

أنكَ منبوذٌ مغتربٌ ووحيدٌ في العشقِ.

أدري أن المعشوقَ أصمُّ وأعمى،

لا تبكِ لأن النجومَ تغني إليكَ وتضحك،

وإنكَ في العشقِ في بهجةِ الوردِ، في رفرفةِ الياسمين،

ولو كنتَ وحيداً، إنكَ سيدُ العاشقين.

(119)

يا قلبي، إن اللُّجةَ لم تتأججْ، ولم تترنمْ الأشرعة.

إن الشهدَ لم يشهدْ، والقناديلَ لم تفرح،

وأسرفَ المرُّ في المُرِّ، والعناقيدُ لم تنضج.

يا قلبي، تحملتَ الأسى والأسف، وتجرعتَ الضجر،

القوتُ ليس لك، والبحرُ غادرك.

(120)

لا الأقلامَ ولا الأوراقَ تكترث، ولا التلالَ ولا الأودية، ولا الناي،

تلاشى البدرُ، كأنه لم يكن، تركَ السماءَ وحيدة، ولم يكترث.

قصصُ الأمسِ انتظار، قصصُ الآتي احتمالاتٌ، فلماذا نكترث؟

(121)

يسألُ عنك السَّحَر، تسألُ عنكَ القِصص،

في زحمةِ الليل لا تأتي، ولا في الظهرِ.

وانتظرنا، هل بقايانا تعود؟ ويعودُ الشوقُ فينا ونعود؟

حسرةٌ في القلبِ تبكي! هل تعود؟

(122)

أخبرني الوردُ، والسما أخبرتني عن الحُبِّ، ولم أكن أدري.

عندما رأيتُ الوردةَ الأولى ورأتني، كنتَ تدري.

ورأيتَ قلبي، وهرعتَ إلى الصمتِ، كجذعٍ قديمٍ، كعُشبٍ أصفر،

اختبأتَ في محارةٍ منسيّةٍ، في زاويةٍ في بحرٍ.

وخلدتُ لصمتي، أسعفتُ نفسي بوردٍ بأضواءِ نار،

بالنهار الآتي، بالقرنفل، وكأنكَ ماكنتَ، والوردُ ما كان.

(123)

أرحلُ عن ضجرِ الكون،

عن حدائقِ البنفسج، عن زهرٍ متجعّد،

أتركُ الأسرارَ غير الثمينة، أنسى الجوعَ، وأرحل.

(124)

كنْ العاشقَ والمعشوق، لا تنتظرْ، لا تحزن،

لن يأسفَ الكونُ عليكَ إن غادرت، ولن تعطشَ المياهُ إن هجرت.

(125)

قصصٌ للنسيان، هل تشربُها العتمةُ؟ هل تهواها النار؟

لم تبدأ لكنْ كانت تتسربُ من بين الأغصان،

أحياناً تخبو، أحياناً تتراقصُ في الظلِّ،

أحياناً تتلاشى في الأوهام.

(126)

الطائرُ الذي يجمعُ أيامه ويمضي،

يحطُّ هنا في القلبِ في الصمتِ، لا يغني.

يسألُ الزمن، لا يعرفُ المحن، ولا يغني.

كل الفضاءاتِ له وقلبي، لكنه لا يغني.

في آخرِ العصرِ يبكي، في معبدِ السكوتِ يبكي.

(127)

هي الحلاوةُ التي في المُرِّ،

والأسئلةُ المُبهمة، وهي جوعٌ معتّق.

عندما تُرمى على أرضِ شوكٍ، وعندما تستجدي الهوى،

وتئنُّ دون علمٍ منك، وعندما يعذبكَ الحنينُ، ولا تجدُ الجوابَ،

وعندما تكون رماداً نسياً، عندما تستجدي ولا تجد،

اعلمْ أن فصلَ الموتِ ينتظر.

(128)

(باسمة)

صوتكِ في صوتي،

في رؤى الشمسِ أراكِ، وفي الوردِ،

النسيمُ يتنفسُ أكثر حين أراكِ، والعصافيرُ تعرفُ أنني أنتِ.

(129)

القصصُ التي نستدلُ بها، تكمنُ في الأصيل،

يرددُها ألفُ راويةٍ، ولا يدركُها، تتكررُ، تهفو لها الآذان،

تتلفتُ فيها الملامحُ والأعينُ والأنفاس.

(130)

نمشي إلى آخرِ العُمرِ،

حتى نصيرُ قروداً، ولا نموت.

(131)

ربما لا تعيشُ الأفاعي التي أطلقتها الأمهات،

والتي أمرتها أن تعبثَ بالزرعِ كلَّ الحياة.

ربما يتبددُ كلُّ الأسى، والخرائبُ تسقط،

وتزولُ السمومُ، وتهجرُنا الذكريات.

(132)

للعشاقِ أسئلةٌ ودروب،

للعشاقِ أهلّةٌ لا تتخلى، الثريا لهم وليس الثرى،

لا تغيبُ رواياتهم، الشموسُ لهم، والمرايا تراهم،

لهم يهتدي الوردُ، والعشبُ، والنخيلُ، والصَفصَاف.

(133)

وتراخى العمرُ فينا، وبكينا كالعصافيرِ الحزينة،

سرقوا منا الأغاني، ألبسونا الهمَّ دهراً.

وكنا قابَ قوسين وأدنى من ردى. عضنا الليلُ بنابٍ والنهار،

ما ملكنا من صِبانا غيرَ شكٍّ غيرَ نار،

بعد أعمارٍ من الجوعِ تعبنا، ضاعتْ الأقلامُ منّا والورق.

(134)

في آخر أيامنا؟ لمن نشتكي؟ إلى أين نمضي؟

لمن نهدي الوردَ؟ على أكتافِ مَنْ ننحني؟

أيُّ غبارٍ سوف يحملنا؟ أيُّ شمسٍ تهشُّ لنا؟

في آخرِ أيامنا ليس لنا سوى عكاكيزِ الألم، ودهاليزِ المحن،

وحضنِ جدارٍ قديم، وليس سوى زوايا الندم.

نقتاتُ من جوعنا، نشربُ كأسَ العطش، ويبكي علينا الكفن!

في آخر أيامنا يجترُنا الوقتُ، يسخرُ منا الزمن، ولا يذكرُنا وطن.

في آخرِ أيامنا خاوية أكفنا، لا زهرةً تُهدى لنا، لا حديقةَ تسألُ عنا،

يتساقطُ الأصدقاءُ، يفرُّ الأحبةُ، يضنُّ الرفاق،

وكأنما البحارُ غادرت، والزهورُ هاجرت،

واللؤلؤ اختفى، في آخر أيامنا تكفرُ أيامنا.