تطرح الرواية موضوعًا إنسانيًا اجتماعيًا واقعيًا مهمًا للكبار قبل الصغار
(لم تذهب الكاتبة الدكتورة جميلةالوطني ، بعيدًا في تتويج الدرس العلمي البحت بتوجيه مباشر لما تود إيصاله للمتلقي من جهة، وإلى المسئولين وأصحاب القرار من جهة أخرى، حيث تسدي النصائح والتوجيهات بصورة خطابية مباشرة وهناك دعوة صريحة لدمج ذوي الهمم وهي نظرية تربوية اتبعتها معظم الأنظمة التربوية الحديثة في نظمها التربوية والتعليمية، ربما الموضوع الإنساني والفئة المتلقية فرضا نفسيهما على الكاتبة بالخروج على السرد الفني والحدث (الدرامي) إلى الدرس التعليمي التربوي الأخلاقي المباشر، وهذا ربما أثر في الانقطاع بعض الشيء عن السيرورة الأدبية للرواية، إلا أن في النهاية انتصار للإنسانية بفطرتها السوية التي فطر الله الناس عليها حيث التراحم والتواد والتآزر والتكافل وصلة الرحم والاندماج مع الأسرة والمجتمع.) بهذه الكلمات اختتم الناقد الدكتور عباس القصاب ورقته التي قدمها بحفل تدشين إصدارات الشاعرة والروائية الدكتورة جميلة الوطني بصالة جريدة الأيام مؤخرا .
وأضاف ، تنتشر في المجتمعات ظواهر اجتماعية سلبية خطرة، لها تأثيراتها على الفرد والمجتمع، ومن تلك الظواهر ظاهرة الاستقواء، أو ما يطلق عليها اليوم ظاهرة التنمر، وخصوصًا حينما يكون ضحاياها هم أضعف الناس، وأقصد بهم ذوي الاحتياجات الخاصة، وما يسمون اليوم أيضًا بذوي الهمم، ولكن تلك الهمم يمكن أن تتلاشى، وتضمحل بسبب ما يتعرضون إليه من تنمّر من قبل الآخرين.
قدمت الكاتبة والروائية الدكتورة جميلة الوطني روايتها الموسومة بـ (بطل بلا تنمر) إلى فئة اليافعين؛ الذين هم بحاجة إلى تعديل سلوكياتهم إزاء ذوي الهمم، حيث أن اليافعين لم ينضجوا بعد، وبحاجة ماسّة إلى ردعهم من الانخراط في هذا السلوك العدائي ضد ذوي الاحتياجات الخاصة، وتقدم بذلك نصًا روائيًا يعالج هذه الظاهرة، بل وتضع الحلول التي تساعد الجميع في كيفية التصرف مع ذوي الهمم والأخذ بأيديهم إلى الطمأنينة والسلام، وتفعيل إمكاناتهم ومهاراتهم؛ ليكونوا عناصر فاعلة في المجتمع؛ فينفعوا أنفسهم وأسرهم ومجتمهم.
انطلاقًا من عتبة الرواية الأولى المتمثلة في صورة الغلاف التي تصور طفلًا من ذوي الهمم، وقد تقلد ميدالية ذهبية وكاميرا وممسكًا بدائرة حمراء تمثل العزيمة والتشبث بالقدرات الذاتية التي يمتلكها، والأرض المعشوشبة بالحشيش الأخضر التي تنم عن الأمل وانبعاث الحياة وتجددها، حتى نرتقي إلى عتبة العنوان التي تتصدر بكلمة (بطل) الحاسمة التي تعني الانتصار والتفوق و(بلا تنمر) التي تنفي عادة الأبطال في سن اليافعين الذين تتواشج بطولاتهم في علاقاتهم بالرفاق بالتنمر واستعمال القوة، والاستقواء عليهم.
وهذا الموضوع الإنساني العميق في الرواية استشفاف لظاهرة التنمر المنتشرة انتشارًا واسعًا في مختلف المجتمعات، وهذا بسبب الطبيعة التركيبية الثقافية للمجتمعات من تفاوتات مختلفة تخص الفرد أو الجماعة، إذ يتعرض عادة الضعفاء (الضحايا) إلى الاستضعاف من قبل من هم أقوى منهم، بمختلف المواقع.
وعنوان الرواية (بطل بلا تنمر) هو كشف عن علاقة عدوانية متلازمة بين البطولة والتنمر، فالرواية لفئة اليافعين وتقدم عددًا من النماذج المجتمعية التي تحوط بالطفل في سني حياته المبكرة، والتي تتمثل عادة بأسرته، ورفاقه، وزملائه، والعلاقات المتواشجة بينهم.
