DELMON POST LOGO

حقائق تدحض إدعاءات حميد القائد في احتفال "المنبر التقدمي" بعيد العمال

بقلم: عبدالله مطيويع
(1)
للتاريخ قدسية حين يروى، وخصوصا عندما تكون الرواية على لسان من عاصر مراحله. والرواية هنا أمانة في أعناق من يقدمها للناس، وينبغي أن لا يبخس الناس في تضحياتهم الكبيرة بما فيها أرواحهم. التزوير في التاريخ جريمة لا تغتفر، وادعاء البطولة الفردية فيها نرجسية تنقلب على صاحبها.
لنبدأ من الإضراب العمالي الذي حصل في محطة الكهرباء الواقعة في المنامة (العدلية - الماحوز) عام 1968، وكان المهندس عبدالرحمن النعيمي رحمه الله والمهندس جميل العلوي والمهندس عبد الرحمن عبدالله هم المهندسين البحرينيين الوحيدين، وكان النعيمي والعلوي في قسم العمليات. حين نُفذ الإضراب في كل الأقسام، شارك فيه الجميع. كان عناصر جبهة التحرير متمركزين في قسم الصيانة، منهم إسماعيل العلوي، وسيد جعفر الوداعي وغيرهم. وعندما أراد رئيس الوزراء المرحوم الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة التفاوض مع المضربين طلب اللقاء مع عبدالرحمن النعيمي وجميل العلوي. كانت السلطة تعرف من هم رؤوس الإضراب وقيادته.
عرض المفاوضان، عبدالرحمن النعيمي وجميل العلوي مطالب العمال والمهندسين، وقد تحقق بعضها وتم فك الإضراب، لكن الحكومة أقامت مركزا للشرطة في محطة الكهرباء، وأقدمت على تسفير عبد الرحمن النعيمي إلى أبوظبي.
أُذكر هذه الحقائق والأدلة لكي تعرف الأجيال حقيقة ما حدث وليس كما يسردها البعض، ذلك أن الحقيقة أمانة في أعناقنا مازلنا أحياء. والتاريخ أمانة لا تحتمل التجيير والاجتهاد والتزوير.
(2)
أما إضراب عمال شركة طيران الخليج الذي نُفذ في مايو1970 ودام تسعة أيام وأغلق مطار البحرين لمدة أربعة أيام. اللجنة التي قادت الإضراب كانت مكونة من الشهيد محمد بونفور وعبدالله مطيويع والمرحوم يوسف صباح البنعلي وعزيز محمد علي وحميد القائد ووليد المرباطي وهيا السليطي، وهم من طلبهم المغفور له الشيخ خليفة بن سلمان للتفاوض بعد أن فشلت المفاوضات مع الأستاذ جواد سالم العريض مدير ادارة العمل. وبجلوس أطراف النزاع: ممثلو العمال وممثلو طيران الخليج، بحضور المرحوم إبراهيم حسن كمال والأستاذ عدنان بسيسو، تم التوصل إلى اتفاق يقضي بتشكيل لجنة للتوفيق وإذا فشلت تشكَّل لجنة للتحكيم، وفق ما ينص عليه قانون العمل لعام 1957.
(3)
وفي مسألة تشكيل اللجنة التأسيسية لإتحاد العمال وأصحاب المهن الحرة في البحرين، كان المهندس هشام الشهابي وعبدالله مطيويع هما من وضع لبناتها الأولى منتصف عام 1971، وقد كتب الشهابي أول بيان لها في مجلسهم بالمحرق مستخدما قلم الرصاص، وتمت طباعته في مكاتب وزارة التربية والتعليم، من خلال الأخ علي يوسف جكنم العبيدلي، وتم توزيع هذا البيان في كل مواقع العمل بالشركات والدوائر الحكومية. وقد جاء في البيان "لقد آن الآوان المطالبة بنقابات للعمال والموظفين وأصحاب المهن الحرة في البحرين".
