باتت الأساليب المستخدمة في تحويل المكونات الخام إلى مواد غذائية أو أعلاف أو منتجات غير غذائية (دوائية أو مستحضرات التجميل أو مواد التنظيف أو منتجات الرعاية الصحية) للاستهلاك أو للاستعمال من التقانات وطرق الإعداد ميدان معقد جداً يتخطى تصور واستيعاب المستهلك العادي. حيث يتم إنتاجها من أي مصدر كان سواء تقليدي كالنباتات والحيوانات والصخور والبحار أو غير تقليدي كطرق الهندسة الوراثية باستعمال كائنات دقيقة، أو من مخلفات المسالخ كما في الأعلاف. ولا يمكن للمستهلك المسلم في هذا العصر الاستغناء عن تلك المنتجات التي يتم إنتاجها من قبل دول ومصانع تحمل ديانات وفلسفات تتصادم في معظم الأحيان مع ديننا الإسلامي، بل ولا يمكن لهذه المصانع التمييز بين ما هو مطابق أو غير مطابق لمعايير الحلال الدولية الأمر الذي جعل من وجود متخصصين في علوم وتكنولوجيا الحلال Halal Sciences & Technology أمراً ملحاً لمن يعملون على تطوير قطاع صناعة الحلال وخدماته للتأكد تارة من مطابقة وسائل التصنيع والمكونات الأولية أو الخام لعمليات الإنتاج المتوافقة مع التعاليم الإسلامية Halal Productions تقدمها هيئات التصديق على الحلال ضمن خدمات تسمى شهادة الحلال Halal Certification، مستعينةً تارة بتحاليل الحلال المختبرية Halal Analysis، وتارة بنظام إمكانية التتبع واقتفاء الأثرTraceability، وتارة بتحليل مكامن الخطر ذات الطابع الشرعي الإسلامي في كامل سلاسل التوريد Halal-HACCP ، وتارة بنظم أخرى للتوكيد على جودة نظام الحلال Halal Auditing .
ومع ازدياد عدد البلدان المصدرة للمنتجات الغذائية وغير الغذائية غدت مصادر المكونات الأولية أو الخام وأساليب المعالجة متنوعة ومبهمة في معظمها خاصة بعد معاهدة الغات GATT التي اعتمدت دولياً في عام 2003م. وهذا يعني أن المخاطر المحدقة والمحتملة ذات الطابع الشرعي الإسلامي في منتجاتنا الغذائية وغير الغذائية أصبحت متنوعة وعالمية (أي مصادرها من جميع أنحاء العالم وقد يصعب تتبعها).
إن من مرتكزات منهج الدين الإسلامي "افعل" و "لا تفعل". "افعل" يعني المسلك "الحلال"، الذي من سلكه فاز ونجا، و "لا تفعل" هو المسلك "الحرام"، الذي من سلكه ضل وهلك. ويبقى بينهما منطقة متداخلة، هي الأمور "المشتبهات"، التي يُقارب حلالها حرامها، وعلى المسلم أن يحذر منها، ويحتاط لنفسه. لذلك وَرَدَ أن من يترك الحلال خشية أن يقع في الحرام، فقد استبرأ لدينه (أي حقق لدينه الكمال والبراءة من النقصان).
على ذلك، كان "الحلال" في معناه المباشر، هو الفعل الحسن الذي يُثاب فاعله، ويفوز بمرضاة الله وثوابه، وتكون عاقبته الحُسْنى، التي هي هدف كل مسلم يتّبع دين الله؛ بينما "الحرام" في معناه المباشر، هو الفعل المنهي عنه، الذي يُعاقب فاعله، ويكون عرضة لسخط الله وعذابه، وهو ما يسعى كل من يتبع دين الله أن يكون بمنأى عنه.
إن توجيهات الدين الإسلامي فيما يتعلق بما يحل وما يحرم محددة من عند الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم وعلى لسان نبيه محمد، عليه أفضل الصلاة والسلام، في قوله تعالى: "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ" (سورة الأنعام: الآية 153). هذا "الصراط المستقيم" هو منهج المسلم، وطريقه الذي يسير فيه، وفقاً لأمر الله في "افعل" و "لا تفعل".
ويعد هذا المقال ذا أهمية للأفراد الذين يرغبون في اكتساب المعرفة حول جوانب الحلال في المكونات، والعمليات الإنتاجية، والخدمات المساندة، في السلع الغذائية وغير الغذائية والخدمات المساندة المتعلقة بها وكيفية تتبعها والتعرف والسيطرة عليها لضمان أقصى حد تدبيري في التحكم بجوانبها المتعلقة بالحلال.
