DELMON POST LOGO

السلمان في مجلس الكوفي الرمضاني : مملكة هُرمز لم تكن فارسية ولا صفوية بل عربية في حدودها العالمية وسكانها وسياستها

قال الدكتور محمد حميد السلمان في محاضرة بمجلس الكوفي الرمضاني التي بعنوان " ما خَفَّي من نزاع البرتغاليين والجبور على البحرين " مؤخرا . ان القوى الخليجية التي بسطت سيطرتها على جزر البحرين، فمنها في حِقَب أو حُقُوب متفرقة: العيونيون – العصافرة- الهرامزة- الجبور، في ما بين القرنين الحادي عشر والسادس عشر للميلاد.

فمن هم الجبور ؟ ..

مؤسس الدولة أو المملكة الجبرية هو زامل بن حصين أو حسين الجبري العقيلي العامري في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي. ما خفي من هذا الأمر، أن هذا المؤسس كان يحاول أن يوازن في جيشه الجبري بين الولاء القبلي في عمق بني عامر، وبين تجنيد سكان المدن وربما الرقيق وبعض المؤجرين براتب معين، لتقوية جيش كيانه السياسي الجديد، وليس اعتمادًا على قوة السلطة العشائرية فقط.
وبالرغم من الأهمية الاقتصادية لجزر البحرين، لكونها كانت تشكل مورداً ماليا حيوياً، إلا إنها شكلت قلقاً دائماً لهُرمز، فكثرت الخلافات والحروب بين مملكة هُرمز والجبور في نجد والأحساء، إذ أنهم يمثلون القبائل العربية الطموحة لتطوير كيانات سياسية مشابهة لهُرمز على السواحل الغربية لشبه الجزيرة العربية في البحرين وعُمان. فكانوا يكافحون ضد امتداد سيطرة مملكة هُرمز على السواحل العربية من الخليج، ويتطلعون للمشاركة في أرباح التجارة الدولية العابرة لمنطقتهم عبر مد طموحاتهم للسّيطرة على مضيق هرمز من مناطق القطيف والبحرين والأراضي المتاخمة لجلفار وصحار.

البرتغاليون ..

