DELMON POST LOGO

صالحة عبيد في منتدى المنبر الفكر 9 : الأدب طريق المرأة للتعبير

وسائل التواصل الإجتماعي الإماراتية اليوم قد تكون بديلاً مجازياً للحركة النسائية والنسوية على الأرض

أن أول رواية عربية مسجلة تعود للعام 1906 م وليس 1914 بعنوان "بديعة وفؤاد" لصاحبتها "عفيفة كرم"

"على اختلاف وتنوع المجتمعات العربيّة والخليجيّة الراهنة، لا تزال مساحة السؤال المطروح فيما يتناول الحركات النسائيّة في الفضاء العام متقاربة، يأتي ذلك من مساحة الارتباك التي لا تزال قائمة من حضور الجسد النسائي على المستويين، المادي والمعنوي، وهو أمر يمتد يجذوره التاريخية منذ عادت المرأة للخروج من كوخ ما بعد المجتمع الزراعي، لتمارس دورها الحضاري، إنها تحاول العودة بالجذور إلى مساحتها الطبيعيّة لكن الأمر وللمفارقة يتم التعامل معه في كثير من الأحيان وكأنه محاولة صناعة مساحة جديدة لم يسبق للعالم أن عرفها.
وللمرأة من هذا المنطلق أن ترتبك بدورها، في مساحة حركتها التي لا تزال ترزح تحت الثقل بشكل أو بآخر، ثقل الرقيب الذاتي الذي يجب أن يكافح لإعادة البرمجة الذهنية للمجتمعات الجديدة المحافظة أو التقليديّة التي يتفرع منها الرقيب الآخر الخارجي وهو الاجتماعي، ثم ربكة عدم وجود نسق واضح للمجتمع المدني في معظم بلدان الخليج، الأمر الذي تنتج منه ربكة أخرى تمزج بين السياسي والاجتماعي.
لعلّ هذا التداخل سيعطل نسبياً عملية رصد واضحة للحركات النسائيّة اليوم وما ينطوي تحتها من أشكال، لكن على المستوى الإبداعي الذي تناولته في معظم هذا التأمل هنا، والأدبي على الأخص، أظن أننا قد نستطيع أن نتلمس طريقاً أولياً لفهم واقع مساحة المرأة الخليجيّة اليوم، والفضاء الذي قد تتحرك فيه بين الحين والآخر، لكن هذا لا يلغي الحاجة الماسة في يومنا هذا لحراك نسائي قائم وفعال، مستقل ومستدام."  .
بهذه الخلاصة ، انهت الباحثة صالحة عبيد حسن من الامارات العربية المتحدة ورقتها بشأن (الأدب والحركة النسائية في الخليج والإمارات ) والتي بعنوان "الجسد الأنثوي، باعتباره العالم " .
تقول صالحة ، لعلي من خلال التقاط بعض المشاهد التي تنطلق من مجال مطالعتي الأول وهو التناول الثقافي/ السردي للجسد المجازي للأنثى العربية أولا والخليجية الإماراتية لاحقاً، أحاول أن أطرح بعض الأسئلة التي تتناول الأدب النسائي أولاً باعتباره مساحة الحركة الأولى للمرأة العربية للتعبير عن نفسها بشكل موارب أولاً ثم بشكل أشدّ وضوحاً مع ملامسة فكرة الحرية لتشكل الجسد في تعبيراته عن قضاياها، فكيف خرج هذا الجسد التعبيري من الأدب إلى الشارع وماذا عن مصير هذه الرغبة التعبيرية اليوم ومنصاتها بالتعاطي مع قضايا المرأة على المستويات الثقافية والاجتماعية؟.
