DELMON POST LOGO

في منتدى المنبر التقدمي الديين : نطالب بإنشاء مجلس بلدي خاص بمدينة الكويت العاصمة

ضرورة الاهتمام بالمباني والأسواق التراثية وتطوير مراكز التسوق والترفيه في مدينة الكويت

قدم الباحث الكويتي الدكتور احمد الديين ورقة عمل بعنوان "قصة مدينتين : الكويت والأحمدي" في المنتدى الفكري السنوي الثامن الذي يقيمه المنبر التقدمي، والذي بعنوان "المدينة الخليجية: تحوّلات وآفاق " طالب فيه إنشاء مجلس بلدي خاص بمدينة الكويت العاصمة ، وخفض اسعار العقار والايجار والاهتمام بالبيئة ، كما تطرق الى المدينة الصناعية الناجمة عن الاكتشافات النفطية وهي الاحمد .. وفيما يالي نص الورقة

مقدمة:

عندما نتناول في منتدانا المدينة الخليجية من حيث جغرافيتها أو تاريخها أو ديموغرافيتها أو بيئتها والتحولات التي شهدتها والتحديات التي تواجهها وآفاق تطورها، فإنه من الصعب علينا أن نحصر أنفسنا في نطاق علم جغرافية المدن، على الرغم من أهميته، ولا يمكننا أن نقصر بحثنا على الجوانب العمرانية أو البيئية أو الديموغرافية أو غيرها من جوانب البحث المتخصص المتصل بالمدن، وإنما سنجد أنفسنا بالضرورة عندما نكتب أو نتحدث عن المدن أننا أمام واقع بالغ التركيب والتعقيد والتشابك، واقع تتقاطع فيه الجغرافيا مع التاريخ مع الديموغرافيا، ويمتزج فيه الاقتصاد ملكية وانتاجاً وتوزيعاً مع المجتمع بطبقاته وصراعاته، وتتشابك فيه السياسة مع الحرب، والثقافة مع البيئة، والدين مع نشوء الدولة والمؤسسات والقانون، ويتم ذلك كله في وحدة وترابط وتناقضات وحركة مستمرة وتغيرات في الكم من حيث عدد السكان والمساحة تؤدي إلى تغيرات في الكيف من حيث طبيعة المدينة ووظيفتها وأهميتها ومدى احترام حقوق مواطني المدينة في مدينتهم أو إهدار هذا الحق، وتنعكس بالتالي على حجم المدينة ومستويات نموها، وهكذا في حركة جدلية مستمرة من التأثير والتأثر والتبدل والتناقض.
وعندما نتحدث عن مدننا الخليجية فإننا نجد أنفسنا أمام حالات متباينة سواء لمدن تتراجع أهميتها وتتحوّل إلى مدن هامشية أو ربما هي تنقرض؛ ومدن أخرى تبرز وتتسع وتتنامى... ولعلّ النقلة السريعة، التي شهدتها بلدان الخليج العربية ومجتمعاتها بعد النفط في ظل نشوء وتشكّل نمط الانتاج الرأسمالي الكولونيالي التابع، أدت إلى تسارع مثل هذه العملية، حيث شهدنا في غضون حياة جيل واحد نشوء مدن جديدة لم يكن لها وجود قبل ذلك، وأبرزها المدن النفطية الثلاث: عوالي في البحرين، والظهران في السعودية، اللتين تم إنشاؤهما في بداية ثلاثينات القرن العشرين، والأحمدي في الكويت، التي أنشئت في نهاية الأربعينات، كما شهدنا في المقابل ضمور مدن أخرى، بل تفريغها من السكان، مثل مدينة الكويت العاصمة في عقد الستينات، بعد أن كانت ميناء ومركزاً تجارياً نشطاً منذ أواخر القرن الثامن عشر.
وتحاول هذه الورقة، التي تحمّل عنواناً مستوحى من رواية تشارلز ديكنز، "قصة مدينتين: الكويت والأحمدي" أن تلقي ضوءاً على نشأة هاتين المدينتين والتحولات التي شهدتاها واستشراف آفاق مستقبلهما...  وسبب اختياري لهاتين المدينتين يعود من جهة إلى كونهما المدينتين الرئيسيتين في دولة الكويت، فمدينة الكويت هي العاصمة، ومدينة الأحمدي هي عاصمة النفط... كما يعود اختيارهما إلى أمر آخر يتصل بنشأة المدينتين وأفولهما، فمدينة الكويت نشأت بالأساس كميناء، مستفيدة من موقعها على جون الكويت الهادئ، وارتباطها تاريخياً بخطوط النقل البري للقوافل، فيما نشأت مدينة الأحمدي كمقر لإدارة شركة نفط الكويت وسكن العاملين فيها ومنطقة لتجميع النفط المستخرج من حقول النفط القريبة في برقان والمقوع والأحمدي وضخه عبر الأنابيب إلى ميناء التصدير، بالاستفادة من ارتفاع مستوى المدينة عن سطح البحر، بحيث يتم الضخ بقوة الجاذبية من دون حاجة إلى استخدام معدات الضخ، ما يخفض كلفة الانتاج، بالإضافة إلى كون الأحمدي مشروع مركز كولونيالياً، وهذا كان واضحاً في الطراز المعماري لمدينة الأحمدي وتخطيط طرقها ومستوى خدماتها، والأهم من ذلك كان واضحاً في تركز البريطانيين والأميركان فيها...ولكن الوضع تبدل عندما بدأ الدور الوظيفي لهاتين المدينتين في التداعي، بحيث لم تعد الكويت الميناء الرئيسي للعراق وشمالي الجزيرة العربية، فقد تراجعت أهمية المدينة، ومعها جاءت الضربة القاصمة لمدينة الكويت عبر تنفيذ المخطط الهيكلي الأول في العام 1952 الذي أفرغها من سكانها، من خلال استملاك منازل المواطنين فيها ونقلهم إلى السكن في الضواحي، وهذا ما عكسه على نحو ساخر المسلسل التمثيلي الكويتي الشهير "درب الزلق" الذي انتجه تلفزيون الكويت في السبعينات... وعلى نحو أقل دراماتيكية فقدت مدينة الأحمدي دورها الوظيفي شيئاً فشيئاً مع اتساع النطاق الجغرافي لحقول النفط المكتشفة والمنتجة في الكويت، بحيث لم تعد هذه الحقول ومرافق الصناعة النفطية متركزة بالقرب من الأحمدي، مثلما كانت الحال عند انشائها في النصف الثاني من الأربعينات، ناهيك عن أنه، بعد منح شركات أميركية ويابانية امتيازات أخرى للتنقيب عن النفط، لم تعد شركة نفط الكويت هي الشركة النفطية الوحيدة في الكويت... ولاحقاً في العام 1975 بعد تأميم شركات النفط في الكويت، ما طرأ من تغيير على تركيبة اداراتها وجنسيات العاملين فيها، لم تعد الأحمدي تلك المدينة الكولونيالية البريطانية، وإن حافظ طرازها المعماري على شكله، حيث لم تعد مدينة الأحمدي تمثل المركز الوحيد للصناعة النفطية في الكويت، وإن استمرت مركزاً لإدارة شركات النفط، وبذلك فقد أفلت المدينتان، ولعله مثلما شهدنا في مسلسل "درب الزلق" أفول مدينة الكويت بعد التثمين، فقد تنبأت مسرحية "الكويت سنة 2000" التي جرى عرضها في العام 1965 بأفول كارثي لمدينة الأحمدي... وسنقرأ في ثنايا هذه الورقة قصة المدينتين.  
وكذلك تحاول هذه الورقة أن تطرح في بعض مواضعها من منطلق يساري تقدمي مسألة استعادة المواطنين لحقّهم في المدينة، وهو الحقّ الذي جرى تجاهله وتهميشه، بل تم إهداره بصورة فجّة.
وسأحاول في هذه الورقة أن أتناول تعريف المدينة، وأعرض بعدها العوامل التي تؤثر على نشأة المدن وتطورها وتداعيها وضمورها، ثم أتوقف أمام مدينة الكويت مستعرضاً اسمها وجغرافيتها وتاريخها العمراني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي والتبدلات التي شهدتها والتحولات التي طرأت عليها، والقرارات التي تم اتخاذها وساهمت في تغيير وضعها، ومنها انتقل إلى استشراف آفاق مستقبلها كمدينة، وكذلك سيكون تناولي لمدينة الأحمدي.
أخيراً، فإنه مع إدراك الكاتب أنّ هذه الورقة تفتقد العديد من عناصر الورقة البحثية الأكاديمية، لكن هذه الورقة، مع ذلك معنية بتحقيق التالي:
1- تقديم أساس مناسب لمناقشة موضوع البحث وتناوله من جوانب ومقاربات مختلفة، وهذا ما يرجى أن يتحقق في جلسات المنتدى وحواراته.
2- لعل هذه الورقة، على ما هي عليه من نواقص، أن تساعد على فتح الباب أمام الأكاديميين المتخصصين في علم جغرافية المدن أو علم الاجتماع والمعماريين والبيئيين وغيرهم للاستفادة منها وتقديم بحوث علمية ودراسات مختصة عن موضوعها.
3- مساعدة المناضلين من أجل الاعتراف بالحقّ في المدينة، على تقديم حلول ومعالجات ومقترحات وبدائل ومطالب ملموسة، بحيث ينتفع المواطنون من مدنهم كفضاء جماعي مشترك ومتنوع لحياة كريمة وعادلة ومتضامنة اجتماعياً وصحية وآمنة تضمن لهم خدمات عامة لائقة ومشاركة فعالة وإدارة ديمقراطية لمدنهم، مع الحفاظ على التراث الطبيعي والتاريخي والمعماري والثقافي، وتأهيل المناطق المتدهورة.
وتبقى ملاحظة أخيرة، وهي أن هناك قائمة بالمصادر والمراجع في آخر الورقة، أما الاقتباسات من هذه المصادر والمراجع الواردة داخل متن الورقة سواء المنقولة حرفياً أو المعاد صياغتها، فقد حرصت على ذكرها بين قوسين بعد الاقتباس مباشرة، بالإشارة إلى الاسم الأخير للمؤلف والصفحة التي تم الاقتباس منها، على نحو قريب من نظام APA لتوثيق المراجع.

مدينة الكويت:

نشأت مدينة الكويت بالأساس كبلدة ساحلية يعتمد سكانها في معيشتهم على البحر في صيد الأسماك والغوص على اللؤلؤ وكذلك كميناء تجاري يركز على النقل، بالاستفادة من موقعها، شأنها شأن أي مدينة ميناء تجاري، حيث يكون الموقع في الغالب همزة وصل على طريق ملاحي، حيث تتحدد في العادة مواقع الموانئ التجارية عند التحام طرق التجارة والمواصلات البحرية بالبرية (حمدان، ص 66).
