DELMON POST LOGO

محطات في تاريخ الحركة العماليه البحرينيه 2-3

- بعد لقائنا مع د.علي فخرو، قررت المغادرة لتوصيل صوت عمال البحرين إلى الخارج

- خرجت من مخبئي وتوجهت إلى الحد وركبت القارب مع أحد أعضاء حركة القوميين العرب متوجهين إلى قطر

- لم تتوقف قافلة الكلاب عن النباح حتى شمّت رائحة الملاح وهو يغرس مرساة القارب في رمل الساحل

- سلّمني علي ربيعة ورقة صغيرة لأسلمها إلى العنصر الحركي في قطر، حفظت ما بها للتخلص منها عند الطوارئ

- رتب عناصر الحركة في الدوحة مغادرتي إلى بيروت التي وصلتها بالثوب والغترة والعقال "ابو كركوشة"

بقلم : عبد الله مطيويع

كان لحركة القومين العرب انتشار طاغٍ في كل مواقع العمل الخاص بنا وفي دوائر الحكومة من جمارك ومطار وخفر سواحل..وحتى في أوساط الشرطة كان هناك أعضاء مناصرون. وبعد لقاء قيادة اللجنة التأسيسية مع الدكتور علي فخرو الموعز له من قبل رئيس الوزراء، كان قراري الخروج من البحرين لتوصيل صوت عمال البحرين إلى الخارج. كان الخيار الرحيل إما إلى الكويت أو إلى قطر،  وكنا في سباق مع الوقت، فكانت قطر هي الأقرب والأسرع، ولنا تجارب قديمة في اللجوء إليها منذ عام 1965، ولنا رفاق هناك من القبائل والعوائل المشتركة بين البحرين وقطر، أبرزهم المرحوم عبد الله بودهيش والبكوارة وآخرون.

ذات مساء خرجت من مخبئي الأخير في المحرق الذي رتّبه الأخ عبد الرحمن عثمان قرب بيتهم ومكثت فيه حتى مساء 21 أبريل 1972، ومشينا ليلا أنا وعبد الرحمن عثمان حتى بيت علي ربيعة وهناك ركبنا السيارة واتجهنا إلى الحد، وكان في استقبالنا أحد أعضائنا وأنصار الحركة لم يسبق لي أن رأيته من قبل، وبعد مرور 35 عامًا تقريبًا عرَّفَني على نفسه في مقهى بحّارة صيادي فرضة المحرق، ولم أفوّت الفرصة  فأخذت تفاصيل رحلة الهروب وكتبتها في شكل حكاية وأعطيتها الأخ العزيز كاتب المسلسلات والسيناريوهات التلفزيونية الرائعة والسيناريوهات التلفزيونية والإذاعية والبرامج الإذاعية الرائعة ليل البنادر وغيرها، وقد حول هذه الحكاية إلى سيناريو فيلم وثائقي أسماه "هروب إلى مطلع الشمس" لكنه أعطاه اسمًا مختصرًا ومعبّرًا وهو "هروب"، غير أنه  ولم يتَسَنَّ لنا تصويره وإخراجه.

انطلق القارب ليلَا من شرق الحد في قارب خشبي بخاري صغير (هرودي كبير) وبمحرك داخلي. انطلق القارب في ظلام الليل لكن الربان كان مثبِّتا عينه على البوصلة وعلى الفنارات الطافية في البحر (البوية)، وكان سكون الليل طاغيًا إلا من صوت المحرك وأصوات طيور الليل العابرة. بعد قرابة أربع ساعات وصلنا إلى قرية اسمها (سيرسره) تسكنها قبيلة البحار الماهر (م)، وحين اقتربنا من الساحل انطلقت نحونا قافلة من الكلاب تنبح بأعلى صوتها، لكنها حين شمّت رائحه الملاّح وهو يغرز مرساة (باورة) القارب في رمل الساحل هدأت وسكتت.

