DELMON POST LOGO

محطات في تاريخ الحركة العماليه البحرينيه 1-3

- الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة إلى مطيويع: "تحمل بروحك يا ياعبدالله ترى الحكومة شاربة حليب سباع"

 

- بدأت اعتقالات اللجنة التأسيسية بعلي الشيراوي ود.حسن رضي

- استدعى جهاز الأمن قادة اللجنة التأسيسية الثلاثة: الشهابي حقق معه هندرسون، مطيويع حقق معه بول والبنعلي حقق معه هيجنز

- تركز التجمع العمالي في منطقة ميناء سلمان الصناعية، فانتشرت المدرعات في كل دورارات المنامة والمواقع الحيوية

بقلم: عبدالله مطيويع

يجهل كثير من عمال البحرين وأهلها التاريخ النضالي للحركة العمالية والنقابية البحرينية، مع أنه من حقهم الاطلاع ولو على جزء من هذا التاريخ المضيء. فبعد سبعة أشهر من نشاط اللجنة التأسيسية لجمع آلاف التواقيع ومخاطبة وزارة العمل لمرات عديدة، واستدعاء جهاز المخابرات لثلاثة من أعضاء اللجنة التأسيسية وهم المهندس هشام الشهابي وحقق معه إيان هندرسون، وعبد الله مطيوع وحقق معه السيد بول نائب هندرسون، ويوسف صباح البنعلي وحقق معه هيجنز.

تم استدعاؤنا على خلفية انتشار حضور اللجنة التاسيسية في كل مدن وقرى البحرين ومواقع العمل، في الشركات وفي الدوائر الحكومية، ما سبّب للنظام وجهاز الأمن مخاوف وهواجس من توسّع هذا العمل وتحوّله إلى حراك شعبي عام. وقد تراءى لهم بعبع حراك هيئة الاتحاد الوطني في فترة 1954-1956. كان استدعاء جهاز الأمن لطيفًا ومهذّبًا وجرى في نفس اليوم والساعة التي كانت تشير إلى الساعة العاشرة صباحًا من إحدى أيام مارس 1971، حيث تم استدعاء المهندس هشام الشهابي بالهاتف لمكتب إيان هندرسون، وعبد الله مطيويع جاء له السيد بول مطار البحرين حيث يعمل في العمليات والحجز المركزي لطيران الخليج)  (Gulf Aviation وجلس معه في مكتب ضابط المطار الشيخ عيسى بن أحمد الخليفه، أما يوسف صباح البنعلي فتم الاتصال به لكي يذهب إلى القلعة لمقابلة هيجنز في قسم المخابرات. تركّز التحقيق في صيغة استفسارات عما تقوم به اللجنة التاسيسية من جمع التواقيع والهدف من هذا الحراك، وهل تقف وراءه قوة سياسية.. إلى آخر هذه الهواجس والأسئلة.

كان جوابنا موحّدا: نحن نطالب بتطبيق الباب الثالث من قانون العمل الصادر في نوفمبر 1957 الذي يسمح بإنشاء نقابات عمالية. وقد انتهى التحقيق بتكرار التهديد بأنه "اذا اكتشفنا أن ورائكم قوى سياسيه سوف نعتقلكم جميعا". وكان جوابنا قاطعا وحاسما بأن لا أحد يقف وراءنا ولا أمامنا فنحن اللجنة التاسيسية أصحاب المشروع ومعنا كل هؤلاء العمال وأسماؤنا عندكم في الرسالة التي سلّمت إلى وزير العمل مع التواقيع بطلب إنشاء نقابات عمالية. لكن الذي كان مبيّتا لنا هو انتظار الفرصة المؤاتية للانقضاض علينا. فبعد حوالي سبعة أشهر اشتدّ ضغط العمال علينا ونفد صبرهم، وكان لابد من تصعيد الضغط على الحكم بخطوة إلى الأمام، وكان يتراءى أمامنا إضراب ديسمبر 1954 لعمال بابكو الذي استمر 14 يوما وكان ذا تاثير كبير على الحكم مما اضطر الحكومة إلى التفاوض مع ممثلي العمال، وكانت المكاسب المتحققة كبيرة، في حين أن التجمع الحالي يعتبر من أكبر التجمعات العمالية، ويُنفَّذ في منطقة ميناء سلمان الصناعية، قلب العاصمة المنامة، الأمر الذي  كان له الأثر الأكبر داخليًّا وخارجيًّا وكذلك على الصعيد الإعلامي.

هذه مقدمة لابد منها لأنها متصلة ومترابطة لما سوف يعرّج عليه صاحب هذه السطور باستكمال ما سبق نشره في موقع "دلمون بوست".