بعدها دعا عبدالله مطيويع المرحوم يوسف صباح البنعلي للإنظمام إلى اللجنة التأسيسية، ورشح الأخير المرحوم يوسف يتيم والأخ عباس عواجي  والمرحوم عبدالجليل الحوري، المناضل العمالي الميداني الذي يسجل له جمع تواقيع كثيرة للمطالبة بتشكيل اللجنة التاسيسية، ثم جاء إبراهيم رجب وأمين محمد علي. لقد كانت جبهة التحرير مترددة في البداية من الدخول في اللجنة التأسيسية، باستثناء المرحومين البنعلي ويتيم. ومن جانب الشعبية ،فكانت العناصر الأولى إلى جانب الشهابي ومطيويع كل من الاستاذ حسن رضي وعلي ضيف وصالح محمد صالح وخالد محمد خالد وجواد حبيب والاستاذ الاديب يوسف حسن (ابو وديع).
في اليوم الرابع من إضراب عمال طيران الخليج 5 أو 6 مايو 1970 حضرت أعداد كبيرة من قوات مكافحة الشغب في حاملات الشرطة يقودهم الأخ المحترم الضابط فيصل العبسي، وكانوا يقفون خارج المبنى، وكان العمال في قمة حماسهم، فتجمعوا عند مدخل مكاتب الشركة كي يمنعوا الباصات من الخروج لنقل العمال. جلسوا القرفصاء في المدخل فصار الهرج والمرج، وقبل ذلك جاءنا إيان هندرسون رئيس جهاز المخابرات وتحدث معنا، ولم يعرفه أحد إلا أنا وحميد القائد. سأل هندرسون: ماذا تفعلون؟ فأجبناه: نطبق قانون العمل. توتر الجو، وتقدم الضابط فيصل العبسي وأشار عليّ فذهبت إليه خارج البوابة. كان محرجا كوني صديق عمه محمد بن راشد العبسي، وكنت أنا كثير التردد على مجلس راشد بن سالم العبسي. قال لي: يا خوي عبدالله من فضلك قول حق العمال يفتحون الطريق.. وهؤلاء، وأشار على فرقة مكافحة الشغب، سوف يفرقونكم بالعصى ومسيلات الدموع. استدركت أنا خطورة الموقف، فإن حصل ذلك فسوف ينفرط العقد ونخسر سلمية تحركنا. وقال فيصل سوف يأتي من يفرقكم بالقوة وبالعنف. قلت له سوف أتشاور مع الربع. تشاورنا مع من كان في اللجنة العمالية واقتنعوا بالكلام. عدت إلى الضابط فيصل العبسي وأخبرته أن العمال سوف يخلون المدخل..
ترى من كان المفاوض في هذا الموقف الحرج؟!
(4)
وبالعودة إلى بعض الحقائق والمواقف، نشير إلى أنه بتاريخ 12 مارس 1972، وفي معمة الاضراب العام، أغلقت شركة (ديلونك ومبي)، و(جورج ومبي) و(براون أند روت) و(هليبرتون)..الخ.
