كتب – محمد الغسرة
معركة كربلاء، ومقتل الامام الحسين، كان نتيجة رفض الاخير مبايعة يزيد بن معاوية اميرا للمسلمين خلفا لوالده معاوية بن ابي سفيان كخليفة على المسلمين، ومطالبة الامام الحسين بمعية عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير واخرين من الصحابة والتابعين بالمدينة اتباع ما اعتاد المسلمين عليه في اختيار خليفة لهم، بحيث يكون قرشيا تختاره علية القوم بالمدينة، لا ان يحدده الحاكم منفردا.
وتطور الوضع بعد وفاة معاوية بن ابي سفيان في عام 60 هجرية، وحتى معركة كربلاء عام 61 هجرية التي رفض الامام الحسين المبايعة وتعرضه للقتل ونساءه للسبي بشكل مهين خالف شريعة الإسلام خصوصاً أنه حفيد الرسول والمسبيات حفيداته.
ان جوهر المشكلة ( في قضية الامام الحسين ) اذن هو رأيان الاول يرى استمرار الخلافة الاسلامية عبر اختيار الخليفة من اهل المدينة من قبل خيرة القوم من الأنصار والمهاجرين والتابعين، وراي اخر، توريث الحكم وتحوله الى ملك (يورث) بدل الخلافة الاسلامية. فما الفرق بين الاثنين؟
الخلافة، تخضع للشريعة الالهية التي يخضع لها الحاكم ذاته، بحيث انها تجعل رغباته الذاتية لا شرعية، وفي ذلك تكمن عظمة الاسلام كنموذج سياسي حسب ابن خلدون.
فالخليفة مقيد وكذلك رغباته وشهواته، في حين الملك لا يعترف باي قانون اعلى، ويترتب على ذلك ان الخلافة تمتاز عن الملك بشئ اخر، فالملك يسهر على مصالح المحكومين الدنيوي فحسب، في حين ان الخلافة تسهر ايضا على اخرتهم نظرا لطبيعتها الروحية، واحكام السياسة انما تطلع على مصالح الدنيا فقط.
ومقصود الشارع بالناس صلاح اخرتهم، فوجب بمقتضى الشرائع حمل الكافة على الاحكام الشرعية في احوال ديناهم واخرتهم. وكان هذا الحكم لاهل الشريعة وهم الانبياء، ومن قام فيه مقامهم وهم الخلفاء.
وبالتالي الخليفة الذي يخلف رسول الله (ص) قد فقد حرية التصرف التي يتمتع بها المستبد، اي الملك، انه مقيد بالشريعة التي تنطبق على محكوميه بطبيعة الحال، ولكنها في نفس الوقت تتحكم فيه، وهنا تكمن في نظرية ابن خلدون جدة الاسلام وخصوصيته كنموذج سياسي.
وليس الخليفة مقيد بالشريعة الالهية فحسب، ولكنه لا يملك لها تغييرا لانه لا يملك سلطة التشريع، ان المشرع هو الله سبحانه وتعالي، وايا كانت قوة الخليفة فانه لا يملك حق التشريع فالمشرع هو الله، ومهمة الخليفة هي تطبيق الشرع " حسب مقدمة ابن خلدون.
بالمقابل، الملك بصفته قدرة يملكها الحاكم على ارغام الناس بواسطة العنف القائم ، ولكن الاسلام كنموذج سياسي يحمي نفسه منه بإخضاعه للشريعة الالهية ، ولن يحمي المسلمون من الملك الاستبدادي بطبيعته الا اذا طبقت الشريعة من طرف الزعيم الروحي اي الخليفة .
يقول بن خلون " ان الخلافة الاسلامية تحولت الى ملك، اي استبداد بدائي لا يعرف لنفسه حدا، ولا يخضع لقانون ما عدا اهواء الامير ". والبداية هي بتولي يزيد ابن معاوية مقاليد الحكم وريثا عن ابيه معاوية بن ابي سفيان بخلاف طريقة المسلمين بتولي الحكم والخلافة، وهو ما اعترض عليه الامام الحسين وعبد الله بن الزبير، استشهد الأول في عام 61 هـ وابن الزبير بعده عام 73 هـ على يد الحجاج في عهد عبد الملك بن مروان وقد ضربت الكعبة بالمنجنيق للمرة الثانية.
لذا فالخلافة مؤسسة نوعية في الاسلام، لانها تقيد ارادة الحاكم الشريعة الالهية، في حين ان الملك يوجد لدى امم اخرى، وفي كل مكان اجتمع فيه الناس وقرروا العيش معا.
وبالتالي فان الخليفة هو الذي يخلف انسان اخر (الرسول الاعظم " ص") في مهمته، وتمكين مجموعة من الناس من ان يعيشوا في ظل قوانين دينية، تضمن لهم حياة يسودها الانسجام في الدنيا والسعادة في الاخرة.
وليس بامكان اي كان ان يطمع الى الخلافة، ذلك التمتع بهذا الامتياز لبعض لمقاييس دقيقيه، في حين الالقاب الاخرى في متناول اي كان ومنها لقب الملك او السلطان، والتي يعود بالدلالة على السلطة الخام التي لا يعدل منها الدين مقابل الخليفة، وهو نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا.
بالنهاية، لابد من احد من المسملين بينهم الامام الحسين ان يقول لا للتوريث، لا للملكية بدل الخلافة الاسلامية، لا لطريقة معاوية في اختيار من يخلفه ... وتصدى الامام الحسين لهذه المهمة، ورغم عدم استطاعته في ايقافها واستشهد دون ذلك، لكن احد ما من العرب قال لا،
أثار التوريث بزوغ الدولة الاموية ومن ثم العباسية ومن ثم الدولة الاسلامية في تركيا من خلال سلاطين ال عثمان (الدولة العثمانية) ،،، بها يتحكم صاحب الامر بالرعية كيفما شاء ،،، واكثر ما فعله المسملين منذ حينها اطلقوا على الخلافاء الاربعة ( ابوبكر وعمر وعثمان وعلي ) ، خلفاء الرسول بالخلفاء الراشدين ( مع استبعاد مقصود لحكم معاوية ) ، وعندما حاول عمر بن عبد العزيز اصلاح الامر ، مات مسموما .
وقوة الامام الحسين وخلوده رفضه المبايعة تحت اسنة الرماح واختار الحرب والشهادة.. ولقى التابعي عبد الله بن الزبير نفس المصير وفي اطهر البلدان مقاما بعده بعدة سنوات لنفس السبب.. وأحياء ذكرى الامام الحسين سنويا يعتبر من الطقوس المهمة للمذهب الشيعي، يختلف من بلد الى اخر بهذه المعمورة تبعا للثقافة والعادات والتقليد. ورفض الامام الحسين للبيعة واستشهاده جعلته مخلدا، واصبحت مقولته الخالدة " إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم هذه".
ملاحظة : الصورة هي لوحة الفنان عباس الموسوي .