وغالباً ما يثار السؤال حول اسم الكويت، الذي سميت به البلدة فالمدينة، وتجاوزها ليصبح اسم الدولة... والكوت الذي كان في الكويت يعود لآل عريعر من بني خالد، وهم حكام المنطقة، بما فيها الكويت، حتى أواخر القرن الثامن عشر، ولعل أفضل تلخيص لتوضيح لفظة كوت ما سطّره الأستاذ عبدالعزيز حسين في كتابه محاضرات عن المجتمع العربي بالكويت صفحة 23، حيث كتب: "يقول العلامة الأب انستاس ماري الكرملي في مقال له عن الكويت نشر في العدد العاشر من السنة السابعة من مجلة المشرق في 15 أيار (مايو) 1904 "إن الكويت تصغير كوت، وهو في اللغة أسفل العراق وما داناه من بلاد العرب والعجم، البيت المبني بهيئة القلعة أو دونه تحصيناً، يتخذ ملجأ عند الحاجة، وحوله عدة بيوت راجعة إلى البيت الأب، ولا يطلق عليه هذا الاسم إلا إذا كان قريباً من الماء، سواء كان نهراً أو بحراً أو مستنقعاً أو غيره، وقد أضيفت إلى عدة اسماء منها كوت الأفرنكي وكوت الزين وكوت الإمارة... ثم قال والظاهر أن هذه اللفظة قديمة الاستعمال في هذه الربوع وهي ترتقي إلى عهد الكلدانيين والأشوريين والبابليين"..." ثم يروي الأب الكرملي عن الشيخ محمود شكري الألوسي أنها نبطية الأصل، ويعقب على ذلك قائلاً: "وأنت لا تجهل أن النبطية قد وردت عند الناطقين بالضاد بمعنى الكلدانية أو الأشورية أو البابلية أو الآرامية...".
وهنا لابد من القول إنّ هناك من أشار إلى أصول أخرى للفظة كوت فمنهم من نسبه إلى البرتغاليين وآخرون نسبوه إلى الهنود، ولكني أرجح ما ذهب إليه الأستاذ عبدالعزيز حسين نقلاً عن الأب انستاس ماري الكرملي.
الكويت "البحر من أمامها... والبيداء من ورائها":
يرتبط تاريخ الكويت بالبحر منذ أول نشوئها... "فعلى موارد البحر كان يعيش سكانها، وعلى التجارة البحرية كان معولهم. وبسبب مينائها الهادئ كان اختيارهم لهذه البقعة من الأرض، وقربها من مغاصات اللؤلؤ كان عاملاً هاماً في نموها وازدهارها فترة طويلة من الزمن، وجونها زاخر بالأسماك طول العام كان مصدراً من مصادر الرزق لا ينضب" (حسين، ص 49).
ولأن الكويت هي جزء من الجزيرة العربية فقد "كان المجتمع الكويتي قبل البترول مجتمعاً بدوياً بحرياً، يشده إلى الصحراء نسب وإلى البحر سبب، فكان للبحر وللصحراء أثر واضح في تشكيل طبيعته على الصورة التي كانت عليها قبل التطور الذي أحدثه اكتشاف النفط (حسين، ص 89).
وكان الغوص على اللؤلؤ هو النشاط الاقتصادي الأهم، قبل التجارة، ولكنه تراجع مع الوقت وتعرض لاحقاً في القرن العشرين إلى ضربتين، الأولى موجعة وهي نقص الطلب على اللؤلؤ في أوروبا جراء أزمة الكساد في نهاية العشرينات، والضربة الأخرى قاتلة مع انتشار استزراع اللؤلؤ داخل المحار في أربعينات القرن العشرين، أو ما سمي باللؤلؤ الصناعي... ما أدى إلى ضمور هذا النشاط، وغلبة نشاط النقل البحري.
وبرزت على نحو واضح في الربع الأخير من القرن الثامن عشر الأهمية التجارية للكويت كميناء وكمحطة للمواصلات والنقل البري أيضاً عبر القوافل، إذ أنه "عندما حاصر الفرس مدنية البصرة واحتلوها من سنة 1776- 1779م هاجر كثير من أهالي البصرة إلى الكويت وتحولت إليها المراكب التي تنقل البضائع من الهند لتنقل منها براً إلى بغداد وحلب ودمشق، وأصحبت الكويت في هذه الفترة مركزاً للتجارة بدلاً من البصرة" (حسين، ص ص 28 -29)، و"في عام 1776 ... نقلت شركة الهند الشرقية (البريطانية) مركزها من البصرة إلى الكويت" (شما، ص 12)، فقد "ازدهرت المدينة لأن طريق التجارة تحول من البصرة التي كانت تحت الاحتلال الفارسي إلى الكويت"  (سلوت، ص 171).
وأغلب الظن أنّ الكويت لم تتحول فجأة إلى ميناء ومحطة رئيسي للنقل البري ومركز تجاري مع انتقال مكاتب شركة الهند الشرقية إليها، إذ أنها كانت قبلذاك تمتلك شيئاً من مقومات كونها ميناء ومركز تجارة، ولم تكن مجرد قرية ساحلية أو بلدة هامشية.
وهذا ما يؤكده كبنهاوزن المقيم المسؤول لشركة الهند الشرقية الهولندية في عام 1756 الذي ذكر أن الكويت تمتلك أكثر من 300 سفينة يعمل عليها 4000 رجل في صيد اللؤلؤ، بخلاف سفن صيد الأسماك. كما أن كارستن نيبور في العام 1764 قدّر سفن الكويت بـ 800 سفينة، ما يدل على أن مدينة الكويت كانت عامرة ومزدهرة قبل انتقال مكاتب شركة الهند الشرقية إليها، بل لقد جرى نقل المكاتب إليها لأنها كانت كذلك.
أما عن حجم القوافل التجارية التي كانت تنطلق من الكويت في أواسط القرن الثامن عشر، فقد كتب عنها "الطبيب الانجليزي إدوارد إيفز عام 1758 الذي كان ينوي السفر مع إحدى القوافل أن القافلة كانت بعدد خمسة آلاف جمل وألف رجل يقودونها". (العازمي، ص 111).
وعن حال الكويت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر كتب الرحالة الأميركي لوشر الذي زار الكويت في 1868 "تظهر الكويت كمدينة عربية فائقة النظافة" (الوقيان، ص 17).
واستمر حال مدينة الكويت كميناء مهم على الخليج ومركز تجاري نشط قائماً إلى نهاية خمسينات القرن العشرين، وها هو المحامي السوري فيصل العظمة، الذي أقام في الكويت بداية الأربعينات يشير في كتابه بلاد اللؤلؤ إلى أنّ "الكويت قطر تجاري بالدرجة الأولى ومن الدرجة الأولى نظراً لموقعه الجغرافي الممتاز في رأس خليج العرب ولتوسطه بين نجد والعراق وإيران والهند وإمارات الخليج، فهو نقطة الاتصال بين هذه البلدان، ولولا التجارة لما كانت الكويت، بل لظلت صجراء مقفرة..." (العظمة، ص 69).
ويضيف "تتاجر الكويت مع الهند والعراق ونجد والبحرين ومع الأساكل العربية على الخليج ومع إيران وقليلاً مع سورية ومصر. والتجار الكويتيون مشهورون في الهند، وتجارة الكويت مع الهند تأتي بالدرجة الاولى" (العظمة، 70)، كما أنّ "تجارة الكويت تستند إلى أسس ثلاث: الملاحة وتجارة اللؤلؤ وتموين نجد" (العظمة، 71)، وقد تعرضت تجارة المسابلة مع نجد إلى أزمة خانقة خلال عقدي العشرينات والثلاثينات بسبب قرار السعودية بمنع أهالي نجد وبادية السعودية من الاتجار مع الكويت، جراء الخلاف حول تحصيل الضريبة الجمركية وحصة السعودية منها.
المهم في الأمر، أنّ موقع الكويت المميز في الطرف الشمالي للخليج العربي اقتضى "أن تكون محطة لنقل البضائع القادمة من الهند وشرق آسيا بحراً في طريقها البري نحو أوروبا، إضافة لكونها محطة لنقل البضائع القادمة من وسط الجزيرة العربية كالخيول في طريقها البحري إلى الهند عن طريق السفن الكويتية". (الوقيان، ص 25). حيث "جابت سفن الأسطول التجاري الكويتي موانئ المحيط الهندي من شرق آسيا إلى شرق أفريقيا، فضلاً عن موانئ الخليج والجزيرة العربية" (الوقيان، ص 26).
الكويت "الجمهورية":
يوضح ب. ج. سلوت في كتابه "نشأة الكويت" أن الأهمية المتزايدة للكويت تعود "لاستخدام مينائها كبديل عن البصرة" (سلوت، ص 200)، ولكنه يشير إلى ما هو قبلذاك بقوله "والسبب الرئيسي لوجود الكويت في هذه البقعة يعود إلى أن تجار الكويت استطاعوا أن يعثروا على مرفأ آمن ذي اتصالات جيدة بحوض البحر المتوسط خارج نفوذ حكومة البصرة العثمانية سيئة الأداء، وهكذا أصبح للكويت نشأة طبيعية ككيان سياسي واقتصادي مستقل، فهي تقع على طريق تجاري آمن من التأثيرات الخارجية الخطيرة، ولذلك فقد بدت للعالم الخارجي كمكان ذي خاصية مختلفة، وليس نتاج الغزوات أو زواج الأمراء ولكن دولة تجار متكاملة. وهكذا فإن المقارنة بين الكويت وجمهورية البندقية... ليست منافية للعقل كما يبدو ولكنها تظهر المبررات الأساسية في سبب وجودها، فقد كان هذان المكانان آمنين ومستقرين على طريق تجاري رئيسي" (سلوت، ص 200).
وهنا نتوقف أمام نقطة لافتة في هذه المقارنة بين الكويت وجمهورية البندقية، إذ أنّ هناك وثائق تاريخية تصف الكويت نفسها بأنها جمهورية، حيث كتب سلوت "أما المصادر الفرنسية في القرن التاسع عشر فإنها تصف الكويت كجمهورية" (سلوت، ص 168)، ونجد توضيحاً لذلك في الهامش رقم 99 على صفحة 200 من كتابه يورد ما جاء في وثيقة "حياة مدحت باشا من الوثائق الخاصة وذكريات أبنه حيدر ومدحت بك (لندن 1903) صفحة 50 فيها الإشارة المثيرة للانتباه: "شعب هذه الجمهورية (الكويت) من أكثر الناس في العالم حرية"... وكذلك ما جاء في تقرير القنصل الفرنسي في البصرة عام 1870، محفوظات وزارة الخارجية، باريس، المراسلات السياسية، بغداد، مجلس 6، ورقة 114، خطاب القنصل الفرنسي في بغداد بتاريخ 25 يناير 1870، الذي يشير إلى وضع الكويت كنوع من الجمهوريات المستقلة (سلوت، ص 200).
وصف الكويت:
لعل أقدم وصف متاح عن الكويت نجده في مخطوطة تعود إلى العام 1709 وهي مخطوطة رحلة مرتضى بن علي بن علوان عبر الجزيرة العربية، المودعة في مكتبة برلين، حيث كتب "ودخلنا بلداً يقال لها الكويت بالتصغير، بلد لا بأس بها، تشابه الإحساء إلا أنها دونها، ولكن بعمارتها وأبراجها تشابهها" (سلوت، ص 118 -119).