كان هدفهم من السيطرة على الخليج العربي، هو فرض السيادة البحرية التجارية عليه، والتحكم في طريق المواصلات الذي يمر به، مضيق هُرمز، والمرتبط أساساً بالتجارة البحرية آنذاك، اعتماداً على أهمية الخليج الإستراتيجية كممر استراتيجي دولي مهم بموقعه الجغرافي التجاري الذي جعل منه صلة الوصل في شبكة الطرق البحرية الدولية في تلك الحُقَب وارتباطه بطريق العراق -بلاد الشام- البحر المتوسط.
حقيقة مهمة جداً، في الوقت الذي وصل فيه البرتغاليون إلى المياه الشرقية، ومنها الخليج العربي، كانت كل جيوش الدول المسلمة في المشرق، بما فيها الدول الإسلامية في الهند، قوي برية وليست جيوشاً تُحمل على ظهر السفن للقتال في البحر. على الرغم من تفوق الملاحة التجارية الوطنية في المحيط الهندي في الوقت الذي ظهرت فيه سفن البرتغاليين للمرة الأولي على سطح مياه المحيط الهندي في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي.  
والواقع آنذاك يقول بأنه لم يكن هناك من قوة إسلامية أخري في مياه المحيط الهندي كانت تستطيع أن تقف في وجه "الكارفيلا والكاراك والغلايين" البرتغالية الحديثة ذات المدفعية البحرية-البرية المرعبة؛ سوي الدولة العثمانية بما تملكه من قوة برية نارية متفوقة، ومحاولات لبناء قوة بحرية مسلحة. ولكن الدولة العثمانية كانت بعيدة عن مياه الخليج والمحيط حتى عام 1517 عندما اقتربت من مياه المشرق بغزوها مصر والشام وإسقاط الدولة المملوكية والسيطرة على الجزء الأكبر من البحر الأحمر واليمن. إلا أن تلك الدولة بما كان يحمله رأس السلطة فيها، السلطان سليم الأول، لم تكن لديها النية لإعداد مشروع لطرد البرتغاليين من المحيط الهندي بالتعاون مع سلطان "كوجرات" الهندي (مظفر شاه)، كما لم تفكر في استراتيجية عسكرية معينة لفتح جبهة مواجهة بحرية جديدة ضد البرتغاليين في مياه المحيط الهند، ستكون غير مهيأة لها آنذاك بشكل كامل وبعيدة جداً عن قوتها الضاربة في الأناضول وأجزاء من الوطن العربي. وعندما حدث ذلك في عهد السلطان سليمان القانوني وتمت المواجهة بين الجانبين وجها لوجه في البحر في النصف الثاني من القرن السادس عشر؛ لم تنجح أي من الحملات العسكرية البحرية العثمانية ضد البحرية البرتغالية في جنوب شبه الجزيرة العربية ولا في الخليج ولا أمام سواحل المحيط الهندي طوال القرن السادس عشر الميلادي.
الصدام الأهم الذي شكل ضربة مؤلمة بحق للقوي الاسلامية في الخليج؛ كان عنوانه (غزو البرتغاليين لمملكة هُرمز)، ذات البُعد الجغرافي العربي في سواحل عُمان والخليج الغربية، على يد القائد البرتغالي البحري المدعو (Afonso de  Albuquerque) وهو يقود أربع سفن وحوالي  460 بحاراً فقط عام1507 .
وهنا نقف لنُطل على واحدة من أحداث الجبور في الخليج مع بدء وصول الحملات العسكرية البرتغالية ضده. فقد انتهز الجبور، الطموحين، فرصة زواج أحد أقوى ملوك هرمز قبل وصول البرتغاليين وهو (سلغور شاه 1475-1505)، من امرأة عُمانية هي ابنة سليمان بن سليمان، ليجدوا مدخلاً شرعياً للتغلغل في حلبة الصراع الداخلي على السلطة بين أخوة العرش الهرمزي.
