DELMON POST LOGO

زيارة السفارة السورية ..تكشف حجم المأساة والمؤامرة ..

بقلم محمد حسن العرادي
يردد البعض كل ما بثه الاعلام الموجه من أكاذيب حول الشأن السوري، خاصة الحديث عن سرقة المساعدات الاغاثية وتوزيعها على الجيش العربي السوري، وتحرص وسائل إعلام أمريكية وعربية على نشر وترويج هذه المواد الدعائية المضللة من أجل أن تكرر أجنداتها الرامية إلى مزيد من الحصار والإذلال للشعب السوري البطل الذي صمد طوال أكثر من إثنى عشر عاما في وجه منظومة الارهاب التي تقودها أمريكا ويدعمها ويحتضنها الكيان الصهيوني.
إن أحدا لا يحدثنا عن الأراضي الخصبة التي يحتلها الجيش الأمريكي ويمنع من خلالها القمع والمنتجات الغذائية عن الشعب السوري بهدف تجويعه وإذلاله، كما أن أحداً لا يُطلعنا على السرقات التي يمارسها الأمريكان للنفط السوري، ويغذي من خلالها الارهاب ومختلف تنظيماته ومرتزقته الذين تم جلبهم من مختلف أصقاع الأرض من أجل إسقاط النظام وسحق مقدرات الشعب العربي السوري.
لقد كانت مؤامرة كبيرة على سوريا حُكماً وشعباً واقتصاداً ومواقف عروبية من أجل تركيع سوريا كما تم تركيع غيرها من الدول العربية التي كانت لها مواقف رافضة للكيان الصهيوني وخاصة العراق ، سوريا ، ليبيا، اليمن ، لبنان ، الأردن، السودان، فضلا عن المؤامرات الكثيرة التي استهدفت قلب العروبة مصر العربية، كل ذلك بهدف الاستفراد بالقضية العربية الفلسطينية وكسر إرادة الشعب العربي أينما كان.  
لقد لعب الاعلام الصهيوأمريكي و الإعلام الخاضع له دوراً كبيراً في نشر البروبجندا السوداء، فشوه الصورة، ودمر البيوت والاقتصاد، وجرف الأراضي الزراعية في سوريا وقد كانت كانت الدولة العربية الوحيدة التي حققت الاكتفاء الغذائي الذاتي وبدون ديون خارجية، ثم ضغط على الكثير من أبناء الشعب السوري للهجرة في ظروف سيئة، حتى يكونوا لقمة سائغة يهضمها المجتمع الأوربي ويدمجها في مجتمعاته الهرمة خدمة لاقتصادياته المتهاوية، لكنهم صوروا لنا الأمر وكأن الأوربيون أصحاب أيادي بيضاء يمسحون دمعة اليتيم ويحمون الأطفال والمهاجرين المساكين.
وسُرعان ما نسينا الصور المأساوية للمهاجرين الذين ابتلعهم البحر من أطفال ابرياء ونساء وشباب في عمر الورد، من سوريا ومختلف البلدان العربية التي إستهدفها المخطط الارهابي العالمي الذي أطلقته وغذته ورعته أمريكا وربيبتها الدولة اللقيطة، وهكذا فُرض علينا أن نرى ما يُراد لنا أن نراه من المشهد، وفق الأجندة الصهيونية وما يخدم أهدافها ومخططاتها الاستعمارية.
لقد حان الوقت لتصحيح الصورة المقلوبة التي انعكست حتى على مستوى التضامن مع سوريا التي تعرضت لزلزال مدمر أودى بحياة الآلاف وشرد عشرات الآلاف من المواطنين السوريين، لكن المساعدات تذهب باتجاه آخر، استجابة للدعاية الصهيونية الإرهابية، واليوم نحن مطالبون بتحكيم العقل والوعي لتلك الأساليب ونقوم بتصحيح هذه الصورة المشوشة، والبدء في إرسال المساعدات إلى الشعب السوري أيا كان موقفه وولاءه مع النظام أو ضد النظام فالموت والدمار ومن دفن حياً مأساة إنسانية، ولا يجب علينا نحن أن نفرق بين أشقاءنا فسوريا لجميع أبناءها، ونحن لسنا حليفاً أو خصماً لأي فريق في الأزمة السورية، ففي الزلازل والكوارث تكون الأولوية هي الإنقاذ والاغاثة، فهلموا لتقديم كل ما نستطيع، حتى ينكسر الحصار الظالم الذي يتعرض له الشعب السوري الصامد في وجه المؤامرة.
ولا ريب أن الشعوب تستطيع إبتكار وسائلها وابتداع أساليبها لجمع وإرسال مساعداتها الاغاثية بعيداً عن قانون قيصر المجرم الذي يهدف إلى إخضاع وتركيع سوريا، غير مكترث أو آبه بكذبة تحرير سوريا من قبضة النظام، لأن الأمريكان لا يمانعون من استمرار هذا النظام ولكن بصورة ضعيفة وبائسة حتى يوقع صاغراً على اتفاقيات الاستسلام والخنوع والتطبيع مع العدو الصهيوني، ولكن هيهات لهم ذلك، لأن الشعب العربي السوري سيتوحد ويستعيد تماسكه، ويتغلب على مؤامرة السرقة والتفكيك، وسيستعيد مجده وتاريخه العربي الناصع.