فيما يشير الرحالة ستوكويلر الذي زار الكويت في العام 1831، وفي الغالب فقد كانت الزيارة بعد زوال وباء الطاعون عنها، إلى أن الكويت بلد طوله ميل وعرضه ربع ميل، وأن البيوت تبنى من الطين وتكسى واجهاتها من الخارج بطبقة خشنة من الملاط. وقدّر سكان المينة بقدر أربعة آلاف نسمة. ووصف الشوارع بأنها متسعة مقارنة بشوارع مسقط في عمان وبوشهر في بلاد فارس، وأن السور يحيط بالكويت وكان للسور ثلاث بوابات (العازمي، ص 33).
أما بلجريف، وهو غير بلجريف المستشار البريطاني في البحرين، فكتب عن الكويت في العام 1850 أنها من أكثر الموانئ أهمية وحيوية في شمال الخليج، إضافة إلى نمو وتقدم التجارة وتطور ونمو الحياة العمرانية مما جغلها أكثر مناطق الخليج جذباً للسكان.
وكتب لوريمر في دليل الخليج أن مدينة الكويت بين عامي 1904 و1905 يبلغ نحو ميلين على طول الشاطي، أما امتدادها داخل الأرض فيتراوح بين ربع الميل وثلاثة أرباع الميل.
وذكر ديكسون في 1936 أن مساحة المدنية داخل السور حوالي 4.5 ميل مربع، كما قدر واجهتها البحرية بطول 3.5 ميل بعمق حوالي ميل ونصف الميل.
وحدد الدكتور شبر أحد رواد التخطيط العمراني في الكويت مساحة الكويت قبل هدم السور بأنها كانت حوالي 8 كيلومترات مربعة.
جغرافية المدينة:
يلخص الباحث في الشؤون الكويتية د. يعقوب يوسف الغنيم في كتابه "دولة الكويت: الأماكن والمعالم"، جغرافية مدينة الكويت في شكلها السابق على إزالة معظم مساكنها ومعالمها القديمة، كما كانت تبدو في الخمسينات، بأنها "تقع على ساحل جون الكويت الجنوبي... وكانت تتكون من عدة قطاعات هي القبلة والشرق والمرقاب، ومن هذه القطاعات تتفرع أجزاء أخرى هي الفرجان (جمع فريج)... ويحيط بالمدينة سور هلالي الشكل يبدأ من البحر شرقاً، وينتهي إلى البحر غرباً، وله عدة بوابات، وكان هذا السور قد بني لثلاث مرات بحسب اتساع المدينة آخرها ما يطلق عليه السور الثالث الذي بني في سنة 1920.
فيما يقدم راشد عبدالله الفرحان في كتابه "مختصر تاريخ الكويت وعلاقتها بالحكومة البريطانية والدول العربية" الصادر في العام 1960 صورة تفصيلية أكثر عن جغرافية مدينة الكويت في عقد الخمسينات، مع أنه يبدأ على خلاف المعتاد من الحي الغربي من المدينة، وليس من الحي الشرقي، وهو الأقدم، ونعرض هنا تلخيصاً لبعض ما جاء فيه:
- "حي القبلة هو القسم الغربي الجنوبي من مدينة الكويت ويراد به المنطقة الواقعة ما بين الشارع الجديد والصفاة وقصر نايف حتى دروازة الجهراء، وسمي بالقبلة لأن قبلة أهل الكويت في الصلاة هي الجنوب الغربي" ويعدد من محلات الحي أو "فرجانه" وأقسامه: البدر، اليسرة، الوطية، الخالد، آل سعود، المديرس، السبت، المقبرة القديمة، وقد تعتبر منه محلة الدهلة... ويضيف أنّ جلّ سكان هذا الحي من الأسر التي هاجرت من نجد أو من البادية وقليل من الفوادرة.
- "حي الوسط هو القسم الواقع على ساحل الجون ما بين حي القبلة حتى دروازة عبدالرزاق ملتقى شارع الجهرة ودسمان، وحي الشرق الذي يفصله عن حي الوسط شارع الميدان، ومن محلاته: القناعات، والشيوخ، والعدساني، والعوازم، وسوق اليهود... وفيه أسست المدرسة المباركية أول مدرسة نظامية.
- حي الشرق، هو القسم الواقع بعد حي الوسط على ساحل جون الكويت حتى آخر البلد قصر دسمان، ومن محلاته: الدبوس، آل نصف، الشملان، دسمان، المقوع، الميدان، البلوش، المطبة.... ويضيف الفرحان يضم هذا الحي أخلاطاً من الكويتيين العرب والعجم أهل فارس العوضيين والشيعة العجم والعرب من أهل البحرين والاحساء والقطيف، والقطامي والعسعوسي.
- حي المرقاب، هو القسم الجنوبي الشرقي من مجينة الكويت، وهو أكبر الأحياء مساحة وأقلها سكاناً، وسمي بالمرقاب لارتفاعه وبعده عن البحر، وسكان هذا الحي من النجديين.
- كما يضيف وهناك حي الحساوية الذي يقع جنوب حي الشرق، وحي الرشايدة، ومحلة المطران.
ومن المهم التنبيه إلى بعض ملاحظات سريعة، أولها أنّ حيي القبلة والمرقاب استجدا لاحقاً بعد حيي الشرق والوسط، وثانيها أنّ سكان حيي الشرق والوسط متنوعون اثنياً ودينياً ومذهبياً.
وعن تاريخ عمران المدينة وتفاصيله يقسم د. خالد حريميس فلاح العازمي تطور عمرانها إلى فترتين كانت سنة 1930 هي الحد الفاصل بينهما، ولعل السبب هو إنشاء بلدية الكويت في تلك السنة ودورها في تنظيم العمران بمدينة الكويت، فيشير إلى أنّ العمران في الفترة ما بين 1750 و1930 كان يتميز "بضيق المساحة، وكان ملازماً بالساحل، وربما يرجع السبب إلى قدم هذه المنطقة وارتباطها بالنشأة الأولى للمدينة حول "الكوت" وحول قصر الحاكم، أما الامتداد نحو الداخل فقد كان محصوراً من قصر السيف على الواجهة البحرية باتجاه بوابة نايف في السور الخارجي للمدينة (السور الثالث) وكانت المدينة أشبه بهيئة المثلث الصغير قاعدته على طول الواجهة البحرية ورأسه إلى الداخل عند ساحة الصفاة".
أما العمران في الفترة ما بين 1930 إلى 1950 "فكان أكثر اتساعاً وارتسمت صورته بحلول عم 1950 إلا أنه لا يزال ملتزماً بالواجهة اليحرية مع اتساع الرقعة وانتشار الامتداد من حدود السور إلى الداخل جنوباً، وكان الانتشار واضحاً نحو الغرب أكثر منه نحو الشرق". (العازمي، ص 45).
ويشير إلى ازدياد السكان من 30 ألف نسمة عام 1930 إلى نحو يتراوح بين 80 -120 ألف نسمة في الفترة ما بين 1940 -1947 (العازمي، ص 46).
ويعدد الأقسام غير السكنية في المدينة، وأهمها:
- الواجهة البحرية، التي تركزت فيها الأنشطة المتمثلة في الصيد البحري والتجارة الخارجية والداخلية، وفيها منطقة الجمرك والنقع مراسي السفن.
- ساحة الصفاة والمنطقة التجارية، وهي ظهير تجاري للواجهة البحرية... ومن بين أسواقها: سوق البشوت، سوق الزل، سوق السلاح، سوق واجف، سوق اللحم والخضار والسمك، سوق الحمام، سوق الخبازين، سوق الصفافير، سوق الجت، سوق الفحم، سوق الشعير، سوق الحلوى، وسوق الطحين.
"أم الثلاث أسوار":
كانت مدينة الكويت مسوّرة، شأنها في ذلك شأن معظم المدن القديمة، إذ تعرضت الكويت خلال تاريخها إلى العديد من الغزوات والهجمات والتهديدات في أعوام 1793 و1797 و1808 و1872 و1920، وكان من الطبيعي تسوير المدينة كوسيلة لحمايتها من هذه الغزوات وحمايتها، وهناك خلاف وتباين بين المؤرخين حول عدد هذه الأسوار ونطاقاتها، ولكن السائد أن عدد أسوار المدينة ثلاثة، وهي كما يصفها كتاب "الكويت: تاريخ تراث عمارة" الصادر عن إدارة الشؤون المعمارية الهندسية  في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في 2009، كالتالي:
- السور الأول تمّ تشييده في العام 1789 وقد امتد قرابة الميل حول مدينة الكويت ما بين فريج (حي) النصف بمنطقة شرق وفريج البدر بمنطقة قبلة، وقد تخللت السور خمس دروازات.
- السور الثاني تمّ تشييده في 1814 ، وتمّ ترميمه في 1845 وله سبع دروازات.
- السور الثالث تمّ تشييده بعمل تطوعي جماعي خلال أقل من شهرين بعد معركة حمض في 1919، وقد بني من الطين واللبن والجص، ولهذا السور أربع دروازات وأضيفت خامسة، وقررت الحكومة إزالته في 4 فبراير 1957 مع الإبقاء على بواباته بسبب الحاجة إلى إعادة بناء وتوسيع مدينة الكويت. (إدارة الشؤون المعمارية، ص 143 - 144).
شح المياه:
في بلد صحراوي، مثل الكويت، لا نهر يمر فيه ولا ينابيع وعيون تتفجر من باطنه، فإنّ شح المياه كان يمثل مشكلة حيوية خطيرة، وهذا ما عاناه الكويتيون لقرون عديدة، خصوصاً نقص مياه الشرب أو ما يسمى مياه الشفة، وذلك قبل أن يتم اللجوء إلى تقطير مياه البحر في الخمسينات، واكتشاف مياه الروضتين في نهاية الخمسينات.
ويذكر الشيخ يوسف بن عيسى القناعي إلى أن "الماء الذي للشرب يجلب من الشامية والنقرة والدسمة، ويوجد ماء للطبخ والحيوان ويسمى مروقاً وفيه ملوحة، ويباع بأرخص من ماء الشامية والنقرة. ويجلب الماء على الحمير.... وفي سنة 1324 صارت هذه المياه لا تسد ظمأ البلد بسبب كثرة الساكنين، فأخذوا يجلبون الماء من البصرة بالسفن الشراعية". (القناعي، ص 75-76).
ويزيد المحامي فيصل العظمة، الذي أقام في الكويت بداية الأربعينات "يجلب الكويتيون ماء الشرب بالسفن الشراعية من شط العرب على بعد 130 كيلاً تقريباًـ وتتولى ذلك شركة وطنية رئيسها الشيخ عبدالله السالم وصاحب فكرتها السيد يوسف الغانم، ورأسمالها نحو ثلاثماية ألف روببي، تمليك أربعين بوماً – سفينة شراعية كبيرة- وهذه المسافة تقطعها السفن بست ساعات إلى يومين بحسب ملاءمة الريح"... "وفي الكويت خمس برك من الإسمنت نظيفة ولها صنابير ومراقبة صحياً تتسع لنحو أربع ملايين لترة، ويباع الماء بأسعار رخيصة، فثمن كل "قوطي" أي سفيحة "آنة" أي نحو فرنك سوري، ويتولى نقل الماء في البلدة سقاة". (العظمة، ص 25).
