DELMON POST LOGO

أنا في صف الصائغ ما دامت مطالبها مشروعة

بقلم محمد حسن العرادي - البحرين
لم يسبق لي ان التقيت بالأخت النائبة مريم الصائغ عضو مجلس النواب البحريني ولا يجمع بيني وبينها أي نوع من التواصل الإنساني أو السياسي حتى هذه اللحظة، لكنني شعرت بأن من واجبي التعاطف مع ما طرحته في المجلس بشأن البحرنة، والإقرار بأن ما عبرت عنه يمثلني ويمثل كثير من الأباء والأمهات البحرينيين الذين تعبوا على أبناءهم وصرفوا عليهم دم قلبهم كما يقال، لكنهم صُدموا حين تُركوا  قابعين في البيوت على قارعة الانتظار إلى أجل غير مسمى بدون وظائف تضمن مستقبلهم.  
لقد أجادت النائبة الشابة الوصف وصياغة الجمل والأسئلة بشأن البحرنة التي يصورها البعض بالأزمة الوطنية الكبرى، بينما هي أزمة مفتعلة يتم تمطيطها وتدويرها وتوظيفها بشكل سيء منذ فترة طويلة، وفي أقل الأحوال هي مشكلة مزمنة ناتجة عن سوء تدبير وسوء تخطيط من قبل الجهات المعنية بهذا الملف، فلا يعقل أن يصبح أبناء أي دولة في العالم عاطلين عن العمل في حين تخلق وتُوفر بلادهم عشرات الآلاف من الوظائف الجيدة ذات المركز المرموق والمردود المالي الممتاز للعمالة الأجنبية المهاجرة أو الوافدة.
لقد مضى على قيام دولتنا الحديثة أكثر من خمسين عاماً من العمل المضني والصبر والمعاناة، كما ان التجربة البرلمانية تجاوزت فصلها التشريعي الخامس مُكملةً عشرون عاماً بالوفاء والتمام، ويُفترض بأننا قد أنجزنا برامج التخطيط والتدريب والإعداد والبحرنة والاحلال وتوطين الوظائف ووضعنا لها القوانين والأنظمة والتشريعات التي  تضمن الحق الدستوري لجميع المواطنين (حق العمل) والعيش الكريم، ولن يقبل أي عاقل بالأعذار التي تساق لتبرير عدم وجود وظائف مناسبة لأبناء البحرين بعد كل هذه السنوات وبوجود كل هذه الشركات والمصانع والمؤسسات، خاصة وأن أنظمة التعليم والصحة والبلدية جميعها قد تجاوزت مائة عام من العمر على أقل تقدير، لذلك فإننا لا نستطيع قبول الفشل في التخطيط لاستيعاب أبناء البلاد في مواقع عمل ملائمة ومجزية ومحترمة أيضا.
النائب مريم الصائغ التقطت طرف خيط الأزمة وهزته بعنف وقوة وبطريقة عفوية فثارت على إثر ذلك عاصفة من الجدل والانغعال الذي وضع البحرنة على بساط البحث والتمحيص، ولا يزال يثير الكثير من الأسئلة الكبرى الحائرة والغاضبة حول من يقف وراء هذا الفشل الذريع في معالجة ملف البحرنة خاصة وأن دول الخليج العربية الأخرى سارعت إلى حل ملف العمالة الوطنية العاطلة لديها بطرق مباشرة وفاعلة عبر قرارات تنفيذية لا تحتمل التأخير لأن استفحالها يهدد أمن الوطن واستقراره، ولنا أن نتساءل من يعارض توطين وبحرنة قطاعات محددة من المهن والوظائف في بلادنا، من هو المستفيد من وجود هذا العدد الهائل من الأجانب الذين يشغلون ويحتلون وظائف أبناءنا.
من هو المتسبب في إذلال المواطنين بمرتبات وأجور متدنية جداً في حين أن الكثير  من أبنائنا العاطلين متخرجين من أفضل وأعرق الجامعات بمؤهلات عالية لكن اغلبهم لا يحصلون على وظائف تلائم شهاداتهم،  " وإذا حصلوا " على وظائف ففي أعمال لا تسمن ولا تغني من جوع، لا توفر لهم ابسط مطالب الحياة فضلاً عن تأهيلهم للزواج وبناء اسر وفتح بيوت آمنة، من الذي حول أبناء البحرين إلى متسولين للوظائف لدى الشركات الأجنبية أو التي يديرها الأجانب أو يمسك بإدارات الموارد البشرية والتوظيف والترقيات فيها الأجانب الذين يحرصون على جلب أبناءً جلدتهم وتثبيتهم لضمان بقاءهم في مناصبهم.