استقبال حافل واستعداد سريع للمغادرة

ذبحوا الذبيحة للضيف وتغدّينا، ثم جاءت سيارة تنقل الركاب إلى الدوحة التي وصلناها، فأسرعتُ بإخراج الورقة الصغيرة المخبّأة في ملابسي والتي حفظت ما بها كي أتخلّص منها في حالة الطوارئ. في الطريق سألني سائق السيارة وكانت ستيشن ويجن (بيجو): أين وجهتك؟ فقلت له وصّل الجماعة أولًا ثم سأخبرك، فجادلني: ربما وجهتك في الطريق قبلهم. قلت له اسم المنطقة التي كتبها علي ربيعة وسكان القبيلة التي كان أحدهم عضوا في حركة القوميين العرب. توقفت السياره عند بيوت متلاصقة وبناؤها قديم كما لو أنها المحرق في الخمسينات. سألت عن بيت الشخص فدلّني أحد المارة وأوصلني إلى البيت، طرقت الباب فجاء صبي صغير فسألته هل هذا بيت فلان؟ فقال نعم. قلت له ناده، فقال هو في الشغل (العمل) بيرجع الظهر، فرحت أتمشَّى في  (الفريج) أبحث عن مقهى أو مكان أجلس فيه كي لا ألفت نظر المارة. جاء صاحبنا فلمحته يدخل بيته ثم يخرج منه باحثا عن الذي جاء في طلبه. توجهت إليه وسلّمت عليه وقلت له أنت ؟ قال نعم قلت له علي ربيعة يسلم عليك وأعطاني لك هذه الورقة وأنا للتو جئت من البحرين. سريعا أمسك بيدي وأدخلني المجلس، وبعث الصبي بصينية بها (جدوع) ودلتي شاي وقهوة لحين يغير ثيابه. لم يتأخر وسلّم عليّ مرة أخرى بحرارة وسألني في لهفة: ما هي أخبار البحرين..يقولون عندكم عفسة؟ تحدثت معه عن الأوضاع من البداية حتى خروجي من البحرين. قال: أنت في بلدك ولا يهمّك، الوضع تغيّر في قطر والشيخ حمد بن علي راح وجاء الشيخ حمد بن خليفة، ونحن في مواقع مهمة ونستطيع توظيفك بدءًا من الغد في أي في أي وظيفة، وأنت رجل ذو خبرات متعددة كما فهمت منك ونحن من جماعة الشيخ سحيم وله سلطة كبيرة ولا يرد لنا طلب. قلت له لا تستعجل فأنا مشواري طويل واللي في راسي كثير، أنا هربت لكي أدافع عن ربعي (جماعتي) اللي اعتقلوهم كلهم، وضربوا الناس بمسيلات الدموع والرصاص وحولوا البحرين وكأنها في حالة حرب لا عمال يطالبون بنقابة عمالية كما ينص عليها قانون العمل، كما يطالبون  بتحسين ظروف عملهم. قال: حسنا تنام الليلة هنا وبكره سوف أعزم الجماعة على الغداء وأعرّفك عليهم. في مساء نفس اليوم وبعد العشاء تحدثنا في قضايا شتى. كانت لغتنا لغة كل من انتمى إلى حركة القوميين العرب. أردت أن أوجز له المسألة واستباقا للوقت، لأن رأسي مليء بما سأقوله وأكتبه حين أصل بيروت.

تحدثت معه بصراحة عن أهمية الوقت وضرورة التحرك بسرعة شديدة لما نحن فيه. سألني هل عندك جواز سفر؟ أجبت: لا. في الصباح أخذني إلى استوديو وصوّرت. أخذ صورتين أو ثلاث دون ان يخبرني بما سيفعل. عند الظهر جاء ومعه بعض الأصدقاء ويبدو أنهم كلّهم من الحركة، معظمهم مدرسون ما عدا واحد يعمل في شركة النفط (شيل).  تغدينا وسولفنا وانصرف الجميع، سألني ونحن في المجلس: يبدو أنك مستعجل جدًّا؟ قلت: نعم. قال: جهّز حالك اليوم العصر للسفر. عصر ذاك اليوم جاءني بثوب وغترة وعقال بكركوشته القطرية. أخذني إلى المطار، وقبل التوجه إلى كونتر المسافرين سلّمني جواز سفر قطري أبو سفرة واحدة وتذكرة السفر، ووقف بعيدًا يراقبني حتى اجتزت مكتب الجوازات وتوجهت إلى الطائرة، وتابعني بنظراته حتى غادرَت الطائرة مطار الدوحة إلى مطار بيروت.

مع هبوط الطائرة في مطار بيروت شعرت باطمئنان أن الهدف الذي من أجله خرجت من البحرين أصبح قيد الإنجاز. كانت وجهتي الأولى صوب مجلة الحرية الناطقة باسم حركة القوميين العرب، وكان اللقاء مطوّلا مع فواز طرابلسي ومحمد كشلي في مقر المجلة.

..يتبع.