من المبادئ الأولية في المنتج الغذائي أو غير الغذائي لكي يعتبر متوافقا مع اشتراطات الحلال هو أن يستوفي الشروط التالية:
1) أن لا يحتوي على أي جزء أو منتج من محرم.
2) أن لا يحتوي على مشتق من حيوان يجوز أكل لحمه ولكن غير مذبوح حسب متطلبات الشريعة الإسلامية.
3) أن يكون طاهراً.
4) أن يكون المنتج آمناً لا ضرر فيه.
5) أنه لم يتم إنتاجه بواسطة أدوات أو أجهزة ملوثة (بتعريف الإسلام) بمواد نجسة
6) أن لا تكون المكونات الأولية للمنتج تحتوي على مشتقات من إنسان.
7) أثناء الإعداد والتصنيع والتعبئة والتخزين والنقل يتم فصل خطوط المنتجات الحلال عن غيرها من المنتجات التي لا تتوافر فيها الشروط المذكورة آنفاً.
لماذا منتجات الحلال وليس فقط اللحوم الحلال؟
في عالمنا المعاصر، كثير من المنتجات الغذائية والدوائية والاستهلاكية يدخل في تصنيعها منتجات ثانوية مصدرها الخنزير وهذه المنتجات نستخدمها بشكل متكرر ويومي.على سبيل المثال، في كتاب كريستيان ميندرتسما من هولندا ويسمى "خنزير 05049 حيث مكثت مؤلفته ثلاث سنوات من البحث في رسالتها للدكتوراه على المنتجات المصنوعة من أجزاء الخنازير، اكتشفت أن هناك ما لا يقل عن 185 منتجاً مصنوعا من المنتجات الثانوية للخنزير.
تقول كريستيان: إذا كنت مسلماً أو نباتياً، فأنت لا تزال في نهاية المطاف تستهلك وتستخدم كثيرا من المنتجات التي يدخل في تصنيعها مكونات ثانوية للخنزير بما في ذلك:
1. جلد وعظام الخنزير
2. لحم والهيئات الداخلية للخنزير
3. دم، ودهون وأجزاء متنوعة للخنزير
يستخدم الجيلاتين أيضاً في المنتجات الغذائية كالحلويات، وعلك اللبان، والشوكولاتة، وحلويات الطاقة، وحلوى الخطمي (مارشملو). وكذلك في المرطبات والحلوى، والجل- لوه، والآيس كريم، والتشيز كيك، الشوكولاتة الموسيز، والتيراميسو، والحليب طويل الأمد (لدى الغرب)، وعصائر الفاكهة والزبادي المدعم بالكالسيوم.
ويدخل الجيلاتين أيضاً في الصناعات الطبية كالإسفنج الطبي، الذي يستخدم في العمليات الجراحية، كما يدخل في صناعة جلود الحقائب والأحذية.
كما يستخدم الجيلاتين في أعلاف الماشية في تغذية الدجاج والأسماك المستزرعة، وفي الأسمدة، وفي المنتجات الدوائية بما في ذلك الأنسولين لإنقاذ الحياة وفي صنع صمامات القلب ولجعل الزبدة منخفضة الدهون وفي طلاء السيارات، وفي الديزل الحيوي، وفي فرامل القطار وفي نوع من الخرسانة، وفي مادة الشمع المستخدم في الأرضيات وحتى الطباشير الملونة وكعامل تلوين وفي الرصاص في أقلام الرصاص (الأسود وكذلك الألوان)، وفي الأطباق الصينية الفخارية، وقوالب الألومنيوم، وفي مرشحات السجائر وفرش الدهان، وفي فرش الأسنان، وفي صناعة الشمع الذي يستخدم كطلاء على أعواد الأسنان وكذلك في خيط الأسنان لم تسلم من دهون الخنزير.
وهناك نوع من اللحوم يصنع من غراء دم الخنزير. فالمسالخ الصناعية الكبيرة تقوم بجمع أجزاء صغيرة من اللحوم، ثم بعد ذلك تخلط الغراء فيها لإنتاج قطع كبيرة من اللحوم حيث يتم إنتاج قطع صغيرة من هذه اللحوم، بحجم شريحة الستيك وبيعها على أنها لحوم ستيك بقر. ويسمى هذا النوع من اللحوم «قطع لحوم منضبطة». فكن حذرا من شراء شرائح لحم الستيك المستورد. وهذا الغراء يستخدم أيضا في إنتاج لحم التونا بنفس العملية.