وهذا ما حدث تماماً، حين حاصر أجود بن زامل الجبري (شاه ويس) شقيق سلغور في منطقة جلفار وضيق عليه الخناق هناك حتى اضطره للاستسلام، مما دفع بـ (شاه ويس) أن يضع نفسه تحت رحمة أجود الجبري الذي حافظ على حياته وسلمه لأخيه سلغور، الذي عاقبه للأسف في هُرمز، بسَملِ عينيه، كما هي عادة  حلقات الصراع على السلطة في هرمز، وتلك حكاية أخرى.
ثم غدت البحرين والقطيف، وهما أقرب نقاط هُرمز الجغرافية من حدود الجبور في شبه الجزيرة العربية؛ من نصيب الجبور بحسب اتفاق مسبق كشرط لتأمين وصول (سلغور) لعرش السلطة في هرمز أثناء ذلك الصراع. كما حدث صراع على السلطة في هُرمز مطلع القرن السادس عشر من جديد، مما أوصل طفل عمره 11 سنه لتولي العرش قبل وصول البرتغاليين بسنتين فقط للمنطقة؛ وهنا أهتبل أحد زعماء هذه القبيلة- الدولة، ويدعي محمد بن أجود الجبري، الفرصة فسيطر على البحرين بعد عام 1505. ولذا وجدنا أنه كان يُلقب بـ " ملك البحرين " بين عامي 1506-1507، وتلك هي سنوات وصول البرتغاليين للخليج والسيطرة على هُرمز.
أما من له علاقة مباشرة بالبرتغاليين وغزوهم لجزر البحرين، كما تذكر بعض المصادر العربية، فهو السلطان مقرن بن زامل بن أجود الجبري، وقد جاء بعد عمه محمد بن أجود في حكم جزر البحرين، التي ضمها لحدود مملكته الجبرية الواسعة، في أغلب الافتراضات، في الربع الأول من القرن السادس عشر للميلاد. وغدت كل الأراضي الداخلية المتاخمة لخورفكان وصحار تابعة لقبيلة الجبور. إلا أن مقرن واجه خلافات جبرية داخلية في بداية حكمه. إذ تعرض لأول محاولة إغتيال على يد خاله صالح بن سيف بن زامل، الذي هجم على مقرن وحاول اغتياله بسبب طمعه بمملكمة الجبور الغنية من تجارة الخيول والتجارة البينية، وحصولها على جزر البحرين الغنية كذلك.
إذن وقف مقرن بن زامل الجبري ضد الخلافات الجبرية الداخلية وتغلب عليها، وضد طمع خواجه عطار أو عطاء الهُرمزي،  الذي طمع في البحرين عام 1511م، وتغلب عليه. لكن محاولته للتصدي للغزو البرتغالي للبحرين عام 1521م؛ قضت عليه نهائيًا بالاستشهاد في جزر البحرين وعلى تراب قلعتها الصامدة آنذاك.
مع أن (البوكيرك)، حين توجه في شهر أغسطس عام 1507 بسفنه الأربعة لاقتحام مسقط، كما يروي لنا هذه الحكاية: "في الليل سمعت وقواد الأسطول بعض الهرج والمرج في المدينة وأصوات ترتفع بالتهليل والتكبير، وشاهدنا نيران تشتعل، ولم نفهم معني كل هذا، فازداد الخوف بين جنود الأسطول البرتغالي من المجهول الذي ينتظرهم لو فكروا في اقتحام المدينة". ثم علم رجالي أنه قد وصلت إلى مسقط في الليل نجدة من حوالي عشرة آلاف مقاتل من داخل البلاد مزودين بالرماح والدروع والسيوف أرسلهم المدعو "بن جابر" من داخل عُمان لمساعدة المدينة ضد الغزو". كما يُضيف ثم أنه أثناء تقدمه شمالاً لغزو صحار، "عَلمَ بأن حاكمها الهُرمزي، استعان بقوة من الجبور أيضاً تُقدر بألفين من الفرسان على جيادهم وخمسة آلاف من المقاتلين المشاة".
وإن كانت تلك الإعداد البرتغالية العشوائية التي ذكرت عن قوة الجبور المرسلة لمساعدة مسقط وصحار مبالغ فيها من قبل البرتغاليين؛ إلا أن ما ذكره (البوكيرك) يعتبر أول معلومة برتغالية مكتوبة وموثقة عن طبيعة المواجهة الأولى للبرتغاليين وهي من عرب الجبور ومملكتهم التي أقاموها في وسط وشرق شبه الجزيرة العربية وجزر البحرين، وأجزاء من عُمان الداخل.

