DELMON POST LOGO

الفنان ياس خضر..صوت الأرض

الكاتب

بقلم: مهدي مطر

الثاني من سبتمبر،٢٠٢٣،تناقلت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي خبر وفاة الفنان العراقي ياس خضر بعد معاناة مع المرض استمر عدة شهور.

مع خبر الوفاة، صوت داخلي يلح عليّ بالكتابة عن سيرة هذا الفنان الكبير، وما تحتفظ به الذاكرة، هذا الفنان أطرب الجمهور العراقي والخليجي والعربي على مدى عقود بأغانيه التي تحمل روح  العراق وشجنه وحزنه ، فضلا عن عذوبة صوته،

لِم لا، ألم يقل شاعر العراق والعرب مُظفر النواب " إلهي لي أمنية ثالثة أن يرجع اللحن عراقيًا وإن كان حزين"..

نعم، إنه من أهم القامات الفنية في عراق الرافدين، كنخيل العراق الباسقات، لذلك لُقب بصوت الأرض.

الفنان ياس خضر ومجموعة من الفنانين من قبيل عبدالجبار الدراجي وفاضل عواد وفؤاد سالم ، هولاء جاءوا بعد جيل الفنانين الكبار ناظم الغزالي وحضيري أبوعزيز.

الفنان ياس خضر، وُلد بالنجف الأشرف، عام ١٩٣٨، في بدء حياته كان قارئًا للقرآن، وكان يُقلد القارئ الشيخ عبدالباسط عبدالصمد.

بدأ الغناء في الأعراس، وأول أغنية أُذيعت له عام ١٩٦٨.

بدأت شهرته بغناء أغنية " البنفسج"  بداية السبعينات، كلمات الشاعر مُظفر النواب ، ومُنع بث الأغنية في العراق كون مُظفر النواب مُلاحقا وقتها من قِبل السلطات..

من أغانيه التي نالت شهرة ، أغنية " مرينه بكم حمد" من ديوان " الريل وحمد" للشاعر مُظفر النواب، ومن ألحان الفنان طالب القرة غولي،

ومطلع الأغنية:

" مرينة بيكم حمد، وحنة بقطار الليل،

واسمعنة دكَ اكهوة..

وشمينه ريحة هيل،

يا ريل صِيح ابقهر..

صيحة عشك، يا ريل

هودر هواهم، وِلك ،

وحدر السنابل كطه".

عندما نتحدث عن الفنان ياس خضر، يأتي في البال ذكريات ومحطات للفنان مع البحرين وجمهور البحرين، عام ١٩٧٤، شارك الفنان في حفل نظمه الاتحاد الوطني لطلبة البحرين، حيثُ جرت العادة إقامة حفل مع نهاية نشاط العمل الصيفي، في تلك السنه، ١٩٧٤، أُقيم الحفل على المسرح الصيفي بنادي البحرين ( المحرق) وشارك فيه مجموعة من الفنانين العراقيين، منهم الفنان ياس خضر وعبدالجبار الدراجي، في ذلك الحفل، قدم الفنان ياس خضر مجموعة من أغانيه التي يعرفها الجمهور البحريني، من قبيل مرينه بيكم حمد ، وأغنية اعزاز والمقام العراقي، والبوذيات التي اشتهر بغنائها، وهي اللون الشعبي الريفي العراقي، استمر الحفل حتى منتصف الليل بالرغم من حرارة الطقس، وكأننا نعيش حلم ليلة صيف. البحرينيون بطبيعتهم يميلون ويعشقون الغناء العراقي.

بالمناسبة، كان هذا الحفل عام ١٩٧٤ هو آخر حفل صيفي ينظمه الاتحاد الطلابي الذي استمر على مدى عدة سنوات منذ نهاية الستينات، كانت مرحلة الزمن الجميل..

وتدور الأيام ويعود الفنان ياسر خضر للبحرين. كان ذلك نهاية التسعينات، ولكن هذه المرة ليس كما الزيارة الأولى، زيارة للغناء في صالات فنادق الدرجة الثالثة، حيث الصخب والضوضاء تطغى على صوت الفن..، أو كما يقول الفنان مرسيل خليفة " صوت الطبل يطغى على صوت القانون"..نعم إنه الزمن الردئ الذي يجعل قامة فنية مثل ياس خضر يُغني في هكذا أماكن يختلط فيها صوت الموسيقى مع صوت الملاعق وبين هرج ومرج..

أتذكر حديث مع لاعب العراق الكبير المرحوم علي كاظم، وكان حينها مدربًا لأحد الأندية في البحرين، سألته مالذي يدفع فنان مثل ياس خضر بمكانته ورصيده الفني للغناء في صالات؟

رد المرحوم  علي كاظم بلهجة العراق" إش جابرك على المر ،غير الأمر منه"..واسترسل ، هذا حال العراقيين اليوم ..

إنها فترة التسعينات  في ظل الحصار الأمريكي للعراق حيثُ مُنع فيه الغذاء والدواء..

نعم  زمن سيئ  يضطر فيه فنان كبير، بقامة ياس خضر، الغناء في صالات من أجل لقمة العيش، وهو الذي كان يصدح بأجمل الأغاني لجمهور تضيق به المسارح والساحات..

كما أن من نكد الدنيا أو لنقل محنه،  أن يضطر الفنان الغناء لهذا القائد أو ذاك بدون رضاه..

رحل الفنان ياس خضر تاركًا إرثًا فنيًا للعراقيين والعرب، وستظل أغانيه تُردد ، إنه الزمن الجميل للفن، حيث الكلمات والموسيقى، ونردد مع الشاعر مُظفر النواب أغنيته " عزاز" التي تحمل الروح الوطنية للعراق والتي كتب كلماتها الشاعر زامل سعيد فتاح ،ولحنها كمال السيد

" عزاز والله عزاز

وشوقهم شوق الحمام الجاي لاهله

عزاز عدنه عزاز

وشوقهم شوق الشواطي ليل دجلة

عزاز عدنه عزاز

وشوكهم نسمة جنوب مسيرة لاهل الشمال".

نترحم على الفنان ياس خضر، ونقول ستبقى في ذاكرة محبيك بما تركته من إرث فني تتوارثه الأجيال في العراق والوطن العربي.