يبدو أن أنصار إيران يستخدمون نهج العصا والجزرة لاستمالة السياسيين السنة ، بهدف تفتيت المعسكر السني في أي انتخابات مستقبلية وتسهيل الضغط على قادته
بقلم : مصعب الألوسي *
فاز أنصار مقتدى الصدر بأغلبية المقاعد في البرلمان العراقي في انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) 2021 البرلمانية ، وشكلوا ائتلافًا وقدموا برنامجًا كان من شأنه أن يحد من نفوذ إيران. ومع ذلك ، من المرجح أن تؤدي خطوته الأخيرة التي تدعو مؤيديه إلى الاستقالة من البرلمان إلى عودة النفوذ الإيراني.
كان الصدر يهدف إلى تشكيل حكومة أغلبية من شأنها أن تتجاوز الترتيب التقليدي لحكومة الوحدة الوطنية السائدة في العراق منذ عام 2003. وذكر ، على سبيل المثال ، أنه يريد حكومة "ليست شرقية ولا غربية" ، أي بدون حكومة أجنبية. وذكر أيضًا أنه لن يكون هناك مكان للميليشيات في البلاد إذا شكل الحكومة ، مما يعني أنه سينزع سلاح الميليشيات المتحالفة مع إيران. الآن ، يتزايد الضغط على حلفاء الصدر السابقين ، وستقوم الجماعات المتحالفة مع إيران إما بتشكيل الحكومة أو أن تكون في وضع أفضل بعد الانتخابات المبكرة.
هذه النتيجة الأخيرة هي دالة للتاريخ السياسي الحديث للعراق. اكتسبت إيران ، من خلال المؤيدين والوكلاء السياسيين والمسلحين ، نفوذاً هائلاً في العراق بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. هادي العامري ، القيادي البارز في `` إطار التنسيق '' وقائد `` الحشد الشعبي '' ، قضى عقودًا في إيران وقاتل إلى جانب القوات الإيرانية في الحرب العراقية الإيرانية. علاوة على ذلك ، قاد نوري المالكي ، الذي شغل منصب رئيس وزراء العراق لفترتين ، معسكرا عسكريا في إيران في الثمانينيات. بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 ، وخاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة في عام 2011 ، أصبح النفوذ السياسي الإيراني منتشرًا لدرجة أن أحد العلماء أطلق على طهران لقب ملك صانعي الملوك في العراق.
ومع ذلك ، أدى تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلاد إلى رد فعل عنيف ضد النفوذ الإيراني. فعلى سبيل المثال ، أضرم المتظاهرون في 2019 النار في القنصلية الإيرانية في كربلاء وطالبوا إيران بوقف تدخلها في العراق. وبعد أسابيع قليلة أضرم المتظاهرون النار في القنصلية الإيرانية في النجف وهتفوا "إيران أخرجي من العراق". أجبر الضغط الاجتماعي المتزايد الحكومة العراقية على الاستقالة والدعوة إلى انتخابات مبكرة. وفازت قائمة الصدر بأغلبية الأصوات واستهدفت تشكيل حكومة أغلبية على عكس رغبات إيران. وحث هذا العميد اسماعيل قاآني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري على زيارة الصدر أكثر من مرة. لعب إصرار الصدر على استبعاد حلفاء إيران ، وخاصة المالكي ، دورًا كبيرًا في خلق المأزق السياسي منذ انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) 2021 بشأن تشكيل الحكومة. بعد خروج الصدر من المشهد السياسي ، فاز `` إطار التنسيق '' ، المؤلف من شخصيات وجماعات متحالفة مع إيران ، بمعظم المقاعد التي تركتها كتلة الصدر ، وهي نتيجة قد تضر بمصداقية الصدر كشريك في مراحل مستقبلية من تجارة الخيول. بناء التحالفات ، عندما يفكر الحلفاء السياسيون المحتملون في التحالف معه.
