بدأ الدكتور محمد حميد السلمان محاضرته بجمعية تاريخ وآثار البحرين والتي كانت بعنوان " حقيقة الاحتلال البرتغالي للخليج العربي " مساء امس الأول بمقر الجمعية بعدد من الأسئلة التي مكان البحث والتمحيص وقبلها قال " يُقال بأن الفيلسوف الفرنسي فولتير، كتب ذات مرة "إن أردت أن تتحدث معي فحدد المصطلحات" ، فهل الاستعمار والاحتلال وجهان لعملة واحدة؟
هل كان هدف البرتغاليين هو اكتشاف الطريق إلى أرض التوابل والبهارات في المشرق؟
يقول السلمان بان بعض الكتاب البرتغاليين يجادلون أن الرحلات المبكرة للقادة العسكريين البرتغاليين لم يكن لها دوافع اقتصادية ولا نية حقيقية في السيطرة على الطرق التجارية، أو المعاملة التفضيلية للتجار البرتغاليين في المشرق. إذ يسوّقون لموضوع يوحي بأن التاج البرتغالي أراد ببساطة أن يكتشف الطريق الرابط بين أوروبا وآسيا، وأن يدخل في ترتيبات تجارية مع المشرقيين مثل التي كان يتمتع بها تجار البندقية الإيطالية في ذاك الوقت، ولم يكن الهدف تثبيت نظرية الاحتكار البرتغالي.
وجود هُرمز رمز سيطرة أم احتلال للخليج؟
مملكة هُرمز أساسًا تتكون من الجزيرة المسماة بُهرمز، وعدد سكانها كان لا يتجاوز الـ 40 ألفًا نسمة، معظمهم من أثرياء وتجار هُرمز.
مطلع القرن 14، كان نفوذ هُرمز قد ساد سواحل الخليج على الضفتين الغربية والشرقية بأكملهما تقريبًا، بينما لم يتمكن جيرانها من تشكيل أي تهديد لها عن طريق مياه الخليج أو في بحر العرب، لأنهم كانوا يفتقرون إلى القوات البحرية اللازمة.
كان شاه هُرمز، يُدير دولة شبه تجارية تتكون من مجموعة فروع متفرقة على سواحل الخليج تتبع هُرمز ضرائبيًا أكثر من التبعية السياسية العسكرية.
الغزو البرتغالي وأسعار التوابل والبهارات في المشرق
إن زيادة أسعار التوابل في أوروبا لم تكن السبب الحقيقي الذي قاد البرتغاليين إلى المشرق. بل إن الدافع كان اقتحام هذه التجارة المربحة واحتكارها من أجل دعم اقتصاد البرتغال الداخلي الضعيف.
بعد الكشوف الأولى في المشرق؛ قامت البرتغال بإزاحة المنافسين لها في المياه الشرقية بالقوة العسكرية وبلا شفقة، مما جعل ذلك سمة من سمات الحملات البرتغالية المبكرة في المحيط الهندي. إذ كانوا يدافعون بكل حماس عن حقوقهم التجارية الحصرية، كما أعلنوا، مُعتبرين ذلك، ببساطة، من القضايا المنطقية في هدفهم الاقتصادي.
هل كانت الكشوف البرتغالية في المشرق امتدادًا للحروب الصليبية؟
• استخدام الشعارات الدينية والتدمير الموجه للتجارة الإسلامية في المشرق؛ جعل بعض المؤرخين العرب يصفون الكشوف البرتغالية في المشرق بأنها امتدادًا للحروب الصليبية، وأدلتهم على ذلك؛ استخدام البرتغاليين لرمز الصليب على سفنهم وملابسهم.
إن روح الحروب الصليبية قد ازدهرت في شبه الجزيرة الأيبيرية في القرنين 14- 15. إذ عدت شعوب شبه الجزيرة الأيبيرية غير المُسلمة، خطر الإسلام تهديدًا لهم في عقر دارهم. فحتى القرن 15؛ كانت الممالك الإسلامية موجودة في شبه الجزيرة الأيبيرية ذاتها. قال (Panikkar):"إن معظم غزو البرتغاليين لمناطق آسيا كان دافعه الأول حقيقة؛ أن الحرب في البرتغال ضد الإمارات الإسلامية أمرٌ حتمي".
تأسيس الإمبراطورية البرتغالية في المشرق
أسس البرتغاليون إمبراطوريتهم البحرية حول حواف المحيط الهندي، بعد الغزو البحري لها، خصوصا على ساحل عُمان وجزر الخليج العربي في بداية القرن 16.
في عام 1505، وتحت إدارة أول نائب لملك البرتغال في الهند، المدعو فرانسيسكو دا ألميدا (Francisco da Almeida)؛ جرى تغيير حقيقي وملموس في السياسة البرتغالية تجاه غزو عالم المحيط الهندي.
تم إرسال (دا ألميدا) مع جيش قوي لإظهار قوة البرتغاليين أمام الحكام المحليين في المحيط الهندي بشكل كبير. فبدأ (دا ألميدا) بتأسيس ست مستوطنات عسكرية برتغالية كنقاط استراتيجية حول حواف المحيط الهندي.