مفارقات:
لنبدأ ورقتنا بهذه المفارقة، أن أول رواية عربية مسجلة تعود للعام 1906 م وليس 1914 كما ينص التدوين التاريخي السردي وهو يستشهد برواية "زينب" لحسين هيكل في جمهورية مصر العربية، إذ أن الرواية الأولى وفق التقادم التاريخي هي "بديعة وفؤاد" لصاحبتها "عفيفة كرم" والصادرة في الولايات المتحدة الأمريكية  الرواية التي حاولت صاحبتها توظيف السرد لبث شأن نسائي خاص وعام في الوقت ذاته، وحالم في تناوله لعلاقة عاطفية كما يشي عنوان الرواية وما قد يمر من ذلك بين السطور من تناول لوضع العلاقة القائمة بين الرجل والمرأة، العربي والعربية وكلاهما في المهجر.. ومن هنا لطالما شكّل السرد، بمفهومه الواسع وتعددية أشكاله كما أعتقد، أحد المساحات المهمة التي  أرادت المرأة من خلالها أن تعبر عن فكرة هي من جذر ميوامتها، تأتي الفكرة أولاً، يتشكل الهم أو الشأن فكرياً ثم ينحى فيما ينحى ليأخذ طابعه الإبداعي.
لم أقرأ رواية "بديعة وفؤاد" لكنني تتبعت ما قدّمه الباحث "محمد معتصم" في مبحثه "المرأة وتطوير السرد العربي" وهو يتناول في تحليله لهذه الرواية أن همّ "عفيفة كرم" الأول كان تشريح علاقة الرجل بالمرأة في المهجر، وهل تتغير طبيعة العلاقة بينهما بتغيير البيئة الجغرافية، وهل يصبح أمر المرأة هامشاً داخل هامش بعد أن كان شأنها في وقتها ذاك هامشاً في الوطن العربي، فهل ينتقل التهميش ليصبح مضاعفاً داخل تعقيدات المهجر وقضاياه، لكن عفيفة أيضاً، كانت مهادنة في طرحها ذاك، وهي تحاول أن تقولب العمل الأدبي ليشكل مساحة هي على الأغلب مساحة وعظية لمحاولة ترسيخ فكرة ما تكمله المرأة لدور الرجل في المجتمعات العربية أياً كان المكان الجغرافي تجنباً للصدامات وأن هدفهما الأكبر معا هو خدمة الجماعة الكبرى المتمثلة أحياناً في الوطن، القبيلة، الدولة إلخ.
في استكماله لمبحثه في الرصد التاريخي السردي للمرأة، يقول "معتصم" بعد سنوات الثمانينيات من القرن الماضي كانت المرأة – العربية - قد تجاوزت الخطوات الأولى المحتشمة؛ تلوين السيرة الذاتية بروح الوطنية أو بروح القومية والسيرة الفكرية والثقافية، إلى الفضاءات الأكثر سعة، عبر ما يعرف بكتابة الجسد أو بتوظيف الجنس كموضوع أساسي في اختراق التابو ويستكمل "لقد اعتمدت الكتابة النسائية فكرة جديدة تمثلت في الكتابة بالجسد، أي تحويل الجسد من موضوع خارجي إلى وسيلة اكتشاف للعالم والذات والآخر... لم يعد الجسد في الكتابة مادة وأيقونة، بل أصبح حمولة فكرية، ووسيلة للتحليل وكوّة لقياس درجة التحرر في الخارج الاجتماعي والسياسي ومقياساً لاختبار الفكرة والفعل في الكتابة النسائية".
