بقلم :عبد الرسول ديفسلار
أثارت وفاة محساء أميني البالغة من العمر 22 عامًا بعد اعتقالها من قبل شرطة الآداب الإيرانية احتجاجات في جميع أنحاء البلاد في إيران. قمعت قوات الأمن الإيرانية بعنف التظاهرات سلمية في الغالب ، وقتلت مئات المتظاهرين ، وفقا لتقديرات منظمات حقوق الإنسان ، واعتقلت الآلاف. في الوقت نفسه ، لفت تطوران عسكريان الانتباه.
أعلن الحرس الثوري الإسلامي عن سلسلة من الضربات العسكرية ضد جماعات المعارضة الكردية المسلحة في 42 موقعا في أنحاء إقليم كردستان العراق. بدأت الضربات في 24 سبتمبر ، وادعى القائد العام للقوات البرية للحرس الثوري الإيراني ، العميد محمد باكبور ، أنه تم استخدام 73 صاروخًا باليستيًا وعشرات الطائرات بدون طيار لضرب مراكز القيادة الرئيسية وملاجئ جماعات المعارضة الكردية في أربيل والسليمانية. بعد أسبوع واحد فقط ، بدأت القوات البرية التابعة للحرس الثوري الإيراني تدريبات استمرت ثلاثة أيام في منطقة واسعة تغطي مقاطعتين شمال غربي البلاد على الحدود مع أرمينيا وأذربيجان. تقوم طهران بانتظام بضربات ضد الجماعات الكردية وأجرت تدريبات سابقة ردًا على التوترات في ناغورنو كاراباخ ، لكن التدريبات الأخيرة جاءت خلال فترة هدوء في الاشتباكات وحوار سياسي بين أرمينيا وأذربيجان ، لذا فإن التوقيت يثير تساؤلات بشأن الأساس المنطقي لهذه التطورات العسكرية . لسببين رئيسيين يبدو أن الأنشطة العسكرية الإيرانية مرتبطة بشكل أكبر بالاضطرابات الداخلية واسعة النطاق. أولاً ، خوفًا من تلاقي التهديدات الداخلية والخارجية ، تسعى الجمهورية الإسلامية إلى استعادة الردع وإظهار القوة. إنها إشارة إلى إدراك النظام المتنامي للضعف وسط الاضطرابات الداخلية.
وثانيًا ، تستفيد استراتيجية القمع للجمهورية الإسلامية من عملية عسكرية خارج حدود إيران يمكن أن تستخدمها للمبالغة في التهديدات الانفصالية. ما تفسره العقيدة العسكرية الإيرانية بشأن الاضطرابات الداخلية أحد الأبعاد المهمة للعمليات العسكرية الأخيرة هو مخاوف القيادة من التهديدات الخارجية وسط الأزمات الداخلية. منذ أوائل عام 2000 على الأقل ، حددت العقيدة العسكرية الإيرانية أحد سيناريوهات الحرب المستقبلية على أنها حرب مختلطة قد تتزامن فيها احتجاجات وطنية واسعة النطاق مع هجوم عسكري خارجي. هناك شعور قوي بين النخب العسكرية بأن الأعداء ، مثل إسرائيل والولايات المتحدة ، قد يرون فرصة لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية والهياكل العسكرية الحيوية في خضم أزمة داخلية. على هذا النحو ، يشعر القادة العسكريون الإيرانيون بالقلق من أن الاضطرابات الداخلية قد تكون ذريعة لضرب إيران.
مثل هذه المخاوف بشأن مخاطر الحرب في منتصف فترات عدم الاستقرار الداخلي تنبع ، على وجه الخصوص ، من هجوم صدام حسين عام 1980 على إيران. قال كبير الإستراتيجي العسكري والمؤرخ الإيراني الجنرال محمد دوروديان ، الذي كان مسؤولاً في السابق عن صياغة العقيدة العسكرية الإيرانية ، إن "قرار الدكتاتور العراقي تأثر بتقديراته لحجم عدم الاستقرار الداخلي وضعف الدولة بعد الثورة الإسلامية". وفي معرض التعبير عن إيمان مشترك بالجيش الإيراني ، قال دورديان: "كان صدام غير راضٍ عن معاهدة الجزائر لعام 1975 ، ومع الضوء الأخضر للقوى الخارجية التي قدّمت أن هذا هو الوقت المناسب لحل عسكري لنزاعاتها".
في الواقع ، يخشى القادة العسكريون الإيرانيون من مخاطر انتهازية عسكرية مماثلة في الظروف الحالية. ووفقًا لهذا الرأي ، قد يفترض أعداء إيران أن أزمة داخلية كبيرة يمكن أن تؤدي إلى انشقاقات في صفوف القوات المسلحة وتؤثر سلبًا على استعداد وحسم الرد الإيراني.
أيضًا ، تشير الاضطرابات إلى ضعف الجمهورية الإسلامية ، مما قد يؤثر على حسابات الخصوم حول القوة الإجمالية للقوات المسلحة. وبالتالي ، يزعم الذين يروجون لهذه الحجة أن الحسابات الخاطئة حول قوة إيران يمكن أن تزداد ، مما يزيد من مخاطر المواجهة العسكرية وسط الأزمة الداخلية. ووفقًا لهذا المنطق ، فإن العملية العسكرية خارج الحدود الإيرانية والتدريبات العسكرية في المنطقة الحدودية الشمالية الغربية تشير إلى استعداد القوات المسلحة وحسمها ، على الرغم من الاضطرابات في البلاد. الهدف الاستراتيجي هو الحد من احتمال حدوث سيناريو يتصاعد فيه تهديد عسكري خارجي وتهديدات داخلية في وقت واحد ، مما قد يكون قاتلاً للجمهورية الإسلامية.