باختصار كانت مدينة الكويت بلداً غير ذي زرع، بل الأسوأ غير ذي ماء... ولكن الكويتيين اجترحوا المعجزات للحصول على المياه عبر نقلها من شط العرب في خزانات السفن الخشبية.
مدينة الكويت ديموغرافياً:
تورد المصادر التاريخية تقديرات وبيانات إحصائية عن عدد سكان الكويت، وهنا يجب أن نلاحظ أن غالبية السكان كانت حتى النصف الثاني من خمسينات القرن العشرين متمركزة في مدينة الكويت، قياساً بالقرى والبادية، وهذه هي أبرز التقديرات والبيانات الإحصائية للسكان:
قدّر نيبور في العام 1765 عدد السكان بعشرة آلاف نسمة.
فيما قدّرهم ستوكويلر في العام 1831  بأربعة آلاف نسمة، ولعل سبب التراجع في عدد السكان يعود إلى تفشي وباء الطاعون في ذلك العام، حيث "فتك بالكويت فتكاً ذريعاً، بحيث أن أغلب البيوت خلت من سكانها، بل عجز الناس عن دفن موتاهم في المقابر، فأخذوا يدفنونهم في بيوتهم" (القناعي،  ص 63).
وقدّر بلجريف السكان في العام 1862 بخمسة وثلاثين ألف نسمة.
أما لوشر فقدّرهم في 1868 بسبعة عشر ألف وخمسمئة نسمة.
وقدّر لوريمر سكان الكويت في العام 1916 بأربعين ألف نسمة.
ولاحقاً نجد أن لوريمر بعد نحو ثلاثين عاماً في العام 1947 قدّرهم بمئة وعشرين ألف نسمة.
وقدّر ديكسون في العام 1952 سكان الكويت بمئة وستين ألف نسمة.
أما إحصاء 1957، وهو أول احصاء رسمي، فقد بلغ عدد سكان الكويت 206 آلاف نسمة، أغلبهم في المدينة، وهنا نلاحظ الزيادات الكبيرة في عدد السكان خلال الأربعينات والخمسينات، التي تعود إلى القادمين للعمل في الكويت من بلدان الجوار بالترابط مع بدء انتاج النفط وتصديره بكميات تجارية في العام 1946.
تطور الرأسمالية الكولونيالية التابعة:
مع أنّ الانطباع الأول هو أن الاقتصاد الكويتي انتقل من طوره التقليدي ليكون جزءاً تابعاً من النظام الرأسمالي الكولونيالي بعد اكتشاف النفط وانتاجه، وهو صحيح إذا كان المقصود دور النفط في التطور المتسارع نحو هذا الاتجاه، ولكنه ليس دقيقاً بشكل عام.
إذ كان الاقتصاد الكويتي المتمركز بالأساس في مدينة الكويت حتى أواسط أربعينات القرن العشرين اقتصاداً تقليدياً قائماً على مناشط الغوص على اللؤلؤ وتجارته؛ والملاحة البحرية ممثلة في "القطاعة" عبر سواحل الخليج و"السفر" إلى الهند وعدن وشرقي أفريقيا؛ والرعي وتجارة "المسابلة" مع البادية، وذلك في إطار علاقات إنتاج اجتماعية ذات طبيعة شبه إقطاعية تفرض على البحارة والغواصين ارتباطاً بالسفينة وبالنوخذا ضمن ترتيبات تقليدية مجحفة لنظام السلف وسداده وتقسيم الحصص "القلاطات" في نهاية موسمي الغوص أو السفر، مع اشتراط الحصول على "بروة" قبل الانتقال للعمل لدى نوخذا آخر.
ولكن بحكم كون الكويت ميناء نشطاً ومركزاً تجارياً، وبحكم اتصال تجارها بالعراق والهند، فقد شهدت الكويت خلال النصف الأول من القرن العشرين بدايات تشكّل طبقة تجارية برجوازية ذات سمات رأسمالية حديثة في إطار علاقات تبعية للنظام الرأسمالي، حيث حققت تراكماً رأسمالياً أولياً، وهذا ما تجلى في تأسيس عدد من المعامل الصناعية الصغيرة مثل: "معمل الثلج" في 1912، و"مطحنة الحبوب" 1917، و"محطة توليد الكهرباء" في 1933، و"معمل الصابون" و"معمل الكاشي" في 1935، و"معمل النامليت" في 1936، ومعمل الأحذية" في 1942، و"معمل الطابوق الاسمنتي" في 1943، ومعمل السجائر" في 1945، وكذلك تأسيس عدد من الشركات المساهمة كشكل من أشكال التنظيم الرأسمالي مثل: ""شركة السيارات الكويتية العراقية" في 1925 كشركة مساهمة، و"شركة النقل والتنزيل" (حمال باشى) في 1935 التي جرى تأميمها في العام 1938 فترة مجلس الأمة التشريعي الأول، و"شركة كهرباء الكويت المحدودة" في 1934، و"شركة الماء" في 1939، و"شركة مصائد الأسماك" في 1945، و"شركة المواصلات الكويتية"، حيث تطلّب النشاط التجاري وجود مؤسسة مصرفية حديثة، وهذا ما تمثّل في فتح فرع للبنك البريطاني للشرق الأوسط ومنحه امتيازاً احتكارياً للعمل المصرفي في 1942.
وقد رافق عملية تشكّل البرجوازية الكويتية بصورتها الرأسمالية الحديثة ضمن إطار التبعية الرأسمالية الكولونيالية، تشكّل وعيها السياسي كطبقة اجتماعية صاعدة، وما ارتبط به من دور تحديثي يلبي احتياجات تطورها بنشر التعليم وتحديث الإدارة العامة للإمارة عبر استحداث المؤسسات والتشريعات وأشكال التنظيم الإداري، وكذلك تطلّعها إلى ممارسة دور سياسي يتناسب مع حجم دورها المؤثر في الحياة الاقتصادية، وهو ما مثّله مشروعها للتحديث السياسي للإمارة عبر المطالبة باستحداث مجلس للشورى في 1921، ثم باستحداث وانتخاب مجالس للبلدية والمعارف في بداية ثلاثينيات القرن العشرين، ومحاولتها تشكيل غرفة للتجارة، ثم نجاحها في تلبية مطلبها بانتخاب أول مجلس نيابي تشريعي ووضع دستور ديمقراطي برلماني في الفترة بين يونيو 1938 ومارس 1939.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية استأنفت "شركة نفط الكويت" البريطانية – الأميركية نشاطها في استخراج النفط الكويتي الذي كانت قد بدأته قبيل بداية الحرب بعد حصولها على امتياز التنقيب في العام 1934، وبدأت الشركة بتصدير النفط في العام 1946، وهذا ما أتاح للحاكم مصدراً جديداً وكبيراً للدخل، بل بديلاً عن اعتمادها في السابق على مصادر التمويل المحلية من الضرائب؛ وأفسح من جهة أخرى مجالات جديدة من النشاط الاقتصادي أمام الطبقة البرجوازية الناشئة عبر عقود المقاولات والتوريد والخدمات التي كانت تتطلبها أعمال شركة النفط، وهذا ما سرّع من عملية تشكّل البرجوازية الكويتية كطبقة اجتماعية جديدة وزيادة التراكم الرأسمالي لديها.
وقد أدى إنتاج النفط وتصديره وتأسيس مرافق الصناعة النفطية وما تبع ذلك من توسيع لأنشطة التجارة والمقاولات إلى اضمحلال ثم تلاشي الاقتصاد ما قبل الرأسمالي ومناشطه التقليدية بدءاً من الغوص على اللؤلؤ وتجارته، خصوصاً بعد نجاح اليابان في زراعة اللؤلؤ؛ مروراً بالملاحة البحرية بعد انتشار السفن البخارية الضخمة، كما أدى ذلك إلى حدوث نزوح واسع من سكان البادية إلى المدينة وأطرافها للعمل في شركة النفط، ما نجم عنه اضمحلال الرعي وتجارة "المسابلة" (التجارة مع البدو الرحّل في صحراء الكويت وشمال الجزيرة العربية)، وبذلك تقلّصت ثم تلاشت علاقات الإنتاج الاجتماعية ذات الطبيعة شبه الإقطاعية المرتبطة بالنمط الانتاجي التقليدي السابق، حيث لم يستمر "الاقتصاد المختلط" سوى فترة قصيرة من الوقت، فيما تسارع التحوّل نحو علاقات إنتاج رأسمالية حديثة في إطار التبعية للنظام الرأسمالي العالمي.
كما دفعت زيادة الموارد المالية للإمارة نحو تسريع عملية إنشاء البنى التحتية والخدمات الأساسية من تعليم وصحة ومرافق عامة التي كان معظمها مفقوداً أو هزيلاً قبل ذلك، وهذا ما تطلّب توسيع جهاز الدولة وتوفّر فرص واسعة للعمل في القطاع الحكومي الناشئ والمتنامي بسرعة، وأدى هذا كله إلى ارتفاع كبير في عدد السكان جراء النزوح من البادية والهجرة من البلدان المجاورة والقريبة، فقد ارتفع عدد سكان الكويت من 86 ألف نسمة مثلما كان مقدّراً من دائرة التموين في العام 1944 ليصل إلى 206 آلاف نسمة، بينهم 113 ألف مواطن كويتي وفق إحصاء 1957.
وشهدت بداية عقد الخمسينيات من القرن العشرين مجموعة من التطورات ذات الدلالة والأثر... فقد ارتفع دخل الكويت من النفط بصورة غير مسبوقة جراء زيادة كميات استخراجه التي بلغت أكثر من مليون برميل يوميا في العام 1955 بعد أن كانت في حدود ربع مليون برميل يوميًا في العام 1949، بالإضافة إلى اعتماد سياسة المناصفة في توزيع إيرادات النفط بين شركة النفط والحكومة بدءاً من ديسمبر 1950، حيث ارتفع دخل الكويت من إيرادات النفط من 12 مليون دولار في العام 1950 إلى 280 مليون دولار في العام 1955، وهذا ما وفّر مصادر مالية إضافية ضخمة بيد الإمارة، أدّت إلى زيادة الإنفاق الحكومي وتوسيع الخدمات العامة وتسريع إنشاء البنى التحتية وتضخّم الجهاز الإداري وتحسين مستوى المعيشة وازدياد الطابع الريعي للاقتصاد وانتشار قيم المجتمع الاستهلاكي.
وفي هذا السياق بدأت الحكومة بإطلاق مشروع  تأسيس محطة توليد الطاقة الكهربائية وتقطير المياه، وأممّت "شركة الكهرباء"، وتمّ إنشاء ميناء تجاري حديث في الشويخ، ودعمت الحكومة بعض الصناعات والأنشطة الاقتصادية عبر الشراكة مع القطاع الخاص، وامتلكت شركة الخطوط الجوية الكويتية التي سبق أن أسسها القطاع الخاص حيث تحوّلت إلى مؤسسة عامة.