ثلاثة أسباب جعلتني أقرر بصورة مسبقة أن لا استسلم وأن لا أسلّم نفسي لأننا للتو بدأنا إعادة لملمة الصفوف ولابد من المضي إلى الأمام وألا نعطي فرصة للأجهزة أن تهزمنا في أول معركة ويجهض مشروعنا الذي مشينا فيه. السبب الأول كلام الشيخ عيسى بن محمد الخليفة حين قابلته وسلّمته رسالة اللجنة التاسيسية لاتحاد عمال البحرين بتاريخ 13 مارس 1972 بعد أن أصبح وزيرًا للعمل، كان نصيرًا للعمال. قال لي كلاما يحمل في طياته كل الود والمحبة والقلق عندما أمسك بيدي ونحن نسير نحو الباب: "تحمّل بروحك يا عبد الله ترى الحكومة شاربة حليب سباع".

السبب الثاني هو طلب وزير العدل الشيخ خالد بن محمد الخليفة رحمه الله مقابلتنا بمجلسه في الرفاع. ذهبنا إليه وأسمعنا كلامًا غريبًا، ومن ضمنه كرّر ما قاله لنا صباح 12 مارس 1972 عبر البوابة الحديدية لمبنى السكرتارية، وقال: "تطلبون الجزء وسوف نعطيكم الكل"، وكان يعني بالجزء النقابة بينما يتمثل "الكل" في الدستور وانتخابات المجلس الوطني 1973. وما استوقفني أنه كان يغمز لنا أحيانا بالكلام الصريح وأحيانا بالتلميح، وقال ولا زلت أحفظ ما قاله وكأنه بالأمس: "إن الانجليز خبثاء ويعتزمون الرحيل، وربما بينكم من يتعاون معهم". هذا الكلام استفزني ولم أَقْوَ على السكوت، فخاطبته "يا طويل العمر يا أبو محمد تعني أن من بيننا أو نحن متعاونين أو جواسيس. الانجليز أعداؤنا الذين اطلقوا علينا الرصاص في عام 65 قبل سبع سنوات وقتلوا منا ستة مواطنين". استدرك وقال "أنت عَيِّنة للناس اللي ما يسوون غلط واحنا على أبواب الاستقلال وان شاء الله الأمور طيبة فلا تعرقلوا مشروع الحكومة". أعدنا عليه أنا والمرحوم الأخ يوسف صباح البنعلي نص المواد 42 - 66 من الباب الثالث من قانون العمل. صمت قليلا وصفّق وكرر علينا الكلام نفسه، وحين طالبناه بشرح سبب من تم اعتقالهم من أعضاء اللجنة التاسيسية علي الشيراوي والأستاذ حسن رضي الستراوي، قال سننظر في أمرهم والقضاء سيقول كلمته، وإن لم يثبت ضدهم شيء فسوف يطلق سراحهم. بالمناسبة علي الشيراوي كان اعتقل من المطار بتاريخ 10/3/72 وكان عائدا من اجتماع المؤتمر التاسيسي للاتحاد الوطني لطلبة البحرين الذي عقد في دمشق في فبراير 1972، حيث ألقى كلمة اللجنة التأسيسية في المؤتمر، والأستاذ حسن رضي الستراوي اعتقل بتاريخ 11/3/1972 وكان يعمل في (فيرس ناشيونال سيتي بنك).

السبب الثالث هو هذه الاعتقالات وإقدام الحكومة على الإستغناء عن العمال والتي رافقتها اعتقالات ونشر الدبابات والمصفحات التابعة للشرطة وقوة دفاع البحرين في مختلف دوارات المنامة وحراسات على مخازن النفط في سترة والمحرق والمطار، وقد تعطّلت الدراسة في  المدارس، والديرة في حيص بيص.

إذن هذا يكفي لكي يفهم أي فهّيم ما ستئول إليه الحال لهذه الحركة السلمية المنظمة التي لم تقلع حتى طوبة من رصيف شارع وتقذف به من قذفوها بمسيلات الدموع. عليك بالقرار السريع، وكان يعتمل في دماغي بينما كان أمرًا بليل يُدبَّر لنا.

كان لقاؤنا مع الدكتور علي فخرو وزير الصحة آنذاك، في منزله. هذا اللقاء أوضح الصورة أكثر، وقد تم  هذا اللقاء بطلب من سمو رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان رحمة الله عليه، حيث أوعز للدكتور علي فخرو بمقابلتنا، ولا أعرف إن كان لكسب الوقت أو لإيقاعنا في مصيدة، أو لأمر يُبيّتُونهُ لنا. لذا حزمت الأمر لأكمل المشوار .. يتبع.