DELMON POST LOGO

نحن وفلسطين.. شعبٌ واحد لا شعبين

بقلم : محمد حسن العرادي – البحرين
مضت فترة طويلة وأنا أعقد نوعاً من المقارنات الافتراضية التي بدت غير متوازنة وربما غير منطقية أبداً وغريبة جداً، فبينما يتم فتح أجوائنا ومطاراتنا وموانينا وحدودنا أمام الصهاينة دون حياء أو خجل وتُنظم رحلات الطيران الجوية المباشرة مع مطاراتهم، تُوصد جميع الأبواب في وجه أشقائنا الفلسطينيين دون احم ولا دستور.
الصهاينة يمرحون ويسرحون في بلداننا، يتملكون ويفتتحون شركات ومؤسسات تجارية وبنوكا وشركات سياحية بمنتهى الحرية والترحيب، حتى أنهم يدخلون إلى بعض عواصمنا دون تأشيرة مسبقة، رغم أنهم كانوا يدخلون إلى بلداننا العربية سابقاً بجوازات أمريكية وأوربية، ويمارسون فيها أبشع الجرائم وينفذون عمليات النصب والاحتيال ويساهمون في تفشي الرذائل وقضايا الشذوذ الجنسي ويرتكبون الاغتيالات وكافة أعمال التجسس والمخابرات التي تزعزع الأمن والاستقرار وتزرع الفتنة، بينما أحبتنا وإخواننا الفلسطينيين بصورة خاصة والعرب بشكل عام، الذين يشتركون معنا في كل شيء ممنوعين من العبور إلى بلداننا لأسباب غير منطقية.
أعرف أن كثيرا منكم سيقولون ما هو المبرر والداعي لعقد هذا النوع من المقارنة، والجواب في غاية البساطة، أليس الطبيعي هو أن تكون حدودنا وأبوابنا مفتوحة أمام الأشقاء ومقفلة أمام الأعداء الذين يتربصون بنا وببلادنا شرا وسوءا، إذا لماذا نرى العكس على أرض الواقع، لذلك فإن الوقت قد حان لإعادة تشديد إجراءات الدخول والتملك والعمل أمام الصهاينة بل ومنعها نهائياً، وتيسيرها أمام الفلسطينيين والأردنيين واللبنانيين والسوريين والعراقيين والمصريين والمغاربة والجزائريين وغيرهم من أبناء الدول العربية، فهم منا ونحن منهم، دمنا من دمهم، لحمنا من لحمهم ولغتنا واحدة وديننا واحد ومستقبلنا واحد.
إننا هنا نُطالب كافة الدول العربية بفتح أجوائها وحدودها أمام الفلسطينيين تحديداً، والسماح لهم بممارسة كافة أنواع الأنشطة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بل وتكريس معاملتهم معاملة المواطن في جميع الدول العربية، وخاصة في مجالات التعليم والصحة والعمل والتجارة، فهم الأكثر جدارة والأحق ولهم كل الاستحقاق وليس أبناء الصهاينة.
نُريد أن نرى المؤتمرات والمنتديات والمعارض وَالْمِهْرَجَانَات والفعاليات الفلسطينية تنعقد في بُلداننا العربية بكل حُرية وتشجيع، تحتضنها دولنا وتدعمها لوجستياً ومالياً رسمياً وشعبياً، كما نُريد أن تنتظم الزيارات والفعاليات الفلسلطينية في بلادنا من خلال دعم جمعيات المجتمع المدني المناصِرة والمؤيدة للشعب الفلسطيني، وخاصة جمعيات مقاطعة ومناهضة التطبيع مع الدولة اليهودية، والسماح بدعم وتبني أنشطة بي دي إس BDS التي ترصد وتفضح الشركات والمؤسسات والبنوك الداعمة لدولة الكيان العنصري ونظام الأبرتهايد.
في بعض البلدان العربية يتم استقبال المسؤولين الصهاينة رؤساء ورؤساء حكومات ورؤساء مخابرات وأجهزة تجسس ووزراء عنصريين سفاحين وقتلة، وتُرتب لهم الاجتماعات مع الشباب والنساء والتجار والأكاديميين دون مراعاة لشعور المواطنين وكراماتهم، ويتم الترويج للأفكار التطبيعية والترويجية وبث ونشر أكاذيب ونظريات هذا العدو المتغطرس الذي يمثل آخر وأخطر أنظمة الأبرتهايد في العالم، بينما يتم تعقيد دخول الفلسطينيين واعتراض مختلف الأنشطة الفلسطينية والفعاليات الداعمة لها لدواع أمنية غير مقنعة.
