كلامي عن "ضريبة الثروات" يغضب البعض .. لكنها أكثر تطابقا مع العدالة .. حديثي عن الضرائب ليس وليد اليوم.. بل قبل 31 سنة
يوجد خلل في معادلة "العقد الاجتماعي" بين الشعوب والحكومات بدأت تظهر جليا .. الضريبة تقابلها "خدمة" ولكن ضرائب مع رفع الدعم وخفض الخدمات "غير مقبول لدى الشعوب"
السعودية تتقدم بخطوات غير مسبوقة.. وعلى البحرين أن تواكب التطور سريعا .. اتحاد دول الخليج بات ضرورة .. ويجب دمج البورصات والبنوك
استضاف مجلس الدكتور محمد الكويتي المصرفي خالد جناحي في محاضرة حملت عنوان "إلى اين مع الضرائب؟" وبطريقته الارتجالية والسلسة في ذات الوقت بدأ جناحي حديثه مستعرضا التاريخ الاقتصادي الحديث لدول مجلس التعاون، وحدد جناحي عام 1973 بالتزامن مع حرب أكتوبر والارتفاع الكبير لأسعار النفط في العالم كتاريخ مفصلي لهذه الحقبة، مشيرا إلى أن دول الخليج بدأت تاريخها الحديث فعليا في هذا العام كدول ريعية، والبحرين مثلها مثل باقي دول الخليج انتهجت نفس النهج الريعي، وفي الدول الريعية هناك طرفين لمعادلة العقد الاجتماعي "طرف الدولة" و"طرف الشعب"، الدولة أو الحكومة توفر لشعبها السكن والتعليم والصحة وخلافه (جزء من الريع) مقابل أن الشعب ليس له علاقة بإدارة الدولة، إدارة الدولة هي اختصاص كامل للحكومة.. وهذا ما تم التفاق عليه ضمنيا تقريبا في جميع دول مجلس التعاون.
وقال أن هناك خلل في معادلة "العقد الاجتماعي" بين الشعوب والحكومات بدأت تظهر جليا في السنوات الأخيرة، وقال أنه في الوقت الذي إلتزم فيه الشعب البحريني (كباقي الشعوب الخليجية) بدوره في هذه المعادلة مقابل الحصول على حقه في الحياة بشكل كريم من خلال توفير خدمات الصحة والإسكان والتعليم وبعض الدعم لمناحي الحياة الاقتصادية المختلفة، فوجيء بأن الدعم قد رفع عن الوقود والكهرباء والماء واللحوم وغيرها، كما أن أغلبنا اليوم يقوم بعلاج نفسه وعائلته على نفقته الشخصية ويرسل أبنائه للتعليم في المدارس والجامعات الخاصة!
فلسفة الضرائب ..
وأشار جناحي في محاضرته بمجلس الدكتور محمد الكويتي إلى أن فكرة أو فلسفة الضريبة في حد ذاتها يجب أن نستذكرها جيدا لأن الضريبة بدأت في العالم أجمع مقابل "خدمة"، أنت تحصل على ضريبة لتقدم للشعب خدمة أما أن يتم تحصيل ضرائب وفي نفس الوقت يتم رفع الدعم وينخفض مستوى الخدمات، فهذا يمكن اعتباره دفع للضرائب مرتين مقابل لا شيء!!
واستطرد جناحي قائلا "عندما عدت للبحرين في عام 1987م بعد فترة نحو 14 سنة قضيت معظمها بالخارج، طرحت التساؤل في أوساط النخبة والمثقفين والاقتصاديين إلى متى نكون دولة ريعية؟ إلى متى يستمر هذا النموذج الاقتصادي في البحرين والخليج؟، وكانت وجهة نظري واضحة في هذا الصدد أنه لابد من تنويع مصادر الدخل بجانب النفط "المصدر الرئيسي للدخل في جميع اقتصاديات الخليج في هذا الوقت دون استثناء"، ومنذ ذاك الزمن بدأت الحديث عن الضرائب واقترحتها كأحد أهم الحلول، وحديثي عن الضرائب ليس وليد اليوم ولا جديدا، بل طرحته منذ أكثر من 31 سنة مضت، و للأسف تحقق ما كنت أذكره بل وطالبت به بوضوح في أعقاب ما يسمى بأحداث "الربيع العربي"، والتصريحات موجودة في الصحافة المحلية وقلتها صريحة قبل أن يذكر أي قرارات عن الضرائب بأنها "قادمة قادمة لا محالة". و كانوا من يسمو بالنخبة يقولون علنا ان لن يكون هناك اي نوع من الضرائب.