انتقل البرتغاليون بسرعة إلى فكرة إنشاء "إمبراطورية"، تم التخطيط لها ووضع أسسها واستدامتها بوسائل القوة الوحشية والعنف. فهل كان ذلك الانتقال من التواجد العسكري الواضح إلى الاحتلال الكامل مدعومًا بعدد من العوامل.
كان لـ ( ألميدا) وجهة نظر أوضحها في خطاب إلى التاج البرتغالي في ديسمبر عام 1508، ذكر فيه للملك أنه: "كلما زاد عدد القلاع الحربية التي تقيمها، كلما كان ذلك أضعف لقوتك. أترك كل قوتك في البحر، حيث أننا إذا لم نكن مسيطرين وأقوياء في البحار، فإن كل شيء سيكون ضدنا. ولكن إن كنت قويًا في البحر، فلسوف تكون الهند تحت مُلكك، وإذا لم تكن تملك هذه القوة البحرية، فإن أي قلعة تقيمها على الساحل لن توفر لك سوى بعض السيطرة".
الرجل الذي تم تكليفه حقيقة بوضع أسس الإمبراطورية البرتغالية في المشرق؛ كان (أفونسو دي البوكيرك). الذي اعتقد بأن البرتغال تحتاج إلى قواعد ساحلية ثابتة ودائمة، فبدونها لا تستطيع العسكرية البحرية البرتغالية الحفاظ على قيادة عملياتها في البحار. لذلك كان تركيز (البوكيرك) على القلاع، أي المنشآت العسكرية الثابتة على السواحل والممرات البحرية الدولية من أجل شكل واقعي ودائم للسيادة البرتغالية، وليس الأساطيل البحرية التي تجوب المياه. معتقدًا أنه إذا تم تزويد تلك القلاع بحاميات عسكرية كافية وقوية؛ فلن تكون معرضة للاستيلاء عليها. هذا الرأي تبناه التاج البرتغالي بعناية ملحوظة، إذ أصبح فيما بعد هو المبدأ الرئيس للاستراتيجية البرتغالية في المنطقة.
الغزو البرتغالي للخليج هل هو احتلال أم استعمار؟
(البوكيرك) أحد أشهر القادة العسكريين البرتغاليين، أشار ضمن مذكراته التي كُتبت بالبرتغالية وتُرجمت إلى الإنجليزية ثم عُربت بحذف بعض فقراتها؛ "أن نقاط القوة الرئيسة الثلاثة في العالم، (القديم)، هي: "ﮔـوا"، وهُرمز، و"ملقا"، من شأنها أن تكفل السيطرة البرتغالية على طرق التوابل الرئيسة في المحيط الهندي". إذن هي سيطرة واحتكار تجاري
نفذ (البوكيرك) استراتيجيته بإنشاء نقاط إرتكاز عسكرية محورية برتغالية حول أطراف المحيط الهندي أوائل القرن 16، بهدف السيطرة على طرق الشحن البحري التي تشكل شريان الحياة الاقتصادية للمنطقة. ومنها هُرمز تحديدًا، لكونها مركزًا تجاريًّا وسياسيًّا كبيرًا في الخليج والمحيط الهندي على ممر التجارة الدولي.
امتداد الإمبراطورية البرتغالية إلى الخليج العربي
وضع (البوكيرك) عام 1509، أسس دولة الهند البرتغالية (Estado da India) بحسب نظريته، استنادًا إلى قلاع تمتد بين "ﮔوا"، و"ملقا"، وهُرمز. لذلك بعد السيطرة البرتغالية على هُرمز، ورغبة منه في في مزيد من الدعم البرتغالي؛ استجاب الشاه (سيف الدين أبا نادر) لطلب البرتغاليين ببناء قلعة وتزويدها بحامية في أحد أطراف الجزيرة. كما وافق الشاه على دفع ضريبة سنوية، وتنازل للبرتغاليين عن بعض الامتيازات الجمركية. حتى تمت السيطرة التامة على الجمارك الهٌرمزية الخليجية أخيرًا بتحويلها إلى أيدي البرتغاليين، وغدت هي لب السياسة الاقتصادية البرتغالية في الخليج لاحقًا. فهل هذا هو مفهوم الاحتلال أم الاستعمار؟
لإثبات سيطرتهم التامة وتفوقهم العسكري في الخليج؛ وضع البرتغاليون نظام تراخيص مرور السفن المسمى قرطاس (Cartaz) وطبقوه على سفن التجارة، والشحن، وصيد اللؤلؤ عمومًا. وبعد وفاة (البوكيرك)؛ توسعت الـ (Estado) وتم ربطها بمجموعة من المراكز التجارية أقل تحصينًا امتدت من شرق أفريقيا إلى ساحل بحر الصين.
هُرمز رمز السيطرة البرتغالية على الخليج
مملكة هُرمز أبقت حرية الملاحة في الخليج لأنواع التجارة كافة، حيث شكلت حبل حياتها السري في البحر. فهل استفاد البرتغاليون من هذا الوضع لدعم سيطرتهم أم احتلالهم للخليج؟
تولدت قوة مملكة هُرمز إقتصاديًا وسياسيًا بشكل رئيس؛ من وجود مستوطناتها على الجانب الغربي أي العربي للخليج.