في بعض الدول العربية يتم تعديل المناهج التعليمية من أجل تثبيت الرواية الصهيونية التي تروج لها، حتى وصل الأمر إلى إلغاء واستبدال بعض الآيات القرآنية التي تأتي على ذكر اليهود والمآسي والفضائح التاريخية التي ارتكبوها، بينما تتم تصفية المورث الثقافي والتعليمي والأكاديمي المدافع عن القضية الفلسطينية والذي يؤكد حق الشعب الفلسطيني في العودة لأرضه ودياره المحتلة التي طُرد منها.
لقد حان الوقت لرفع كافة العوائق التي تمنع أو تعترض الأنشطة الفلسطينية بكافة أنواعها في جميع الدول العربية، وإذا كانت بعض الدول التي ترتبط باتفاقيات تطبيع وعلاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني العنصري تدعين بأنها أجبرت على ذلك عبر الضغوط الأمريكية والأوربية، فلا أقول من إن تمنح هذه الدول الأشقاء الفلسطينيين معاملة تفضيلية تتح أمامهم التواصل مع الشعوب العربية لكسب تأييدها ودعمها المادي والمعنوي بكل حرية وأمان.
إننا في الوقت الذي نرفض فيه كافة أشكال التطبيع مع الدولة العبرية المتغطرسة والعنصرية الذي تنزلق نحوه العديد من الدول العربية دون تبرير، نُطالب بالتنسيق والتشبيك والتطبيع مع الأشقاء الفلسطينيين ومنظماتهم ومؤسساتهم، فهم الأولى والأحق بهذا النوع من الاتفاقيات التي تسهل لهم العمل والإقامة والتملك والاستثمار في بلداننا العربية.
وإذا كنا نرفض فتح السفارات الصهيونية في بلداننا ونعترض بشدة على قرارات واتفاقيات التبادل الدبلوماسي مع هذا الكيان العنصري، فإننا نُطالب بتعزيز العلاقات مع الأشقاء الفلسطينيين ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع فلسطين ومنحهم كافة الصلاحيات السياسية والدبلوماسية اللازمة للدعوة لمناصرة الحق الفلسطيني.
إننا بحاجة ماسة لتسهيل حضور الوفود الفلسطينية الثقافية والفنية والمسرحية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية في بلادنا لمواجهة هذه الاختراقات الصهيونية التي ستظهر مساوئها ومضارها الكثيرة في المستقبل وربما قريباً جداً، ولا بد من القول إن وجود الفلسطينيين وحضورهم القوي والفاعل في البلدان العربية قاطبة والدول اَلْمَطْبَعَة خاصة، سوف يساعد في تعزيز التماسك الاجتماعي الداخلي لهذه البلدان، أي أن وجود الفلسطينيين في مجتمعاتنا مكسب وطني يساهم في حماية هويتنا وحفظ ذاتنا، في وجه الخسارة الوطنية والقومية البالغة للتواجد الصهيوني مهما كان قليلاً أو خجولاً.
إنني هنا أدعو إلى البدء بعملية توأمة واسعة بين المؤسسات والجمعيات والهيئات الفلسطينية وكافة المؤسسات الشبيهة والمقابلة لها في الدول العربية، وخاصة في المجال الصحي والتعليمي والبلدي ومؤسسات المجتمع المدني والغرف التجارية والجامعات والأندية الرياضية والبلديات والبرلمانات، وسوف يساعد ذلك ليس في صمود الشعب الفلسطيني ونصرة قضيته فحسب، بل في تعزيز انتمائنا الوطني والقومي العربي والإسلامي.
وأخيراً فأنني أدعو وأتمنى على كافة البرلمانات العربية أن تحذو حذو مجلس الشورى العماني الذي جرم وغلظ من عقوبة التعامل مع الكيان الصهيوني، ودعا إلى تعزيز المقاطعة معه، وفي الوقت ذاته أطالب مجالسنا النيابية بوضع واستعادة التشريعات والقوانين والأنظمة التي تؤكد على فتح وتعزيز العلاقات مع الأشقاء الفلسطينيين وكافة المؤسسات والهيئات الرسمية والشعبية التي تمثلهم، والله من وراء القصد.