DELMON POST LOGO

لا لخطاب الكراهية العنصري ضد المرأة في مجلس النواب

بقلم :هدى ابراهيم آل محمود  

ما كان يدور في ذهننا أن نشغل أنفسنا في هذه الأيام المباركة مما تبقى من الشهر الفضيل في الرد على تصريحات النائب الثاني لمجلس النواب الاخ أحمد قراطة والذي أطلقها بصوت عالٍ منفعل واصطفافات عدد من النواب معه، نخشى أن يكون القصد منها الانتقاص من جهود الاتحاد النسائي والنساء الفاضلات العاملات في الجمعيات النسائية،  وإتهامهم بالسعي لتغريب المرأة والتعدي على تقاليد وقيم بلادنا.

والسؤال الذي يتبادر للذهن فور الاستماع لما طرحه النائب الثاني لرئيس مجلس النواب وبعض المداخلات من النواب الذين ظهروا وكأنهم منحازون ضد المرأة وحقوقها كمواطنة، هل كان طرح هذا الموضوع بهذه الدرجة من الانفعال لمجرد الإثارة والتهويش، أم أن المداخلات كانت تهدف إلى إشغال الناس بأنفسهم (الناخبين المحبطين) حتى لا يحتج أحد منهم على فشل السادة النواب في تحقيق اي نتائج ملموسة، رغم كل الصراخ والزعيق في المجلس، فقد فشلوا في الوفاء بأي مما وعدوا به الناس فترة الانتخابات، الأمر الذي فاقم من إستياء الناس وتذمرهم.

إن خلط الأوراق بهذه الصورة لا يجوز، والجَور على نضالات وعطاءات المرأة لعقود طويلة حملت فيه هم المجتمع بكل فئاته المهمشة هو خطاب فارغ المضمون والرسائل، وإذا كان البعض بحاجة الى إنعاش ذاكرتهم وتعريفهم بأدوار الرائدات الفاضلات من النساء البحرينيات اللواتي قدمن وقتهن وجهدهن لتعزيز وتماسك هذا المجتمع،   ثم رحلن وهن مطمئنات بأنهن تركن إرثاً عظيماً، من أهم ثماره أن أصبحت المرأة في مملكة البحرين مشاركة في كل عمل تنموي اجتماعي واقتصادي وسياسي، وأصبحت بصماتهن واضحة ومؤثرة في الكثير من المناصب التي تبؤتها المرأة بكل جدارة واستحقاق.

من يستطيع أن ينسى أو ينكر دور الرعيل الأول من الراحلات الفاضلات أمثال الشيخة لولوة بنت محمد آل خليفة التي كانت رائدة في مجال العمل الاجتماعي والتطوعي، بل أيقونة العمل الاجتماعي التطوعي حتى آخر لحظات حياتها رحمها الله، لقد كانت تذهب إلى القرى قبل المدن لتقديم الرعاية والتوعية للنساء والأطفال، فضلاً عن إسهاماتها الرائدة في تأسيس جمعية رعاية الأمومة والطفولة، وما قدمته هذه الجمعية من إسهامات ومبادرات جليلة لا تزال قائمة وثرية حتى الآن.

ثم من يستطيع أن يتنكر لأداور وبصمات السيدة الفاضلة المرحومة عائشة يتيم، التي درست وتعلمت بدايات القرن الماضي في إنجلترا ونهلت من العلوم المتقدمة هناك، ثم عادت إلى البحرين وأسست جمعية نهضة فتاة البحرين كأول جمعية نسائية في البحرين ودول الخليج العربية، وقد رحلت لخالقها بعد أن بذلت الكثير، مطمئنة بأن عملها وتراثها الاجتماعي في التعليم والتوعية والنهضة بالمرأة لن ينتهي أو يتوقف، وها هم من سار ولازال على نهجها أجيال وراء أجيال من النساء الفاضلات اللاتي أسهمن في تعليم وتوعية ورفعة مستوى المرأة وتمكينها من الحياة بكرامة وعزة واعتماد على النفس لم يزلن على ذات الدرب سائرات.