ولنا أن نتساءل أيضاً من الذي يحرم أبناءنا من العمل في بلادهم التي تعج بالأجانب، من الذي يمنع البحرينيين من الترقيات واستلام مواقع المسؤولية وهم مؤهلون لها وجديرون بها، من الذي يحرمهم من البحث عن وظائف أكثر دخلاً وتقديراً في الدول الخليجية الغنية المجاورة، من الذي يجبرهم على اختيار مسارات معينة من التعليم الجامعي ثم يحاربهم ويمنعهم من  الحصول على الوظائف المناسبة، ويجعلهم يلجأون للعمل في بلاد بعيدة يعانون فيها من الاغتراب حتى مع نجاحهم وتبوئهم مناصب كبيرة، اليست بلادهم أولى بخبراتهم وكفاءتهم ونجاحاتهم.
مريم لم تخطئ ابداً، بل إنها إختارت التعبير الأصح عن الأزمة المفتعلة بأسلوب شعبي بسيط بعيداً عن المراوغة والتدليس أسلوب يفهمه الجميع، لكن البعض أراد أن يحول الأمر إلى سخرية ليغطي على فشله وإخفاقاته المستمرة في حل هذا الملف الذي يمثل اخفاقاً لا يستطيع احد تبريره، ونتساءل من الذي أعاق إصدار تشريعات ملزمة بوضع حلول فعالة لمعاناة وبطالة أبنائنا.
لذلك فإننا نطالب النائبة الفاضلة مريم الصائغ ومن يتضامن معها من النواب بالتركيز على تبني هذا الملف الخطير، ومحاسبة كل من يعترض طريق المنادين بوضع الحلول العملية الجادة له، والإصرار على معالجته عبر إصدار القوانين والتشريعات اللازمة، ونقول بأن الوقت قد حان لنشكر مريم وكل من يدعم هذا الملف وندعوهم للاستمرار في طرح المسكوت عنه.
نريد خطة واضحة تضع على جدول اعمال الحكومة برنامجا واضحاً يبين عدد الخريجين البحرينيين في كل عام، وعدد المؤهلين لدخول سوق العمل، وكيف سيتم توظيفهم وما هي القطاعات التي ستحتويهم والمرتبات التي سبحصلون عليها وجدول التدريب الذي سيضمنون من خلاله الترقي والتثبيت في وظائفهم، كما نريد خططاً واضحة لعمليات الاحلال والاستبدال السنوية بدل الاجانب على ارفع المستويات،  التي تعتزم الحكومة تنفيذها في القطاع العام والقطاع الخاص، ونريد ان يضمن لنا مجلس النواب تقريراً حقيقياً يبين عدد البحرينيين الذين تم توظيفهم سنوياً في مختلف القطاعات الصناعية والانتاجية.
نريد من مجلس النواب تمكين النائب مريم الصائغ وزملائها من الدخول إلى المصانع والشركات الكبرى ليتعرفوا على واقع وحقيقة نسب البحرنة التي تلفقها وتلتف عليها هذه الشركات والمصانع الكبرى من خلال التوظيف عبر شركات التشغيل المملوكة لها ولغيرها، ونريد أن تحاسب الشركات التي تمارس هذا النوع من التدليس والفبركات، بحيث يحاكم الفاسدون والمرتشون وأصحاب التقارير المزورة  التي تدعي بأن الأمور تمام التمام.
كما نريد من السادة الوزراء أن يترفعوا عن الأعمال الانفعالية والاستفزازية ويركزوا على أعمالهم المهنية ولا يتدخلوا في أعمال السلطة التشريعية، وبدل أن يستهزءوا بما يطرحه السادة النواب، نريد منهم أن يجيبوا على الأسئلة النيابية التي توجه لهم بشأن البحرنة، نريد منهم أن يمتلكوا شجاعة الاعتراف بالخطأ والخلل في هياكل وزاراتهم إن وجد، وأن يضعوا الخطط المدروسة لبحرنة الوظائف التي يحتلها ويسيطر عليها الأجانب في وزاراتهم، وأن يعلنوا المدة الزمنية التي سيتمكنون فيها من تحقيق البحرنة الكاملة في هذه الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية التي يديرونها .
نريد من السادة الوزراء أن يصدروا تقارير دقيقة حول إنجازاتهم الوزارية وخاصة في مجال البحرنة، كما نقترح إطلاق مسابقة رسمية بين الوزارات والجهات الرسمية الحكومية حول من يحقق أعلى نسب البحرنة سنوياً، وكذلك الأمر في القطاع الخاص من أجل جعل البحرنة هو المعيار الأول للنجاح الوطني وهو بلا شك كذلك، وأخيراً شكراً للنائب مريم الصائغ ولكل من يعتبر البحرنة أولوية وطنية قصوى وينفذ سياسة حقيقية تؤمن بأن البحريني أولاً في كل القطاعات والمهن والخدمات والأولويات. والله من وراء القصد.