DELMON POST LOGO

عودة سوريا ... نصر عربي مبين يقهر الاعداء

بقلم محمد حسن العرادي
قولوا لنا ما شئتم أن تقولوا من تبريرات، وقدموا ما ترونه لازماً من الاعتذارات عن أخطاءكم التي تسببت في قتل آلاف المواطنين السوريين وتهجير الملايين منهم من ديارهم، أو تحويلهم إلى لاجئين داخل وطنهم أو في دول الجوار، برروا لنا قتل الأمل في عيون أطفال سوريا وقتل المستقبل في قلوبهم وإغتيال الأحلام وأجمل مراحل أعمارهم، عبروا عن تعازيكم القلبية وأحزانكم العربية التي تنطبق عليها الآيه 7 من سورة الغاشية ﴿ لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ﴾ فقد بلغت الأمور نهاياتها.
كان الشعب السوري يعيش آمناً مستقراً بعد أن حقق الأمن الغذائي الذاتي وبلا ديون خارجية تقريباً، وحصل على تأكيدات نهائية بوجود كميات كبيرة من النفط والغاز في مياهه الاقليمية تُحولُ سوريا الى دولة إقليمية غنية بالثروات الطبيعية لترسيخ دورها القيادي كأحد أركان مقاومة المشروع الصهيوني العنصري، وعقبة كأداء في وجه تمدده وتسيده وتغوله على دول المنطقة العربية وشعوبها، لذلك صدر القرار الأمريكي بإسقاط الدولة السورية، وتفكيك وحدة شعبها وانهاك جيشها الذي ساهم في كسر الغطرسة الصهيونية في معارك حاسمة، وخاصة إبان الغزو الصهيوني الغاشم على لبنان في تموز 2006 ، من خلال الاسناد الذي وفره للمقاومة اللبنانية الباسلة، حين دعمها وأمدها بالسلاح الكاسر للتوازن، وهكذا صمد لبنان وحقق النصر على العداون.
سوريا التي فتحت حدودها وأسوارها وبيوتها لاستقبال المهاجرين اللبنانيين والفلسطينيين من جراء العدوان الصهيوني على لبنان، قرر الامريكان أن تُعاقب على هذا الموقف العروبي الصادق، لذلك تكالبت عليها قوى الشر والعدوان، بتخطيط وقيادة وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA وتنفيذ بعض الجيران الطامعين في قضم الأراضي ومصادرة  القرار السوري العربي المستقل، وهكذا تآمروا بكل صلافة، وانتهكوا كل القوانين والأعراف والتقاليد الدولية، فلا حدود تقف أمام أطماعهم ولا أخلاق تمنعهم من المشاركة في حفلة الزار الامريكية الصهيونية الارهابية.
اليوم تتنفس سوريا الصعداء فلقد عبرت الكارثة وعضت على الجُراحات والآلام، وعادت تفتح ذراعها وقلبها وصدرها الرحب لكل من يريد أن يتراجع عن مواقفه المشينة، سوريا تغالب أوجاعها وتتجاوز  شعورها بالخُذلان والخديعة، لأن قلبها النابض بالعروبة لا يزال يضخ الدماء النقية في عروقها المقاومة الأصيلة، لذلك ليس مهماً أن يعتذر لها أحد ممن شارك في الجريمة، مخدوعاً كان أم موعوداً بالمكافئة، أم كان شريكاً في الجريمة مع سبق الاصرار والترصد، المهم أن يتوقف كل هؤلاء عن المضي في طريق الشر والمؤامرة.
لقد حانت لحظة مواجهة الحقيقة، وآن لمن أخطئوا أن يصححوا مساراتهم ويعيدوا حساباتهم كي لا يكرروا أخطاء الماضي القاتلة، من أجل إستعادة التنسيق العربي على دروب التكامل الاقتصادي والإنسجام السياسي والتواصل الاجتماعي بعيداً عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، فلكل شعب أن يتفاهم مع نظامه الحاكم بالطريقة التي تناسبه، ولكل نظام أن يضبط إيقاع علاقاته مع شعبه بالحوار ويهيء له فرص التنمية والاستقرار وكل ما يحقق السلم المجتمعي، هكذا تستعيد الدول العربية سلامها وأمنها الداخلي بعيداً عن التدخلات الأجنبية.
وكم هي لحظة تاريخية حافلة بالأمل عندما حطت طائرة الرئيس السوري في مطار العاصمة أبوظبي، وكان الشيخ محمد بن زايد أل نهيان رئيس دولة الامارات العربية المتحدة في مقدمة مستقبلي الدكتور بشار الأسد والوفد المرافق بكل المحبة والترحاب، وخاصة حين قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد: "غيبتكم يا السوريين غيبة طولت ‏‎.. واشتقنالكم ..
حان الوقت لعودة سوريا لمحيطها العربي" وها نحن في انتظار كسر الحصار واطلاق قطار إعادة الإعمار.
إن ذلك يعني بداية ترميم العلاقات العربية السورية، وانهاء القطيعة الديبلوماسية مع بعض الدول العربية التي دامت زهاء أثني عشر عاماً، فلم يعد هناك من مبرر لاستمرار هذه القطيعة، ولم يعد هناك ما يعيق بلسمة الجروح ووضع نهاية للخلافات، وحين تأتي هذه الدعوة من الإمارات العربية المتحدة، وعلى لسان رئيسها فإنها تعني الكثير من الايجابية، خاصة وأنها تشكل مساراً موازياً للخطوات الرائعة التي اتخذتها المملكة العربية السعودية حين أبرمت اتفاق المصالحة مع ايران برعاية صينية بعيدا عن الضغط الامريكي.
إننا نشهد عودة هادئة للعلاقات الطبيعية بين دولنا العربية وجيراننا التاريخيين، وعلينا أن نتعامل مع كل ذلك بحذر شديد وواقعية أشد، لأن هناك من لا يزال يتربص بنا الدوائر، ولا تعجبه خطوات التقارب الذي تقودها السعودية من جانب والإمارات من جانب آخر، في سباق لإصلاح ما افسدته الفتنة والمؤامرات الأمريكية والصهيونية التي توهمت بأنها صادرت قرارات المنطقة ومستقبلها ودجنت شعوبها إلى الأبد، فإذا بها تصحو على خطوات اصلاحية في النظام العربي تعيد لنا روح المبادرة والامل، وترسم على شفاهنا ابتسامة رضا وثقة في المستقبل.
قرارات هذه المنطقة يجب أن تكون محلية الصنع وتسوياتها يجب أن تكون ممهورة بالاختام العربية والاسلامية والصديقة بعيداً عن طموحات وأطماع نظام الأبرتهايد العنصري في السيطرة واشعال الحروب المدمرة، وقد آن لنا جميعاً أن نقف صفاً واحداً وسداً منيعاً أمام أية اختراقات صهيونية لأمن المنطقة وسلامها، وعلى أمل البدء في تفكيك مسارات التطبيع البغيضة التي فرضتها ظروف دولية نتنه في طريقها إلى الزوال، والله من وراء القصد.