DELMON POST LOGO

الاعجاز القرآني .. التحدي بالقرآن .. 4-6

"لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّه .." (سورة الحشر ٢١).

إعجاز القرآن يعني بأن القرآن له صفة إعجازية من حيث المحتوى والشكل، أو من حيث أحدهما. ولا يمكن أن يضاهيه كلام بشري. والقرآن هو الدليل المعطى للنبي محمد ﷺ للدلالة على صدقه ومكانته النبوية. يؤدي الإعجاز غرضين رئيسين: الأول هو إثبات أصالة القرآن وصحته كمصدر من إله واحد. والثاني هو إثبات صدق نبوة محمد ﷺ الذي نزل عليه لأنه كان ينقل الرسالة .. فيما يلي عدد من الحلقات التي تدور في محتواها بهذا الاعجاز يكتبها الشيخ حميد المبارك بقلمه.

(4) .. الاخبارات عن قصص الأنبياء والأمم السابقة.

وهذا أيضاً لا يصلح أن يكون وجهاً من وجوه الاعجاز. فصحيح أنه قد أخبر القرآن عن قصص الأنبياء، "وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ، وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ، وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا" (سورة النساء ١٦٤). وأن النبي كان أُمّياً، كما في سورة الأعراف ١٥٧-١٥٨ "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ .. فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون"، وفي سورة الجمعة ٢ "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِين".

لكن أمّية النبي لا تنفي إمكان علمه بإجمالي القصص، وذلك من خلال التلقّي الشفاهي من أهل الكتاب في الحجاز والشام واليمن. وكان الكثير من مضامين الكتب المقدسة السابقة على القرآن، بمتناول اليد بواسطة أهل الكتاب المتواجدين في مكة والمدينة. وإن لم يكن النبي على اطلاع مباشر على تلك الكتب، كما في سورة الشورى ٥٢ "وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا، مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ ..". ومثله في سورة العنكبوت ٤٧-٤٨، وسورة هود ٤٩.

وقد تكرّر في القرآن الاشارة إلى مضامين الكتب السابقة في مقام الاحتجاج على أهل الكتاب، كما في سورة البقرة ٤١-٤٢ "وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ، وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً، وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ. وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ"، ومثله سورة آل عمران ٧٠-٧١. وفي سورة المائدة ١٥ "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ، وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ". ومع إن الغاية من هذه الاشارات، التأكيد على ذِكْر النبي فيها، وأنّ ما جاء به لا يخالف من سبقه من الأنبياء، لكنها تدل أيضاً على إمكان الرجوع لمصدر تلك المضامين والتأكد من صحة الارجاع، كما في سورة يونس ٩٤ "فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ، لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ". ولعل من الاحالات إلى الكتب السابقة أيضاً، ما نلاحظة من الاشارات الموجزة إلى بعض القصص، كما في قصتي أيوب ويونس. فإن من خصائص النظام الشفاهي الخطابي الوعظي، اختصار القصص، والاكتفاء بأُنْس القارئ بتلك القصص من مصادر سابقة، ما عدا بعض الموارد كما في قصة يوسف.

وخلاصة القول، إن مضامين تلك الكتب أو بعضها، كان متاحاً للتناقل كتابة أو شفاهاً. ومنه يُعلم، أن كون النبي أُميّاً لا يؤثر على الاستنتاج. فإن الثقافة العربية يومذاك كانت تعتمد كثيراً على الحفظ والذاكرة، والتناقل الشفوي للنصوص. وكان العرب يمتلكون موهبة غير عادية في حفظ الشعر والنصوص الطويلة.

مع إن للمناقشة فيما هو المقصود بالأمّي مجال واسع. إذ لا يتعين أن يكون المقصود به هو الذي لا يقرأ ولا يكتب على نحو الاطلاق. فقد ورد في القرآن استعمال لفظ "الأميين" في قبال أهل الكتاب، كما في سورة آل عمران ٢٠، ٧٥ "فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَوْا .. وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ..". ولعل حكاية قولهم "لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ"، يتصل بتفسير اليهود ماورد في سفر التثنية ٢٣: ١٩-٢٠ "لاَ تُقْرِضْ أَخَاكَ بِرِبًا، رِبَا فِضَّةٍ، أَوْ رِبَا طَعَامٍ، أَوْ رِبَا شَيْءٍ مَا مِمَّا يُقْرَضُ بِرِبًا. لِلأَجْنَبِيِّ تُقْرِضُ بِرِبًا، وَلكِنْ لأَخِيكَ لاَ تُقْرِضْ بِرِبًا ..".

وأما قوله في سورة البقرة ٧٨-٧٩ "وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ، وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّون. فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُون"، فإن السياق في مقام الاحتجاج على اليهود. وعليه، فقوله "وَمِنْهُمْ" أي اليهود "أُمِّيُّونَ" أي كالأمّيين، وأن بعض اليهود بمنزلة غير أهل الكتاب، وذلك لجهلهم به وبحقائقه.

ويؤيّد المقابلة بين اليهود والأميين، أنه قد تكرّر في العهدين تكرر استعمال عنوان الأُمم في مقابل اليهود، كما في سفر أعمال الرسل ١٣: ٤٢-٤٨ "وَبَعْدَمَا خَرَجَ الْيَهُودُ مِنَ الْمَجْمَعِ، جَعَلَ الأُمَمُ يَطْلُبُونَ إِلَيْهِمَا أَنْ يُكَلِّمَاهُمْ بِهذَا الْكَلاَمِ فِي السَّبْتِ الْقَادِمِ. .. فَلَمَّا رَأَى الْيَهُودُ الْجُمُوعَ امْتَلأُوا غَيْرَةً، وَجَعَلُوا يُقَاوِمُونَ مَا قَالَهُ بُولُسُ مُنَاقِضِينَ وَمُجَدِّفِينَ. فَجَاهَرَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا وَقَالاَ: كَانَ يَجِبُ أَنْ تُكَلَّمُوا أَنْتُمْ أَوَّلاً بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلكِنْ إِذْ دَفَعْتُمُوهَا عَنْكُمْ، وَحَكَمْتُمْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُسْتَحِقِّينَ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، هُوَذَا نَتَوَجَّهُ إِلَى الأُمَمِ. لأَنْ هكَذَا أَوْصَانَا الرَّبُّ: قَدْ أَقَمْتُكَ نُورًا لِلأُمَمِ، لِتَكُونَ أَنْتَ خَلاَصًا إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ. فَلَمَّا سَمِعَ الأُمَمُ ذلِكَ كَانُوا يَفْرَحُونَ وَيُمَجِّدُونَ كَلِمَةَ الرَّبِّ". قال جواد علي في "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام": إن للأمية معنى آخر غير المعنى المتداول المعروف، وهو الجهل بالكتابة والقراءة. فقد ذكر "الفرّاء" وهو من علماء العربية المعروفين، "إن الأمّيين هم العرب الذين لم يكن لهم كتاب، ويراد بالكتاب، التوراة والانجيل. ولذلك كان "أهل الكتاب" هو وصف اليهود والنصارى في القرآن". وهذا المعنى يناسب كل المناسبة لفظة "الأميين" الواردة في القرآن الكريم، وتعني الوثنيين أي جماعة قريش وبقية العرب، ممن لم يكن من يهود وليس له كتاب. انتهى.

مواضيع ذات صلة ...

https://www.delmonpost.com/post/hm01

https://www.delmonpost.com/post/hm02

https://www.delmonpost.com/post/hm03