وكذلك فقد شهد عقد الخمسينيات انطلاق البرجوازية الكويتية وتطلعها إلى توسيع نطاق دورها الاقتصادي، ولعلّ تأسيس "بنك الكويت الوطني" في 1952 يمثّل علامة ذات دلالة للتحرر من احتكار "البنك البريطاني للشرق الأوسط" ولتشكّل نواة الفئة المالية من البرجوازية الكويتية... ويمكن التوقف كذلك أمام الصراع ذي الدلالة الذي دار في بداية الخمسينيات بين البرجوازية الكويتية الناشئة وشركات المقاولات البريطانية المشهورة التي كانت تسمى "الشركات الخمس" وتحظى بنصيب الأسد في المقاولات الحكومية عبر تعاقدات مباشرة بعيداً عن أسلوب المناقصات الحكومية.
واستمر الجدل مُثاراً حول الوضع الاستثنائي المميز للشركات الخمس ومغالاتها في تكاليف العقود، حتى اتخذ المجلس قراراً يحمل الرقم 851/13 يطلب فيه من "الشركات الخمس تسليم جميع المعدات والأدوات والمنازل والسيارات وجميع التسهيلات الأخرى في موعد لا يتجاوز 30 يونيو سنة 1955، في أي حال من الأحوال، مع احتفاظ الحكومة بكافة حقوقها، التي قد ترى المطالبة بها في المستقبل".
وكذلك فقد تأسس خلال عقد الخمسينيات العديد من الشركات الخاصة المساهمة مثل: "شركة السينما الكويتية الوطنية" و"شركة الخطوط الجوية الكويتية" في 1954، و"شركة ناقلات النفط" في 1957، كما أسست البرجوازية الكويتية الناشئة "غرفة التجارة" في العام 1958 كمؤسسة ممثّلة للمصالح الطبقية للبرجوازية الكويتية ومنظمة لعلاقاتها، وعلى الصعيد السياسي أنشأ الشباب المستنيرون من أبناء الطبقة البرجوازية والعائلات التجارية في ذلك العام ذاته تنظيماً سياسياً معبّراً عن تطلعات طبقتهم في تحديث الدولة حمل اسم "الرابطة الكويتية"، وذلك بالتعاون مع "حركة القوميين العرب".
وفي بداية الستينات توسع حجم النشاط الاقتصادي الرأسمالي للبرجوازية الكويتية، إذ جرى تأسيس عدد من البنوك وشركات التأمين والاستثمار، وشركة البترول الوطنية الكويتية، التي تُعدّ أول شركة بترول وطنية في المنطقة، وشركة الصناعات الوطنية، وشركة الكيماويات البترولية، وشركة الملاحة الكويتية، وشركة المواصلات الكويتية "لاحقاً شركة النقل العام"، وهي من أهم صروح الاقتصاد الكويتي، كما أنشئت منطقة الشعيبة الصناعية، وتميّز هذا التوسع بتأسيس العديد من شركات القطاع المشترك بين القطاعين العام والخاص، وتأسيس عدد من الشركات المملوكة بالكامل للحكومة مثل المواصلات والمطاحن.
وعن التأثيرات الاجتماعية والثقافية الصادمة لهذا التغير السريع، ذكر الأستاذ عبدالعزيز حسين في كتابه محاضرات عن المجتمع العربي بالكويت، الذي يقدم وصفاً لحالة الكويت في عقد الخمسينات، أنه "عندما بدأ إنتاج النفط عام 1946 كانت بدايته إيذاناً بدخول الكويت في طور اقتصادي واجتماعي جديد، وكان التطور الوافد عنيفاً وشديداً في نوعه وكمه، فشرع يغزو بسرعة وغلظة ما ألفه المجتمع من عادات وتقاليد وقيم اجتماعية، محاولاً من دون إشفاق أن يحلّ محلها ويصنع بدلاً منها مجتمعاً جديداً لا تزال سماته وخصائصه في دور التكوين".
"وكان من نتائج ظهور النفط اختفاء التنظيمات المهنية القديمة، وما كانت تستلزمه من نتائج اقتصادية واجتماعية. فقد كانت هناك تنظيمات متعارف عليها وتقاليد مألوفة بالنسبة للتجارة والغوص على اللؤلؤ والنقل البحري، بدأت تندثر تبعاً لاندثار المهن ذاته أو تبعاً لتأثر المهن بالأوضاع الجديدة". (حسين، ص 92-93).
المجتمع الأهلي:
تميزت مدينة الكويت تاريخياً بوجود مجتمع أهلي نشط، ومن الأمثلة على ذلك أن التعليم النظامي اعتمد بالأساس في انطلاقته وتطوره الأول قبل النفط على حملات جمع التبرعات من المواطنين، مثلما حدث في المدرسة المباركية في العام 1911، والعمل التطوعي الجماعي لبناء السور في 1919، وتأسيس بعض المحسنين مدرسة السعادة للأيتام في العام 1924، وفرض مجلس المعارف في الثلاثينات ضريبة نصف في المئة لتمويل التعليم، وتكوين المكتبة الأهلية العامة عبر التبرعات.
بالإضافة إلى اعتماد مشاركة المواطنين في انتخاب أعضاء مجالس الاختصاص كمجلس المعارف والمجلس البلدي ومجلس الأوقاف وغيرها، وحملات جمع التبرعات لدعم الثورة الفلسطينية في العام 1936، ولدعم ثورة الجزائر ومصر في مواجهة العدوان الثلاثي في الخمسينات، وكان هناك دور مشهود للجنة الشعبية لجمع التبرعات التي تأسست في الخمسينات واستمرت تواصل دورها لاحقاً لدعم الشعوب العربية بعد عدوان 1967 وخلال حرب أكتوبر 1973 وللتضامن مع الشعب الفلسطيني، وذلك قبل أن تتوقف ويتجمد نشاطها  بعد وفاة مؤسسيها من أمثال يوسف الفليج وعبدالعزيز الصقر.
الحياة الثقافية:
شهدت مدينة الكويت منذ بداية القرن العشرين تطوراً ملحوظاً في حياتها الثقافية، حيث بادر المواطنون إلى جمع التبرعات لتأسيس مدرسة المباركية، أول مدرسة نظامية، وأنشأوا عبر تبرعاتهم العينية والمادية المكتبة الأهلية في العام 1922، وتأسس النادي الأدبي في العام 1924، وأطلق الشيخ عبدالعزيز الرشيد في العام 1928 مجلة "الكويت" كأول مجلة كويتية، كان يتم تحريرها في الكويت وطباعتها في الخارج، وفي العام 1928 تم تأسيس أول مطبعة، وبعدها مطبعة المعارف 1947.
وشهدت مدينة الكويت في نهاية الأربعينات تأسيس بعض المجلات، لكن التطور الفعلي للصحافة الكويتية ارتبط بعقد الخمسينات، بالإضافة إلى تأسيس الرابطة الأدبية، والعديد من مؤسسات المجتمع المدني، وتحديداً الأندية الثقافية مثل النادي الثقافي القومي.
ودار في العام 1936 صراع بين المتزمتين التقليديين والإصلاحيين حول تعليم اللغة الانجليزية، وفي هذا السياق أصدر الشيخ عبدالعزيز الرشيد رسالة تنويرية تحت عنوان "رسالة الدلائل البينات في حكم تعليم اللغات" للشيخ عبدالعزيز الرشيد.
وفي نهاية الثلاثينات كانت الإنطلاقة الأولى للمسرح في الكويت بالارتباط مع المدرسة المباركية، حيث تم عرض مسرحيتي "إسلام عمر" و"فتح مصر"، وتنامت الحركة المسرحية في الأربعينات عبر مسرحيات أخرى كان يتم عرضها في المدارس، ولعل مسرحية "مهزلة في مهزلة" لأحمد العدواني هي أول مسرحية كتب نصها أديب كويتي ومثلت في الكويت وذلك في العام 1947، وفي الخمسينات كانت هناك عروض مسرحية عامة أطلقها المسرح الشعبي الذي تأسس على أيدي محمد النشمي ومن أشهرها مسرحية "مدير فاشل" في العام 1955، وفي بداية الستينات بدأت الدولة بالاهتمام بتطوير الحركة المسرحية، واستعانت بالفنان المصري الكبير زكي طليمات لتدريب وإعداد عشرات الممثلين من الشباب الكويتي من الجنسين.
وتأسست في العام 1954 شركة السينما الوطنية الكويتية، التي باشرت بافتتاح دور العرض السينمائي "الشرقية" أولاً ثم "الحمراء" و"الفردوس" داخل مدينة الكويت، ورافق تأسيس دور العرض السينمائي اعتراض من بعض رجال الدين.
الحياة الدينية:
كانت مدينة الكويت شأنها شأن أي مدينة عربية مليئة بالمساجد، وقد حدد الباحث عدنان بن سالم بن محمد الرومي في كتابه تاريخ مساجد الديرة القديمة، 85 مسجداً في المدينة تأسست بين العام 1696 و1955، وللأسف فإن الباحث اكتفى بمساجد المسلمين السنة، ولم يشمل مساجد المسلمين الشيعة في المدينة التي يصل عددها إلى نحو تسعة مساجد، هذا إلى جانب العديد من الحسينيات التي يعود أولها إلى العام 1815، وهي تتركز في الحيين الأوسط والشرقي من المدينة.
وفي الغالب فقد كان المسجد هو مركز المحلة أو الفريج داخل احياء المدينة، وكثير من المساجد كانت لها أوقاف يتم الصرف منها عليها، إلى أن تمّ إنشاء دائرة الأوقاف، ولاحقاً وزارة الأوقاف.
وبعد قدوم الإرسالية الإنجيلية الأميركية لتأسيس المستشفى الأميركاني تمّ تأسيس أول كنيسة في مدينة الكويت في حدود العام 1931، وتبعتها في الخمسينات الكنيسة الكاثوليكية، هذا بالطبع غير كنيستي الأحمدي البروتسناتية والكاثوليكية.
وكان من المعتاد إحياء المولد النبوي في المساجد وبعض الديوانيات، وكذلك استمرت حتى الستينات إقامة جلسات المولد ذات الطابع الصوفي في المنازل وفاء لنذور، واحياء المناسبات الدينية الشيعية داخل المجالس الحسينية.
ولم يشهد تاريخ مدينة الكويت حتى الستينات أي فتنة دينية أو طائفية، إذا استثنيا بالطبع الحوادث الفردية.
المبغى العام والخمر:
من المعتاد في مدن الموانئ القديمة أن يكون هناك مبغى عام، وهذا ما كان قائماً في الكويت حتى نهاية عقد الخمسينات في محلة "الرميلة"، قبل إزالتها، ولم يكن المبغى العام منظماً ولا يخضع للرقابة الصحية، وقد تم إغلاق المبغى في عهد الشيخ سالم بين 1917 و1920، وكانت هناك منطقة أخرى لا ترقى لأن تكون مبغى عاماً وإنما هي حوط وبيوت سرية في منطقة اصطلح على تسميتها بالحرية، وأزيلت هي الأخرى في بداية الستينيات، مع عمليات الاستملاك وهدم المباني القديمة داخل المدينة.
أما الخمور فكانت متاحة لغير المسلمين بصورة منظمة عبر مخصصات محددة توفرها شركة غري ماكينزي، وتباع للمسلمين عبر السوق السوداء، وذلك قبل أن يتم تجريم تجارتها تحت ضغط جمعية الإصلاح الاجتماعي في العام 1964 بعد تعديل المادة 206 من قانون الجزاء، ما أدى إلى نمو التهريب وارتفاع أسعار الخمور.  