أتى الضابط ربيعة سنان مع فرقة مكافحة الشغب وأبقاها بعيدا، وجاء مع عدد من الشرطة وبدأ في التحدث كثيرا ولكن لم يرد عليه أحد، فاستشاط غضبًا، ذهبتُ له وكنت أحمل نسخة من قانون العمل في كيس لا يغادرني طوال مسيراتنا. سلّمت عليه: خير يا بو ربيعة؟
أجاب على الفور وبصيغة التهديد: بتتفرقون وإلا نفرقكم بالقوة؟
قلت: صل على النبي يا بوربيعة، نحن لم نفعل ما يضر بالشركة، ووقفتنا سلمية كما ترى، وقد أخرجونا وأغلقوا الأبواب ولم نجد إلا الشارع لنقف فيه، ثم إننا نمشي حسب القانون. فرد بصوت غاضب: أي قانون؟ أنتم تخالفون القانون. أخرجتُ قانون العمل لسنة 1957 من المادة 42 إلى المادة 67، وقلت له إننا نتفاوض مع وزارة العمل. قال بغضب: لدينا أوامر بتفريقكم. سألته: أين نذهب؟!. قال: إذهبوا حيث تشاؤون..هنا لا تجمع. في هذه الأثناء إذا بضابط آخر  ومعه جنود يقبل نحونا.. إنه الضابط الشيخ علي بن محمد آل خليفة. لمحني وعرفني، تركت ربيعة سنان وتوجهت إليه ومددت يدي وسلمت عليه. أعرفه لكونه قريب من عائلة  المرحوم راشد بن سالم العبسي.. أشار إليه الضابط ربيعة سنان وقال له ما قال. عاد الضابط الشيخ علي بن محمد إليّ وشرحت له سلمية مطالبنا ومواقفنا وأخرجت قانون العمل وقرأت عليه أهم المواد، وكان رجلا حكيما وهادئا ومتفهما. قال: بس لازم تغادرون المكان لأنه حسب القانون هذا مخالف ويهدد سلامة ما حولكم من شركات. المهم قلت له: أين نذهب؟ قال: روحوا للجهة المعنية بقضيتكم وزارة العمل. كانت وزارة العمل في الجفير.. سألته كيف نذهب؟ قال: روحوا مشي أو بسياراتكم. قلت له: إذا مشينا سوف يفرقنا ربيعة سنان بقوات الشغب بتهمة إغلاق الشوارع. صفن قليلا وصفنت أنا أيضا نفكر في حل. قال: اصبر شوي يا عبدالله. توجه نحو مبنى شركة أوالكو ولحقته لأعرف ما في رأسه. كان عادل محمد فخرو ابن صاحب شركة أوالكو موجودًا ومعه شخص اسمه شاهين. المهم طلب منهم الشيخ أن يوفروا بعض الباصات لتنقل عددا من العمال إلى وزارة العمل . بعض العمال رفضوا  وأصرّوا على الذهاب سيرا على الأقدام من المنطقة الصناعية من ميناء سلمان إلى وزارة العمل.
(5)
أثناء نفس إضراب اللجنة التأسيسية في 12 مارس 1972، كتبت أنا والمرحوم يوسف يتيم رسالة إلى وزير العمل ووزير العدل وأخذتهما وطبعتهما وصورتهما وأسرعت لإيصالهما إلى وزارة العمل أولا. دخلت إلى مكتب وزير العمل جواد سالم العريض وكنت في عجلة من أمري كي أوصل الرسالة الثانية إلى وزير العدل، وكان الجو متوترا، والحكومة (شاربة حليب سباع) فحالة الطوارئ قائمة. دخلت مكتب الوزير وسلمت عليه وفورا سلمته الرسالة وأنا واقف. قال: استرح وطلب لي شاي. سألني: ويش في الرسالة؟ أجبت: خذها واقرأ ما بها. وكنت مستعجلا. وقفت ووضعت الرسالة على طاولته وانطلقت إلى وزارة العدل، وكان الوزير الشيخ خالد بن محمد آل خليفة رحمه الله. دخلت وقلت للسكرتيرأريد مقابلة الوزير. قال: غير موجود. قلت: أريد تسليمه رسالة مهمة من طرف العمال المضربين. قال: اعطني الرسالة وسوف أرسلها له. قلت: أريد ان أسلمها للوزير. المهم سألته:عن مكتب الوكيل الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة ولدي معرفة قديمة به ومواقف عمالية سابقة. دخلت إلى مكتبه وسلمت عليه وباشرني بالسؤال عن الإضراب العمالي. أخبرته بعض التفاصيل وسلمته الرسالة وقرأها. ابتسم وقال لي: محد يسمعكم اليوم. كل شيء معطل. أنظر، وأشار إلى رف ملفات وقال حتى هذه الملفات معطلة، فحالة الطوارئ قائمة، والحكومة (الله يهداها).. قالها بتهكم، وناشره المصفحات والمدرعات عند (توانكي سترة) و(توانكي عراد) والمناطق الحيوية كالمطار.. وقوة الدفاع بينزلونها ..والله يعينكم. شكرته ومضيت.
