DELMON POST LOGO

سيرة الامام الحسين الى كربلاء .. تاريخ وبطولات ومواقف 3-6

الامام الحسين : خرجت لطلب الإصلاح فمَن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ومَن ردّ عليَّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم

بقلم : الشيخ حميد المبارك

ليس هذا المقال تحقيقاً تاريخياً ولا بحثاً عقائدياً، وإنما هو إشارات تهدف إلى فهم نهضة كربلاء ضمن الأطُر العامة في السيرة العقلائية، وفي سيرة النبي والأئمة قبل وبعد الحسين.

ولأن الشواهد الذي ذكرها أهل السِّيَر، قد تكون في الأصل مُحتفّة بالقرائن والسياقات التاريخية، والتي لو وصلت إلينا، لكان لها تأثير على الاستنتاج، فإن هذا المقال لا يسوق تلك المرويات كأدلة، وإنما تنبيهاً على تلك الأطُر العامة المشار إليها، وترسيخاً لمبدء فهم السيرة وفق الغاية المناسبة لظاهر الحدث، دون اللجوء إلى التأويل إلا بحجة قطعية.

ولابد من التنبيه على إن محاولة هذه المقالة تفسير كربلاء وفق المُعطيات الظاهرية، لا يتنافى مع العقيدة الشيعية في الامام وعصمته وعلمه، ولا تعكس اتجاهاً عقائدياً خاصّاً. وإنما هي عرض لإمكان هذا النوع من القراءة، والذي يمكن أن ينسجم مع كل الاتجاهات المذهبية المختلفة أيديولوجياً.  والتاريخ شاهد بأن المواقف السياسية للنبي والأئمة لا تخرج عن الأمر العقلائي في موازنة القوى، والمعطيات الواقعية للأحداث.

جواب الحسين عن بعض الآراء.

عمر الأطرف: فقال له عمر الأطرف بن أمير المؤمنين: حدّثني أبو محمّد الحسن عن أبيه أمير المؤمنين، أنّك مقتول، فلو بايعت لكان خيراً لك. قال الحسين : حدّثني أبي أنّ رسول الله أخبره بقتله وقتلي، وإنّ تربته تكون بالقرب من تربتي، أتظنّ أنّك علمت ما لم أعلمه؟، وإنّي لا أعطي الدنيّة من نفسي أبداً، ولتلقين فاطمة أباها شاكية ممّا لقيت ذريّتها من اُمّته، ولا يدخل الجنة من آذاها في ذريّتها. انتهى.

وقد تقدم أن فرض علمه بقتله لا ينافي سيره حسب المعطيات الظاهرية في شروط الاستعداد للحركة.

عبد الله ابن عباس: وروى أبو مخنف: عن الحارث بن كعب الوالبي، عن عقبة بن سمعان: أن حسينا لما أجمع المسير إلى الكوفة أتاه ابن عباس فقال: يا ابن عم إنه قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق، فبين لي ما أنت صانع؟ فقال: إني قد أجمعت المسير في أحد يوميّ هذين إن شاء الله تعالى. فقال له ابن عباس: أخبرني إن كان قد دعوك بعد ما قتلوا أميرهم ونفوا عدوهم وضبطوا بلادهم فسر إليهم، وإن كان أميرهم حي وهو مقيم عليهم، قاهر لهم، وعماله تجبي بلادهم، فإنهم إنما دعوك للفتنة والقتال، ولا آمن عليك أن يستفزوا عليك الناس ويقلبوا قلوبهم عليك، فيكون الذي دعوك أشد الناس عليك. فقال الحسين: إني أستخير الله وأنظر ما يكون. فخرج ابن عباس عنه، ودخل ابن الزبير فقال له: ما أدري ما تركنا لهؤلاء القوم ونحن أبناء المهاجرين، وولاة هذا الأمر دونهم، أخبرني ما تريد أن تصنع؟. فقال الحسين: والله لقد حدثت نفسي بإتيان الكوفة، ولقد كتب إلىّ شيعتي بها وأشرافها بالقدوم عليهم، وأستخير الله. فقال ابن الزبير: أما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت عنها. فلما خرج من عنده، قال الحسين: قد علم ابن الزبير أنه ليس له من الأمر معي شيء، وأن الناس لم يعدلوا بي غيري، فود أني خرجت لتخلو له. فلما كان من العشي أو من الغد، جاء ابن عباس إلى الحسين فقال له: يا ابن عم! إني أتصبر ولا أصبر، إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك، إن أهل العراق قوم غدر فلا تغترن بهم، أقم في هذا البلد حتى ينفي أهل العراق عدوهم ثم أقدم عليهم، وإلا فسر إلى اليمن فإن به حصونا وشعابا، ولأبيك به شيعة، وكن عن الناس في معزل، واكتب إليهم وبث دعاتك فيهم، فإني أرجو إذا فعلت ذلك أن يكون ما تحب. فقال الحسين: يا ابن عم! والله إني لأعلم أنك ناصح شفيق، ولكني قد أزمعت المسير. فقال له: فإن كنت ولا بد سائرا فلا تسر بأولادك ونسائك، فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه. ثم قال ابن عباس: أقررت عين ابن الزبير بتخليتك إياه بالحجاز، فوالله الذي لا إله إلا هو لو أعلم أنك إذا أخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع عليّ وعليك الناس أطعتني وأقمت لفعلت ذلك. انتهى.