وأضاف جناحي قائلا " بشكل تدريجي النخبة(البرو برويه) بدأت تتحدث عن التحول من دولة ريعية إلى دولة حديثة، ونحن الآن نعيش فترة انتقالية بين الدولة الريعية واللا ريعية لأن حكومات الخليج بدأت تدريجيا في تخفيض التزاماتها السابقة فيما يتعلق بتوفير"الالتزامات المجانية من الريع" للشعب سواء ما يتعلق بدعوم الطاقة أو الطعام أو الماء أو السكن أو غير ذلك، وعلى الطرفين أن يكونا جاهزين لفترة ما بعد الريعية بكل تحولاتها الجوهرية وخاصة على المستوى المعيشي، لأن العقلية الخليجية اعتادت على هذا الوضع لسنوات طويلة ، حتى أن كلمة "ضرائب" ذاتها باتت كلمة ثقيلة على نفوسنا في الخليج لأننا لم نعتد عليها، والضرائب من وجهة نظري هي "بداية نهاية الريعية" كحقبة اقتصادية سياسية في دول مجلس التعاون.
أصناف الضرائب الحالية والمتوقعة ..
وشرح جناحي خلال المحاضرة أصناف الضرائب في البحرين.. فقال أن هناك صنفان من الضرائب حالية ومتوقعة، الضرائب الحالية تنقسم إلى قسمين الأول هو الضرائب المباشرة مثل ضريبة القيمة المضافة (و لو ان البعض يعتبرها غير مباشره)التي بدأت بقيمة 5% وتوقعت أنها سترتفع إلى 10% بعد تقرير صادر من صندوق النقد الدولي قبلها، وأوضح جناحي خلال المحاضرة أنه يتوقع بحلول 2030 أن ترتفع إلى 20% !!
أما الضريبة غير المباشرة "الحالية" فتشمل رفع الدعم عن الكهرباء والماء والبنزين وغيرها من امتيازات كان يتحصل عليها المواطنون، وفقدوها حاليا. زيادة على قيمة الفائده على القروض ارتفع باكثر من 6% خلال 18 الشهر السابقه و ذلك بسبب رفع سعر الفائده في الولايات المتحده لمحاربة التضخم الذي وصل الى تقريبا 9% في إمريكا و كان في ذالك الوقت التضخم في البحرين لا يزيد عن 3.5%.
أما الضرائب المتوقعة فأقربها وفق ما هو متداول من معلومات ونقاشات في مجلس النواب البحريني تأتي (ضريبة الدخل على الشركات الأجنبية) وبالطبع ستؤثر على التنافسية مع دول الخليج والمنطقة المحيطة، واعتقد أنها ستأتي على الشركات المساهمة ثم الشركات المحلية أيضا.
وأتوقع أن يليها "ضريبة الدخل على المعاش" مع تحديد حدا أدنى لهذه الضريبة، ومن الأن أتوقع أن يتم إقرار هذه الضريبة في غضون العشر سنوات القادمة.
وهناك ضريبة من وجهة نظري أنها ستأتي ستأتي وهي "ضريبة الأرباح الاستثمارية" وأكثرها سيفرض على أرباح العقار والأراضي وخلافه.. بمعنى أن يتم فرض ضريبة على فارق السعر بين الشراء والبيع حال تحقيق ربح.
وبالطبع هناك ضريبة الثروات التي سبق أن تحدثنا عنها كثيرا، وقولنا أنها أكثر عدالة ومنطقية، و تنطبق على الأغنياء وليس على الجميع، و لكن الحديث عن هذه الضريبة يسبب ضيقا كبيرا لدى البعض بكل أسف!