الحكم والسياسة:
من الطبيعي أن تكون مدينة الكويت هي مركز الحكم والإدارة، وكان الحكم في بدايته يستند إلى الشورى، واستمر كذلك إلى العام 1896 عندما قفز الشيخ مبارك إلى سدة الحكم بالقوة وانفرد بالسلطة، ولكن مع ذلك فقد استمر الأخذ بدرجة ما من الشورى، خصوصاً في الأحكام، وإلى هذا يشير الشيخ أحمد الجابر، قبل توليه الإمارة، في لقائه مع رئيس تحرير مجلة "الكواكب" أثناء زيارته القاهرة في نوفمبر من العام 1919 "تتألف الحكومة من الأمير ومجلسه وقاضي الشرع. فالأمير لا ينظر ويقرر في القضايا مهما كانت صغيرة أو كبيرة، دون أن يستدعي مجلسه للاجتماع الذي يضم وجهاء الدولة، ويأخذ بمشورتهم، ومن ثم يتصرف، بناء على قرار ذلك المجلس، وإذا كانت القضية تقليدية فإنه يتم حلها استناداً إلى التقاليد، وإذا ما كانت قانونية فالقاضي يعطي قراره استناداً إلى الشريعة الإسلامية، فالقاتل يحكم عليه بالإعدام، والزاني أو الزاني يجلد أو تجلد أو يرجم أو ترجم، والسارق تقطع يده، والجرائم الصغيرة يحاكم مرتكبوها استناداً إلى توجيهات القاضي" (الأعظمي، ص 110-111).
ويؤكد شيئاً من ذلك الشيخ يوسف بن عيسى القناعي في كتابه الصادر في الأربعينات، بقوله: "مرجع الأحكام في الكويت الأمير وقاضي الشرع" (القناعي، ص 33).
ورغم ذلك فقد برزت المعارضة السياسية في مدينة الكويت بأشكال مختلفة، بدءاً من هجرة المثقفين والسياسيين والمواطنين المؤيدين للشيخين المغدورين محمد وجراح، مروراً بمعارضة السياسة البريطانية بعد اتفاقية 1899، وفي العام 1910 برزت المعارضة السياسية بصورة هجرة جماعية لكبار تجار اللؤلؤ بسبب الإستياء من الضرائب وتكاليف الحروب، وشهد العام 1914 رفض الكويتيين الاستجابة لطلب الشيخ مبارك مساعدة الشيخ خزعل أمير المحمرة في 1914، عندما ثارت القبائل ضده بسبب تأييده الاحتلال البريطاني للبصرة، وتنامت المعارضة السياسية على نحو ملحوظ في 1921 عندما تمّ توقيع العرائض المطالبة بقيام مجلس للشوري، وهذا ما تم، وكان التطور الأبرز في الثلاثينات عبر تأسيس المجالس المنتخبة للبلدية والمعارف، ثم المطالبة في نهاية الثلاثينات بانتخاب مجلس أمة تشريعي ووضع دستور للبلاد، وهذا ما تحقق عبر قيام الحكم النيابي خلال الفترة بين يونيو 1938 إلى مارس 1939، الذي سرعان ما تمّ تقويضه وإعدام واعتقال قياداته.
وشهد عقد الأربعينات فترة مظلمة على مستوى الحياة السياسية في ظل الحكم المطلق، ولكن الحال تغيرت بعد تولي الشيخ عبدالله السالم مسند الإمارة في العام 1950، حيث حدث انفراج ملحوظ، وتطورت الحركة الوطنية بأشكالها المنظمة: حركة القوميين العرب، والبعث، والعصبة الديمقراطية الكويتية ذات التوجه اليساري، بالإضافة إلى الإخوان المسلمين، وكان هناك دور مشهود للأندية الكويتية، التي شكلت لجنة مشتركة كانت تتولى قيادة العديد من التحركات الجماهيرية، ومن بينها الدعوة للمؤتمر الدستوري الذي كان مقرراً عقده في مسجد السوق في مايو 1955 ولكن السلطات منعت انعقاده، والمظاهرات الشعبية الحاشدة ضد العدوان الثلاثي على مصر وتأييداً للوحدة المصرية السورية في العام 1958، وفي ذلك العام تأسست الرابطة الكويتية التي كانت تحالفاً جمع القوميين العرب مع التجار المستنيرين، وكان الحدثان الأبرز في العام 1959 حملة ملاحقة الشيوعيين واليساريين، ومهرجان ثانوية الشويخ في الذكرى الأولى للوحدة، الذي طالب فيه الزعيم الوطني جاسم القطامي بالدستور والحكم النيابي، حيث جرى قمعه وملاحقة العناصر الوطنية وتعطيل الصحف، وحل الأندية والجمعيات، ما عدا "جمعية الإرشاد الإسلامي" التابعة للإخوان المسلمين، التي توقفت لاحقاً بقرار ذاتي من مجلس إدارتها.
والمفارقة أن تلك الفترة العصيبة كانت في الوقت نفسه هي الفترة التي جرى فيها الإعداد لانتقال الكويت من وضعية الإمارة التقليدية إلى شكل الدولة الحديثة، حيث تمت الاستعانة بالخبير القانوني المصري الشهير عبدالرزاق السنهوري لوضع قوانين أساسية مثل: قانون الجنسية، وقانون جوازات السفر، وقانون إقامة الأجانب، وقانون التجارة، وقانون الجزاء، وقانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، وغيرها، وارتبطت هذه القوانين بالترتيبات التي كانت جارية لاستقلال الكويت عن بريطانيا في العام 1961.
المخطط الهيكلي وأفول المدينة:
تعدّ بداية خمسينات القرن العشرين منعطفاً مهماً في وضع مدينة الكويت، ليس فقط من حيث التنامي المطرد للعوائد المالية المتأتية من الريع النفطي، التي ارتفعت من 12.4 مليون دينار في العام 1950 إلى 282 مليون دينار في العام 1955، وليس فقط جراء ارتفاع النمو السكاني جراء الهجرة الواسعة إلى الكويت التي أدت إلى تغييرات في حجم السكان وتركيبتهم، من نحو 70 ألف في العام 1944 إلى 160 ألف في العام 1952، إلى 206 آلاف في احصاء 1957 يمثل الكويتيون منهم 56%، وإنما بالارتباط مع ذلك التنامي للعوائد والزيادة في عدد السكان، ما شهده العام 1952 تحديداً من إقرار أول مخطط هيكلي حضري قام به مستشار أجنبي، حيث حدثت خلال ذلك العام "نقلة نوعية في شكل وعناصر المدينة القديمة الكويت العاصمة" (العازمي، ص 3) وتنفيذاً لذلك المخطط الهيكلي جرى استملاك بيوت المواطنين في المدينة أو "تثمينها" نظير مبالغ مجزية، وتمّ هدم معظمها خلال عقد الخمسينات، ووصلت مبالغ التثمين في العام 1960 إلى نحو 86 مليون دينار، امتد العمران على نحو متسارع خارج المدينة بمحاذاة الساحل باتجاه الجنوب والوسط، ونشوء الضواحي والمناطق الجديدة، وارتفع عدد الوحدات السكنية بوتيرة مضاعفة، حيث ارتفع من نحو 14 ألف وحدة سكنية في العام 1950 إلى 78 ألف وحدة سكنية في العام 1965، وفي العام 1957 تمّ هدم سور الكويت، وتحوّل مركز المدينة إلى مجرد مركز تجاري وإداري. (العازمي،  ص 62).
إذ كلف حاكم الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح في أبريل عام 1951 الدار الاستشارية المعمارية البريطانية مينبوريو وسبنسلي وماكفارلين لوضع خطة عمرانية لمدينة الكويت لتلائم النمو الحضري المتسارع. وفي العام 1952 وضعت الخطة موضع التنفيذ وكانت أهدافها الأساسية كالتالي:
1- توفير شبكة من الطرق الحديثة تتناسب مع متطلبات وأحجام المرور في مدينة الكويت والمناطق الجديدة المجاورة لها.
2- تخصيص مناطق لقيام المباني الحكومية والصناعات والمراكز التجارية والمدارس وباقي الاستخدامات المختلفة.
3- تحديد مناطق للمساكن الجديدة وللخدمات الضرورية لها داخل وخارج السور.
4- تحديد بعض المواقع لاستغلالها للحدائق والميادين الرياضية والملاعب الخاصة بالمدارس والساحات المكشوفة الأخرى.
5- تطوير المنطقة التجارية المركزية وتحسين ساحة الصفاة مع مراعاة التناسف في توزيع مواقع المباني الحكومي حتى تضفي طابعاً مميزاً للمدينة.
6- تحديد مناطق للتشجير بالطرق الرئيسية والمواقع الهامة الأخرى.
7- توفير طرق رئيسية لربط مدينة الكويت بالمدن والقرى المجاورة. (العازمي، 156).
وأدخلت الخطة نظام الضواحي السكنية ومراكزها، وتمّ فصل هذه الضواحي عن المدينة بحزام أخضر، وأخذ الامتداد السكني بمحاذاة المدينة ما بين شارع الاستقلال شرقاً وشارع جمال عبدالناصر غرباً، أما الاستخدام الصحي والترويحي والصناعي فيمتد بمحاذاة الساحل على طول امتداد شارع جمال عبدالناصر وصولاً إلى منطقة الشويخ الصناعية، التي أعدت لبعض الصناعات الخفيفة كورش السيارات وبعض مصانع البلاط والاسمنت والطابوق، إضافة إلى وجود ميناء الشويخ الرئيسي بها، أما المناطق التي خصصت لغير الكويتيين فكانت في منطقتي حولي والسالمية ما بين الطريق الدائري الثالث والطريق الدائري الرابع، وكان نظام البناء عبارة عن بنايات متعددة الأدوار مقسمة إلى وحدات سكنية صغيرة (شقق) (العازمي، ص 157).
والأهم من بين تلك المقترحات أن تكون مدينة الكويت القديمة المركز الرئيسي للنشاط التجاري والإداري لخدمة الامتدادات الحضرية (العازمي، ص 159).
ولتنفيذ أهداف الخطة في جعل المدينة الكويت القديمة مركزاً للنشاط الاقتصادي وإنشاء مناطق جديدة للاستيطان العمراني خارج السور، قامت الحكومة باستملاك العقارات القديمة داخل السور بأسعار مرتفعة تفوق أسعار السوق، بهدف إغراء السكان على الانتقال إلى المناطق المستحدثة تمهيداً لنزع الملكية. إضافة إلى أن عملية الاستملاك تهدف بطريقة غير مباشرة إلى توزيع جزء من العوائد النفطية على أبناء البلد، وساعدت على دفع نحو 33 ألف كويتي للانتقال خارج المدينة للمناطق المستحدثة، فقد أدى التثمين إلى نتائج هامة، ليس فقط على مستوى الانتقال من السكن في المدينة إلى السكن في الضواحي الجديدة بمنازل حديثة، وإنما كذلك على مستوى فتح الباب أمام الحراك الاجتماعي الطبقي إلى أعلى لأعداد كبيرة من المواطنين.