شدني هنا أن حقبة الثمانينيات الميلادية في العالم شكلت ما بعد ارتدادات الموجة النسوية الثانية التي راوحت بين ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، ولعل أبرز ما كانت تلك الموجة النسوية تركز عليه في آنها هو فكرة انعتاق المرأة من الجسد الجمعي الاجتماعي المرسوم لها والمقولبة فيه إلى حرية الجسد الذاتي الخاص، التي يتوجب عليها وحدها أن تعبر عنه كما ترى وتختار مصيرها من خلاله كما ترغب، وهنا قد نلاحظ بذرة التداخل بين الإبداع النسائي بشكل عام والقضايا النسوية بشكل أكثر خصوصية، فالإبداع بالنسبة للمرأة على اختلاف أشكاله من (رسم وتصوير وأدب) شكل شارعاً موازياً تعبر فيه باعتبارها امرأة عن صرختها الخاصة، بجرأة أكبر، ولعل التجارب الخليجية الأولى في مرصد السرد الخليجي - وهو مجال تركيزي في هذه الورقة - عبرت عن ذلك بشكل ما وإن بدأ موارباً في محاولة لتجنب الصدام المجتمعي كما هي في تجارب الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مع تجارب من مثل "سميرة خاشقجي" و "دلال خليفة" و "فاطمة يوسف العلي" اللواتي يتقاطعن مع عفيفة كرم في اختيارهن للقضايا الكبرى كموضوع سردي لتبطين الهم النسوي الخاص، لتأتي الثمانينيات المتفجرة، التي داخلت بين النسائي والنسوي بشكل أكثر تعقيداً، وليصبح الجسد النسوي بكل ما يعتمل فيه من أفكار وتعقيدات، مساحة للتعبير المتفجر عن القضايا النسوية الملحة، تلك التي ظهرت نتاجاتها بشكل واضح في التسعينات وبداية الألفية وأذكر من هنا نموذجين الأول " ليلى العثمان" التي عالجت في "صمت الفراشات" من خلال جسد الفتاة ذات التسعة عشرة عاماً التي يتمّ تزويجها لمن يفوقها أضعافاً في العمر، قضايا القهر الأنثوي والعلاقة الجنسية الناقصة، وما يرتبط بذلك من رصد للحالة الاجتماعية العامة والسياسية بل والاقتصادية أيضاً كل ذلك من خلال "الجسد" باعتباره البوتقة والمنطلق دون خوف أو تحفظ السنوات السابقة، وهو الأمر الذي نلاحظه نسبيا في "البحريات" لأميمة الخميس التي ترصد فيما ترصد ومن خلال تداخل حيوات زوجات لرجل واحد، وما يحدث لكل واحدة منهن خلف الأبواب المغلقة، الأمر الذي يشكل هوياتهن وتعاملهن مع المجتمع المحيط بهن.
إذاً فالمرأة الخليجية بدءاً من الثمانينات وما بعدها تتلمس صوتها الخاص وقضيتها الأولى بقوة الخارج من قوالب القضايا إلى ثورة الجسد والصوت الخاص، غير مبالية بالتصنيفات، نسوي، نسائي، لكن يبقى السؤال المشرع من تلك الفترة حتى يومنا هذا: هل لامس ذلك القالب التعبيري المتمثل في الرواية كصرخة للقضية، المرأة الخليجية في المجتمع اليومي، العام؟ وهل استطاعت من خلال ما تكتب أن تخلق فضاءات لحرية الفكرة والجسد؟
في حقيقة الأمر تبقى الإجابة عن هذا السؤال شائكة لأننا دائما سنلاحظ مقاومة اجتماعية لحضور المرأة الجديد في الفضاء العام.. أليس كذلك؟
لعلّ هذا السؤال يتعزز لديّ وأنا أقرأ جزءاً من خاتمة مبحث جوزف كامبل "المبدأ الأنثوي الأبدي- أسرار الطبيعة المقدسة" إذ يقول في إشارة لتطوّر الوعي الخاص بدور المرأة في المجتمع الغربي التي راحت تتنامى أكثر فأكثر بعد القرن الخامس عشر الميلادي "والآن للنساء أيضا. لأول مرة صارت لكل امرأة فرصة لإيجاد طريقها الخاص، للاضطلاع بدورها الخاص... لم تعد النسوة مضطرات للتعامل مع ذلك.. بتن حرّات للتطور على المستوى الفردي والشخصي، مثلما تحرر الرجال قبل قرون عديدة، وتحرر الشخصية ذلك هو ما وضع الرجال في الأدوار المهيمنة، وليست عضلاتهم أو أي شيء من هذا القبيل بل لأن الرجال لم يعودوا مربوطين بلا رجعة بأدوارهم الطبيعية".