لذا ، تسعى القيادة إلى إقناع خصومها بأنه بينما تسعى إيران للسيطرة على الاضطرابات الداخلية ، فإن قدراتها العسكرية لن تتأثر سلبًا. قد يفسر نفس الأسلوب في التفكير سبب اختيار المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الظهور في حفل تخرج ضابط عسكري إلى جانب كبار القادة العسكريين في 3 أكتوبر ، بعد فترة من الغياب عن الاجتماعات العامة.
كما تسعى وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري الإيراني إلى نشر صورة للقوة العسكرية الإيرانية من خلال وصف الأنشطة الأخيرة بأنها "ممارسة تكتيك جديد مشترك للصواريخ والطائرات بدون طيار". العمليات العسكرية كجزء من استراتيجية القمع في 30 سبتمبر ، أصدرت وزارة المخابرات الإيرانية بيانًا زعمت فيه أنه تم اعتقال 77 عضوًا من الجماعات الانفصالية الكردية. واتهمت الوزارة المعتقلين بقيادة الاحتجاجات وتأجيج العنف في إيران. من ناحيتين على الأقل ، أصبحت العملية العسكرية في كردستان العراق جزءًا مكملًا لاستراتيجية القمع للنظام.
أولاً ، هدف السلطات هو الاستفادة من مشاعر القومية الإيرانية والتلاعب بها وإذكاء المخاوف من الانفصالية لمحاولة إحداث صدوع في الدعم العام للانتفاضة. بالنسبة للمؤسسة الأمنية ، فإن التهديد بالانفصال ، أو شبح الحرب الأهلية ، هو أداة لإقناع الطبقة الوسطى بالتخلي عن الاحتجاجات على مستوى الشارع. في حديثه مع اثنين من الخبراء البارزين في القضايا العرقية والكردية في طهران ، أكد كلاهما أن أجهزة المخابرات الإيرانية تسهل سرًا أنشطة جماعات المعارضة.
يبدو أن إعطاء هذه الجماعات مساحة للعمل يساعد الجمهورية الإسلامية في أوقات الأزمات على استغلال الخوف من الانفصالية كأداة لإدارة التصور العام.
ثانيًا ، تستخدم السلطات الإيرانية التهديد بالانفصال كمبرر لعمليات القمع القاسية واستخدام القوة تحت عنوان الحفاظ على الأمن القومي. يمكن للسلطات أن تبني أساسًا قانونيًا لأقصى قدر من القمع على أساس مسؤولية الدولة عن حماية وحدة أراضي إيران. يتمثل جزء أساسي من حملة المعلومات المضللة للجمهورية الإسلامية في نقل رسالة إلى الجمهور مفادها أن قوات الأمن تقاتل ضد العناصر الانفصالية الممولة من الخارج والتي اختطفت الاحتجاجات ، في حين لا يتم توجيه أي استخدام حكومي للقوة تجاه الجمهور الإيراني الأوسع. يساعد بناء أساس قانوني يمكن القول عنه للقمع ، داخليًا ، على تعزيز شرعية النظام. ما ينتظرنا في المستقبل؟ من غير المرجح أن تسعى طهران إلى إشعال فتيل تصعيد إقليمي كجزء من إخراج قضاياها الداخلية.
تتبع استراتيجية طهران نموذجًا معقدًا من التكيف العقلاني مع بيئة التهديد المتطورة. قد يكون من المضلل إجراء مقارنة تاريخية خطية مع تصعيد 2019 و 2020 عندما قررت طهران رفع مستوى التهديد تجاه الجهات الفاعلة الإقليمية ردًا على حملة "الضغط الأقصى" التي شنتها إدارة الرئيس السابق دونالد جيه ترامب. الآن ، يبدو أن الأولوية القصوى لطهران هي منع التقارب المحتمل بين التهديدات الداخلية والخارجية. على عكس الادعاءات القائلة بأن إيران قد تقرر توجيه ضربة عسكرية ضد المصالح السعودية والضغط على الجهات الفاعلة الإقليمية في النقاط الساخنة مثل اليمن ، فمن المرجح أن تظل طهران مركزة على تعزيز موقفها الرادع والسعي إلى أقصى حد من القمع داخل إيران. تشمل الخيارات الممكنة استئناف العمليات العسكرية داخل العراق (على ثقة من أنه لن تستجيب حكومة العراق ولا حكومة إقليم كردستان ، إن وجدت ، بأي طريقة يمكن أن تؤدي إلى التصعيد). حذر رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية ، اللواء حسين باقري ، السلطات في كردستان من استئناف العمليات إذا لم يتم اتخاذ إجراءات للحد من أنشطة الجماعات الانفصالية. خيارات أخرى مثل الخطاب القاسي من القادة العسكريين حول تكاليف التدخل الأجنبي ، مثل تحذير القائد العام للحرس الثوري الإيراني ، اللواء حسين سلامي ، بشأن تدخل المملكة العربية السعودية في الشؤون الإيرانية من خلال وسائل الإعلام ، وقد تكون التدريبات العسكرية الجديدة على الجدول أيضا.
نظرًا لأن الخوف الوجودي للقيادة الإيرانية يتصاعد في مواجهة الاضطرابات المستمرة ، فقد لا يمكن التنبؤ به في ردود أفعالها على التطورات العسكرية الإقليمية مثل التعزيزات الجديدة في القواعد الأمريكية في المنطقة أو المحادثات الدولية حول الخيارات العسكرية ضد برنامج إيران النووي.
-------------------------------------------------- ---------
• عبد الرسول ديفسلار
خبير في السياسة الخارجية والدفاعية لإيران. هو زميل غير مقيم في معهد الشرق الأوسط وأستاذ زائر في جامعة كاتوليكا ديل ساكرو كور في ميلا.
