DELMON POST LOGO

تحليل هجرس لسيرة "تَعْبَه" لجميلة الوطني

"تَعْبَه" قصة ليس للقلم فضل فيها سوى نقلها على سطور الورق
بقلم : عيسى هجرس
هي قصةٌ مشت على أرضِ الواقعِ، ولكن عندما تقتربُ منها تهرولُ بك إلى خيالِ الغرابةِ وتضعكَ في مدارِ الحيرةِ والتبصر.. في سردها لا تستطيع فك شفرةِ تكالب المصائب وتواتر الأحداث، وتقف أمامها بالذهولِ والتأمل بألف علامة سؤال وتعجب...؟؟؟!!!
نسيج أحداثها طبيعيٌ ومحليٌ الصبغة ليس به خيط واحد مصطنع أو مستورد من حبك الخيال.. فيه الوقائع تتداعى وتتلاطم كموجٍ ليس له قرار، هي.. وجه الحظوظ القبيحة عندما تتشكلُ على صفحةِ الظروف، هي.. الألم من صرخة الولادة إلى وجع النزع الأخير، هي.. الطفولةُ والبراءةُ المهتوكة بخنجر العرف والتقاليد، هي..  قطرةُ الصبر في بحر اليأس عندما تفقد الحيلةُ وتتعطلُ الوسيلةْ، هي..  ضياع الغدِ في فجرِ فلذات الأكباد بين رحى العوز والحاجةْ.
أنياب خطوبها لم تكفْ عن الأذى، فأتعبت صاحبتها واستحقت اسم "تَعْبَه" التي عندما تعرفها ستدركُ قيمة ذلك الجيل من النساء الفاضلاتْ والأمهاتْ المربيات اللاتي عانينَ ضنك الحياة وبخلَ الزمن.
في هذه القصة ليس للقلم فضل فيها سوى نقلها على سطور الورق.  فهي تأليفٌ مرتجل من الواقع المسكون بالقدر لامرأةٍ عاشت تواريخ مصائبها حتى غادرت مدينتها في هدوءِ الظلِ عندما يغادرُ الجدران، تاركةً ورائها بصمةً في كفِ ذريتها وعبرةً في تربة أرضها.
سيرةُ "تَعْبَه" كُتبت بأسلوبٍ أدبي راقي جزلٍ وسلس لا يبحث عن الغموض ودلالات ما وراء العبارةْ، حيث فيه لغةُ الكتابة لا تتركُ مجالًا للتأويل، ولكنها تترجم فقط ما نطقت به الوقائع وما أتى به خطابُ القدر.
بنيَّ عنصر التشويق في قراءتها على تشخيص الحقيقة وصدمة الواقع، في مسارٍ يلامسُ الشعرَ أحيانًا في بعض الزوايا، ويدنو من السرد مرافقًا تسلسل الأحداث أحيانًا، محافظًا على نسبةِ المسافة بينهما لتأخذ كل جملةٍ حجمها وما رسم لها في شكلِ التعبيرْ.  وهذه سماتٌ بلاغيةٌ توشحتْ بها لعبةُ الكتابةِ التي كانت موفقة ومتمكنة من أدواتها وعناصر موادها إلى حدٍ كبير.  حيث تتدفقُ فيها العبارات محملةً بوهجِ المعاناة، فترميكَ في بحورِ الدهشةِ والترقبْ، لتجد أن السباحةَ هي غرقٌ في حدِ ذاتها، لا تجدي في مياهٍ شربها الأمس بنعيمهِ ومآسيه.. ولكن ستبقى "تَعْبَه" اسم في قائمة الوطن وجزءًا من تكوينه وذكرى لا تتآكل بالنسيان.. وستظل رمزًا شامخًا في صراعِ المآسي والتحدي المدجج بقوةِ الإيمان من أجلِ البقاء.
رحم اللهُ "تَعْبَه" تعبت وما أتعبت ولم تودِّع في الناسِ عتابْ.. آمنت بقضاء اللهِ في عبادهِ سيرةً وعبرةً لِّأولي الألبَابْ.
عيسى هجرس
عيسى هجرس اثناء تحليله لسيرة "تعبة "