إذ أنني أرى أن الاستقلالية للمرأة العربية الخليجية على وجه الخصوص وحضورها في الفضاء العام  لا زالت غير منفصلة عن أدوارها التاريخية، وكيف أن الحديث عن استقلالية هذه المرأة وحرية تحركها، لا زال يرزح بشكل أو بآخر تحت ثقل الجسد  لا باعتباره مساحة للتعبير عن التحرر بل باعتباره قيد للعودة دائما إلى الدور التاريخي التقليدي للمرأة ما أن بدأت المجتمعات الزراعية.
السؤال الخاص:
في الإمارات شكّلت الثمانينيات الميلادية سنوات الطفرة الاجتماعية الكبرى التي تداخلت مع الطفرة النفطية التي شهدت آثارها كل دول الخليج، لكن في الإمارات جاءت الثمانينيات لترسخ من صوت الإنسان الإماراتي صاحب الهوية الخاصة في هذا الكيان الجديد الناشىء. لقد بدأت قضاياه تتشكل، حيرته الخاصه والمخاوف إلى جانب النهضة الكبرى وتكريس مفهوم المواطنة وما يرتبط بها، ولعل أبرز ما عبر عنه في آن الإماراتي بشكل خاص مرتبط ومتصل بالجانبين، قلقه الإماراتي وقلق تأثير الطفرة النفطية هو المرتبط بالوجوه الغريبة التي راحت تتوافد لتفوقه في العدد، "التركيبة السكانية" التي راحت تكبر فجوتها، وأذكر من الأمثلة على ذلك رواية "سيح المهب" لناصر جبران.
أما بالنسبة للمرأة، فإنها في معضلة مركبة، داخل تلك المعضلة المتنامية، فهي هنا، تتلمس صوتها الخاص وسط زحامين، زحام الوجوه الغريبة وزحام الذكورة الإماراتية، ساندها في بعض الجوانب قوانين تمكين المرأة التي رسختها قوانين دولة الإمارات العربية المتحدة التي وعت مبكراً لأهمية وجود المرأة في الفضاء العام باعتباره ضرورة لا رفاهية نظراً للتعداد السكاني الذي تشكل فيه المرأة الإماراتية نسبة 48%  تقريباً مقارنة بالرجل الإماراتي الذي يشغل المتبقي من النسبة، وهي حالة فريدة مقارنة بمواضع أخرى من الخليج.
قد نتلمس حضور  هذه المعضلة في حكاية "عشبة" لسلمى مطر سيف، التي كثيراً ما يتمّ تناولها كمثال نموذج لحالة المرأة الإماراتية في ثمانينيات القرن المنصرم، فرغم الطفرتين النفطية والسياسية والاجتماعية التي تشهدها الإمارات، يأتي جسد"عشبة" التي تزوج قاصراً لرجل لأجل تحقيق رغبة زوجته الأولى بالإنجاب، ليمثل صرخة الثورة الأنثوية، ففي احتكاك الجسدين صرخة القهر لإمرأة لا تزال تُزوج مجبرة قبل اختبار حقوقها الأولى في الطفولة والتعليم والوظيفة لاحقاً، وفي حمل"عشبة" تمثيل لثقل التناقض بين صورتين، قوانين تدعم المرأة ومجتمع لا يزال يراها تتحرك ضمن نطاق محدود وكآلة للتفريخ في مواضع كثيرة، وفي موت "عشبة" بعد الإنجاب تمثيل للصرخة المكبوتة الضائعة في عالم متسارع في نهضته وتكدّس البشر فيه ومحاولة كل منهم للظفر بأكبر قدر من الماديات.