وهنا لا بد من الإشارة إلى وجود خصائص ومقومات محددة ينبغي أن تتوافر في الروايات الموجهة لفئة اليافعين وهي بطبيعة الحال تتماهى مع سماتهم العمرية، وما تحمل من خصائص نفسية، واجتماعية وذهنية، وإدراكية، ولغوية تختلف عن الراشدين، ولذا وضعتُ بعض السمات، يمكن تلخيصها فيما يأتي:
- وضوح الفكرة وتركيزها.
- سهولة العبارات وسلاستها وقصرها.
- سهولة الألفاظ ووضوح معانيها.
- استخدام الأساليب والتراكيب اللغوية المشوقة.
- سلامة اللغة العربية إملًاء وصرفًا ونحوًا.
- تضمينها الأساليب البلاغية والمجازية والجمالية المناسبة.
- قصر الرواية وعدم التطويل بالابتعاد عن الحشو والإسهاب.
- التركيز على الخيال.
- عدم استعمال الخطاب التقريري المباشر.
- الاعتماد على معالجة الموضوعات الاجتماعية والأخلاقية والنفسية والعلمية الملحة بأسلوب أدبي شيق.
- الدعوة إلى الفضيلة وغرس القيم الإنسانية النبيلة.
- لا بأس بتضمينها الصور المناسبة والرسومات المعبرة.
- اعتماد الخطوط الواضحة والطباعة الملونة على الورق الجيد.
- التصميم الجيد والمشوق لفئة اليافعين.
وعودة إلى رواية (بطل بلا تنمر) فهي تضم ثلاثة عشر فصلًا قصيرًا، متسلسلة بالأحداث المتنامية، وكل فصل يقدمه عنوان، وينتهي بصورة معبرة عنه.
تطرح الرواية موضوعًا إنسانيًا اجتماعيًا واقعيًا مهمًا؛ متمثلًا في كيفية التعامل مع ذوي الهمم، وخصوصًا فئة المتلازمة داون التي تحتاج إلى رعاية خاصة، وأساليب دقيقة للتواصل معهم؛ لتطوير إمكاناتهم ومهاراتهم ومعارفهم الذاتية بحيث تأخذ بيدهم إلى أماكن لا يستطيعون الوصول إليها بأنفسهم، وإنما بمساعدة الآخرين، وهذا ما يتطلب صبرًا وحنكة في التعامل معهم حتى يعتمدوا على أنفسهم، وما يجب أن يتصف به محيطهم الإنساني من أناة وإدراك لمصاعبهم، من دون تأفف أو تململ أو تنمر عليهم، بما يجرح مشاعرهم، ويؤذي أحاسيسهم.
ونظرة إلى بطل الرواية راويها وهو سامي، وهو الشخصية الرئيسة مع شقيقه علاء، فسامي فتى مرّ بمراحل نفسية متصاعدة، بدءًا من حالة التململ والحزن لشعوره بالوحدة، وانشغاله بأحاديث الروح التي تسيطر عليه، ورغبته في وجود أشقاء يشاركونه لعبه، ومن ثم الترقب والفرح لقدوم شقيقيه التوأمين، ومن ثم حدوث صدمة نفسية بسبب حالة شقيقه الصحية، ودخوله في حالة القلق والاضطراب النفسي التي أدت إلى بزوغ حالة من الأنانية، وعدم المبالاة بما يحدث في منزله من تطورات مهمة، والتهرب من الحقيقة الصادمة بالنسبة إليه، ثم تدرج حالته النفسية نحو القبول والاطمئنان، بل التحول إلى حالة نفسية إيجابية فاعلة، ويتجلى ذلك في اطراد محبته لأسرته، وخصوصًا شقيقه علاء الذي سخر له كل الإمكانات حتى وصل إلى قناعات جديدة وسلوك إيجابي جديد.
أما بقية شخصيات الرواية فهي ثابتة في حالاتها النفسية والسلوكية، مثل الأب والأم والأخت وغيرهم، إلا أن هناك تطورًا مهمًا ومرغوبًا في الحالة المهاراتية والنفسحركية والذهنية لعلاء من خلال التدرب ومساعدة شقيقه له.