نزاع البرتغاليين والجبور على البحرين ..

حملة البرتغاليين الرئيسة للسيطرة على جزر البحرين؛ تمت في عهد الملك البرتغالي (أمانويل الأول)، وفي سنوات (دياﮔو لوبيز دي سكويرا) حاكم الهند البرتغالي (1518 – 1522م)، وبوجود (جارﮔيا – كوتينهو) قائد قلعة هُرمز، وبقيادة مباشرة من ابن أخيه المدعو (أنتونيو دي كوريا). وتم بدء العملية الكبرى ضد جزر البحرين وسلطة الجبور بها؛ في 15يونيو وانتهت في أغسطس عام 1521 م. أي بعد مضي أربعة عشر عاماً فقط من دخول البرتغاليين الخليج والسيطرة على هُرمز. وإن كانت قد جرت قبلها حملة أولية لأسباب متعددة 1520.

أين تركّز الغزو البرتغالي على البحرين؟ ..

تركز بين ساحل كرانه وكرباباد وقلعة البحرين وقريباً من البلاد القديم، ولم تتعدى المواجهات البرتغالية الجبرية، حدود هذه المنطقة. كما غدا الدور الدفاعي لقلعة البحرين؛ عنصرًا فاصلًا في مواجهة الغزو البرتغالي وتبعاته.
بعض ما خُفي من نزاع البرتغاليين والجبور على البحرين ..
إن الحقيقة المهمة جداً الماثلة أمام القوى الجبرية وغيرها في الخليج آنذاك؛ هي الخوف، والرهبة من القوة البرتغالية الحديثة بسلاحها الفتاك، "المدفعية"، التي ظهرت بيد البرتغاليين في الخليج لأول مرة. لدرجة أن مقاتلي الجبور- كما تذكر المصادر البرتغالية- تراجعوا بعض الشئ أمام عنف الهجوم وقوة المدافع الفتاكة.
فماذا تضمن السلاح البرتغالي المستخدم في غزو مناطق الخليج وعُمان؟
اعتمدت البحرية العسكرية البرتغالية في سيطرتها على الأسلحة التالية:
1- السفن الضخمة عابرة المحيطات،
2- السلاح الناري من البارود وكرات المدافع،
3- بنادق البارود،
4- السيوف،
5- السهام، الرماح والخناجر والفؤوس, وغيرها،
1- الخيول، (الدبابة أو المدرعة اليوم).
2-

من حكم البحرين والقلعة بعد (كوريا)؟..