في 13 مارس 1972 قمعت الشرطة المسيرة عند السكرتارية بعد فشل التفاوض معهم عبر البوابة الحديدية الشرقية. ثم أرسل د. علي فخرو في طلبنا من خلال د.نبيل الشيراوي، للقائه في بيته الكائن بمقر إدارة مستشفى السلمانية. قال فخرو: أنا مكلف من سمو رئيس الوزراء لأستمع إلى مطالبكم. وهذه سالفة طويلة منشورة في كتابي "صفحات من تاريخ الحركة العمالية البحرينية".
(6)
هناك أسئلة كثيرة وحقائق تدحض ما ادّعاه الأخ حميد القائد في الاحتفال الذي نظمه المنبر التقدمي بمناسبة الأول من مايو 2023 في مقره.ادّعى  القائد أن الحركة العمالية بدأت من إضراب طيران الخليج، قبل أن يخطفها البعض، وزاد: "النقابات بدأت من اليسار، طبعا من التحرير بشكل خاص، بالتعاون مع عدد قليل جدا من الشعبية..كانت جبهة التحرير تؤمن بالنضال العمالي، الجبهة الشعبية لم تكن تؤمن بالنضال العمالي، إلا بعض الأفراد"، حسب ادعاءات حميد القائد، الذي عدد ثلاثة من رفاقه في "التحرير" كشخصيات ساهمت في الحركة العمالية وأهمل الآخرين الذين ساهموا في عملية تأسيس العمل النقابي العمالي، ومنها إضراب العام 1943 في شركة النفط بابكو، الذي قاده المرحوم محمد صالح الدلال عضو جمعية وعد التي تم حلها في 2018، مرورًا بقانون العمل البحراني الذي صدر بعد مطالبات وضغوطات جماهيرية قادتها هيئة الاتحاد الوطني وصدر في عام 1957، وقد استندت عليه اللجنة التأسيسية وخصوصا في الباب الثالث من المادة (42) حتى المادة (67)، حيث كانت مثار بحث ودراسة مستفيضة من الإخوة هشام الشهابي وعبدالله مطيويع ويوسف صباح البنعلي. وهؤلاء الثلاثة تم استدعاؤهم من قبل جهاز أمن الدولة بعد قليل من تقديم طلب الترخيص للعمل النقابي تحت مسمى اللجنة التاسيسية لاتحاد عمال وأصحاب المهن الحرة في البحرين بتاريخ 23 أغسطس 1971، أي بعد أيام من إعلان استقلال البحرين.
المشكلة الكبرى أن حميد القائد يعرف بعض الحقائق المؤرخة في كل ما كتبته في كتاب "صفحات من تاريخ الحركة العمالية"، وكتاب "من المحرق إلى سجن بيت الدولة".
(7)
وبعد،،،
هل كانت الجبهة "الشعبية قلة قليلة جدًا" في الحركة العمالية البحرينية؟ وأنها "لم تكن تؤمن بالنضال العمالي؟!"، كما يزعم حميد القائد، الذي أساء لنفسه لتزويره التاريخ أكثر مما أساء للذين أراد شطبهم من النضال العمالي، وكأنه يمتلك هذا الحق أو قادر عليه، وهو الذي يعرف تمام المعرفة أنه لم يكن يقول الحقيقة.
أدعو الأخ حميد القائد أن يعيد قراءة التاريخ العمالي للبحرين من أي مصدر يعشقه قبل أن يدّعي بما تفوه به في احتفال الأول من مايو في مقر التقدمي، فهذا فهذا الزعم والإدعاء يسيء أولا إلى تنظيمه الذي كان معنا مناضلون حقيقيون ينتمون إليه ولا يقبلون بهذا التزوير الذي روّجه القائد بينما كان يتهيأ لإلقاء قصيدة شعر!!