وقد "أدى انتقال المواطنين الكويتيين إلى خارج مدينة الكويت القديمة بسبب سياسة الاستملاك العامة بان حلّ محلهم سكان من غير الكويتيين، وأصبحت بذلك التركيبة الاجتماعية في العاصمة نسيجاً من جاليات مختلفة، وأقلية من أبناء البلد" (العازمي، ص 161).
وفي إطار ذلك المخطط الهيكلي أصبح الاستخدام السكني بالمدينة يشغل أقل نسبة من بين الاستخدامات الأخرى، حيث لا تتعدى هذه النسبة 17% من المساحة، إذ خصصت المدينة... لأن تكون منطقة أعمال مركزية، حيث قدرت المنازل داخل المدينة عام 1957 بنحو 16864 منزلاً، وقدرت عام 1970 بنحو 3 آلاف منزل فقط، حيث أزيلت بذلك نحو 82% من المباني التي كانت قائمة في الخمسينات. (العازمي، ص127)، وبذلك أفرغت المدينة من سكانها.
ولاحقاً جرت محاولات لاستدراك الوضع الشاذ لمدينة الكويت المفرغة من السكان، حيث أوصى المخطط الهيكلي لمدينة الكويت 1970 بأن تحتفظ مدينة الكويت بمركزها كعاصمة للدولة، وتمارس دورها التجاري والثقافي والحكومي، على أن تحوي المدينة 80 ألف نسمة من السكان. (العازمي، ص 170)، وفي هذا السياق جرى إنشاء مجمع الصوابر السكني، الذي تمّ تصميمه في العام 1979.
أما المخطط الهيكلي لمركز المدينة في العام 1983 فقد اقترح "إعادة إسكان الكويتيين مرة أخرى في مركز المدينة ليصلوا إلى نسبة 52% على الأقل بحلول عام 2005، ويتم ذلك من خلال توفير الأراضي السكنية في المقوع الشرقي ومنطقة دسمان وشمال منطقة الشرق، على أن يكون البناء من خلال بنايات مقسمة إلى وحدات سكنية (شقق)" (العازمي، 184)، ولكن هذا المقترح لم ير النور للتنفيذ.
وتكرر هذا المقترح في المخطط الهيكلي لمدينة الكويت لعام 1997 بإعادة تطوير المناطق السكنية الخاصة بإسكان الكويتيين وفق ضوابط ونظم واضحة حول مظهر وتصميم المباني، والهدف من التنظيم هو إيجاد تجمعات سكنية مترابطة في المرقاب ودسمان والجزء الشمالي من حي الشرق، وفي وسط حي الشرق وفي حي الوطية (العازمي، ص 202).
والمؤسف ليس فقط عدم تنفيذ مثل هذه المقترحات، وإنما الإصرار على إفراغ مدينة الكويت من سكانها، عبر اتخاذ قرارات مثل إزالة منطقة أم صدة السكنية الواقعة في جنوبي المدينة، وتحويل منطقة المقوع الشرقي السكنية الواقعة في شرقي المدينة إلى بناء استثماري في العام 2013، وإزالة مجمع الصوابر السكني في العام 2019، وذلك على الرغم من الاعتراضات التي أثارها بعض الناشطين للمحافظة على الطراز المعماري للمجمع.
وبذلك أصبحت مدينة الكويت اليوم ليس فقط عاصمة بلا سكان، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهو وضع شاذ يجب تصحيحه، ولعله من الصعب بدء هذا التصحيح في ظل سطوة البيروقراطية والارتفاع الفاحش والمطرد لسعر المتر المربع في المدينة.
ويمكننا أن نجمل العوامل، التي تضافرت وقادت إلى أن تكون مدينة الكويت على هذا الوضع، في العناوين التالية:
أولاً: بدءاً من أواسط الخمسينات لم يعد هناك ارتباط مباشر للنشاط الاقتصادي للمواطنين الكويتيين مع البحر... وشيئاً فشيئاً فقد تراجع ثم اضمحل الدور الوظيفي لمدينة الكويت كميناء ومركز تجاري، بما في ذلك تراجع تجارة إعادة التصدير، ناهيك عن تحوّل ميناء المدينة إلى ميناء هامشي لسفن صيد الأسماك، وانتقال الموانئ التجارية إلى الشويخ والشعيبة والدوحة ومبارك.
ثانياً: صاحب ذلك اضمحلال ثم اختفاء العديد من المهن والحرف التقليدية في المدينة وأسواقها وأبرزها صناعة السفن الخشبية والأشرعة، ناهيك عن انتقال ما تبقى منها إلى المنطقة المجاورة لميناء الدوحة شمالي المدينة.
ثالثاً: تداعيات تنفيذ المخطط الهيكلي الأول الذي أزال غالبية مساكن المدينة وأهم معالمها، بما في ذلك هدم السور في العام 1957 مع الإبقاء على بواباته، وهو قرار جائر لم يكن التراث والتاريخ ضحيته فحسب، بل كانت الضحية هي القيمة الوطنية العالية التي كان يمثلها تضافر الكويتيين في العام 1919 وتطوعهم لبنائه خلال مدة قياسية تقل عن شهرين لمواجهة خطر الغزو.  
رابعاً: مع التوسع العمراني المضاعف، والنمو السرطاني للجهاز البيروقراطي للدولة، والزيادة الكبيرة في عدد السكان، وتحت ذريعة الحد من مشكلة الازدحام المروري، فقد تم نقل العديد من المرافق المهمة في المركز الإداري لمدينة الكويت إلى مناطق أخرى مثل الشويخ الإدارية والشويخ الصحية وجنوب السرة، مثل وزارة الدفاع، والموانئ، ووزارة المواصلات، ووزارة الصحة، والهيئة العامة للمعلومات المدنية، ووزارة التربية، ووزارة الكهرباء والماء، ووزارة الأشغال، والمؤسسة العامة للرعاية السكنية، والهيئة العامة للصناعة، وبيت الزكاة، بل لقد انتقل قصر الحكم فترة ليست قصيرة إلى قصر بيان خارج العاصمة، ناهيك عن مقرات كليات الجامعة والتعليم التطبيقي.
خامساً: انتقال مراكز التسوق إلى الضواحي، عبر الأسواق المركزية للجمعيات التعاونية، ونمو المناطق التجارية والأسواق في السالمية وحولي والفروانية والفحيحيل، وتشييد العديد من المجمعات التسويقية "المولات" خارج المدينة مثل الأفنيوز والمارينا مول، والكوت، ناهيك عن بناء غالبية الفنادق خارج المدينة.
سادساً: ارتفاع سعر العقار في مدينة الكويت قياساً بالعقار خارجها.
الآفاق المستقبلية لمدينة الكويت:
لا شك في أنّ هناك عقبات صعبة تعترض إحياء مدينة الكويت والنهوض بها، وتحويلها من مدينة مخصصة لأعمال الإدارة والتجارة والمال لتكون كما يفترض مدينة حقيقية بسكانها ومجتمعها وأنشطتها ومرافقها.
ويرتبط تحقيق مثل هذا التوجه باتخاذ قرار سياسي جريء يصعب توافره في ظل حالة الجمود والركود في مركز القرار السياسي للدولة الكويتية، وجدية التعامل مع الخطط والقرارات الإدارية ووضعها موضع التنفيذ وهو أمر لا يمكن أن يتحقق في ظل ترهل الجهاز الإداري للدولة، ولكن مع ذلك فإنني أشير هنا إلى ما يفترض أن يتم اتخاذه من قرارات وما يفترض تطبيقه منها على أرض الواقع، لإحياء مدينة الكويت الآخذة في الأفول، ومن بين هذه القرارات المقترحة:
- تنفيذ المؤسسة العامة للرعاية السكنية مشروعات السكن في مدينة الكويت، وتجنب سلبيات تجربة مجمع الصوابر.
- خفض سعر العقار في مدينة الكويت، وقمع المضاربات العقارية عليه، وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل سطوة ونفوذ كبار الملاكين العقاريين الذين سيتضررون من مثل هذا القرار.
- خفض القيمة الايجارية في مباني المدينة.
- الاهتمام بالمباني والأسواق التراثية وتطوير مراكز التسوق والترفيه في مدينة الكويت.
- حصر مقار البعثات الديبلوماسية والقنصلية في مدينة الكويت العاصمة.
- توسيع تعريف نطاق مدينة الكويت العاصمة ليشمل عدداً من الضواحي والمناطق المحيطة بها، حتى الطريق الدائري الثالث، بحيث تشمل معظم مناطق محافظة العاصمة، لتكون جزءاً من مدينة الكويت العاصمة، وليس مجرد جزء من محافظة العاصمة، مثل: الشويخ السكنية، والشويخ الإدارية، والشويخ الصحية، وميناء الشويخ، ومركز جابر الأحمد الثقافي، وحديقة الشهيد، والشامية، وضاحية عبدالله السالم، والمنصورية، والدسمة، وبنيد القار، وكيفان، والفيحاء، والنزهة والقادسية والدعية والشعب البحري ومركز عبدالله السالم الثقافي.
- إنشاء مجلس بلدي خاص بمدينة الكويت العاصمة.

مدينة الأحمدي:

ارتبط تأسيس مدينة الأحمدي، التي كانت تسميتها في البداية بلدة بنشاط شركة نفط الكويت المحدودة، وهي شركة بريطانية – أميركية مشتركة تمتلكها شركتا النفط الانجلو إيرانية، لاحقاً البريتش بتروليوم وجالف لاحقاً شيفرون، حصلت على امتياز التنقيب عن النفط في العام 1934، واكتشفت النفط في العام 1936 في حقل بحرة ثم في حقل برقان في العام 1939، ثم توقفت عمليات التنقيب والانتاح خلال فترة الحرب العالمية الثانية، واستؤنفت بعد انتهائها، وجرى تصدير أول شحنة من النفط الكويتي في يونيو من العام 1946.
تقع الأحمدي إلى الجنوب من العاصمة، وقد أنشئت الأحمدي لتكون مقراً لشركة نفط الكويت وموظفيها وكل متعلقاتها، وفيها مواقع تخزين الزيت الخام الذي يجمع من الحقول المجاورة ثم ينصب بوساطة الجاذبية الأرضية إلى ميناء الأحمدي على الساحل، وسميت باسمها هذا تيمناً باسم الشيخ أحمد الجابر أمير الكويت الأسبق الذي بدأ استخراج النفط في عهده. وتبعد الأحمدي عن مدينة الكويت مسافة 42 كيلومترا (الغنيم، ص 66)... وربما يتساءل المرء لماذا اسميت المدينة بالأحمدي بصيغة المذكر وليس الأحمدية بصيغة المؤنث، مثلما كانت تسميات معظم المناطق والمدن في الكويت المنسوبة إلى أشخاص، مثل: الفروانية والسالمية والجابرية... وأغلب الظن أن السبب يعود إلى أن التسمية كانت بالأساس باللغة الانجليزية.