تأكيداً لما جرى عام 1521م، فإن (كوريا) بعد حوالي أسبوعين فقط قضاهما في البحرين في شهر أغسطس، وبسبب الحرارة الشديدة والرطوبة؛ أصابه الملل والسأم؛ فعاد إلى هُرمز. وترك، وفقاً للمصادر البرتغالية، مفرزة من جنود هُرمز الذين جاءوا معه تحت قيادة رجل مسن اسمه (بقاط)!! لا نعلم من هو، لمن ذاك يعني بأن الحاكم كان من خارج البحرين، وقائد المفرزة العسكرية المهاجمة من خارج البحرين وبالطبع الغزاة من خارج البحرين البحرين كذلك!!
البرتغاليون الذين كانوا في البحرين، لم يستقروا بها سوى ثلاثة أشهر تقريباً، حيث تذكر المصادر البرتغالية أن رئيس المكتب الجمركي ومعاونيه قد قُتلوا على يد الهرامزة الذين اتفقوا مع (توران شاه الرابع) على الثورة بمساعدة وزير هُرمز شرف الدين الفالي. وتولى الهرامزة من جديد السيطرة على البحرين لمدة معينة حتى عام 1523، بعد اتفاقية "ميناب" بين البرتغاليين والشاه محمد الثاني في هُرمز.
وفي قسم خاص يسمى (As Gavetas) أي الإدراج، في الأرشيف البرتغالي العام في لشبونة؛ توجد رسالة من قائد قلعة هُرمز البرتغالي إلى ملك البرتغال، بعد حوالي 8 سنوات من غزو البحرين عام 1521، يقول فيها بالحرف: "سبق لملك هُرمز أن عيَّن في البحرين حاكماً يسمى الرئيس بدر الدين، (Rex Badradim)، وهو قريب لشرف الدين [الفالي] وزير هُرمز".  وهذا يدحض من يَزعُم بوجود ثورة من أهل البحرين ضد البرتغاليين بين عامي 1521-1529م. هؤلاء البعض ممن يهرفون بما لا يعرفون، فيختلط عندهم الحابل بالنابل عندهم، سواء قصداً أ م جهلاً.
إذ يتكلم أمثال هؤلاء عن شخص يُدعى (حسين الجبري)، زاعمين بأنه قاد ثورة أهل البحرين ضد البرتغاليين بعد هزيمة الجبور فيها عام 1521. بينما كل الوثائق والمصادر القديمة؛ تذكر بأن (حسين الجبري) هذا غدا حاكماً لصحار العُمانية، بعد أن ولاه البرتغاليون حكم ذاك الميناء العُماني الذي كان يتبع مملكة هُرمز في امتدادها العربي على الساحل الغربي للخليج. والحال يقول بأن أي حديث خاطئ نقلاً عن أي مرجع أو جهة غير علمية وغير مُعتبره؛ حول معطيات الغزو والوجود البرتغالي في الخليج والبحرين؛ لا يُعتد به أبدًا. فالأمير مقرن بن زامل الجبري، أو الملك، كما سماه البرتغاليون، استُشهد في صيف عام 1521م في جزر البحرين إثر تصديه للغزو البرتغالي لها ضمن جيشه المكون أساسًا من بعض مجموعات قبلية عربية مختلطة ومتباينة المشارب والأهداف، وقد جلبهم الجبور من شبه الجزيرة. ولم يستعن السلطان مقرن بأهل البحرين في قتاله ضد البرتغاليين. إذ كانت قوات الجبور مؤلفة من فرسان عرب من شبه الجزيرة، وبعض الرماة من الفرس، وعدد أقل من الفرسان الأتراك. وبلغ عدة جيشه – بحسب المصادر البرتغالي- حوالي 11,000 من المقاتلين المزودين بأسلحة مختلفة، وهو رقم مشكوك فيه. صحيح أن قادة جيش مقرن كانوا من ذوي الخبرة والممارسة الحربية؛ لكنهم لم يواجهوا من قبل جيشًا أوروبيًا مسلحًا بشكل جيد مثل الجيش البرتغالي.
بعد استشهاد السلطان مقرن في معركة البحرين، تلاشت مملكة الجبور نهائيًا من الخريطة السياسية للمنطقة، وتفرق زعمائها في أصقاع شبه الجزيرة العربية والعراق وعُمان. ومنهم (حسين الجبري) الذي ظهر قرب صحار في ثورة الخليج الأولى بقيادة شاه هُرمز ووزيره شرف الدين الفالي، ضد البرتغاليين في 30 نوفمبر عام 1521م، واتفق البرتغاليون معه على أن يُحكم صحار إذا ساعدهم في احباط جزء من ثورة الخليج في صحار، وتم له هذا. تلك كل الحكاية، ولا علاقة له بحكم البحرين ولا توليته عليها من قبل البرتغاليين، فهل بلغ تفكير البرتغاليين وسوء توجههم وسفههم؛ أن يولّوا مسؤولًا جبريًا على جزر البحرين بعد أن تم لهم طرد الجبور منها عسكريًا قبل 3 أشهر فقط من تلك الثورة الخليجية الكبرى؟ لكننا أمام من يهرف بما لا يعرف!!