تاريخ طويل من النضال للمرأة في البحرين لن يكفي هذا المقال لتغطيته، وسأكتفي ببعض الإضاءات للأعمال والمشاريع التي تبنتها المرأة وسجلت نجاحات مجتمعية مميزة من خلالها، ولا تزال تلك المشاريع تشع وتضيئ الطريق لنساء الخليج العربي، لم ولن تنطفئ أبداً مهما حاول بعض المنفعلين وأدها أو تجاوزها ومن بين هذه الانجازات ما يلي:

1- مشروع التوعية الصحية في قرى البحرين وسط ظروف إجتماعية ولوجستية صعبة، مع عدم تقبل من كثيرين لعمل المرأة آنذاك (سبحان الله البعض يعيد استنساخها الى الآن)، ولكن المشروع استمر وكبر وشاركت فيه جمعيات رائدة عديدة، حتى تولته وزارة الصحة بكل إقتدار واستعانت لسنوات طويلة بالبعض من المتطوعات كرائدات محليات لثقة المجتمع بهن وبعملهن.

2- مشروع محو الأمية الذي بدأته بنات ونساء البحرين من اللواتي درسن في الخارج وعُدن الى بلادهن ليعطين ويتطوعن ويرددن بعض جميل لبلادهم وأهلها، تحملن الظروف الصعبة ولم يستسلمن، وعندما استمر نجاح المشروع واتسع ليشمل كل نساء البحرين ممن لم يحظين بفرصة التعليم، كان لزاماً أن تتولى مسؤوليته وزارة التربية والتعليم .

3- قوانين أحكام الأسرة وقوانين الحماية من العنف الأسري التي صدرت في العهد الإصلاحي لجلالة الملك المعظم حفظه الله، وكان صدورها تتويجاً لنضالات المرأة البحرينية وجميع الجمعيات النسائية القائمة منذ خمسينات القرن الماضي، وقد كانت هناك لجنة شكلتها الجمعيات برئاسة الراحلة الشيخة لولوة بنت محمد آل خليفة رحمها الله، بذلت فيها الوقت والجهد والإصرار والتشجيع لكل من راوده يأس أو تعب، ففتحت مقر الجمعية في المنامة، كما فتحت جمعية نهضة فتاة البحرين أبوابها للمتطوعين الأفاضل للانضمام لعمل اللجنة وقد كان الدعم الرسمي والمجتمعي رائعاً.

فانضم إلى اللجنة عدد كبير من المحامين والأطباء والوجهاء ورجال الدين الكرماء في العطاء كلٍ في مجاله، ولا يتسع المقام لتفصيل الحديث عن الورش الوطنية التي شملت كل الفئات، والذين عملوا جميعاً طوال عقود من الزمن من أجل أن تحظي المرأة في البحرين بالمكانة التي تستحقها، والتي اكتسبتها بعزمها ومثابرتها ودعم الكثير من الرجال الأفاضل المؤمنين بأن المرأة شريك أساس في الحياة الأسرية والعامة، ويجب أن يحميها القانون حتى تستمر في البذل والعطاء.

4- مع بداية العهد الاصلاحي وتولي جلالة الملك المعظم أمور البلاد، تم إنشاء المجلس الأعلى للمرأة وترأسته صاحبة السمو الملكي قرينة جلالة الملك، وقد عكست هذه المؤسسة المهمة رؤية جلالته المتقدمة وإيمانه بقدرة وكفاءة المرأة في بلادنا، ومنذ تأسيسه حتى الآن انفتاح المجلس على التعاون التام مع كل الجمعيات النسائية والإتحاد النسائي الذي تشكل من الجمعيات العاملة في الميدان التطوعي منذ أوائل خمسينات القرن الماضي، كما قدم المجلس الأعلى للمرأة الكثير من الدعم في مختلف مجالات العمل النسائي وخاصة المساندة القانونية والتوعية والتشبيك مع الاتحادات والجمعيات المماثلة في كل الدول الخليجية والعربية، وقد حقق الكثير ولازال.

5- عند انضمام مملكة البحرين لاتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، كانت هناك قصص نجاح ساهمت فيها مملكتنا الحبيبة مع المجموعة العربية منذ الاجتماع الأممي الاول في بكين لمناقشة بنود الاتفاقية واقرارها، وقد عملت مملكة البحرين ضمن المجموعة العربية في المؤتمر وسجلت تحفظات على بعض بنود الاتفاقية، رغم ان هذه البنود ليست جميعها تخالف الشريعة الاسلامية السمحاء، انما بعضها يخالف التسلط الذكوري الذي يريد أن يستمر في تقييد حركة المرأة الاجتماعية وفي الشأن العام، ولهذا لازال نضال المرأة في سبيل رفع بعض هذه التحفظات مستمراً.