تحالفت الكتلة السنية ، بقيادة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ورجل الأعمال خميس الخنجر ، مع الصدر في محاولة لتشكيل حكومة أغلبية ، لكنهم واجهوا ضغوطًا هائلة من إيران وحلفائها للانفصال عن ائتلافه. اتحدت الأحزاب السياسية السنية بشكل فريد خلال انتخابات عام 2021. ومع ذلك ، فإن هذه الكتلة السنية تواجه تحديات هائلة. حتى قبل انسحاب القوى السياسية للصدر وحلفائه من البرلمان ، كان هناك هجوم على مقر حزب الحلبوسي السياسي. واستهدف هجوم آخر مقر حزب عزم الخنجر. كما أعادت الشخصيات المتحالفة مع إيران إحياء السياسيين السنة الذين تم تهميشهم سابقًا لزرع الفتنة داخل المعسكر السني. في خضم الصراع السياسي بين الصدر وحلفائه السنة من جهة ، وإطار التنسيق من جهة أخرى ، تم إطلاق سراح رافع العيساوي ، وزير المالية السابقة والزعيم السني الشعبي. بالإضافة إلى ذلك ، سُمح لعلي حاتم سليمان ، وهو سياسي سني مشهور آخر ، بالعودة إلى بغداد بعد إسقاط التهم الموجهة إليه. واتهم سليمان بالإرهاب ونفي ثماني سنوات بعد اشتباكه مع المالكي. يبدو أن أنصار إيران يستخدمون نهج العصا والجزرة لاستمالة السياسيين السنة ، بهدف تفتيت المعسكر السني في أي انتخابات مستقبلية وتسهيل الضغط على قادته.
كما واجه الحزب الديمقراطي الكردستاني ضغوطاً من القوات الموالية لإيران للانفصال عن كتلة الصدر. تعكس المواجهة السياسية الحالية بشأن رئاسة العراق بين مسعود بارزاني ، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني والرئيس السابق لحكومة إقليم كردستان ، وأولئك الذين يتماشون مع إطار التنسيق توترات سياسية ذات تاريخ طويل. وفي لقاء مع وفد أمريكي رفيع المستوى ، اشتكى بارزاني من دور الميليشيات الشيعية في عام 2017. وفي المقابل ، تعهدت الميليشيات الشيعية بمحاربة القوات الكردية بعد أن دعا بارزاني إلى إجراء استفتاء على استقلال كردستان. في عام 2020 ، اقتحم أنصار الميليشيات الشيعية مكتب الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد وأشعلوا فيه النيران. كما أحرق المتظاهرون العلم الكردي وداسوا على صور بارزاني. بالإضافة إلى ذلك ، كانت هناك عدة هجمات على أربيل من قبل القوات المدعومة من إيران للضغط على بارزاني لإعادة النظر في تحالفه السياسي مع الصدر. تحالف الحزب الديمقراطي الكردستاني مع الصدر فرض ضغوطا من إيران. الآن ، مع انسحاب الصدر ، يتصاعد الضغط أكثر. على سبيل المثال ، أصدر زعيم في تحالف فتح المتحالف مع إيران تهديداً مباشراً لكل من الحلبوسي والبارزاني. وقال إنه سيجر كلاهما إلى حكومة سيتم تشكيلها من خلال الإطار التنسيقي ، مهددا بوجود ستة ألوية من الحشد الشعبي على الحدود مع كردستان.
قد تكون مناورة الصدر مناورة تكتيكية لتسليم البلاد إلى حلفاء إيران بهدف استراتيجي هو سحب البساط من تحت أقدامهم بسبب الضغط الاجتماعي المتزايد على النظام السياسي. ويبقى من غير الواضح ما إذا كانت مثل هذه الاستراتيجية ستنجح ، وإلى متى ، إذا نجحت ، فسوف تؤتي ثمارها. بغض النظر عن مزايا هذه الاستراتيجية ، سيكتسب حلفاء إيران نفوذًا أكبر بكثير في الحكومة على المديين القصير والمتوسط. ومن المؤكد أنهم سيستخدمون موارد الدولة العراقية ليس فقط لتقوية موقفهم ولكن أيضًا للضغط على حلفاء الصدر السياسيين السابقين. على المدى القصير على الأقل ، سيتسع نفوذ إيران ، خاصة وأن السنة والأكراد يفتقرون إلى القوة السياسية لمواجهة إطار التنسيق بدون الصدر. على الرغم من أن الصدر قد تم إحصاؤه عدة مرات من قبل وتمكن من إعادة تأكيد نفوذه وأتباعه ، إلا أنه من الصعب أن نرى كيف أن مناورته الحالية لا تساعد ، في المستقبل المنظور ، منافسيه السياسيين على حسابه.
----------------------------------------------
** مصعب الألوسي باحث يركز على العراق وإيران والجماعات المسلحة الشيعية غير الحكومية. وهو حاصل على درجة الدكتوراه من مدرسة فليتشر بجامعة تافتس ومؤلف كتاب "الفكر المتغير لحزب الله" بالجريف 2020.
