DELMON POST LOGO

مرضى لا يُنسون 2-4

ترجمة: مهدي عبدالله
نتابع اليوم المقال الذي كتبته كورنيليا دالنبرج، الممرضة بمستشفى الإرسالية الأمريكية في البحرين ، ونشر في العدد 217 من مجلة اريبيا كولنج الصادر في صيف 1949.
"ابقي معنا وتناولي القهوة بينما نحضر لك بعض الرطب الطازج من الأشجار" قالوا . لكن زينب كانت لديها فكرة أخرى. " تعالي معي " قالت. " بينما هم يجمعون الرطب ، تعالي وشاهدي ينبوعنا المسمى عين الرحى". مشينا على امتداد جدول صاف بارد يتدفق خلال بستان النخيل من الينبوع وفي أثناء مشينا كان هناك رجال يشتغلون في البساتين ينادون " كيف حال بنت أحمد ؟ هل استطاعت الممرضة  مساعدتها؟ ".
"بالطبع" ردت زينب عليهم. "ماذا كنتم تتوقعون؟ ألم أخبركم البارحة لكنكم لم تستمعوا لي. كنتم ستتركونها تموت وكنتم خائفين جداً ". بعد أن قالت هذا إلى عدة مجموعات من الرجال والنساء سألتها أنا " لماذا تقولين أنتم ؟ ألست واحدة منهم؟ ". " بالتأكيد " ردت. "لكنني كنت في المستشفى وأصبحت عيوني متفتحة ".
جلسنا على طرف العين. كم هي هادئة ومريحة وكم كان الماء جميلاً وبارداً وصافياً! بالتأكيد هذه العين كانت أنظف وأصفى شيء في كل جزيرة سترة، على ما اعتقدت وكما قلت لمرافقتي. زينب وافقت على كلامي قائلة " هذه العين هي هبة من الله. مياهها تمنح الحياة لجميع هذه البساتين التي هي حياتنا. إنها مثل مستشفاكم في البحرين ،إنه يمنح الحياة للكثيرين ". أووه زينب ، فكرت  .ما أروع هذه الافتتاحية التي أعطيتني إياها واصطحبتني إلى هذا المكان! ما أجمله من مكان وما أعظمها من فرصة! كان بمحفظتي إنجيل يوحنا وبدا لي أنه من الطبيعي جداً في العالم أن أقرأ لها وأتحدث إليها عن ماء الحياة. إن عمل المستشفى يمكن أن ينتظر، فهذا هو يوم زينب.
تم نقل المريضة بنت أحمد إلى المنامة في اليوم التالي لمتابعة الرعاية والعلاج لكنني كنت متأكدة بأنني سأزور هؤلاء الصديقات في سترة مرة ثانية ، وسوف تأتي زينب إلينا وتحضر أخريات.
في أحد أيام شهر مايو، بينما كانت الشمس تغرب، مرة أخرى جاء رجلان إلى المستشفى وسألا عن الممرضة خاتون .كانت قد ذهبت فأتيا إلى المنزل.  استطعنا أن نعرف من ملابسهما إنهما فلاحان بحرينيان، وبالنظر إلى وجهيهما عرفنا ماذا سيقولان . هذه المرة رحلتنا ستكون إلى قرية اسمها (عالي). نفس القصة، امرأة في حالة سيئة ولا يمكن إحضارها الى المستشفى، لكنهما اقتنعا أخيرا بأنه من الضروري جدا إحضارها وتركا المكان واعدين بجلب المريضة إذا وافقت النساء على ذلك. وفي منتصف الليل جاءوا فتم استدعاء الطبيب وأجريت العملية الجراحية وتم إنقاذ حياة طيّوبة.
مكثت طيّوبة وأمها 37 يوماً في المستشفى وأصبحنا نعرفهما معرفة جيدة . وأتى آخرون من هذه القرية لزيارتهما. وأصبحت طيّوبة ودودة وكثيرة الكلام وكانت تحب جداً الاستلقاء في شرفة المستشفى الواسعة المفتوحة . ولما حان موعد خروجهما من المستشفى قالت : أنا لا أريد أن أذهب . أود أن أبقى وأعيش هنا. من فضلكم تعالوا إلى "عالي" وزورونا.
مهدي عبد الله
عين الرحى بسترة