عصمت : المشروع الإصلاحي انعكس إيجابا على سقف الحريات والتعبير لدي القراء
سماح : ضرورة رد الجهات الرسمية على الرسائل والتواصل مع الجمهور
استعرضت الصحفية عصمت الموسوي تجربتها في ندوة بعنوان " رسائل القراء بين الامس واليوم " بمركز كانو الثقافي يوم امس بمشاركة دراسة الماجستير التي قدمتها سماح علام بحضور جمهوري كبير .
وبدأت الموسوي بتساؤل "لماذا نعود إلى زاوية أو صفحة في صحافة قديمة عمرها أكثر من عشرين أو ثلاثين عاما ؟ هذه الاطلالة مالذي نفيد منها ؟ وكيف تطورت رسائل القراء في الصحافة المحلية الورقية ولماذا تراجعت اليوم ،وماهي التحديات التي واجهتها سابقا ولاحقا ،وكيف بمقدور صفحة كهذه ان تكون نافذة للحكومة وللمجتمع لمعرفة النواقص وتلافي الاخطاء ورفد المسار التنموي للبلد ؟
وتقول عن تجربتها ، اشرفت على هذه الزاوية في اخبار الخليج مرة عام 86 ثم مع مطلع صدور الايام عام 89 ثم بعد 10 سنوات مرة اخرى اي عام 2000
بريد القراء في اخبار الخليج .
في اخبار الخليج عملنا في ظل قانون امن الدولة والذي انعكس ايضا على قانون المطبوعات، وكانت هناك رقابة مشددة على الصحف بل ان هناك رقيب دائم في المطبعة ، وهذا الشخص يفلتر كل المادة الذاهبة الى المطبعة مساء والتي هي قد خضعت للرقابة صباحا، كانت زاوية بريد القراء ربع صفحة تقريبا ومدمجة مع اخبار الناس الاجتماعية من زواج وتخرج وغيره ، واغلب الرسائل التي كانت ترد للصفحة مطالب فردية ، او خدمية كتعديل شارع او اقامة مطب او تعديل رسوم ، وغيره ، لكن رسالة واحدة وصلتني عام 1988 من شخص من قلالي وسوف اقرأ عليكم نص الرسالة لتبيان فحواها ولماذا عوقبت على نشرها ، فالقارئ انتقد امرين : تزايد اعداد احدى الجاليات الاسيوية ما اعتبره علامة خطرة على الديموغرفيا المحلية ، ومقدار المبالغ المرسلة الى بلدانهم ،وهو يقترح الانتباه الى هاتين النقطتين في اشارة ضمنية ربما لاقتطاع مبلغ او ضريبة من هذه المبالغ لصالح خزينة الدولة واستيقظت صباحا على مكالة من رئيس التحرير ثم وزير الاعلام الذي استدعاني الى مكتبه ووبخني ، وقال انها رسالة كاذبة وتسيئ للوطن ، في اليوم التالي تم نقلي من الصفحة واعطيت العهدة للزميل عبد المنعم ابراهيم ،الذي تسلمها فترة ثم تسلمتها خولة مطر واخرين ، وادركت وقتها ان الحديث عن اعداد العمالة حساس خصوصا اذا ترافق مع عنوان مثير مع انها رسالة تأتي على تعقيب ومقابلة منشوورة في الصحيفة الانجليزية
الملتقى في الايام
في العام 1989 صدرت الايام وكان ذلك حدثا غير عادي واستثائي في تاريخ الصحافة البحرينية ، فهي الصحيفة الثانية بعد اخبار الخليج ، ترافق صدوها مع احداث محلية مهمة ، غزو العراق للكويت عام 1990 ، واندلاع احداث التسعينات ، اشرفت على الصفحة وقتها ،نتجنا صفحة مقروئة جدا ، فالهاتف او البدالة والزوار والرسائل كلها تطلب الصفحة ، وكنا ننشر يوميا 10 رسائل ، كما كنا ننشر احيانا رسالة مترجمة من بريد احدى الصحف العالمية ، كانت الصفحة الثانية في الصحيفة واسميناها الملتقى وكتبت فيها مقالا يوميا يناقش ابرز القضايا المحلية والرسائل الواردة الينا.
