DELMON POST LOGO

الاعجاز القرآني .. التحدي بالقرآن .. 5-6

"لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّه .." (سورة الحشر ٢١).

إعجاز القرآن يعني بأن القرآن له صفة إعجازية من حيث المحتوى والشكل، أو من حيث أحدهما. ولا يمكن أن يضاهيه كلام بشري. والقرآن هو الدليل المعطى للنبي محمد ﷺ للدلالة على صدقه ومكانته النبوية. يؤدي الإعجاز غرضين رئيسين: الأول هو إثبات أصالة القرآن وصحته كمصدر من إله واحد. والثاني هو إثبات صدق نبوة محمد ﷺ الذي نزل عليه لأنه كان ينقل الرسالة .. فيما يلي عدد من الحلقات التي تدور في محتواها بهذا الاعجاز يكتبها الشيخ حميد المبارك بقلمه.

(5) التحدي بالمضامين القرآنية.

النبوءات التي تحققت.

وقد اشتمل القرآن على بعض الاخبارات المستقبلية. ومنها ما يُعد من قبيل الاخبارات العامة، نظير قوله في سورة النور ٥٥ "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ، وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ، وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ..". وقد جاء نظير هذا الوعد العام في سفر المزامير، كما في مزمور ٣٧: ١١، ٢٢، ٢٨-٢٩، "أَمَّا الْوُدَعَاءُ فَيَرِثُونَ الأَرْضَ، وَيَتَلَذَّذُونَ فِي كَثْرَةِ السَّلاَمَةِ. .. لأَنَّ الْمُبَارَكِينَ مِنْهُ يَرِثُونَ الأَرْضَ، وَالْمَلْعُونِينَ مِنْهُ يُقْطَعُونَ. .. لأَنَّ الرَّبَّ يُحِبُّ الْحَقَّ، وَلاَ يَتَخَلَّى عَنْ أَتْقِيَائِهِ. إِلَى الأَبَدِ يُحْفَظُونَ. أَمَّا نَسْلُ الأَشْرَارِ فَيَنْقَطِعُ. الصِّدِّيقُونَ يَرِثُونَ الأَرْضَ وَيَسْكُنُونَهَا إِلَى الأَبَدِ".

لكن من الاخبارات في القرآن ما هو أكثر تحديداً. وذلك نظير الإخبار عن مصير أبي لهب في سورة المسد ١-٥. والاخبار بانتصار المسلمين في معارك مُحدّدة، نظير "أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ. سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ" (سورة القمر ٤٤-٤٥)، فإنها نزلت قبل هزيمة قريش في بدر بالاتفاق. والوعد للرسول وللمؤمنين بدخول مكة وتحقق النصر المُبين، وذلك في سورة الفتح ٢٧-٢٨ "لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ، فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا"، فإن سياقها شاهد أنها نزلت قبل تحقق الفتح بالفعل. والاخبار عن انتصار الروم بعد هزيمتهم، وذلك في الآيات ٢-٣ من سورة الروم "غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ".

ومن الاخبارات القطعية، الوعد بحفظ الدين وانتشاره، كما في سورة الصف ٨-٩ "يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ"، ومثله في سورة التوبة ٣٢-٣٣. فإنه وإن كانت بعض هذه الأمثلة قابلة للنقاش لو نُظر إليها على حِدة، لكن ملاحظتها مجتمعة، تكشف بلا ريب عن استنارة نبوية ودلالة ربانية، خصوصاً وأن الكثير منها قد تحقق بعد الوعد. ويتصل بهذا البحث ما ورد في سفر التثنية ١٨: ٢١-٢٢، وذلك في ضابطة الفرق بين النبي الصادق وبين غيره "وَإِنْ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: كَيْفَ نَعْرِفُ الْكَلاَمَ الَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ الرَّبُّ؟ فَمَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ بِاسْمِ الرَّبِّ وَلَمْ يَحْدُثْ وَلَمْ يَصِرْ، فَهُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ الرَّبُّ، بَلْ بِطُغْيَانٍ تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ، فَلاَ تَخَفْ مِنْهُ".

ومع ذلك كله، فإن الظاهر من سياق تلك الاخبارات أنها جاءت لتطمين نفوس المؤمنين، وليس كدلائل على الاعجاز.

المضامين القِيمية.

وفي المقابل، نجد في سياقات أخرى، أنه قرن بين طلبهم الآيات وبين اشتمال القرآن على مضامين الهدى والبشارة والنذارة، وهذا الاقتران ظاهر في التحدي بتلك المضامين. فلاحظ سياق الآيات ١١٨-١١٩ من سورة البقرة، "وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِيَنَا آيَةٌ، كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ، تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ، قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ". فقد عقّب بقوله ".. قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا.."، بعد حكاية قولهم ".. لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِيَنَا آيَةٌ ..". ومثله في سورة الأعراف ٢٠٣-٢٠٤ "وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا، قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي، هَذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ".

كما إن سياق الآيات ٨٨-٨٩ في سورة الاسراء، واضح في ارتباط الاعجاز القرآني بما اشتمل عليه من مضامين، "قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا. وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورا". فإن تلك المضامين شواهد على حقانية النص، وذلك لغير المتعصب المعاند، كما في سورة القصص ٤٩-٥٠ "قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ، وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ". والذين لا يستنيرون بما اشتمل عليه النص من مضامين موافقة للوجدان، فلن تنفعهم المعجزات والخوارق. وفي سورة الروم ٥٨ "وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَل، وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ"، وفي سورة القصص ٤٨ "فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى، أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ".