DELMON POST LOGO

تاريخ حضارة دلمون العريقة وأصل معنى "أرض العبور"

لفظت باللغة السومرية  " كور- بالا " ( كربلا) لفظ "كور" تعني: "أرض"، و لفظ  " بالا " تعني "عبور" في المعنى: "أرض القربان" ..

البحرين قديماً ذكرت بأسماء وصفات ومعاني  شتى منها أرض الآلهة  " أرض العبور " وأرض مشرق الشمس  و"ني تو كي" ، وتلمون، ودلمون، وأرادوس و تايلوس

بقلم : محمود عبد الصاحب البقلاوة

بين حينٍ وآخر تتقاطع مسيرة الباحث في أي مجالٍ من المجالات مع رؤى بعض الناقدين أو المُشككين لما يتوصل إليه اجتهاده البحثي من نتائج، والمُلتزمونَ بسعيهم الجاد في طريق المعرفة يُدركونَ أن تطور العلم لا يأتي إلا عن طريق التقاء الرؤية المعرفية بغيرها، والنتيجةُ بنقيضها، والباحث المُخلص في بحثه عن الحقيقة يسعى لاستقائها من كل نهر، واصطيادها من كل بحر، وإذا التقى في طريقه بنتائج تتفق مع ما توصَّل إليه استزاد منها، وإذا صادف معلومة لا تتفق مع مخزونه المعرفي فإنه يتَّبع السبُل المحترمة التي تليق بالساعين في طلب العلم للتأكد من جذورها وطرح وُجهات النظر التي قد لا تتفق معها بأسلوبٍ موضوعي رصين، لكن حين يهوي رأي بأسلوب يستهدف نسف الرأي الآخر، ومحاصرة حرية التعبير عمَّا توصَّل إليه من معرفة، وغطرسةٍ لا يمكن أن تكون من سِمات المخلصين في طلب علمٍ لا يعطي مفاتيحه إلا للمتمسكين بخُلُق التواضع، فلا بد وأن تُراود كُل قارئ عاقل الشكوك بشأن مصداقية مُدَّعي هذا الرأي وحقيقة أهدافه.

مؤخرًا صادفنا بعض السطور الملقاة على قارعة بعض المنصات التي تتيح لكل شيء مكتوب فرصة النشر دون قيود أخلاقية تغربل تلك المواد وتمنع ما يسيء للأفراد بأن يكون جزءًا من موادها التي قد تُعرضها للمساءلة القانونية، جَنَح صاحب السطور للشخصنة، واتخذ أسلوب القدح والذم والإساءة المُباشِرة ما أخرج سطوره تلك من حدود حرية التعبير إلى انفلات قلة التهذيب، وانحط عن مستوى النقد البناء إلى مستوى البذاءة التي لا يمكن أن يسمح حاملي المؤهلات العلمية لأنفسهم بالانحطاط إليها، وبينما يعمد للانتقاص من شأن المؤهلات العلمية للآخرين يطلق ألفاظا تذكرنا بأن تلاميذ المدارس لا ينالون مؤهل الشهادة الابتدائية إلا بعد اجتيازهم قسطا وافيا من تربية المعلمين إلى حد يجعلهم مؤهلين للتعامل مع أفراد المجتمع دون أن تنفلت من أفواههم اساءات يترفع عن التلفظ بها من يحترمون أنفسهم ممن لم يرزقوا شهادة محو الأمية.

لقد بذلت جهدي مع ذاكرتي خلال كتابة هذا المقال لاستدعاء اسم صاحب السطور لكنها لم تجد اسمه بين ما يمكنها تذكره لأنها خلال كتابتي هذا النوع من المقالات لا تُسعفني إلا بتذكر الأسماء ذات المؤهلات المرموقة في علم المسماريات، المعروفة في مجال علم اللغويات، ويبدو أنه يفتقر لتلك المؤهلات ولا يُعرف بأي إصدارات في هذا المجال لذا مازالت ذاكرتي – حتى الآن- غير قادرة على استدعاء اسمه، بينما ذاكرته تعرفني جيدًا وتقتبس من جهودي العلمية والبحثية لذا ورد ذكر اسمي كاملاً بين سطوره، ومن باب وضع الحدود اللائقة بهيبة تاريخ مملكتنا الحبيبة وأرضها المقدسة في قلوب أهلها على مر العصور؛ فإنني لن أبخل بجزء من وقتي للرد على هذا النوع من المُشككين ردا تدعمه المزيد من المصادر، وباللهِ نستعين:-

ذُكرت جزيرة مملكة  البحرين الغالية قديماً بأسماء وصفات ومعاني  شتى وكثيرة منها: أرض الآلهة، " أرض العبور "، أرض مشرق الشمس، ني تو كي، تلمون، ودلمون، وأرادوس و تايلوس... إلخ.  

وفي مقال كتبته  مؤخراً أشرت إلى لفظ باللغة السومرية :-

(Kur-bala).

تعني باللغة السومرية :-  أرض العبور

ولفظت باللغة السومرية  " كور- بالا ".    لفظ "كور" تعني: "أرض"، و لفظ  " بالا " تعني "عبور" في المعنى: "أرض القربان". أصطلاحاً: "العبور: مشتق فعل يعبر تعني العبرة" ، باعتبار جزيرة دلمون عاصمة دلمون مركز إستراتيجي لعبور التجارة ما بين بلاد ماجان والسند وعيلام وبلاد وادي الرافدين. وعلى هذا فإنني أُذكّر متابعي نتائج مطالعاتي التاريخية السابقة بما يلي:

- أولاً: لم أذكر – فيما نُشر لي سابقًا- أن "أرض العبور" هي المسمى الأصلي  لدلمون بل هي صفة لهذه الأرض التي أشتهرت بدلمون فيما بعد.  بينما  ذكرت: " لكن أسم دلمون  زهى على أرض جزيرة  دلمون البحرين  كمسمى عالمي وأشتهرت به حين إزدهارها الحضاري و الثقافي قبل الميلاد وثبُت "، كما ذكرت: "فيما الأسم واللفظ  ( كور-بالا ) أخذ منحى أخر وانتقل إلى تعريف موضع أخر وسمي باسم: "كور- بالا " في بلاد وادي الرافدين حتى إستقر من ضمن مسميات موقع الأرض {  كربلاء  }".

أي أنني لم أصرح في حديثي بأن أرض دلمون هي أرض كربلاء كي يُطلق بعضهم هذا النوع من المزاعم المغرضة الزائفة.

 

- ثانيا: المصادر التي تشير إلى أرض العبور:-

1- ذكر مايكل رايس في كتابه :- " اكتشاف دلمون" الصادر عن وزارة الثقافة والإعلام بمملكة البحرين الطبعة الأولى في العام 2009م :- قسم اكتشاف الماضي صفحة 12:-

".... وتذكر أسطورة الطوفان، في شكلها القديم المكتوب كجزء من ملحمة جلجامش العظيمة (الموروث الأدبي السومري المهم والعالمي بالطبع للأجيال التالية) أسم دلمون، أرض الفردوس، الموطن الأصلي للآلهة وهي الأرض المقدسة الأولى. وفي أسطورة جلجامش؛ يخرج البطل النموذجي في رحلة البحث عن زهرة الشباب، ويمضي في رحلته إلى الأرض التي قامت الآلهة بنقل زيوسودرا، ملك شوروباك الصالح إليها بعد زوال مياه الطوفان، وبإنقاذه بتدخل من إنكي الرحيم، إله المياه، فقد منحت الآلهة زيوسودرا الخلود وأخذته ليسكن أرضها، " أرض العبور " دلمون".

و في صفحة 67 :-

"... وليكن معلوما إذن بأن جميع الألواح الآشورية قديمها وحديثها، تحتوي على إشارة مستمرة بجزيرة تسمى نيدوك-كي، بالأكدية، وتلفون أو تلمون بالآشورية، وإن هذا الأسم ينطبق على البحرين بلا شك.... ربما يعني الأسم الأكدي نيدوكي "حاضن المذابح" أو "حاضن الإله" . اذ إن الحرف المستخدم كعلامة رمزية  لها كلا المعنيين وأي منهما يعد ملائما للصفة المقدسة للجزيرة، ولكنه من الصعب الحصول على معنى مشابه للمرادف الآشوري: تلفون أو تلمون إذا اقتصرنا على أصل الكلمة الساميّ، وعلى كل يحتمل أن يكون تلمون أسماً مكتسباً إذا قلنا أن "تِل" مرتبط بـ "تلا" مرادف توراني لأكاد " الأراضي المرتفعة "، و"فون" بأنها "معروف" أو "بركة" بحيث يمكن أن يعني الأسم " التل المبارك" أو لربما "الجزيرة المباركة".

2-  ذكر صمويل كريمر Samuel Noah Kramer  )  ) في كتابة "ألواح سومر"  ترجمة طه باقر ( الطبعة الأولى /2010م . ) صفحة 311 :-

-        الملك "زيوسودرا "

-        سجد أمام " أن" و" أنليل "،

-        زيوسودرا

-        الملك الذي حافظ على الزرع والذي صان ذرية البشر ،

-        "وفي أرض العبور" في أرض دلمون الموضع الذي

-        تشرق منه الشمس ، أسكناه هناك.

3- وأشار صمويل نوح كريمر Samuel Noah Kramer   كذلك في  مقالة له :-

The INDUS Civilization and DILMUN, the Sumerian Paradise Land.