6 - ان اتفاقية (السيداو) الاسم المختصر لاتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، لم يبتدعها الغرب المتوحش الذي لا يؤمن بأي قيم أو دين، بل أن هذه الاتفاقية كانت ثمرة جهود مضنية تمت عبر مؤتمرات وورش عمل ولجان وغيرها من الوسائل، شارك فيها كل دول العالم المنضوية تحت لواء الأمم المتحدة ومنها دول الكتلة الأفريقية والآسيوية والعربية، وكان هاجسهم التوصل لاتفاقٍ ما، يحفظ المرأة والأسرة لإنها عماد المجتمع في كل بلاد العالم.

7- نتج عن التبني الواعي من قبل حكومة مملكة البحرين والمجلس الأعلى للمرأة والإتحاد النسائي وكل نشطاء المجتمع المدني لقضايا المرأة، أن تكللت الجهود الخيّرة بصدور قانون رقم 19 لسنة 2017 الذي يقنن الشأن الأسري وينصف كل أفراد الأسرة ويدعم استقرارها، وقد شارك في وضعه رجال دين من الطائفتين الكريمتين، وصدر أيضاً قانون رقم 17 لعام 2015 , وهو قانون الحماية من العنف الأسري ولايزال هناك طموح لتعديلات كثيرة جميعها تتفق مع الشرع والدين (نحن دولة إسلامية) ولا نحتاج لتأكيد البديهيات، قانون حماية الطفل رقم 37 لعام 2012، وصندوق النفقة قانون 34 لعام 2005 وهو الأول من نوعه على مستوى دول مجلس التعاون بآلية مؤسسية تتعامل قانونياً عند امتناع وتعسف الرجل عن دفع النفقة لأطفاله وأسرته.

ولو عددنا القوانين المساندة للمرأة فهي كثيرة ونفخر بأن مملكة البحرين هي السباقة في إصدارها، وأتمنى من سعادة النائب الثاني وزملاءه أن يطلبوا من مستشاري مجلس النواب عمل دراسة بحثية حول هذا الموضوع ويعرفون أن المرأة البحرينية، امرأة مسلمة واعية متعلمة مثقفة، مثلت الجهات الرسمية والأهلية في كثير من المؤتمرات والمحافل الاقليمية والدولية، وليست إمعة تحركها أي جهة كانت، هذه المرأة الصابرة والكفوء تصدرت قضايا الشأن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وكل مجال دخلته، فالمرأة شريك واعي وقوي وقادر على دعمكم والتعاون معكم في كثير من قضايا المواطنين، وقد قدرت القيادة السياسية العليا في البلاد المرأة البحرينية، فإختارتها لتتبوأ أكبر المناصب في القطاع العام والخاص، وسجلت المرأة البحرينية في ذلك قصص نجاح باهرة.

وقبل الختام أود أن أوجه كلمة لصاحبات السعادة عضوات مجلس النواب ، لماذا لم نسمع منكن كلمة ولم تعلوا اصوتكن ضد من يريد بدون وعي تحجيم عطاء المرأة، وبالضرورة يعني تحجيم عطائكن ايضاً ومكانتكن في المجلس والدولة والمجتمع ، أن نيل المرأة لحقها السياسي في الانتخاب والتصويت والترشح كان بفضل جهود بذلتها المرأة البحرينية عبر الجمعيات لعقود طويلة طالبت فيها بحق المرأة في المشاركة في الشأن العام إلى جانب الرجل، وكانت استجابة جلالة الملك المعظم لهذا تكريماً لجهودنا وتقديراً لها.

وختاماً نقول بأن المرأة هي صانعة السلام والاستقرار والقادرة على العطاء في كل مكان وزمان، وتمكينها هو مقياس أي تقدم أو ارتقاء في المجتمعات،

فلا تستعدوها وتعملوا على تقييدها لمجرد أوهام او تحليلات مبنية على انفعالات أو معلومات خاطئة او قاصرة، المطلوب هو التواصل مع الجهات المعنية والتأكد من البيانات والأرقام قبل إطلاق المواقف التي قد تكون ذات تأثيرات وتداعيات وخيمة على المجتمع البحريني، خاصة إذا كانت لا تتفق أو تتماشى مع الرؤية الثاقبة لجلالة الملك المعظم حفظه الله والذي أصر على منح المرأة كامل حقوقها السياسية، فصارت شريكا رئيساً في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، فهل بعد كل ذلك تريدون تقزيمها وإعادتها لعصور الحرملك والظلام، معاذ الله، فرجال البحرين أجل واكبر من أن يوافقوا على مثل هذا الموقف.