DELMON POST LOGO

فرصة ضائعة للتعلم العظيم

بقلم : سعاد الحلواچي

جميعنا يأمل في أن ينشأ أبناؤنا و أحفادنا ليصبحوا يوما ما مشهورين، أذكياء ، و موهوبين فكريا، و قد لا تصف هذي الكلمات عمق و مدى آمالنا لأبنائنا و أجيال المستقبل. لربما نشعر أننا أجدنا الدور المناط لنا بتربيتهم و قمنا بعمل جيد، و أنه لا بأس الآن لو أننا رفعنا أيدينا قليلا و تركناهم لأن ما سيقومون به أفضل بكثير مما قمنا و سنقوم به في أداء دورنا الأسمى و الأكثر أهمية و هو الحفاظ على الإنسانية و حمايتها. ثم لا نلبث أن نستيقظ على آثار الجانب المظلم و هي تتسرب إلينا من الثقوب التي صنعها في واقعنا. وفجأة، نجد أن الحلم بعالم أفضل قد تحطم إلى قطع صغيرة لا يمكن إعادتها و لصقها من جديد. نحن لا نعيش في خوف من كل شخص نقابله فقط، بل نتجاوز ذلك إلى خوف دائم من أن نكون مبرمجين لا شعوريا بطريقة ما لخلق الضرر الذي لا يمكن إصلاحه! و أننا نتآمر -دون أن نعلم- في كل دقيقة من حياتنا لإلحاق أكبر قدر من الضرر بالإنسانية نفسها.

من الواضح أن البشرية كانت غير أخلاقية منذ بدايات الذاكرة الإنسانية لو  أننا رجعنا بالذاكرة للذكريات الأولى منها ، ألم يقتل قابيل هابيل؟ ألم نترك الجنة بسبب تفاحة كانت تتدلى من شجرة؟ و ماذا عن كل الحروب و النزاعات التي تم حقنها في دمنا، حتى يكون في إمكاننا أن نضرب اخوتنا، و أولئك الذين يشاركوننا مقاعد الدراسة في المدرسة.

و ما يزال الرعب و الإرهاب متحكم في حياتنا، قد لا نعلم ما مصدره و من أين يأتي، لكنه موجود بالرغم من ذلك.

كما لو أن هناك خطة بإرسالنا لأماكن خربة بدل إرسالنا لأماكن  تلهمنا و تحثنا نحو التغير الإيجابي. نستيقظ ذات صباح لتستقبلنا أخبار عن ( فايروس ) بإمكانه قتلنا، حرب بين أخوين،  خلل جيني يصيب النوع البشري فيعتقد الرجال أنهم نساء و يعتقد النساء أنهم رجال. هل تم حقن ذلك التشوش في رحم المرأة الحامل حتى يخرج الطفل مليئا به؟ بالطبع لا. بالأمس قادتني بصيرتي و استنتجت أن الموضوع كله تجاري بحت.

يحب حفيدي كرة القدم. يقوم بجمع بطاقات لاعبي كرة القدم المشهورين و حتى قمصانهم. يلعب هو نفسه كرة القدم، و بالطبع ترسله أمه لأكاديمية خاصة للتدريب و تعلم طرق اللعب المختلفة. و يقوم بجمع كرات القدم من جميع العلامات التجارية في المنزل، و يلعب بها طوال الوقت، يضرب بها الجدران و الأثاث على حد سواء. كل هذا رائع جدا. ثم أنه بالطبع لديه جهاز آي فون، حيث يقوم بتنزيل ألعاب الفيديو الخاصة بكرة القدم و لا شيء غيرها. كل هذا حسن، و نحن كنا سعداء بأنه وجد دعوته و استغرق في شيء يحبه مثله في ذلك مثل حفيدتي الأخرى التي وجدت دعوتها في القراءة. ككل الآباء، هنا نعتقد أننا قمنا بعمل جيد.

و بالأمس، بينما كان مشغولا بجهاز الآيفون يلعب بإحدى ألعاب كرة القدم، و فيما هو جالس بقربي، التفت لشاشة جهازه لأرى اللعبة ( متصورة أني سأرى ما يثير الإهتمام باللعبة ). و يا لفظاعة ما رأيته،  لابد أن حفيدي كان يتعرض للمؤامرة الجديدة هذه، ففي أعلى الشاشة المصغرة كانت هناك نافذة إعلانية دائرية الشكل تحمل منشورا جنسيا بالصور، حيث تدعوه ليشاهدها بدل إكمال اللعب. توجهت بالطلب مباشرة لابني الذي هو خبير بشؤون الكمبيوتر، ليرى بنفسه، فقد أكون مخطئة، فتكرر معه نفس الشيء.

و لعل ما يجعل الموضوع أسوء، هو أنه لا يمكن أن تقدم شكوى لمخزن التطبيقات الخاص ب Apple ما لم تكن اللعبة متواجدة في هاتفك النقال. و هكذا قمت بتنزيل اللعبة في هاتفي و أرسلت رسالة الشكوى، و رسالة أخرى إلى مطور اللعبة، و أخرى إلى الفيسبوك،  و أكاد أكون أرسلت نفس الشكوى على كل برامج التواصل الإجتماعي. لكن الغريب في الموضوع أنه لم يحدث شيء. فببساطة، و استنادا لما نراه على الواقع، يحق للمعلن صاحب المحتوى الجنسي الإعلان عن محتواه على تطبيقات تستهدف أطفالا بسن الرابعة من عمرهم.

يذكرني هذا الحدث ببرنامجي الفيسبوك و الانستغرام للتواصل الاجتماعي حيث  أن القائمين عليهما يقومان بمراقبة المنشورات و محتواها مراقبة حقيقية، و قد قاما، لعدة مرات، بحذف ما أنشره بدعوى ( أن المحتوى ينتمي إلى شخص آخر ). و أتسائل هنا، لم لا يمكن لمخزن التطبيقات لدى Apple القيام بنفس الشيء؟ على الأقل للألعاب التي تستهدف الأطفال.

مالذي علينا فعله؟ هل نقاطع كل شيء و نهاجر للعيش في الصحراء و التنقل كما يفعل البدو؟ هل نتوقف عن استخدام التكنلوجيا؟ أم هل نمنع أطفالنا من الاستمتاع بالنتاج الممتع لعبقرية البشر الذين يكتشفون ( الخير ) فقط بسبب هؤلاء البشر الذين يزرعون فيه ( الشر ). هل نمنع أطفالنا من حقوق طفولتهم بالاستمتاع بهذه الألعاب على المستوى الإفتراضي في فضاء الإنترنت كما يستمتعون بها في العالم الحقيقي؟ و بالطبع علينا حينها أيضا أن ندقق في كل فيلم وكل حلقات الرسوم المتحركة قبل أن نسمح لهم برؤيتها. هل يجب علينا أن نصبح نحن الشرطة التي تتحقق من معلوماتنا و هوياتنا و حتى تراخيصنا في كل ما يريد أطفالنا فعله هذه الأيام؟ لن أقوم هنا بالكلام حتى عن الأمور الأخرى مثل الألوان و أجندات النوع الجنسي حتى.

أشعر أن عملية تدمير البشرية قد تجاوزت الحد هذه المرة. متى سنستيقظ من هذا التنويم المغناطيسي؟