اغلب القراء كانوا يفضلون الاسم المستعار ، او الكنية ، ام فلان ، ابو فلان او الحروف الاولى من اسماءهم ما يشي ان الناس في هذه الفترة تعيش حالة من التحفظ الاجتماعي او الخوف النسبي ، وكانت مشكلتنا تكمن في قراءة الرسائل المكتوبة يدويا مما يسبب الاخطاء الكثيرة عند الطباعة، استمريت فيها فترة زمنية ثم تسلمتها بعدي الزميلة سوسن الشاعر ثم لاحقا لميس ضيف ، ثم خالد البسام ، حافظ عبد الغفار ، ايمان علي ، محمد المنصور ، عبدالله سلمان ، لميس ضيف.
ولم تكن مساهمات القراء تقتصر على الرسائل والاشعار والوجدانيات كما درجت العادة في هذه الصفحة بل كان فيها العديد من التجارب لاصحاب المواهب في التصوير والكاريكاتير وغيره .
وتسلمت الصفحة مرة اخرى عام 2000 ، في هذه الفترة ترافق ذلك مع عدة احداث مهمة ، سقوط طائرة طيران الخليج اغسطس عام 2000 ،عاصفة البحرين نوفمبر 2000 ، 2001 11 سبتمبر ، وهو حدث عالمي لكن القى بطلاله على كل العالم ، انطلاق المشروع الاصلاحي لجلالة الملك عام 2000 ، 2001 والحدث الاخير من الطبيعي ان ينعكس انفتاحا وارتفاعا في سقف حريات التعبير لدى الصحف ولدى القراء ايضا ، صارت الرسائل تصلنا بالبريد الالكتروني ومكتوبة على الالة الكاتبة وباسماء حقيقية او تحفظ لدى المشرف على الصفحة ، وهنا وجدنا الكل يريد ان يعلن عن ذاته ويقول رأيه ويصنع له مكانا في بحرين الجديدة ،وكانت الرسائل كثيرة واكثر من قدرة الصفحة على استيعابها ،حتى انني عندما اسافر احرر الصفحة لمدة اسبوع .
وبعد 11 سبتمبر تعرض رجال اعمال شباب بحرينيون للتمييز والاستهداف وانزلوهم من الطائرات فقط لانهم ملتحين اواسماءهم عربية كما منعوا دخولهم امريكا ، كان هناك عالمي تيار ضد المسلمين في ظل ما سمي بالحرب على الارهاب او الاسلاموفوبيا ، وتلقينا رسائل عديدة حول ذلك
وموظفو الوزارات تحدثوا او انتقدوا حرمانهم من الترقي وبرامج التدريب والسفر ، ونالت الاسكان حظها من رسائل تشكو طول انتظار الوحدات السكنية والتوزيع المناطقي والزمني الذي عده البعض غير عادلا .
وفي عاصفة البحرين تسلمنا الرسائل عن الغش في مواد البناء ، ومواطنو تضررت بيوتهم وعماراتهم بفعل تساهل المقاولين وضعف التمديادات الكهربائية ، كتبت مقالا حول ذلك بعنوان عاصفة الفساد
وفيما سمي بالطائرة المكنوبة تسلما كثير من الرسائل المتعاطفة وقصص لمواطنين على شركات الطيران المختلفة
اجتمعت ذات مرة مع قراء الصفحة فوجدت فيهم الطبيب ورجل الاعمال والصيدلي والمدرس والمهندس وبعضهم طلبة ونوع ثالث لشريحة من الموظفين المعتقين في المهنة، ، دوافعهم للكتابة ، التعبير عما يجول بدواخلهم ، تنمية هواية الكتابة ،التركيز على المشكلات الاجتماعية والوظيفية التي يصادفونها في اعمالهم ،افادة الناس وتوعيتهم بما يمتلكون من خبرة في حقل تخصصهم ،اختبار افكارهم امام القراء ،
ايجاد حل للمشاكل وتطوير مهارة كتاب الشعر وغيره ، وقد انتقدوا اختزال واختصار رسائلهم ونزع الزبدة منها ا وسألوا عن رسائل بعثوها ولم تنشر بتاتا ، واخرى لم تلق جوابا من الجهات المختصة ، ونوع ثالث قال ان بعض رسالهم احدثت دويا وتفاعلا في محيط عملهم ، وطالب بعضهم بأن تكون لهم اعمدة اسبوعية اسوة بكتاب الصحفية بعد ان تمرسوا واكتسبوا الخبرة والشهرة وصار لهم قراء آخرين يتابعونهم باستمرار ، قال احدهم انا كاتب الفريج اكتب نيابة عن ابناء المنطقة او الشركة او المؤسسة ولكن السؤال الاهم الذي طرحوه هو: هل نحن محميون في هذه الصفحة ؟ وهذا ما ساجيب عليه لاحقا ضمن تحليل 3 رسائل .