المفارقة هنا أنه وخلافاً لمناطق أخرى في الخليج، فإن تلك الأصوات القوية لقضايا المرأة التي عبرت عنها أصوات الثمانينيات، راحت تخفت، عقداً بعد آخر، لتصبح أكثر مهادنةً واتساقاً مع الفضاء الاجتماعي العام رغم تنامي حضور المرأة الإماراتية في الفضاء العام ورغم التفوق العددي لأصوات سارداتها على سارديها، مما يعيدنا إلى ذات السؤال هل يتقاطع التعبير السردي لقضايا المرأة الساردة وهمها، مع ما تعيشه المرأة في الفضاء اليومي وهل يرتفع الوعي الاجتماعي كما ينبغي له أن يكون وهل يخلق مساحات أكثر تعقيدا للتفكير مع تنامي تعقيدات المدينة المحيطة وصراعاتها؟ أم أن الأمر يستلزم مساحة أخرى للتعبير وشكلاً آخر؟
الخاص والعام ، الإبداع / الرأي؟
أتابع دائما كما هي عادة من يسعى لتكوين صورة بانورامية عن المجتمع المحيط، بإنصات ودقة تستوجبها الملاحظة الحثيثة، كلما جاء ارتفعت الأصوات التي تناقش الموضوعات النسوية في منطقة الخليج العربي، والتي شابها مؤخراً الكثير من اللغط والخلط المستدام القائم بين ما هو "نسوي" وما هو "نسائي" لعل أبرز منطقة تحصر هذه الصراعات بين مختلف الطبقات المشكلة للرأي العام هي المحيط الافتراضي المتمثل في شبكات التواصل الاجتماعي التي أتفق مع "بيير ليفي" بوصفه الافتراضي بأنه "ليس ضد الواقعي أبداً، إنه على النقيض من ذلك نمط وجود خصب وقوي، يغني عمليات الإبداع ويفتح آفاق المستقبل ويحتفر آباراً من المعاني تحت سطحية الوجود الفيزيائي الآني"(4).
ولعلّ ذلك يمثل اليوم الشكل الموازي حتما لصوت الشارع اليومي، والحاضنة الجديدة للتعبير عن القضايا النسائية والنسوية معاً التي لا زلنا نشهد في الخليج، جدلاً متصاعداً حولها، ولكنه لا زال في نطاقه المتمثل في الجسد وما يحتمله من تأويلات وحمولات على كافة الأصعدة، الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية، وفي الإمارات التي سنتناول مثالنا منها هنا، كان من اللافت تصاعد جدل اجتماعي قوي حول هوية الإنسان الإماراتي اليومي وأبرز قضاياه في فضاء يكاد يذوب فيه حضوره الفيزيائي انطلاقاً من فيديو تم نشره من خلال منصات التواصل الاجتماعي "التويتر والانستاغرام" يستعرض مجموعة من الفتيات في العشرينات من العمر، ويظهرن جميعاً في صورة غير تقليدية عن صورة المرأة الإماراتية التي كرسها الفضاء الاجتماعي العام المتمثل في الحجاب الخليجي والتعبير الوقور عن المظهر، ليتحدثن عن الرغبة في التعبير عن الاختلاف، الذي نرى أنه بدأ مرة أخرى من الجسد.
يظهر للمتابع أن الفتيات لم يوفقن في التعبير عن تلك الفكرة، وساهمت سطحية المفردات والتصوير في جدل عظيم حول الهوية التي نصبت المرأة الإماراتية كحارسة لها بالدرجة الأولى، مما يشعرك نسبياً أن انهيار تلك الصورة / القالب، سيحمل انهياراً كاملاً للمجتمع الإماراتي، مما يجعلنا هنا نلمس ذلك الخلط الكبير بين قضايا المرأة الخاصة وقضايا المجتمع الكبرى وكيف أن صوتها المتفرد عاد لينصهر داخل حمولة القلق المجتمعي / الاقتصادي / السياسي الأكبر، فكل شيء يبدأ من جسد الأنثى وإليها يعود لكن لا بشكل يعبر عنه هنا، بل يخنقه ويمنعه من التعبير الواضح، الأمر الذي جعلني أثناء الرصد لردود الفعل أتساءل حول وضح المرأة الراهن اليوم في الإمارات.. سؤال حملته معي إلى الدكتورة عائشة النعيمي أستاذ مشارك في الإعلام بالإمارات، التي أختم بمقابلتي معها هذه الورقة ومحاولة الرصد من خلالها.
لقاء مع الدكتورة عائشة النعيمي:
بين الخاص والعام دار حديثي مع الدكتورة عائشة، الخاص المرتبط بالوضع الراهن للمرأة الإماراتية والعام الخليجي والعربي الذي تشكل المرأة الإماراتية جزءاً أصيلاً منه بالتأكيد، ففي تعليقها عن حضور المرأة في الفضاء اليوم وتعبيرها عن قضايا المرأة، ترى الدكتورة النعيمي أن غياب الشكل الواضح لفكرة المجتمع المدني بالشكل المتعارف عليه عالمياً والذي تتحرك فيه المرأة تعبيراً عن صوتها ووضعها الاجتماعي، جعل حضور المرأة متشكلا في القالب الرسمي اليوم، المعبر عن المرأة في المناصب الرسمية من وزيرة ورئيسة مجلس وطني وغيرها، إذ أن تركيبة التأثير الاجتماعي والشعبي التي كانت قد بدأت تتشكل نسبيا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ذابت في الرسمي والحكومي بحيث أضحى الاجتماعي الحركي جزءاً منه، ومنها أيضاً ما يتعلق بالحقوق والقوانين التي تتناول الشأن النسائي، إذ أن الأمر وخلافاً للمجتمعات بالحركات المدنية المتنوعة والتي منها الحركات النسائية، التي تعمل لتشكيل جماعات رأي عام وضغط لإستصدار القوانين وإقرارها يأتي التعامل مع الشأن النسائي في المجتمع بقوانين تستصدر وتقرّ من الأعلى وتسقط على المجتمع.
ومن هنا قد نتشارك السؤال معاً حول ماهية الشكل الذي ستكون عليه المرأة الإماراتية بعد 100 عام ربما، فهذا نظام فريد من نوعه نسبياً والذي قد نتلمس شكلاً من آثاره اليوم في تراجع نسبي لأصوات الأدب التي كانت تتناول مواضيع الشأن النسائي / النسوي في شيء من الجرأة بين الجسدين المادي والمعنوي للمرأة الإماراتيّة والعربيّة، لأن دوائر الضغط المدني التي يشكل الأدب جزءاً منها ليست ركيزة أساسية للتغيير.
ومن هنا كان أن ذهبت مع الدكتورة النعيمي لمناقشة عما إذا كانت وسائل التواصل الإجتماعي الإماراتية اليوم قد تكون بديلاً مجازياً للحركة النسائية والنسوية على الأرض، ليأتي تعقيبها شاملاً كافة أركان المجتمع الإماراتي والذي ليس مقتصراً فقط على المرأة في إجابة مفادها أن فضاء التواصل قد يكون أكثر فوضوية، من فكرة الحركات المنظمة بالاتجهات الفكرية المختلفة،  لكن هذا لا ينفي أن مساحة النقاشات والأفكار فيه تخرج بين فترة وأخرى بجدل خلاق، لكنه أيضاً يبقى محدوداً في عمقه، وبدون استمرارية زمنيّة تكفل له إحداث التغيير المطلوب، انطلاقاً من قصر عمر الأحداث وتأثيرها وكثرة المشتتات في الفضاء الافتراضي.
ومن هنا يبقى ذلك السؤال مطروحاً وقائماً عن شكل المرأة الإماراتيّة اليوم والمعبر عن صوتها؟ والذي وللمفارقة لا تزال الدكتورة النعيمي ترى بأن التجارب الكتابية الجادة، أدباً وبحثاً وتحليلاً، هي التي ستبقى بديلاً أولياً أصيلاً لغياب المجتمعات المدنيّة بتمثيلها العالمي المتعارف عليه لتعبر عن صوت المرأة الإماراتيّة والمجتمع الإماراتي.. تلك التجارب التي قد تأتي أيضاً لتسدّ الثغرة بين الإنسان الإماراتي بكافة فصائله وبين عالمه المحيط الحداثي المتسارع والذي تكاد تذوب هويته الخاصة فيه اليوم.