أما عن الضريبة غير مباشرة المتوقعة مستقبلا فيأتي على رأسها (الربط بالدولار) والدين العام الذي سيستمر في الارتفاع، ويدين البنك المركزي الحكومة حاليا بحوالي 3 بليون دينار بحريني(وهي جزء من أموال المودعين لدى البنوك)، فيما ستبلغ تكلفة الدين العام حوالي بليون دينار في المستقبل، ويبقى دائما السؤال "كيف سيتم دفع الدين العام ؟".
وقال جناحي خلال المحاضرة أن التقاعد الاختياري كانت تكلفته بليونين و400 مليون دينار بحريني تقريبا. و كان يجب ان يجب ان تحتسب هذه التكلفه على ميزانية الدولة وليس على صندوق التقاعد ( و السؤال هنا أين كانوا 80 عضوا في المجلس الوطني و خاصة كبار الاقتصاديين والمحاسبين من هذا الموضوع)، مشيرا إلى أنه يتوقع المزيد من الضغوط على ميزانية الدولة مستقبلا بسبب تراكم القرارات من عينة "التقاعد المبكر".
الربط بالدولار.. من يدفع الفاتورة؟ ..
وشرح جناحي قضية الربط بالدولار قائلا "مسألة ربط عملاتها بالدولار مرتبطة بشكل خاص بدول الخليج، ويجدر الإشارة هنا إلى أنه عندما كان هناك احتياطي كبير من العملات الأجنبية في خزائن البنوك المركزية الخليجية كان يمكن السيطرة بسهولة على عملية ربط العملة، خاصة عندما يرتفع الطلب المحلي على الدولار، ولكن في السنوات الخمس الماضية وكذلك في السنوات الخمس القادمة سيكون هناك انخفاض واضح في مخزون الاحتياطي الإستراتيجي من العملات الأجنبية نتيجة لانخفاض سعر النفط، أوضاع جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية، وأخيرا بسبب العجز الواضح في ميزانيات دول الخليج الذي تفاقم مع أوضاع الجائحة".
وأشار جناحي إلى أن سياسة الربط التي تتبعها الدولة تجعلها هي من يدفع "فاتورة الربط" من حسابها الشخصي إذا كانت قيمة العملة منخفضة بسبب انخفاض مستوى الاقتصاد أو تقلص الناتج المحلي الإجمالي، ولكن في حالة "فك الارتباط" وهو محتمل جدا في المرحلة القادمة، فإن الشعب وليس الحكومة هو الذي سيدفع "فاتورة فك الربط" من مدخراته وأمواله.
وضرب جناحي مثلا بين قيمة الدرهم الإماراتي والدينار البحريني في حالة "فك الارتباط بالدولار"، مشيرا إلى أن الاثنان سينخفضا ولكن الدرهم بسبب قوة الاقتصاد الإماراتي وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي لها خلال السنوات العشرين الأخيرة سيكون انخفاضا بسيطا، ولكن الدينار البحريني سينخفض إلى دينار ونصف تقريبا بدلا من قيمته الحالية التي تقدر بحوالي 2.65 دولار.
وتوقع جناحي ارتفاع الدين العام في البحرين إلى أكثر من 18 مليار دينار رغم ارتفاع أسعار النفط ، لعدة أسباب أولها استمرار العجز بالميزانية ، ثم زيادة تكلفة كلفة الدين، وغياب الشفافية عن الميزانية.
التخطيط ..
مهم ان يكون هناك تخطيط بالدولة ، ويمكن هناك خطط وتخطيط فعلي تعلمه الحكومة وربما النواب ، لكن طريقة التعامل مع هذا البند وتوصيله الى الجمهور يشوبه الشفافية ، فان طريقة التخطيط وعرض السيناريوهات المتعددة للتصدي لموضوع معين لنقل الضرائب المباشرة او غير المباشرة تكون عديمة الفائد او فائدتها اقل اذا ما افتقدت الى الشفافية ، وهو ما يعني وصول تلك الخطط الى الناس واقناعهم بهذه الخطط والاطلاع عليها ، لاسيما القضايا الأساسية الكبرى التي تعاني منها البحرين .
