DELMON POST LOGO

ها قد وضعت الانتخابات أوزارها ..

بقلم محمد حسن العرادي
رغم أننا كنا ننظر إلى الانتخابات النيابية التي جرت في البحرين على جولتين انتخابيتين، الأولى بتاريخ 12 نوفمبر والثانية 19 نوفمبر كاستحقاق وطني، إلا أن البعض أراد أن تكون هذه الانتخابات بمثابة معركة كسر عظم بين الحكومة من جهة والمعارضة من جهة اخرى، وهكذا كان وقد استُخدمت في المعركة الانتخابية كافة أنواع الأسلحة المشروعة وغير المشروعه بين الطرفين.
الحكومة وظفت جميع إمكاناتها لضمان نسبة عالية من المشاركة، بما في ذلك إزاحة أسماء جميع الذين لم يشاركون في الانتخابات النيابية السابقة بإعتبار أنهم غير راغبين في المشاركة وبالتالي فقدوا حقهم في ممارسة حقهم الإنتخابي، وهو تفسير قهري تم تنفيذه من بمنطق القوة وليس بقوة المنطق، كما أن الحكومة حرمت وفق قوانين العزل السياسي التي أقرتها خلال الفصلين التشريعيين الماضيين كافة الأعضاء المنتمين للجمعيات السياسيةمن حق الترشح، وبذلك ضمنت نسبة عالية من المرشحين والناخبين لهذه الإنتخابات.
كان هناك شعوراً قوياً بأن الاستهداف ليس موجهاً ضد المعارضة فقط، فقد شهدنا ضغطاً قوياً ومؤثراً حتى على الجمعيات الموالية لضمان إقصاء وإبعاد أسماء معينة من الترشح، وتحشيد أوسع مشاركة في العملية الانتخابية وبهذا تحققت نسبة مشاركة تجاوزت 73% من الكتلة الانتخابية المسجلة، وهي نسبة غير مسبوقة من قبل.  
أما المعارضة الإسلامية (تيار الوفاق) فقد استنفرت ماكنتها الإعلامية والتحريضية وزجت بكافة كوادرها في التحشيد لمقاطعة الانتخابات النيابية، بل إن هذا التيار ، أطلق حملة دعائية تحريضية من النوع الخشن تحت هاشتاغ بصوتك_تطبع، في ربط قسري وغير موفق بين الانتخابات الوطنية وعملية التطبيع مع دولة الاحتلال الصهيوني المرفوضة من جميع المكونات في البحرين.
وبلغت الحملة ذروتها حين إستدعت نزول سماحة الشيخ عيسى قاسم للساحة مُحرضاً ضد الانتخابات، واصفاً المشاركين فيها بالعملاء والخونة والمطبعين في أكثر من خطاب جماهيري مباشر أو عبر تغريدات رسمية، وهي بذلك لم تترك أي فرصة لحسن التفسير أو البحث عن الأعذار لأي مواطن يرغب أو ينوي المشاركة في التصويت، وبلغت قمة التحدي والتحريض في خطابات الشيخ ليلة الانتخابات النيابية في جولتها الأولى بتاريخ 11 نوفمبر 2022.
لقد كان من الملاحظ إرتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات في كافة الدوائر الإنتخابية وتحديداً الدوائر المحسوبة على بيئة المعارضة، وكان لافتاً إرتفاع عدد المرشحين في هذه الدوائر، بل وارتفاع أعداد الناخبين بصورة كبيرة جداً عن الدورات السابقة، حتى بدى وكأن المعارضة قد أخفقت بصورة فاقعة في حملتها التحريضية.
ورغم ذلك أصدرت مواقع إعلامية وشخصيات سياسية معارضة بيانات من طرف واحد لا تعتمد على أية معلومات موثقة أو إحصاءات معتبره، تقول بأن نسبة المشاركة في الانتخابات البحرينية لم تتجاوز 35%، وهي إدعاءات تفتقر إلى دليل واقعي، وربما كان ذلك من باب حفظ ماء الوجه واقناع النفس بنجاح دعوات المقاطعة.
ويُمكن القول بكثير من الثقة ومن خلال المتابعة الميدانية لعدد من الدوائر الانتخابية في مختلف المحافظات، بأن النسب التي أعلنتها الهيئة العليا للانتخابات قريبة من الواقع بدرجة كبيرة، وان أغلب  المواطنين الذين لم يشاركوا في الانتخابات كانت أسمائهم محذوفة من قوائم الانتخابات أو شملتهم قوائم العزل السياسي.  
ونُضيف بأن الحكومة كان بإمكانها رفع نسبة المشاركة بصورة أكبر لو أنها جمدت قرارات العزل السياسي والغت حذف الأسماء من جداول الانتخابات، لكنها التزمت بخططها المرسومة لتوصل رسالة واضحة للمعارضة مفادها، نستطيع أن نستغني عنكم، ونحن من يقرر وينفذ شروط وضوابط العمل السياسي في البلاد بعيداً عن الضغوط.
أما وقد انتهت هذه المعركة الانتخابية التي شبهها البعض بالحرب الضروس، فقد آن الوقت للمراجعة وإعادة التقييم من قبل الجميع للتوصل إلى حلول تنهي حالة الاحتقان السياسي، وتفتح الباب لحوارات وطنية مسئولة تشارك فيها كافة الأطراف للخروج من هذه الجمود السياسي الخانق الذي تعيشه البحرين منذ أزمة فبراير 2011.
إننا ندعو الجميع إلى العودة لطاولة الحوار الهادئ بعيداً عن التشنجات والتهديدات المتبادلة وعمليات الضرب تحت الحزام، فقد وضعت الانتخابات أوزارها، وحان الوقت لتفقد الأضرار التي لحقت بالوطن والمواطنين والأثمان الكبيرة التي دفعتها وستدفعها الأجيال الجديدة من جراء هذا الكباش السياسي الذي آن له أن ينتهي مراعاة لمصلحة الاستقرار والتنمية ورفعة الوطن،
والله من وراء القصد.