DELMON POST LOGO

حرم في قصص" ضفاف الحنين " للدكتورة جميلة : الوطني كأي كاتب يستشعر المسؤولية أمام قضايا أمته .. تبدع بالقصة القصيرة

حرم : نجد كاتبة حملت همّ الآخرين.. بأسلوب أدبي رشيق.. كشفت جروحهم للملأ.. للناس

تقول الاكاديمية بالجامعة الاهلية والناقدة الأدبية الدكتورة زهرة حرم (تروى الكاتبة الدكتورة جميلة الوطني ، الأحداث بلغة بسيطة التركيب..  سهلة الألفاظ..  غير أنها جزلة في معانيها، وبليغة في تأثيرها.. لغة شاعرية تميل نحو لغة الخواطر..  لذلك تكثر فيها المونولوجات العميقة أو الحوارات الداخلية التي تهمس بألم داخلي غائر، تعبر عنه شخصيات القصص..  كما نجد الكاتبة تطعّم النثر بالشعر..  وهذا ما لا أجده غريبا على الكاتبة؛ فهي تكتب الشعر، وتميل إليه من جهة..  ومن جهة أخرى فإنه ليس كالشعر وسيلةٌ..  حين تتحشرج الكلمات في المواقف الجلل.. فيأتي الشعر ليُسرّحها.. يبكيها أو يغنيها – لا فرق –  المهم أن يلقي بها في قارعة الأيام؛ لتنثال..  ويهدأ الشعور المتخم بالألم..."
وتتسائل الدكتورة حرم في كلمة تحليلة لاعمال الكاتبة الدكتورة جميلة الوطني  قدمتها بحفل تدشين إصدارات الشاعرة والروائية الدكتورة جميلة الوطني ، وبالتحديد لعملها " ملتقى بنت إبراهيم نموذجا " بمكتبة الأيام مؤخرا ، ما هو هذا المنجز الأدبي بالضبط؟
وترد ، هو عنوان لمجموعة قصص أدبية قصيرة.. عنوان لو تأملناه جيدا.. يحمل دلالة من ألم؛ فخلف كل حنين ذكرى.. والذكريات سواء أكانت سعيدة أم موجعة.. فإنها يكفي أن تغادرنا أحداثها وشخوصها .. حتى تتوق أنفسنا إليها..  وهل يخلو التوق أو الشوق من مسحة من ألم؟..
تأخذنا صفحات هذا المنجز نحو عناون قصص قصيرة تفضح ما وراء هذا الحنين.. من غربة ومناف.. فهذا عنوان احدى قصصها: أنين المنافي يأخذنا إلى جو المبعدين الضائعين.. الذين يسوقهم القدر نحو مجهول لا يفتأ ينخر في أرواحهم التي دفعتها الحروب.. والقلاقل السياسية.. وغياب الأمن نحو غياهب سوداء.. لا يكاد يطل ضوء الأمل عليها.. لترتاح أو تستريح..
في ضفاف الحنين..  نجد كاتبة حملت همّ الآخرين.. بأسلوب أدبي رشيق.. كشفت جروحهم للملأ.. للناس.. وكل ذي كرسيّ لا يزال في ذمة روحه شرفُ ونخوة.. وبقايا عرق عربي دساس.. ربما..  كأي كاتب يستشعر المسؤولية أمام قضايا أمته.. يستشعر أنه صاحب رسالة لا يكتب ليهذي.. أو ليركن حروفه في ورق أجوف لا يسمن ولا يغني..  ظهرت الوطني في ضفاف الحنين كاتبة قضية بامتياز شديد..
استخدمت الوطني فن القصة القصيرة.. والقصة القصيرة لمن لا يعرفها جيدا.. حدث بسيط غير معقد، يسرد - بشكل نثري - قصة أو واقعة ما في مكان وزمن معينين.  تتخللها الحوارات، ويعتمد على شخوص قليلة، قد لا تكون شخصيات أسطورية فاقعة بالضرورة..  إذ ربما تستعين بشخصيات عادية جدا، من واقع الحياة..  ولعل ذلك – من وجهة نظري – ما يعمق من براءتها ومظلوميتها..  ولا سيما في ضفاف الحنين..
على الضفاف.. وما أدراكم ما الضفاف حيث رمزية الكلمة؛ أي (الضفاف) واقعة في صميم كل أقصوصات الكاتبة.. وما تحمله من دلالات الوقوف اليائس على حافة الحياة.. حيث تبتعد الشخصيات عن المراكز.. عن البيوتات وسكينتها واستقرارها.. عن أحضان الأوطان.. إلى حيث حدود لا يعرفون جيدا مآلهم بعدها..  
تتحرك الشخصيات في ضفاف الحنين ما بين شواطئ وموانئ..  تتلحف سماء المقاهي..  وتصحو على صفير القطارات..  وانتظار المحطات..  وما بين مسكوت عنه كالوقت الثقيل الذي لا يدرون كيف مرّ..  وبين أحداث مُعلنة كالشمس حين تكشفعن فضائح الليل..  نجد الكاتبة تستعين بالطفولة.. لتكون غالبية شخصياتها من الأطفال.. من الجنس الناعم تحديدا.  فتيات تتقمص شخصياتهن.  ولسان براءتهن.. ليعظم بذلك حجم الحدث..  وتتسع حدقة الأعين على واقع أليم..  تروي من خلاله الهشاشة ومساحة الانكسار.
تعالوا نصيخ إلى الكاتبة.. ماذا تقول..  في نصوصها تجسد فيها حالات وقضايا إنسانية مؤلمة..
(جميـع من هناك تكومـوا كالخـردة البالية   يبحثـون عـن أمـن، أو رزق فـي وطـن.  يهـرب بعضهـم مـن جحيـم خفافيش الظلام والبطش.  يهربون مـن أوطانهم التي باتت أقبية وزنازين!)
وفي موقع آخر تقول: (الغربـاء يرجعـون بالفكـر إلـى أوطانهـم رجـوع الغريـب المشـتاق إلـى مسـقط رأسـه، يميلـون إلـى سـرد حكاياهـم ميـل الشـاعر إلـى تنغيـم أبلـغ القصائـد).
وهذا موقع ثالث: ( وأخيـرا وصلـوا، وحطـوا الرحـال، ونُصبـت لهـم الخيام، وأصبحـت لديهـم بقعـة أرض، ومـكان، ونـاس، وجيـران مختلفـون، ولكـن بلا وطـن!)
ضفاف الحنين.. مجموعة قصص قصيرة تستحق القراءة بالفعل..
وقبل أن أنهي كلامي.. أريد أن أغبط الكاتبة.. جميلة الوطني على شجاعتها في النشر.. فنحن اليوم أمام خمسة منجزات أدبية.. فليس قرار النشر سهلا.. صدقوني..  فما أكثر المتعثرين، والمتلعثمين.. والمترددين.. حين يصلون إلى مرحلة تتضخم فيها كتاباتهم..  وتضمحل شجاعتهم على النشر..  أنا وغيري أحد هؤلاء..