DELMON POST LOGO

الجمعيات السياسية البحرينية بين الصدام والانسجام ..

بقلم محمد حسن العرادي - البحرين
في البحرين كما في أي مكان من العالم انقسمت التيارات السياسية بين جمعيات معارضة وجمعيات موالاة، وعلى الجانبين شهد العمل السياسي حماساً قاد بصورة أو بأخرى إلى شيء من التطرف الذي ساهم في فشل التجربة الخاصة بهذا الفريق أو ذاك، ومن المؤسف له ان التفريط في طريقة التعاطي السياسي لأغلب احزاب وتيارات المعارضة وأهم أحزاب وتيارات الموالاة قد أدى إلى تعثر التجربة التنظيمية وانكماشها، الأمر الذي حرم البحرين من فرصة نادرة لتطوير الحياة السياسية بشكل يعزز من التجربة ويراكم في خبراتها.
لقد اصطدمت أغلب الجمعيات السياسية المعارضة سريعاً مع السلطة لأنها رفعت سقف مطالبها بشكل
مبالغ فيه، معتمدة في ذلك على الوعود التي اطلقتها الحكومة بالسير  على نهج الديمقراطيات العريقة، لكنها أغفلت أهمية ترابط المسارين معا، فكما تريد من الحكومة أن تحسن ادائها مقارنة مع الحكومات الديمقراطية، على الاحزاب والجمعيات السياسية أن تحذوا حذو الأحزاب السياسية العريقة أيضا وتعمل وفق أهم الشروط وهو تثقيف المجتمع والنهوض بالتجربة السياسية تدريجياً.
لقد كان أكبر أخطاء المعارضة القيام بحرق المراحل نحو التحول الديمقراطي الكامل، والمطالبة بالوصول إلى صيغة متطورة على تحاكي الديمقراطيات العريقة في الدول المتقدمة وسط محيط محلي وإقليمي متخلف سياسياً وليس مهيئاً لهذا التغيير، وكان نتاج ذلك أن الدولة ضاقت ذرعاً بهذه المطالب، فمارست التضييق على المعارضة من خلال الأدوات القانونية التي تملكها، ما أدى إلى تراجع التجربة بعد أقل من عشر سنوات على انطلاقتها إبان أزمة فبراير 2011.
على الضفة الأخرى بالغت الجمعيات الموالية لبيت الحكم في التماهي مع النظام والدفاع عن كافة  أطروحاته ومشاريعه وتبني وجهات نظره في أغلب إن لم يكن جميع الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حتى قيل بأن هذه الجمعيات والتيارات أصبحت جزءاً من المنظومة الحاكمة، ولا تتمتع بأي عمق سياسي أو برنامج مستقل تستطيع من خلاله خدمة الناس والتعاطي مع قضاياهم المعيشية بإيجابية.
وقد أدى ذلك إلى اعتبار أغلب الجمعيات الموالية مصفق ومطبل دائم للنظام واحتياطاً يلجأ إليه لتعطيل أي إقتراح أو خطوة اصلاحية جدية تطالب بها المعارضة، وهكذا تم النظر إليها باعتبارها الفريق الذي لايعير مطالب المواطنين أي اهتمام أو تأييد إذا ما تعارضت مطالبها مع توجهات الحكومة، وقد أدى ذلك إلى تراجع رصيدها الشعبي وعزوف الجماهير عن تأييدها، الأمر الذي نتج عنه فشل وتراجع هذه الجمعيات وانحسار الأعضاء عنها .  
وكما قيل في الأمثال .. لا تكن ليناً فتعصر، ولا يابساً فتكسر، فقد تراخت الجمعيات والتيارات السياسية الموالية إلى درجة انتفاء الحاجة إليها وانتهى بها المطاف أن أصبحت على هامش العملية السياسية بدون أي قدرة على التأثير والاستمرار، وفشلت في المساهمة بتطوير التجربة السياسية والعملية الديمقراطية في البحرين.
وفي المقابل تشددت الجمعيات والتيارات السياسية المعارضة حتى اصطدمت بالجدار وتم حل أغلبها وتعليق عملها ومعاقبة قياداتها، وقاد ذلك بعض هذه القيادات إلى دخول السجن والاعتقال أو الهروب خارج البلاد في المنافي القسرية والطوعية، الأمر الذي أدى إلى خسارة الزخم التنظيمي الكبير الذي كان يمكنه دعم العملية السياسية والديمقراطية ويساندها ويطور من ادائها لو تمكنت هذه التيارات من صعود السلم درجة درجة.
إن نتائج عشرين سنة مضت من عمر التجربة يدلل على أننا لم نضع أرجلنا على الطريق الصحيح بعد، وربما كان ذلك بسبب أن التيارات السياسية بشقيها المعارض والموالي لم تنجح في التوصل إلى التفاهم اللازم للتناغم مع نظرة الحكم للعملية الديمقراطية، وعليه فإننا بحاجة ماسة وضرورية لتدارك السلبيات التي وقعت فيها كافة الاطراف السياسية، وأن يتم تقييم تجارب الحكومة والمعارضة والموالاة على حد سواء من أجل سعة صدر الحكومة،   تخفيف مغالاة المعارضة، تصليب أداء ومواقف الموالاة، حتى تتمكن كافة الأطراف من تقديم أداء أفضل يخدم المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم، ويسمح بتطوير التجربة الديمقراطية بهدوء.
وقد يكون من المهم التفكير في تعزيز الأداء "الوسطي المعتدل" الذي كان غائباً وسط التجاذبات الحادة التي لم تتح لفئة واسعة من المواطنين بأن تلعب دوراً مؤثراً في ترشيد الشطط السياسي الذي قاد الى تعميق الأزمة، ولاشك بأننا اليوم بحاجة ماسة لهذا الخط الوسطي المعتدل الذي يمكنه أن يتعامل مع الشأن السياسي بواقعية أكبر ويراعي الظروف الإقليمية والدولية التي تعيشها المنطقة وطبيعة تركيبة أنظمتها السياسية والديموغرافية.
وحتى تستعيد التيارات السياسية المختلفة فاعليتها وقدرتها على التناغم مع خطط النظام وفهمه لتطوير العملية الديموقراطية بشكل تدريجي ، فان عليها أن لا تشطح يميناً ولا تنجرف يساراً، بل اختيار الأساليب المعتدلة التي تساهم في تعزيز التحول الديمقراطي الهادئ، الذي يجمع عليه الجميع من رأس السلطة وحتى عموم الناس.
وحتى تعود عجلة الديمقراطية الى مساراتها الصحيحة يجب على الجميع استيعاب نهج الخطوات الهادئة والنفس الطويل والمرونة في التعاطي مع معطيات الواقع السريعة التغير، بعيداً عن الإنفلات والانفعالات وتصعيد المواقف وتحويلها إلى أزمات، حتى لا تكون حياتنا وشئون معيشتنا مرهونة بين الصدام والانسجام مع السلطة، والله من وراء القصد.