أما بالنسبة لمملكة هُرمز فلم تكن فارسية ولا صفوية كما يتصور البعض ويُجيّروا هذا لصالح كتاباتهم. إذ أن مملكة هُرمز العربية في حدودها، العالمية في سكانها وسياستها ومنهجها ونظامها الاقتصادي؛ كانت منطقة تجارة حُرة ومفتوحة للجميع. أم عن أصولها الأولى، فكما ذكر (توران شاه) أحد ملوك هُرمز؛ إنه في عام 1100م (493هـ) تقريبًا، كان لهُرمز القديمة سلالة خاصة من الحكام العرب. وقد دون هذا الملك عملًا تاريخيًا أطلق عليه الشهنامة (شاه نامه) أي (تاريخ الملوك)، وقال إنه بدأه مع قصة آدم عليه السلام وبداية العالم. إلا أن هذا العمل للأسف مفقود حاليًا، وليس لدينا معلومات عنه، ولا يوجد إلا مجرد ملخص له ذكره لنا المؤرخ البرتغالي (تيشيرا) في كتابه الموسوم بـ "رحلات أو أسفار بيدرو تيشيرا". أي ليس للصفويين علاقة بهذا الأمر لأن جزر البحرين لم تقع تحت السيطرة الفارسية الصفوية إلا عام 1602 فقط.
والحقيقة التي لابد من ذكرها والتأكيد عليها وبعيدًا عن المجاملة والنظر بعين واحدة؛ أن ملك هُرمز"توران شاه الرابع"، هو الذي شجع البرتغاليين عام 1521 على احتلال جزر البحرين، من أجل القضاء على خطر الجبور فيها. إذ كانت الدوافع طمع الهرامزة والبرتغاليين بثروة البحرين من منتجات زراعية، ومياه عذبة، ولؤلؤ، وهو ما تفتقر إليه هُرمز تمامًا. من جانبه، كما يبدو أن مقرن كان لديه طموح خَفي في العمل على السيطرة على مضيق هُرمز.
أما ما يُخص تمرد البحرين عام 1529م، فليس له علاقة بأهل الجزر من الناس العاديين، بل إن من قاد هذا التمرد تاريخيًا، هم الهرامزة أيضًا، إلا إذا اعترفنا بأن الهرامزة هم أهل البحرين وليسوا غزاة طامعين بها كالبرتغاليين تمامًا!! ولنقرأ الحكاية كما وردت عن تمرد جزر البحرين عام 1529؛ كما دونت في رسالة مؤرخة في نوفمبر عام 1529، كتبها كريستوفاو دي ميندونسا (Cristóvão de Mendonça)، القبطان الخامس لهُرمز. فقد كان لهذه الانتفاضة نتيجة غير متوقعة. إذ كان سببها نفي شرف الدين الفالي وزير هُرمز إلى البرتغال، لأنه، وبحسب المصادر البرتغالية، أظهر عداءً للمصالح البرتغالية في الخليج. ومن بين أقوى العلاقات بين شرف الدين وأفراد عائلته المنتشرين في أجزاء مملكة هُرمز؛ كانت علاقته بابن أخيه، الرئيس بدر الدين، حاكم البحرين، الذي قاوم كل محاولات البرتغاليين في الحصول على الضرائب منه. إضافة لذلك، انتقم بدر الدين من البرتغاليين لما فعلوه بعمه بعد نفيه من هُرمز بمذلة واضحة، من خلال ذبح الحامية البرتغالية في البحرين وشنق قائدها على إحدى أشجار النخيل في هذا التمرد عام 1529.
وبالنظر إلى أن بدر الدين قد ألحق أضرارا جسيمة، (muito agravos)، كما تشير المصادر البرتغالية، بالبحرين من وجهة نظر السياسية البرتغالية؛ فقد أرسل نائب الملك في الهند، (نونو دا كونيا)؛ قوة تأديبية لقمع التمرد في البحرين واستعادة النظام تحت قيادة شقيقه (سيماو دا كونيا)، الذي سرعان ما أظهر قلة خبرته العسكرية في هذه الحملة، وسوء المعلومات التي كان يمتلكها حول قلعة البحرين، بأنها أضحت مجرد أطلال بعد فشل ثورة عام 1521، فيسهُل ضربها واقتحامها. وهذه تُعدُّ واحدة من المناسبات العديدة التي أظهرت فيها المخابرات البرتغالية قلة خبرتها في تحديث معلوماتها القديمة وغير الدقيقة عن المنطقة. ويذكر التقرير البرتغالي الصريح بأن المقاومة المحلية في جزيرة البحرين كانت شرسة من قبل الوالي الهُرمزي، مما تسبب في نفاد الإمدادات البرتغالية من البارود. وتلك حكاية أخرى لن نقف عندها، لكنها معلومة فقط نضعها أمام أمثال من يعتقدون بأن الكتابة في التاريخ غدت عملية سهلة لأن التاريخ، من وجهة نظرهم، هو "الطوفة الهبيطة"!! والسلام.