أن الإصلاح المنشود ليس الإصلاح السياسي فقط، بل شاملًا كل القطاعات وبمشاركة الجميع في البحرين
كان الشيخ يعتقد بأن الإيمان إذا خلا من العمل الصالح؛ كان إيماناً عقيماً
قال الدكتور محمد حميد السلمان في مجلس عبد الأمير الجمري الأسبوعي في ندوة بعنوان " جهود الشيخ عبد الأمير الجمري في ترسيخ الوحدة الإسلامية " ، بدأ الجمري المولود عام 1937 حياته السياسية بعد انتخابه نائباً في المجلس الوطني، الذي كان أول برلمان مُنتخب في البحرين في النصف الثاني من القرن العشرين. وبعد توقف البرلمان لعدة أسباب؛ كان أحد أبرز المطالبين بعودة تلك الحياة النيابية.
كان الشيخ الجمري في حركة دائبة لخدمة المجتمع البحريني دون تفريق. واتخذ نهجاً تقريبيّاً ووحدويّاً في قضايا العمل الوطني، مما جعل منه رمزاً من رموز البحرين. كان سياسياً ألمعياً كما أظهرت بعض الأحداث التي شارك بها. بل كان؛ كما يصفه البعض بأنه رجل مُبادرات من الطراز الأول. عُيَّن في سلك القضاء في المحكمة الجعفرية الكبرى عام 1977 ، ولأسباب سياسية تم عزله عام 1988.
يبدو أن الشيخ قد بدأت تتبلور عنده قضية ضرورة الانفتاح على الآخر، وإن اختلف معك؛ بعد أن دخل في العمل الميداني، ومنه الإذاعي والتلفزيوني منذ عام 1973 وحتى عام 1981.
فطرح رأيه وفكره ضمن برامجه عند تقديم الأحاديث الدينية في إذاعة وتلفزيون البحرين حينها،. وكانت الأحاديث التي يقدّمها بمناسبة موسم عاشوراء وشهر رمضان، ووفيات أهل البيت (ع) أو مواليدهم؛ قد حصدت إقبالًا كبيرًا وقتها، لدرجة أنه تلقّى عدداً من رسائل الشكر من البحرين وخارجها خصوصًا من دول الخليج على أطروحاته.
بعد حرب الكويت عام 1991م، بدأ الشيخ الجمري يتصدر الساحة السياسية الإسلامية داخل البحرين، وقد اقتنع بضرورة تطوير أجندة العمل السياسي بالتحالف مع الاتجاهات الأخرى. ومع بداية عام 1992 بدأ العمل للمطالبة بتفعيل دستور 1973 وعودة الحياة البرلمانية وغيرها من القضايا حينها.
كان الشيخ كان منفتحاً على كل التيارات الدينية والسياسية داخلياً وخارجياً. كما اتخذ على طريق الوحدة الإسلامية عدة خطوات، من أهمها الخطاب الجامع داخلياً عبر منبر الجمعة في عدة مواقع ومساجد.
ومن أقواله "سأعيش هموم هذا الشعب وآلامه وآماله، وسأخدمه بكل ما لديّ من طاقات، علّي أتمكّن من أداء بعض الديَن الكبير الذي في عنقي".
كان الشيخ يعتقد بأن الإيمان إذا خلا من العمل الصالح؛ كان إيماناً عقيماً، فالصلاة والصيام وإقامة الأذان، وقراءة القرآن والحج؛ كلها يجب أن تُترجم إلى حياة، وإلى كرامة وعزة نَفس ومواقف إنسانية".
كان من المهتمين بمشروع الوحدة الوطنية والإسلامية بشكل عام. والأغرب أن الشيخ كان في كل تحركاته وخطبه يُركز بجانب الهموم المحلية؛ على القضية الفلسطينية ، ويحمل شعار " الصّبر والأمل بالمستقبل " .ومن خصائص الجمري بانه التزامه بالنهج السلميّ حتى في أحلك الظروف.
وأن الشيخ الجمري كان من أهم الداعين لعودة الحياة البرلمانية بعد توقفها بعد عام 1975. كما كان دائماً بجانب أخوته من كل الأطياف الدينية والسياسية في مطلع التسعينيات من القرن السابق. وكان في خلال منبر الجمعة يتحدث عن القضايا المشتركة التي تهم كل الناس هنا، وديدنه أن يتم ذلك دون الخوض في قضايا الاختلاف الطائفي أبدًا.