وانه من السهل رمي المشكلة على الاخر ، مثل مخرجات التعليم او مخرجات خريجي الجامعات او ان الإباء لم يختاروا التخصص المناسب لاولادهم بهدف سوق العمل ، ولكن المشكلة ان هؤلاء الإباء وشعب البحرين ككل ليس لديه علم بمخططات الحكومة ، في أي اتجاه ؟ الصناعي / المالي / التجاري / السياحي ، لان تلك الخطط والمعلومات هي خارطة طريق لهم ، بل ان مشاركة المواطنين لهذه الخطط سوف ينجحها ويعززها ويضع حلول لمشاكل المستقبل مثل البطالة والضرائب وغيرها من صعاب.
تغيرات جذرية.. في السعودية ..
واستطرد قائلا " دول الخليج تتقدم بشكل كبير والوضع في السعودية أصبح لافتا للانتباه بتغيرات جذرية طالت كل شيء تقريبا، في السابق كنا نخاف منافسة دبي وقطر، الان السعودية ودبي، بل حتى دبي باتت تخاف السعودية التي ستأخذ الكثير مما لديها ولدينا أيضا في قطاع السياحة والمصارف والأعمال الاخرى، لاسيما اذا عرفنا بان نسبة البطالة في السعودية حوالي 15% وبين الشباب تقريبا 30%، وبنهاية الرؤية 2030 التي في الأغلب سوف يتم تغييرها إلى الرؤية 2040 سوف تنخفض تلك النسبة إلى 7%، وبين الشباب إلى 15%، بهذه الخطوات المدروسة سوف تبتعد السعودية عن الوضع الخليجي وتكون واحدة من الكتل الاقتصادية الضخمة في المنطقة.
وقال جناحي "في البحرين من وجهة نظري تطبيق الرؤية 2030 (نسخة البحرين) تسير ببطء وربما وتيرة التنفيذيين أقل من تطلعات القيادة، ويجب أن نضع في اعتبارنا دائما أن التنافسية هي أحد أعمدة هذه الرؤية، والتنافسية إقليميا تشتد، لذلك يجب أن يكون الأداء أسرع وأعلى إنجازا.. والابتعاد عن أي نوع من المجاملة في اختيار "عناصر الأداء المتميز" وهم الموظفين في القطاعين الحكومي والخاص، هذه مسئولية كبيرة وامانة في عنق من يختار.. الاختيار السيء سينتج عنه سؤ تنفيذ الخطط الادارية والاقتصادية في الدولة وسيؤثر بشكل أو بآخر على الإصلاح الاقتصادي .
وحذر خالد جناحي بأن البحرين ستكون بعيدة عن المنافسة تماما ما لم تواكب التغييرات الجارية في المنطقة وخاصة في المملكة العربية السعودية وبسرعة، مشيرا إلى أن مستقبل المنطقة لا يمكن أن يصمد اقتصاديا بدون اتحاد اقتصادي حقيقي بين دول الخليج الست، ومن الضروري دمج عدد كبير من المؤسسات الاقتصادية مثل البورصات الثمان والبنوك المركزية الست.
وقال جناحي أن الاقتراض أصبح حلا إدمانيا في القطاعين الخاص والعام بسبب انخفاض أسعار الفائدة منذ الأزمة المالية عام 2008م حتى 2021م، مشيرا إلى أنه في جميع أنحاء العالم باتت الديون السيادية متزايدة بشكل كبير جدا، والبحرين ليست استثناء من ذلك بالطبع، لكن صندوق النقد الدولي يبدأ في دق ناقوس الخطر عندما يتجاوز الدين العام في البلدان النامية نسبة 40% من الناتج المحلي الإجمالي، واليوم البحرين تجاوزت ذلك بكثير وبلغت نسبة الدين العام في التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي نحو 133% من الناتج المحلي الإجمالي.