DELMON POST LOGO

بهية رضي التي عرفتها

الكاتب
مهدي مطر
يوم السبت ٢١ يناير، ٢٠٢٣ لم يكن يوماً كباقي الأيام، في الصباح كان تشييع الصديق الرفيق الدكتور سلمان عبدالنبي، وما أن حل المساء حتى وصلتنا رسالة من الأهل لزوجتي " بهية أم محمد في ذمة الله"..
أُصبتُ بالذهول وجمدتُ في مكاني..، بهية أم محمد الأخت والرفيقة وزوجة الصديق الدكتور أحمد جمال، فضلاً عن صلة القرابة.
عندما شرعتُ في الكتابة عن الفقيدة، تساءلت من أين أبدأ، هل أبدأ بسرد ذكريات فقيدتنا في الحي الذي تربت فيه أي حي أو فريج الحطب كما يرويها الأهل، أم أبدأ بسرد سيرة الفقيدة بعد العودة من الجامعة منتصف السبعينات وانخراطها في مؤسسات المجتمع المدني.
بهية رضي وُلدت ونشأت في حي، فريج" الحطب-كانو" بالمنامة. حي يضم مختلف مكونات الشعب البحريني وطوائفه، البيوت متقابلة، فضلاً عن وجود اناس يعتقدون بديانات أخرى،  من مسيح وهندوس. الاحترام متبادل بين الجميع، هنا في هذا الحي، حي الحطب. المسجد والمأتم والمعبد الهندوسي والكنيسة ليست بعيدة.
هنا انصهرت الشخصية البحرينية، حيث تعايش الجميع وتشاركوا في الأفراح والأتراح وساد التسامح وتلاشت الحساسيات المذهبية.
فقيدتنا بهية عاشت الطفولة والدراسة بين مدارس المنامة، نشأت في بيئة بعيدة عن التعصب، وصُقلت شخصيتها بهذه التربة.
بعد التخرج من المرحلة الثانوية توجهت بهية لمواصلة الدراسة الجامعية في العراق كأبناء وبنات جيلها، حيث كان التوجه وقتها للعراق ومصر وسوريا ولبنان. العراق وقتها كان يعيش فترة هدوء سياسي نسبي في مطلع السبعينات، وكانت بغداد مدينة السلام محطة للفعاليات الطلابية والثقافية. نعم عاش العراق فترة ازدهار سياسي بتشكيل الجبهة الوطنية، تحالف بين المكونات السياسية، وللأسف لم يدم هذا الاستقرار طويلاً..
بهية رضي الطالبة الجامعية لم تكن بعيدة عن هذه الأجواء السياسية والهم الوطني، فقد انتمت للحركة الوطنية وهي على مقاعد الدراسة في جامعة بغداد، فاعلة في نشاطات رابطة طلبة البحرين في بغداد وبعدها تأسيس فرع الاتحاد الوطني لطلبة البحرين هناك، (الاتحاد تأسس في فبراير، ١٩٧٢ في دمشق).
تعود بهية إلى الوطن بعد التخرج من جامعة بغداد، كلية الآداب، عام ١٩٧٦ وتعمل باحثة اجتماعية بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية،
عام ١٩٧٨ تقترن بهية بالدكتور أحمد جمال، هو الآخر خريج جامعة بغداد، كلية الطب، أتذكر حفل الزواج الذي أُقيم صيف عام ١٩٧٨ في حديقة السلمانية، حضر الحفل جمع من الأهل والأصدقاء والطلبة.
نتوقف مع سيرة فقيدتنا بهية رضي على صعيد النشاط الوطني والأهلي وهي المنتمية للحركة الوطنية.
بعد العودة للوطن عام ١٩٧٦، وهي التي تنتمي لتيار وطني لديه حلم ببناء مجتمع مدني، والجمعيات إحدى ركائزه، فكان انتماء فقيدتنا بهية
لجمعية نهضة فتاة البحرين، هذه الجمعية العريقة التي تأسست في المنامة عام ١٩٥٤ كأول جمعية نسائية في البحرين والجزيرة العربية،كما كانت الفقيدة من أوائل من انتسب لجمعية الاجتماعيين عام ١٩٧٩ وعضو مجلس إدارة لعدة دورات.
بعد الانتقال لمدينة  حمد، شاركت مع سيدات من المنطقة في تأسيس جمعية مدينة حمد النسائية وترأست أول مجلس إدارة، كان ذلك عام ٢٠٠٢.
على الصعيد السياسي وبعد الانفتاح السياسي عام ٢٠٠١ والسماح بتأسيس الجمعيات السياسية في البحرين، كانت بهية من أوائل من انتموا لجمعية العمل الوطني الديمقراطي "وعد"، وكانت تحرص على حضور مؤتمراتها العامة والفعاليات التي كانت الجمعية تنظمها، كما لم تتردد للترشح لعضوية المجلس البلدي عام ٢٠٠٢ على قائمة " وعد" إيماناً منها بأهمية المشاركة وخدمة المجتمع.
نتحدث عن نشاط فقيدتنا بهية على الصعيد الأهلي والوطني، ولا ننسى بهية الإنسانة، وهذا ما يذكره القريبون منها حيثُ كانت يدها البيضاء تمتد لدعم الأفراد والهيئات من قبيل المآتم والجمعيات الخيرية.
بهية أنتِ إسم على مسمى، أنتِ البهاء في كامل صوره،
أتذكر إلحاحكِ  الدائم بزيارتكم، تحديداً في المناسبات والأعياد، فضلاً عن الاحتفاء بالأصدقاء ومن عاد للوطن بعد أن فُرضت عليهم الغربة، نعم كان بيتكم ملتقى الأصدقاء.
فترة مرضكِ ومع وباء كورونا،بالرغم من معاناتكِ كنتِ تُرحبين بالزيارات، الاتصال الأخير قبل الرحيل بأيام حمل نبرة الحزن والألم، هكذا كان إحساس زوجتي "صوت بنت عمي ليس كالمعتاد، صوتها يدعو للقلق"..
في يوم التشييع وأيام تقبل العزاء، كان الحضور مهيبا. تشييع يُليق بصاحبة العزاء، كنا نسمع كلمات الثناء والإشادة بالمرحومة أم محمد وعطائها.
أم محمد كل هذه الجموع من الأهل والأصدقاء جاءت لتوديعكِ..
أم محمد تركتِ حسرة في قلوب الأهل والمحبين
أم محمد استعجلتي الرحيل..
عليكِ الرحمة، أنتِ الأخت والرفيقة.