والحوار في هذه الفقرة لا يوحي بشيء خارج سياق القدرة على الامتناع، بل إن كلامه لابن الزبير يؤيدها: والله لقد حدثت نفسي بإتيان الكوفة، ولقد كتب إلىّ شيعتي بها وأشرافها بالقدوم عليهم، وأستخير الله.

محمد بن الحنفية: قال له محمد: ولستُ أدّخر النّصيحة لأحد من الخلق إلا لك وأنت أحقّ بها، تنحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم ابعث برسلك إلى النّاس، فإنْ بايعوك حمدتَ الله على ذلك، وإنْ اجتمعوا على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك، ولم تذهب مروءتك ولا فضلك، وإنّي أخاف عليك أنْ تدخل مصراً من هذه الأمصار فيختلف النّاس بينهم فطائفة معك واُخرى عليك فيقتتلون، فتكون لأول الأسنّة غرضاً،،فإذا خيرُ هذه الاُمّة كلّها نفساً وأباً واُمّاً، أضيعها دماً، وأذلّها أهلاً. فقال الحسين: فأين أذهب؟، قال: تنزل مكّة فإنْ اطمأنّت بك الدار، وإلا لحقت بالرمال وشعب الجبال وخرجت من بلد إلى آخر حتّى تنظر ما يصير إليه أمر النّاس، فإنّك أصوب ما تكون رأياً وأحزمه عملاً، حتّى تستقبل الاُمور استقبالاً ولا تكون الأمور أبداً أشكل عليك منها حين تستدبرها استدباراً. فقال الحسين: يا أخي، لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى، لَما بايعت يزيد ابن معاوية. انتهى.

وجواب الامام لمحمد بن الحنفية لا يريد به  تفسير خروجه بأهله وإخوته وأصحابه، وإنما غايته أنه مستعد لتحمل المشاق والمصاعب بشخصه من أجل تجنب بيعة يزيد. ويوجد فرق بين أن يتخذ الانسان موقفاً أو رأياً قد يؤدي إلى وقوعه شخصياً في مخاطر، وبين أن يُقدم على معركة بأهله وأصحابه وهو يعلم، حسب المعطيات، أنها خاسرة، ثم لا تكون تبعاتها عليه وحده، بل على كل من معه، ومنهم على النساء والأطفال الذين لم يختاروا تلك المعركة. وكان عمل الحسين في خروجه من المدينة إلى مكة موافقاً لرأي محمد الحنفية، كما تقدم في الحوار: فقال الحسين: فأين أذهب؟، قال: تنزل مكّة فإنْ اطمأنّت بك الدار، وإلا لحقت بالرمال وشعب الجبال وخرجت من بلد إلى آخر حتّى تنظر ما يصير إليه أمر النّاس.

وكذلك ما جاء في وصيته لمحمد بن الحنفية:  وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي (ص)، اُريد أنْ آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب، فمَن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومَن ردّ عليَّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم، وهو خير الحاكمين. .. انتهى.

فإن مضامين الوصية تتفق مع ما تقدم من رفض الحسين محاولة يزيد السيطرة التامة على الوضع السياسي والمعنوي، لكن ذلك لا ينفي ما تقدم من كون كل ذلك ضمن إطار كونه ذا منعة وشوكة.

... يتبع