وتتجه الحبكة إلى البناء الفني التقليدي من خلال تقنية رواية الذكريات أو الحكي من قبل بطل الرواية، فجاءت متسلسلة ورتيبة، حيث يبدأ بالمقدمة التي سيقت من خلال بطل الرواية، ومعاناته من الوحدة مستندًا على الترتيب الزمني من عمر ست سنوات، ثم التدرج بالأحداث وتصاعدها شيئًا فشيئًا بمنطقية وسلاسة، إلى أن يصل إلى العقدة في الفصل السابع حينما قرر البطل مواجهة الحقيقة، واقتحامها بشجاعة بعد ألم نفسي وتأنيب الضمير، ثم تتجه الرواية إلى الحل بمساحات وردية، يبدو فيها بطلها مثاليًا إلى درجة قصوى، وهذا في رأيي طبيعي جدًا؛ وذلك لأن الرواية موجهة لليافعين، فلا بد من ضخ المثاليات وبغزارة، ولذلك انقلبت الرواية بعئذ إلى رواية (تعليمية) مباشرة، وتختتم بدرس علمي بحت؛ بعد انتصار النفس الإنسانية التي تكللت بنجاحات البطل في تغيير واقع شقيقه وأسرته إلى المثالية المرغوبة.
وهنالك اهتمام باستعمالات اللغة من حيث اختيار الألفاظ والتراكيب اللغوية وصياغة بعض الصور الجمالية، وحرص جلي على سلامة اللغة، صرفاً، ونحوًا، وإملاءً. وخيرًا عملت الكاتبة؛ لأن الرواية موجهة لفئة اليافعين الذين يجب أن يقرأوا اللغة السليمة في زمن تم إهمال الجانب اللغوي في كثير من النتاجات الأدبية والعلمية وغيرهما.
تحرص الكاتبة على تبيان بعض المواقف بتراكيب وأساليب لغوية جميلة الاستعمال معتمدة على شاعريتها المتوجهة التي تتقافز في السرد، ومثلا قبيل نهاية الرواية استعملت الكاتبة تصويرًا جماليًا رائعًا تنهي به روايتها بعد أن تدخلت بدل الراوي سامي لتروي حالته: "سامي في رحلة الدقائق الأخيرة مع نفسه وذاته، جعل روحه غلافًا لروح أخيه، وصنع له بيتًا من قلبه، لتعيش العائلة بحياة تشبه حياة الأزهار التي تحيا بحرارة الشمس، ويترنم بأحاديث العائلة كلُّ مَن عرف قصتهم كما تترنم السهول بتكبيرات الصلوات الخمس في المآذن وأدعية الجميع في كل مكان
بمعنى أن هناك ارتقاء بلغة اليافع ليتلمس اللغة الجميلة لفظًا، وتركيبًا، وأسلوبًا، وصورًا؛ وخيرًا عملت في استعمال اللغة الواقعية لعلاء؛ حيث تشيع في لغته وحديثه التأتأة والتعلثم، وذلك أثناء حواره مع شقيقه علاء، مثلًا:
"بدا على وجهه الاندهاش، صمت قليلًا، وسألني بتأتأة:
- ماذا أأأحضررررت لي يا سامي؟".
وفي مقطع آخر من الحديث:
"قال علاء: هيا نرسم.
سألته: وكيف سترسم يا علاء؟
قالت المعلمة: "نبدددأ الرسسسم ب ب بقلم الرررصاص".
أجبته بنبرة تشجيعية: هذاصحيح يا حبيبي.
وسألته مباشرة: وبعدها ماذا؟ هل ترغب أن تلون ما ترسم؟
- نعم. سـ سـ سألونها بـ بـ بالأقلام الممملووونة."
ولطبيعة موضوع الرواية الإنساني الأخلاقي والفئة الموجهة إليهم؛ فقد اتخذت الرواية المنحى التقريري أو المباشرة في الكثير من أجزائها، وأخص الأخيرة منها، إذ يحتم السياق الفني للرواية اعتماد هذا المنحى؛ حيث كانت بعد ذلك علمية تربوية، وقد زخرت الرواية بالعديد من المعلومات العلمية البحتة، بل وسردت الكاتبة على لسان منصور زميل علاء المفضل درسًا علميًا بحتًا في معنى متلازمة داون، وكيفية نشوء هذه الحالة المرضية، وقد تطابقت الصفات الجسدية والنفسية والعقلية للمصاب بالمتلازمة داون الواردة في الرواية بما هو مثبت في الكتب الطبية والمتخصصة من تلك الصفات التي تجسدت فعلًا في علاء.