في يوم الأحد 12 فبراير 2023 تهيأت لي فرصة زيارة السفارة السورية في المنامة، والتقيت خلالها السفير محمد علي إبراهيم سفير الجمهورية العربية السورية بمملكة البحرين، استمعت منه إلى حجم الكارثة والمأساة التي يتعرض لها الشعب السوري وخاصة التجاهل المتعمد من قبل المجتمع الدولي، الذي يُصر على استمرار الحصار والمقاطعة والتجويع حتى مع الكارثة، ويتفنن في وضع العراقيل والمعوقات من خلال منع كافة انواع المساعدات الغذائية والدوائية والصناعية، كل ذلك بهدف الحيلولة دون أن تستعيد سوريا عافيتها ووحدة أراضيها التي مزقها الارهاب العالمي الصهيوأمريكي.
في عينيه رأيت حجم المأساة التي تعيشها سوريا الشقيقة، وفي صوته سمعت أنين أبناء الشعب السوري القابع تحت الأنقاض من جراء الزلزال، بينما أفواج الدفاع المدني وفرق الانقاذ عاجزة عن الاستجابة والتفاعل مع حجم الكارثة بسبب منع الآليات والجرافات ومختلف أدوات الانقاذ والاغاثة من دخول الاراضي السورية، سمعت منه قصصاً عن عواءل أبيدت بأكملها تحت الركام وحجارة البنايات المنهارة بفعل الزلزال، بينما العالم يتفرج خاضعا للرواية الأمريكية التي يرددها بعض الاعلام العربي الغبي أو المأجور كالببغاء .
قال السفير ان سوريا ترحب بجميع المساعدات التي تصل اليها، وتقوم بتوزيعها على مختلف أبناء الشعب السوري، وحين سألته عن مناطق المعارضة، كان رده حاسماً وبضرس قاطع، هم أبناء سوريا وسوف يعودون إلى حضن الوطن الأم مهما طال الزمن، لهم ذات الحقوق التي لنا، ونحن لا نمانع أن تصلهم المساعدات التي يحتاجونها، بل إن فرق الإغاثة السورية والهلال الاحمر السوري يتعاونون مع المنظمات الأممية المختلفة في إيصال المساعدات الاغاثية لهم ، ومع أية منظمة عربية أو دولية ترغب في ذلك.
سألته ماذا تحتاج سوريا لتجتاز هذه الكارثة، بدون تردد قال كل ما تتخيله من إحتياجات دوائية وغذائية وما يقي المواطنين البرد القارص والصقيع ويعوض عليهم فقدان المأوى والمسكن، وما يمنحهم الشعور بالدفئ والأمان،
هناك عائلات دفنت بأكملها تحت الأنقاض، أسر لم يتبقى منها سوى طفل هنا أو إمراة هناك ورجل هرم كان بعيداً عن موقع انهيار الأبنية، سوريا تحتاج الى مسعفين، أطباء جراحين، اطباء تخدير، فرق إنقاذ، فرق دفاع مدني، خيام، أجهزة تدفئة، أجهزة انارة، ولك أن تتصور  بأن الكهرباء تنقطع اكثر من 20 ساعة يومياً عن كثير من مناطق سوريا، فكيف بالناس وهم تحت هذه الظروف القاهرة.
قال لي سعادة السفير بأن السفارة تقدر عالياً استجابة الحكومة البحرينية وتعاونها والتسهيلات التي تقدمها لنجدة الشعب السوري، وأشار بفخر واعتزاز إلى التنسيق عالي المستوى مع الملكية الخيرية للأعمال الانسانية ووزارة الخارجية، وقال إن هناك  ترتيبات لإرسال طائرات إغاثية وان مملكة البحرين رحبت بقيام السفارة نقل المساعدات الإغاثية مباشرة عن طريق الشحن البري.
على مدخل السفارة كانت سيارات المواطنين والمقيمين تتوالى، كل شخص يفرغ حمولة سيارته  من المساعدات ويمضي في حال سبيله، وموظفوا السفارة مشغولون بإعادة ترتيب المساعدات ونقلها لأماكن التجميع تمهيدا لشحنها للمحتاجين في سوريا، السفير قال لقد غمرنا البحرينيون بكرمهم وتضامنهم وطيب أخلاقهم، فهم يأتون في المقام الأول في مقدار المساعدات التي تتلقاها السفارة يومياً، ولم ننسى المقيمين وأندية الجاليات الاجنبية والمواطنين السوريين المتواجدين في البحرين، نحن لسنا وحدنا ونشعر بهذا التضامن الذي اسعدنا وطَيَبَ قُلوبنا رُغم الألم الذي يعتصرنا جراء الخسائر الفادحة في الارواح والممتلكات التي نتكبدها يومياً.
كان الحديث طويلاً مع السفير السوري بشأن المعاناة التي يقاسيها الشعب العربي السوري من الاحتلال والحصار والزلزال والارهاب، لكن أهم ما خرجتُ به من هذا اللقاء هو أن سوريا اليوم تستنهض همم ودعم ومساندة كافة المواطنين العرب وفي كل مكان، للوقوف إلى جانبها في هذه الكارثة الطبيعية التي تسبب بها الزلزال، والتي كشفت عن حجم المأساة الانسانية التي يعاني منها هذا الشعب العربي الأبي، فهلموا إلى المساهمة بتقديم كل ما يمكن من كراسي متحركة، بطانيات، فرش، خيام، طعام معلب، حليب مجفف، حليب أطفال، حفاظات، أدوية، أجهزة طيبية، وكل ما يمكن تخيله من احتياجات، وأخيراً فإننا مطالبون بعدم الوقوع في الخديعة أمام الدعاية الصهيونية والأمريكية المظللة، حتى لا نتخلى عن دورنا في انقاذ أشقاءنا السوريين، والله من وراء القصد .
الكاتب مع السفير السوري بمملكة البحرين