ماهي الرسائل الاكثر ترددا على الصفحة ؟
هذا يحتاج الى بحث شامل وموسع لكن اغلبها تركز على الانشطة الخدمية وقد عملنا فيها بمبدأ النشر في حدود المتاح والمسموح به فقط ، فليس كل وزارة نستطيع ملامستها او نقدها كما قد تتصورون ، ولذا نالت وزارة التربية والصحة والعمل والبلديات والاشغال والطرق والاسكان نصيب الاسد من النقد .
الرسائل الكيدية : مرة او مرتين وقعت في رسائل كيدية ، واليوم حين اقيَمها لا ادري هل هي كيدية ام ان المشتكين خافوا فأنكروا الرسائل خشية على وظائفهم ؟ لكن رسالة كيدية نشرها المحامي الراحل احمد عراد والذي تسلم الصفحة بعدي تسببت له في مساءلة قضائية
ومواطن قال انه تعرض لاساءة في احدى ادرات الدولة ، قالها لي شفاهة ،قلت له اكتبها ، اقسم انه لا يعرف الكتابة، كتبتها عنه وفي اليوم التالي هاتفني رئيس التحرير قائلا المواطن الشاكي ادعى ان الرسالة كلها شغل عصمت ولا شأن له بها
وموظف مصرفي ادعى ان المكيف الويندو العطلان في البنك احدث مشكلة كبيرة في البنك اتضح لاحقا ان البنك يعمل بنظام المركزي ولا يوجد ويندو اصلا .
ومواطن ساعدناه للسفر للعلاج في الهند فتزوج على زوجته
صفحة المساعدات :
في الصفحة كثير من المطالبات المعيشية وطلب المساعدة والعون قد خصصت في مفكرتي اسماء لعدد من التجار والعائلات الميسورة المتجاوبة ممن يتعاونون معنا في مثل هذه الحالات الطارئة ، طالب عاجز عن دفع رسوم ، حريق مفاجئ في بيت ، عائلات معوزة او خسر عائلها وظيفته ، اهم هؤلاء المتعاونين ، المرحوم جاسم مراد ، فاروق المؤيد ،عائلة كانو ، عائلة العالي ، وبعض الجمعيات الخيرية.
التحديات :
بالطبع كان هناك تحدي النشر ، ما ينشر وما يتعذر نشره وما لا يحصل على رد ابدا ، وكنا على اتصال يومي بالمسؤولين وادارات العلاقات العامة وكنت اتساءل : ماذا تفعل لجان التظلم بالوزرات ام انها صورية ام ان الموظفين يخشون الاقتراب منها ؟
وهناك مفاجات الصفحة في الداخل ، فالرسالة الرئيسية قد تحذف احيانا دون علم مشرف الصفحة بفعل مقص الرقيب بينما مقالي اليومي يتحدث عن الرسالة غير الموجودة ؟
كيف حدثت النقلة في صفحات القراء في البحرين ؟
اولا حدث ذلك مع تعدد الصحف وتنقل القراء من صحيفة الى اخرى اعلى سقفا، ومن الطبيعي ان نشهد انعطافة غير عادية في الكتابة والتعبير ،حتى الصحف ذات الاتجاه المحافظ او الاقرب الى الحكومي رفعت سقفها كثيرا وتجلى ذلك في جميع اقسام الصحف من اخبار وتحقيقات ومقالات رأي وغيرها وصفحات قراء .
لكن هل ثمة اخرين في البحرين يتسلمون شكاوى القراء او المواطنين التقليدية ؟ نعم ، النواب واعضاء المجلس البلدي وغيرها من المؤسسات التي جاءت بعد الانفتاح .
النقلة الكبرى :
و مع انبلاج فجر الاعلام الرقمي او الالكتروني الذي وان بلغنا نحن هنا في المنطقة متأخرا قياسا بالغرب بعد فتح سوق الاتصالات والسماح بتعدد شركات الاتصال لاذكاء روح المنافسة بينهم ومنح المشتركين حرية اكبر في الاختيار .