وعن نجاحاته في الوحدة الوطنية قال السلمان ، لقد نجح بامتياز ، حيث كان اللقاء الشهير مع وزير العدل الأسبق الشيخ عيسى بن محمد ، اذ بعد الاستفتاء والتصديق على ميثاق العمل الوطني في فبرير 2001، إذ شرع الشيخ عبد الأمير الجمري مع الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، في برنامج لتقريب فئات المجتمع ولم شملهم على طريق المصالح المشتركة. فكانت الزيارة التاريخية التي قام بها الشيخ الجمري لجمعية الإصلاح بدعوة طيبة، كما يذكر ابن الشيخ، الأخ صادق الجمري؛ جاءت فكرتها من قِبل بعض رجالات المحرق، وبترتيب مع بعض الأصدقاء. ، إلا أن العرس الحقيقي الذي كانت تعيشه البحرين وقتها؛ ساعد على نجاح هذا الانفراج بذكاء من الشيخ الجمري، الذي جاء في وقته تمامًا، وبتشجيع من جمعية الإصلاح ورئيسها الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، ومعه جمهرة من علماء الدين. قد وصل الشيخ الجمري ساعياً بحب ووفاء إلى جمعية الإصلاح في 24 مارس من عام ٢٠٠١م، ووضع هناك لًبنة التلاقي والتعاون الحقيقي.
وهناك شدّد الشيخ الجمري، على أُسس التلاحم والحوار الوطني، وردم تلك الهوّة المُفتعلة بين أخوة تراب الوطن.
كان ذاك اللقاء الجماهيري الذي أُقيم في جمعية الإصلاح بالمحرق يومها؛ يُشبه الندوة الجماهيرية؛ إذ سمحت للشيخ، أن يطرح خطابًا وحدوياً، نظر فيه إلى المشتركات ونبذ الفرقة والتناحر الطائفي البغيض، مع الدعوة لرص الصفوف واتحاد القلوب، والالتفاف حول راية الوطن. وقد كان لهذه الندوة صدىً كبير في البلد.
وقال الشيخ الجمري في احد خطبه : "الوحدة ليست شعاراً يُتاجر به في السوق السياسية لأغراض آنية وأهداف مرحلية. بل هي الأصل في الشريعة لا الاستثناء، والهدف الاستراتيجي لا التكتيكي، والضرورة الإسلامية لا الضرورة الواقعية. وعلى هذا الأساس ومن هذا المنطلق الإسلامي تحركنا مع الأخوة في جمعية الإصلاح في تحمل هذه المسؤولية بإيمان وقناعة، ومعنا على هذا الخط كبار العلماء من المذهبين. كانت الخطوة الأولى في جمعية الإصلاح بمدينة المحرق، والثانية في بني جمرة، وفي هذا المكان المقدس مسجد الصادق (ع) بالقفول، في فعاليتين ثقافيتين حضرهما جمهور غفير عكس حقيقة الوحدة، ولا شك في وعيه وإدراكه لأهمية هذا الموضوع وحساسيته".
وفي لقاء جمعية الإصلاح، أعلن الشيخ عبدالأمير الجمري مبادئ الإصلاح كما هي في اعتقاده، التي ممكن أن تجمع أهل البحرين حول المشروع الإصلاحي الذي أُعلن في شهر فبراير من 2001. إذ أوضح الشيخ في كلماته؛ أن الإصلاح المنشود ليس الإصلاح السياسي فقط، بل شاملًا كل القطاعات وبمشاركة الجميع في البحرين. وأضاف: "حينما أطلقنا قبل سنوات دعوتنا إلى تجديد الخطاب الديني، كان الهدف من هذه الدعوة هو إصلاح الجانب الديني الذي بدأت ملامح التطرف والتشدد والطائفية تنخر في بنيانه وأساساته وعقول أصحابه.
والمراقب والمتابع للشأن الداخلي خلال السنوات الماضية يرى الكثير من المشاريع الإصلاحية، ففي الجانب السياسي كان المشروع الإصلاحي الكبير رائد الإصلاح السياسي، فتم تبييض السجون، وعودة المبعدين، وإطلاق الحريات، ونيل المرأة حقوقها المدنية والسياسية. وعلى الجانب الاقتصادي جاءت الرؤية الاقتصادية 2030 وبرامجها الاستراتيجية لتضع الحلول والعلاجات، وفي الجانب التربوي والتعليمي ترى مشاريع إصلاح التعليم بدءاً من رياض الأطفال وانتهاء بالجامعات الخاصة. وعلى مستوى العمال جاءت القوانين والأنظمة الكفيلة برعاية العامل.
مع كل تلك المشاريع الإصلاحية بقي الإصلاح الديني بعيداً، والسبب أن المعنيين بالشأن الديني في كلا الطرفين، يقفون موقف المتفرج، فقد تم طرح الكثير من المشاريع الإصلاحية على الجانب الديني، مثل مشروع مرصد الحوار الديني الذي دعا إليه جلالة الملك في قصر الصافرية، ومبادرات الوحدة والتقريب والتسامح التي تنظمها وزارة العدل والشؤون الإسلامية.
ومع ذلك لا نرى تحركاً جاداً من المعنيين بالشأن الديني من كلا الطائفتين، لتبني إصلاح الخطاب الديني ثقافةً وفكراً. فالبرامج والأنشطة التي تُقيمها الفعاليات الشعبية تأخذ الصبغة الطائفية، فالزواج الجماعي أصبح طائفياً، وكفالة الأيتام طائفية، والندوات طائفية، والمسابقات والرحلات وغيرها تأخذ الصبغة الطائفية، ولم نر أو نشاهد لقاءً يجمع كلا الطرفين.
