الأول من مايو .. نحو عدالة اجتماعية مستدامة
بقلم: عبدالقادر الشهابي
الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين
يحتفل العالم كل عام بمناسبة الاول من مايو يوم العمال العالمي لتأكيد على الدور الهام للعمال والمحوري في العملية الانتاجية لتحقيق تنمية مستدامة يتشارك فيها اطراف الانتاج الثلاثة، الحكومة والعمال واصحاب العمل. وهذه النتيجة لا يمكن الوصول اليها دون توازن في التمثيل والالتزام بالحقوق والمسؤوليات دون غلبة لطرف على آخر، الامر الذي يتسبب في تشوهات في سوق العمل وعدم شفافية يتطور الى فساد يفضي لغياب العدالة الاجتماعية.
في العام 1869م بدأ العمال في العالم وبالخصوص في الولايات المتحدة الاميركية التحرك للمطالبة بتحسين الاجور وتقليل ساعات العمل وتوجت الحركة المطلبية في العام 1886م بالعديد من الاضرابات والمسيرات العمالية معتبرة الاول من مايو يوم للنضال العمالي لإسماع صوتهم لتحقيق العدالة الاجتماعية، الامر الذي قوبل بالقتل والإعدامات في مقاطعة فيلادلفيا بالولايات المتحدة الأميركية، الامر الذي ثبت الاول من مايو يوما عالميا للعمال.
اليوم لا بد من التمييز بين مشاريع العمل الداعمة للعدالة الاجتماعية والمشاريع الظالمة اجتماعيا لكي نحدد الوجهة ويمكننا تصويب المسير للوصول للهدف المنشود والمتمثل في عدالة اجتماعية تفضي الى تنمية مستدامة. خلال السنوات الاخيرة يمكن استعراض التالي:
برنامج العمل اللائق الذي يمثل منهج السيد خوان سومافيا مدير عام منظمة العمل الدولية في الفترة من 1999 الى 2012م والذي يرتكز على الاجر المناسب وبيئة العمل السليمة انسجاما مع مفهوم العدالة الاجتماعية. خلال مؤتمر العمل العربي في الدورة 37 والمنعقد في البحرين تم اعتماد برنامج العمل اللائق للبحرين من قبل اطراف الانتاج الثلاثة وبرعاية منظمة العمل الدولية والذي حددت له فترة اربع سنوات للتنفيذ الا ان البرنامج تم ايقافه في عام 2011م.
عملية فصل العمال في 2011م بطريقة غير قانونية استهدفت عمال القطاع العام والخاص بما يتجاوز 3% من العمالة الوطنية وتعبر عن تراجع في العدالة الاجتماعية وثقها تقرير اللجنة المستقلة برئاسة السيد محمود شريف بسيوني في العام 2011م وتم مناقشتها في مؤتمر العمل الدولي رقم 100 بجنيف من خلال الفريق العمالي استنادا الى الفصل 26 من دستور منظمة العمل الدولية. نتيجة ذلك صدر قرار ارسال بعثة خاصة للبحرين تابعة لمنظمة العمل الدولية للتواصل مع اطراف الانتاج الثلاثة.
الاتفاق الثلاثي للإعادة العمال المفصولين بطريقة غير قانونية لأعمالهم تم في مارس 2012م باعتماده من خلال اطراف الانتاج الثلاثة وبرعاية منظمة العمل الدولية التي عاودت جمع اطراف الانتاج على اتفاق ثلاثي تكميلي عام 2014م يحدد المتبقي من العمال المفصولين الذين لم يتم ارجاعهم لأعمالهم ومتابعة بقية البنود الداعمة للشفافية وعدم التمييز في الاستخدام والمهنة استنادا الى الاتفاقية الدولية رقم (111) و بقية الجوانب الداعمة للعدالة الاجتماعية.
توفير لقاح كورونا لجميع المواطنين والوافدين وحرية الاختيار لنوع اللقاح يعبر عن عدالة اجتماعية لم تميز بين فرد وآخر وينسحب ذلك على توفير الفحص العشوائي للجميع بل ان توفير اللقاح والفحص مجانا يعبر عن تقدم في العدالة الاجتماعية. ولا بد هنا من اشادة بالدور المتميز للقطاع الصحي في هذا المجال الذين ضحوا بأنفسهم وعلى حساب عوائلهم ولا بد من المحافظة عليهم وتكريمهم.
نظام التقاعد استند الى مفهوم التضامن بين العمال وافراد المجتمع للحفاظ على كرامة الانسان ولتحقيق العدالة الاجتماعية واصبح اساسا من اسس التنمية المستدامة لعقود في البحرين الا ان خلال الفترة الاخيرة حدثت عدة تراجعات لنظام التقاعد نتيجة اخفاقات لا يتحملها العامل بل نتيجة عدم شفافية وسوء ادارة لأموال المتقاعدين وتشوهات سوق العمل.
نظام التأمين ضد التعطل يدعم مفهوم العدالة الاجتماعية ويعبر عن تضامن الطبقة المتوسطة والغنية مع الطبقة الفقيرة واستمر البرنامج لأكثر من عقد من الزمان ومع الملاحظات التي رافقت تدشين نظام التامين ضد التعطل الا ان الالاف من العاطلين يستفيدون من هذا النظام شهريا. تم سحب ما يقارب مليار دولار من حساب التأمين ضد التعطل لدعم الشركات والمؤسسات الاقتصادية للحد من تداعيات كورونا وهنا ملاحظتين. الأولى: لم تتأثر جميع الشركات سلبا بكرونا بل البعض تحسن وضعه الاقتصادي والمالي في فترة كرونا، والثانية: لماذا السحب من اموال العاطلين الى اصحاب العمل؟! هل مسؤولية الفقراء دعم الاغنياء؟
ضريبة القيمة المضافة بدأت بـ 5% وتضاعفت خلال سنتين لتصل الى 10% وقد يتواصل الصعود لتتآكل اجور العمال ومعاشات المتقاعدين ويتضرر جميع المواطنين والمقيمين صغارا وكبارا فالطالب في المدرسة يشعر بزيادة الاسعار نتيجة احتساب 10% VAT على وجبته اليومية وقد ينخفض مصروفه اليومي نتيجة التزامات رب الاسرة الاخرى نتيجة التضخم واحتساب 10% VAT. السؤال المطروح لماذا لا تطبق ضريبة الدخل ليستثني منها الفقراء وتطبق ضريبة القيمة المضافة لتزيد الفقير فقرا.
الغاء الدعم لبعض المواد الاساسية مثل اللحوم والمشتقات النفطية وزيادة الرسوم على الخدمات الاساسية وبعض الوثائق الرسمية وتزامن ذلك مع تضخم وتصاعد ملفت للأسعار مع جمود في الاجور جعل المواطنين والمقيمين وخصوصا من الطبقة الفقيرة في وضع معيشي صعب واجبر الكثيرين على مزاولة اكثر من مهنة لتلبية احتياجات العائلة الاساسية.
الحوار الاجتماعي بين اطراف الانتاج وتوازن التمثيل في المجالس الثلاثية كفيل بتحقيق عدالة اجتماعية عن طريق تفاوض جماعي حقيقي احد ادواته مجلس اعلى اقتصادي اجتماعي يناقش مستوى الاجور وبيئة العمل وكيفية تحقيق تنمية مستدامة.