بجانب جهاز الحاسوب وتقنياته المتطورة والذي جعل كل مواطن صحفي ، وهكذا انصرف المواطنون عن الكتابة للصحف وذهبوا الى السوشيال ميديا ،وانشأوا حساباتهم ومدوناتهم الخاصة واصبحت هذه الاماكن هي فضاء هذه الرسائل والشكاوى المدعمة بالصور والادلة والبيانات وافلام الفيديو .
في عام 2016 انشأت هيئة المعلومات والحكومة الالكترونية البوابة الوطنية تطبيق تواصل لاستلام شكاوى ومقترحات المواطنين والمقيمن ، وبذا صارت الرسائل تذهب لهذه الجهة ويتم معالجتها لكن دون معرفة المواطنين عنها كما كان يحدث في السابق كما لدينا مئات الحسابات التي تنشر وتعمل منشن للجهة المقصودة، حيث لدى كل وزارة اليوم موقعها الالكتروني الخاص بها
كما لا مكان فيه للتخفي او الاسماء المستعارة ،لدى الاجهزة الامنية اليوم وسائلها لمعرفة اصحاب هذه الحسابات ، اما ادارة تويتر وفيس بوك فراحت تراقب وتحذف مالا يعجبها او ما يتناقض سياستها لمنع التلاعب بالمنصة حسب ادعاءها وقد كشفت الحسابات الوهمية او المزيفة التي بلغت رقما مهولا قبل عدة اعوام
ان على الصحافة اليوم من مرئية ومكتوبة ومسموعة ان تتأمل في هذا العالم وتبدع لنفسها مكانا فيه .
واختتمت بالقول : سأقوم بتحليل 3 رسائل ،الاولى عام 1988 والثانية وصلتني عام 2001 ،الاولى جرى فيها محاسبة المشرفة على الصفحة ، والثانية عوقب فيها كاتب الرسالة من قبل شركته واوقف عن العمل والثالثة على مقربة مني للزميل عراد مع الرسالة الكيدية ، هذا يجيب على سؤال القراء : هل نحن محميين ؟
من جانبها استعرض الصحفية سماح علام ، دراستها التي حصلت عليها الماجستير المتعقلة ببريد القراء ، وهي الدراسية الوحيدة التي درست هذا الموضوع ، الاستعراض شمل من يكتب في هذه الصحفة ( حيث خصصت الدراسة بريد القراء بجريدة اخبار الخليج ) افراد ومؤسسات ووزارات ، والمواضيع التي تنشر ، ونوع المراسلين من الكتاب ، واختتمت الدراسة بتوصيات مهمة منها زيادة مساحة الصفحة ، واقناع صاحب القرار بالرد على القراء ، وزيادة مساحة الحرية.
واقترحت إيجاد صيغة لاستقطاب المزيد من القرّاء من جهة وتكريم المتعاونين من أصدقاء البريد المتميزين.
وخلصت الدراسة إلى نتائج توضح أنَّ المواضيع الاجتماعية قد حلَّت في المرتبة الأولى من اهتمامات رسائل القرّاء، تلتها المواضيع الخدمية، ثمَّ السياسية. ووجدت الدراسة أيضاً أنَّ «أغلب المواضيع المنشورة في بريد القرّاء عبارة عن مقالات ثمَّ شكاوى، وكانت تتجه كلها في الغالب تجاه قضايا الشأن العام لا الخاص كما أنها تطرح قضايا محلية وعربية على الأكثر».
وأظهرت النتائج أيضاً أن «القرّاء يوجهون رسائلهم إلى كبار المسؤولين في الوزارات المختلفة، ثمَّ إلى شخص صاحب السمو رئيس الوزراء الموقر». وأشارت الدراسة إلى أن «الرجال هم أغلبية القرّاء المتفاعلين مع صفحة بريد القرّاء».
وقالت الباحثة القائد: «الدراسة وجدت ضعفاً كبيراً في ردود الجهات المختلفة على رسائل بريد القرّاء، على عكس ما جاء في مبادئ دستور مملكة البحرين الذي يحفظ حرية التعبير وإبداء الرأي، فتوجيهات حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، وصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، تأتي موجهة وداعمة للالتزام بسياسة الباب المفتوح، والتواصل مع الجمهور، والتفاعل الإيجابي مع قضاياهم المختلفة».