Expedition, Spring, 1964, Page 47: -

Kur-bal kur-dilmun-na ki-dutu-e-se-mu-un-ti-es

In the land of crossing, the land Dilmun, the place where the sun rises,

They caused to dwell.

و ترجمتها: "و في أرض العبور، أرض دلمون، المكان  التي تشرق  منه الشمس، أسكناه هناك".

4- في كتاب "البحث عن دلمون" إلى جيوفري بيبي (ترجمة أحمد عبيدلي) /1985م. صفحة 129:-

"...  فإن النسخة السومرية تقول :- إن أنو وإنليل قد منحا زيوسودرا الحياة، مثله مثل الآلهة قد منحاه، يتنفس الخلود مثل إله قد أنزلاه إليه للأسفل، وعندئد فإن زيوسودرو الذي سيحفظ إسم البذرة والنبتة للإنسانية، في أرض العبور، أرض دلمون، حيث تشرق الشمس، التي قررا أن يسكنها" (تعود الترجمة للبرفسور كرايمر من فيلادفيا).

ولكن يجب أن نتمعن في الجملة الأخيرة بعناية ، فتعبير " أرض العبور " لم تفسر حتى الآن. وهذا ليس خطأ المترجم ، فالكلمات السومرية الأصيلة ( كور بلا )    Kurbala  ليست بأوضح .  فــ  كور  Kur  تعني أرض ، أما  بلا Bala  فهي أسم الفعل من كلة الفعل التي تعني " عبر " وتستعمل حين عبور الأنهار وما شابه .

5- LOOKING for DILMUN ,by GEOFFREY BIBBY. 1969. Page 77:-

“…. Anu and Enlil cherished Ziusudra, life like a god they give him, breath eternal like a god they bring down for him …… in the land of crossing , the land of Dilmun , the place where the sun rises, they caused to dwell.”

6- Bahrain through the ages the Archaeology { Edited by Shaikha Haya Ali Al Khalifa and Michael Rice }1986. Page 117:-

“… The epithets employed include ‘ the Land of Crossing,’ the Land where the Sun Rises…”.  

7- أشار طه باقر في كتابه " ملحمة كلكامش ؛ وقصص أخرى عنى كلكامش و الطوفان " { ط. الخامسة/ 2007م الصادرة عن دار المدى للثقافة والنشر } صفحة 219  - 224 . الملحق الرابع قصص وأساطير عن الطوفان :-

".... وحافظ الملك "زيوسودرا " على ذرية البشر من الفناء .

لقد أسكناه في أرض عبر البحار ؛

في المشرق، في أرض " دلمون " .

8- الخليج العربي في عصور ما قبل التاريخ . هيا علي جاسم آل ثاني . الطبعة الأولى 1997م . صفحة :-"

"... فعندما  قام بدراسة أسطورة الطوفان التي تحدثت عن أرض دلمون " أرض العبور "  التي تشرق منها الشمس والتي كوفيء زيوسودرا Ziusudra   الملك التي التقي بالعيش فيها مخلداً بعد نجاته ومن معه في الفلك . ..".

 النتيجة المستخلصة مما سبق:-

يتبين لنا بعد الاطلاع على تلك المصادر المُعتبرة أن موضع أرض مملكة دلمون هو الذي جعلها توصف تاريخيًا بـ "أرض العبور"، وإننا بما ذكرناه نؤكد بإن أسم دلمون من الأسماء الثابتة الأصلية والباقي صفات ومعانٍ مثل : أرض الخلود، أرض الفردوس، جنة عدن السومرية.... إلخ، بينما لم نؤكد  بأن أسم دلمون  الأساسي هو " أرض العبور" أو أسمها كربلاء  بتاتا، وإنما وصفت وصفًا بأرض العبور ولفظت باللغة السومرية " كور بال".

ختاما: -

إن اهتمام كل انسان يعيش على هذه الأرض الطاهرة بحضارة وثقافة دلمون القديمة في شتى مجالاتها الآثارية و الفنية وتراثها المادي وغير المادي ليس حكرًا على أفراد دون آخرين، فلكل انسان حق القراءة والمطالعة والبحث في شؤون تاريخ موطنه الذي يحبه، والتوجه العام يؤيد الاستزادة من تلك المعرفة وإلا ما كان تاريخ حضارة دلمون يُدرس للتلاميذ في مناهجهم على مقاعد المدارس وكجزء من المناهج الأساسية لطلاب الجامعات، والحمد لله أننا نعيش في مملكة يكفل دستورها الحريات الشخصية في التعبير عن الرأي، ويدعم توجهها العام كل أشكال الاستزادة من العلم والمعرفة والثقافة وتبادلها مع الآخرين دون بخل أو احتكار.

مواضيع ذو صلة ...

https://www.delmonpost.com/post/ih013

https://www.delmonpost.com/post/ih016