وقد طرح الشيخ حينها شيء من الضمانات لاستمرار النهج الوحدوي، ومنها خطوات مطلوبة لترسيخ هذا النهج عملياً وسلوكياً وفكرياً، أهمها القواسم المشتركة.
إلا أن غياب الشيخ الجمري بفعل المرض ثم وفاته، ووفاة الشيخ عيسى بن محمد عام 2015؛ قد حالا دون تفعيل مبادرة الوحدة الداخلية ولُجنتها حتى اليوم. وهي مشروع ماثل للعيان لإكماله في أي وقت من مُستقبل أجيال هذا الوطن.
في الوقت الذي كان الشيخ يُصرّ على التمسّك بالثوابت والأصول الإسلامية؛ إلا أنّه كان يحمل عقلاً منفتحاً جمعه في العمل الإصلاحي حتى ببعض الذين يتبنّون أطروحات أخرى، رأى فيها الشيخ للوطن مصلحة وليس فيها على الدين مفسدة. ومن هنا كان أهم ما جمعه بغيره من العلماء والقيادات الإسلامية على مستوى الوطن العربي؛ هو نهجه المنفتح، فكان اللقاء بـ المرجع الإسلامي سماحة السيد فضل الله، والسيد حسن نصر الله في بيروت، والمهندس إبراهيم غوشة ومحمد نزال من قيادات حماس، و د. عبداللطيف عربيات أمين عام جبهة العمل في الأردن، بالإضافة للشيخ حسن الصفار بالمملكة العربية السعودية، وغيرها. كما كان للشيخ عدة لقاءات في بريطانيا على طريق الوحدة الإسلامية.
أما ضمن زياراته للأردن، فقد كان أهمها تلك التي تمت في شهر أغسطس من عام 2001م، إذ التقى فيها بالمحامي زهير أبو الراغب، ونقيب المحامين الأردنيين المحامي صالح العرموطي، وهاني الدحلة، رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الأردن، وغيرهم. وكان معظم الحوار يدور حول الأمور الدينية والوطنية على طريق الوحدة الإسلامية.
إلا أن أهم زياراته الخارجية كانت في 10 يناير من عام 2002، لحضور مؤتمر انقاذ القدس في بيروت. إذ التقي الشيخ هناك، بباقة من العلماء الأفاضل من كل الفئات والتوجهات والطوائف الإسلامية من مصر، سوريا، الأردن، اليمن، سلطنة عُمان، وعدة دول أفريقية، وباكستان، الهند، أي من مختلف مناطق العالم الإسلامي، بلغ عددهم حوالي 200 رجل دين. وكان المؤتمر موزع إلى نوع من الورش البحثية والدراسية، توزع العلماء فيها إلى مجموعات مُعينة. استمر المؤتمر لحوالي ثلاثة أيام. استفاد الشيخ من هذا المؤتمر بشكل كبير؛ عبر اللقاءات بكبار العلماء من كل بلد، ومناقشة قضية فلسطين والوحدة الإسلامية معهم. كما التقى ببعض العلماء الذين تتلمذ الشيخ على أيديهم من النجف الأشرف. وكذلك التقى ببعض علماء فلسطين، وجرت محاورات أدبية أيضًا مع بعض العلماء ممن لهم باع في هذا المجال، وكان ذلك في المساء، لأن جلسات الصباح وبعد الظهر كانت مخصصة لموضوع المؤتمر الرئيس. وجرت مناقشات عديدة معهم أيضًا حول دور الأدب في دعم الوحدة الإسلامية والقضية الفلسطينية. وكان د. علي العريبي من المرافقين للشيخ في تلك الزيارة كذلك. كما ألقى الشيخ كلمة في المؤتمر، بالرغم من أن البحرين بلد صغير، إلا أن الوفود تشاورت ثم رشحت البحرين لكلمتهم في المؤتمر.
جعفر الدرازي كان اول المتداخلين قال ان المحاضر لم يتطرق الى دور الجمري في العريضة الشعبية والعريضة النخبوية التي قادها باقتدار ، وكانت السبب الرئيسي لتحرك نحو عودة البرلمان المنحل وتحقق بعد حين في المشروع الإصلاحي لجلالة الملك .. بهذا الحجم دور لا يجب ان يختزل .
مهدي مطر قال ان المحاضرة التي احتضنتها جمعية الإصلاح بدعوة من قبل رئيس الشيخ عيسي بن محمد ال خليفة ، الى الجمري ، وعبد الرحمن النعيمي وعبد اللطيف المحمود ، ويجب الإشارة اليها لتكن الصورة أوضح ، حيث اللقاء وحدة وطنية بكامل تلاوينها.
واختتم إبراهيم شريف المداخلات بالقول بان ظروف الوحدة الوطنية اقوى من الوحدة الإسلامية التي لاتزال متعثرة ، وحيث انه منذ بداية التسعينات انقسم التيار الوطني الى قسمين ، الأول التصالح مع التيار الإسلامي والعمل معا لمصلحة الوطن ، والثاني استمر في الخصومة ، وان الجمري هو من كان وراء خلق وحدة وطنية جامعة.
ادار الحوار باقتدار حامد خلف.