وتتفاوتت المصادر في تحديد تاريخ تأسيس مدينة الأحمدي، التي كانت في بداية الأمر تسمى بلدة Town، وإن كان السائد أنها تأسست في العام 1946، ولكن الأرجح أن تشييد الأحمدي مرّ بعدة مراحل متعاقبة من البناء خلال النصف الثاني من الأربعينات... وقبل تأسيس مدينة الأحمدي كانت منطقة المقوع الجنوبي المجاورة، وهي غير منطقة المقوع الشرقي في مدينة الكويت، هي مركز أنشطة شركة النفط، بما في ذلك المستشفى الأول الذي أنشأته الشركة فيها عام 1947، وكانت منطقة مَلَح التي تقع إلى الغرب من المقوع هي الموضع المخصص لشركات المقاولات العاملة في مجال النفط.
والملاحظ أن شركة النفط لم تختر بناء المدينة في المقوع أو مَلَح، مع أن هناك آبار مياه عذبة في المنطقتين، ولعل السبب يعود إلى انخفاض أرضهما قياساً بمدينة الأحمدي التي تمّ تأسيسها على سلسلة تلال، حيث أختير موقع الأحمدي لقربها من حقول برقان والمقوع والأحمدي من جهة، ولارتفاع موقعها عن سطح البحر، بحيث ينساب النفط عبر الأنابيب من الخزانات إلى التحميل بواسطة الجاذبية  بدون تكاليف الضخ. (العنزي، شاهد، ص 13).
والطابع العمراني لمدينة الأحمدي أقرب للنمط البريطاني، وقد قسمت المدينة إلى ثلاثة أقسام هي الشمال والوسط والجنوب... حيث يوضح محمد صالح العنزي في كتابه أيام الكفاح وعصر النفط أن الأحمدي مقسمة إلى ثلاث مناطق هي الشمال والوسط والجنوب: الشمال مخصص لكبار الموظفين من الانجليز والأميركان ولهم ناد خاص هو نادي الحبارى، وهناك دوريات تجوب هذا القسم من المدينة لمنع دخول الغرباء... والوسط مخصص  لموظفي الدرجات الوسطى ومعظمهم من الهنود ولهم ناد خاص اسمه نادي الاتحاد افتتح سنة 1953، وكانت تقدم الخمور في هذين الناديين... أما العرب فمكانهم جنوب الأحمدي Arab Village وكانوا من العرب والهنود، وللهنود نادي التخلستان، فيما كان نادي الأحمدي هو نادي العرب.
وكان هذا التقسيم منعكساً على المدارس أيضاً، فهناك اثنتان واحدة للانجليز والأميركان Englo American school  في الجهة الشمالية، أما المدرسة الثانية فكانت للهنود والباكستانيين، وتقع جنوب الحديقة العامة. (العنزي أيام، ص 43).
ومن مرافق الأحمدي حتى الستينات غير المكتب الرئيسي لشركة نفط الكويت والأندية الأربعة، ولاحقاً مبنى محافظة الأحمدي، نجد مستشفى ساوث ويل، والبنك البريطاني قرب مكتب الشركة، وكنيستين كاثوليكية وبروتسانتية، فيما أنشئ سوق الأحمدي في العام 1947، ودور تابعة للشركة للعرض السينمائي، ومحطة لتبريد شبكات التكييف في شمال الأحمدي، ومصبغة تابعة للشركة، وهناك كما يذكر العنزي سجن للشركة للتوقيف. (العنزي، ص 44).
أما محطة توليد الطاقة الكهربائية وتقطير المياه فكانت تقع على ساحل البحر، وهناك خزانات نفط شمالي المدينة وجنوبها، ومدرج لمطار الشركة، حيث كان يتم نقل المهندسين والعمال من الأحمدي إلى الروضتين شمالي الكويت بالطائرة، وذلك قبل شقّ شبكة الطرق.
سكان الأحمدي:
ووفقاً للبيانات الاحصائية كان سكان الأحمدي كالتالي:
1957 عددهم 7280 نسمة.
1961 عددهم 12860 نسمة.
1965 عددهم 18719 نسمة.
1970 عددهم 21244 نسمة.
1985 عددهم 27 ألف. (المطيري، ص 40).
تطور الطبقة العاملة:
أدى إنتاج النفط وتصديره وتأسيس مرافق الصناعة النفطية وما تبع ذلك من توسيع لأنشطة التجارة والمقاولات إلى اضمحلال ثم تلاشي الاقتصاد ما قبل الرأسمالي ومناشطه التقليدية إلى حدوث نزوح واسع من سكان البادية إلى المدينة وأطرافها للعمل في شركة النفط، وفي هذا السياق فقد نجم عن استخدام شركة النفط أعداداً ليست قليلة من العمالة الكويتية أن تشكّلت الطبقة العاملة الكويتية بوصفها طبقة اجتماعية جديدة أيضاً في إطار علاقات رأسمالية، وفي الوقت نفسه فقد فرضت الحاجة استقدام عمالة ماهرة نسبياً من الهند والعراق بالتزامن مع تحوّل الكويت إلى مركز جذب للهجرة من البلدان المجاورة بهدف الحصول على عمل... وقد خاضت الطبقة العاملة الوليدة محاولاتها الأولى في مدينة الأحمدي لتنظيم صفوفها وللمطالبة بتحسين شروط عملها، حيث جرت في العام 1946 أول محاولة لتأسيس تنظيم نقابي، وتم تأسيس "جمعية العمال" وكانت ذات طابع تعاوني في العام 1951، وشهد العام 1948 إضراباً لعمال النفط في وارة؛ وتلته إضرابات أخرى، كان من بينها إضراب سائقي النقليات في الأحمدي في العام 1951، وهي مؤشرات ذات دلالة على بداية تشكّل الطبقة العاملة وتشكّل وعيها النقابي العفوي، وكذلك فقد تأسست في بداية الخمسينيات بعض المجموعات اليسارية المحدودة وأبرزها "العصبة الديمقراطية الكويتية" و"لجنة أنصار السلام" في العام 1954.
وفي العام 1964 تأسست نقابة عمال نفط الكويت، وكان مقرها في جنوب شرقي الأحمدي، وكانت للنقابة أدوار مشهودة في النضال ليس دفاعاً عن الحقوق العمالية فحسب، وإنما في التصدي لشركة النفط الأجنبية والمطالبة بتأميمها، وفي التحرك للمطالبة باستخدام سلاح النفط خلال عدوان 5 يونيو 1967 وحرب أكتوبر 1973، مثلما حدث ذلك في التصدي للعدوان الثلاثي على مصر في العام 1956.
وبعد ذلك انتقل مقر اتحاد عمال البترول بنقاباته العضوة فيه، إلى الأحمدي، وأصبح وجوده معلماً مهماً من معالم الحياة فيها، وهو مقر حيوي خصوصاً في فترات الإضرابات العمالية عن العمل في شركات النفط، أو انعقاد الجمعيات العمومية للنقابات وانتخابات مجالس إداراتها، وما ينظمه الاتحاد ونقاباته من أنشطة.
وهنا لابد من إشارة إلى أنه باستنثاء هذا النشاط النقابي العمالي، فإن مدينة الأحمدي بوصفها مقر إدارة شركة نفط الكويت وسكن العاملين فيها، فإنها تكاد أن تخلو للأسف من مناشط الحياة الثقافية والسياسية الخاصة بها كمدينة، وربما نشير إلى تجربة الصحافة في الأحمدي، التي ارتبطت بنشاط الشركة، حيث كانت تصدر بدءاً من فبراير 1957 نشرة شهرية باسم "رسالة النفط" ثم توقفت، وبعدها صدرت في يونيو 1961 مجلة "الكويتي" ثم توقفت.
التحولات التي تعرضت لها مدينة الأحمدي:
أولاً: انعكاسات نمو الصناعة النفطية على مدينة الأحمدي:
عندما تأسست الأحمدي كانت هناك شركة نفط واحدة في الكويت هي شركة نفط الكويت، وكان الحقل الرئيسي للانتاج هو حقل برقان القريب منها، ولاحقاً حقلا المقوع والأحمدي في منتصف الخمسينات، ولكن هذا الوضع تبدل جراء:
1- توسع النطاق الجغرافي للحقول بعيداً عن مدينة الأحمدي، عندما تمّ اكتشاف حقول نفطية أخرى مثل الروضتين شمالاً في 1956، والمناقش غرباً في 1959، والصابرية في 1960، وأم قدير في 1962.
2- منح امتيازات نفطية لشركات أخرى مثل الأمينويل الأميركية، والزيت العربية اليابانية، إذ تركز عمال هاتين الشركتين في قرية الوفرة وبلدة ثم مدينة الخفجي بالمنطقة المحايدة قبل تقسيمها.
3- تأسيس مناطق صناعية نفطية أخرى مثل الشعيبة الصناعية والزور، ما أدى إلى  انحصار دور مدينة الأحمدي في إدارة القسم الرئيسي من القطاع النفطي ولم تعد المركز الرئيسي ولا الوحيد للصناعة النفطية.
ثانياً: انعكاسات تأميم الشركات النفطية:
أما في السبعينات، ومع تأميم شركات النفط الأجنبية والوطنية في الكويت، وتحوّلها إلى ملكية الدولة، فقد أصبحت شركة نفط الكويت تدار من قيادات وكوادر كويتية، وتقلص شيئاً فشيئاً عدد القياديين الإداريين والفنيين والمهندسين والموظفين والعاملين من الانجليز والأميركان والهنود، ولاحقاً العرب، وإن تم الالتفاف على ذلك عبر عقود استشارات ومقاولات خاصة... وانعكس ذلك بالضرورة على وضع مدينة الأحمدي وتركيبتها السكانية، بحيث أصبحت غالبيتها الساحقة من الكويتيين، ولكن الأهم هو تغير الطابع الكولونيالي لمدينة الأحمدي، التي أصبحت مدينة كويتية، وإن كانت بالأساس هي معسكر عمل أكثر منها مدينة بالمعنى الكامل والدقيق للمدينة، فسكانها، ما عدا سكان الجزء الجنوبي الشرقي منها، ليسوا ثابتين أو مستمرين، إذ أنهم العاملون في شركة نفط الكويت وأسرهم، الذين يغادرون المدينة عند تقاعدهم.
الآفاق المستقبلية لمدينة الأحمدي:
على الرغم من تراجع الدور الوظيفي لمدينة الأحمدي، فإنها لم تفقد أهميتها، وأغلب الظن أنها ستستمر إلى عقود على ما هي عليه الآن، ولكنها عرضة لعدد من العوامل التي قد تؤثر على وضعها كمدينة، من بينها:
1- انتقال إدارة مدينة الأحمدي من شركة نفط الكويت إلى الدولة، ما سينعكس على تخطيطها وخدماتها وصيانتها.
2- تمكين سكان بيوت الشركة من امتلاكها في إطار برنامج الرعاية السكنية الحكومي، ما سينعكس على استمرارية سكانها.
3- تغيير الطابع العمراني للمدينة، سواء عبر السماح فيها ببناء العمارات ذات الأدوار المتعددة أو هدم المباني الحالية وتشييد مبان جديدة.
4- إنشاء مراكز تسوق وترفيه جديدة فيها.
5- تنشيط الحياة الثقافية في مدينة الأحمدي.
ولكن المؤسف في جميع الحالات، أن مثل هذه القرارات أو غيرها المتصلة بمدينة الأحمدي، لن يتخذها سكان المدينة، بل لن يشاركوا فيها، إذ لا يزال الحق في المدينة حقاً معطلاً في بلداننا.