DELMON POST LOGO

الفتنة نائمة في السودان ... فمن هو الشيطان الذي أيقظها...؟

بقلم محمد حسن العرادي - البحرين
ما أوقح السياسة عندما تكون صلفة وعدائية إلى حد الانتقام والشروع في القتل بدم بارد، وما أبجح الساسة حين يتقمصون دور صناع السلام بينما هم من يؤجج الصراعات ويشعل الحروب والفتن، خدمة لأجنداتهم غير البريئة، هكذا من لا مكان إنفجرت حرب الأخوة الأعداء في السودان الشقيق المخطوف من قبل إمراء الحرب والتقسيم، فصيل بقيادة الرئيس الجنرال عبدالفتاح البرهان وآخر برئاسة نائبه الجنرال محمد حمدان دقلو - حميدتي، فبدأ السودانيون يتساقطون بين قتيل وجريح وكأنهم عصافير بريئة أصابتهم بندقية صياد جاء يتسلى بهم، عابثاً بأرواحهم ومستقبلهم الوطني.
لكن الأمر يصبح الأكثر بؤساً ومأساوية حين تتابع تفاصيل الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من عشرة أيام، فتكتشف بأن المحرضين على الحرب والفتن هم من يَدعُون التوسط لإنهائها، والمستفيدين من إضرامهم وإشعال نارها هم من يتظاهرون بالتألم لاندلاعها والتأوه على ضحاياها، هذا ما تابعناه حين دخلت أمريكا - مشعلة الفتن والحروب حول العالم على خط الأزمة علناً، بدعوى الحفاظ على السلم في المنطقة، ونتيجة لفرط قلقها وخوفها على الشعب السوداني الشقيق، طالبت ربيبتها (إسرائيل) بالتدخل لوقف الحرب، فما كان من هذا الكيان المجرم الغاصب لفلسطين، سوى توجيه الدعوة لاستضافة الطرفين لانهاء الاقتتال وكأن أصابعه لم تعبث من اجل إشعالها.
بعض الإعلام الغربي المّوجه يحاول توريط الدول العربية، وتحميلها أوزار الحرب وتأثيراتها، مدعياً بأن دولاً مثل الإمارات والسعودية ومصر هي من أشعل حرب الأخوة في السودان المكلوم، في حين أن التصريحات الإعلامية الوقحة تُثبت تورط الصهاينة في إشعال هذه الحرب خدمة للأجندة الأمريكية التي هالها وأفزعها توجه المنطقة نحو المصالحات والتسويات، بعد إبرام إتفاقية السلام بين السعودية وايران برعاية صينية في مارس 2023، وهكذا تم توزيع الأدوار القذرة وتكليف الموساد الصهيوني بالتواصل مع قوات الدعم السريع وتحريضه على الحرب، فيما تولت الخارجية الصهيونية التنسيق مع المجلس العسكري الحاكم وتشجيعه على الصدام، وهكذا إنكشف المستور وعرف من يقف وراء إشعال الحرب وإيقاظ الفتنة النائمة.
إن العرب، كل العرب ولاسيما مصر العربية والسعودية العربية والإمارات العربية هم الأحرص على وحدة السودان وسلامة أراضيه وشعبه من التدمير ، كيف لا وهم من يقود قاطرة التسويات والمصالحات في المنطقة بهدف إبعاد شبح الحروب والفتن عن هذه الأمة المنكوبة بالحروب والثورات التي قادتها أمريكا وأججتها الدولة اللقيطة (اسرائيل) على مدى عقود من الزمن من أجل إضعاف الأمة العربية وإدخال الوهن إلى صفوفها، بغية إشغالها عن الاهتمام ببرامج التنمية وتحقيق الأمن والاستقرار لشعوبها.
من هنا لابد أن يتصدى المثقفون العرب والساسة والنشطاء في كافة الدول العربية لعملية خلط الأوراق البشعة التي تمارسها الصحافة الصفراء والصحف والقنوات الاعلامية المأجورة التي تريد تحميل بعض الدول الشقيقة مسؤولية الحرب في السودان، وتبرأة الكيان الصهيوني وتقديمه كحمامة سلام، وهو الغارق في إهراق الدم الفلسطيني والدم السوري والدم اللبناني حتى أخمص أقدامه، لذلك فإنني أوجه دعوة صادقة لجميع الكتاب والصحفيين والمحللين والمعلقين العرب والمسلمين بضرورة تصويب البوصلة، فهذه الحرب الأهلية الكارثية، لا تخدم سوى المشروع الصهيوني الذي يريد أن يرى الدول العربية مفتتة ومقسمة على مقاسة، حتى لا يكون هناك أي تهديد محتمل لكيانه الإرهابي المُجرم.
كما إنها دعوة صادقة إلى الأشقاء السودانيين الطيبين من كافة الإتجاهات، أوقفوا هذه الحرب الدموية المدمرة، وتوجهوا نحو إعادة إعمار وبناء بلدكم العزيز ليكون السند والعضد لبقية الدول العربية، فهذا الوطن العربي الكبير الذي يضم أكثر من 430 مليون نسمة قادر على الصمود والتعاضد معكم وفتح أبوابه وأسواقه لمنتجاتكم الزراعية والصناعية التي تكفي لسد حاجة المواطنين العرب، إن عم السلام في ربوع بلادكم العزيزة بكم، وأتيحت لكم فرص الاستقرار والتنمية، وعندها سيهب المستثمرين العرب حتماً للقدوم إلى السودان وضخ الأموال وإقامة المشاريع القادرة على النهوض بالاقتصاد السوداني، وإبعاد شبح المجاعة والحروب عن شعبه الشقيق.
قولوا لا للحرب، ولا للتدخلات الأجنبية، وإن إحتجتم للوساطة فأمامكم الأشقاء العرب والأصدقاء الأفارقة، الحريصون على وحدة بلادكم والحفاظ على دمائكم، فبادروا إلى منع الصهاينة من التدخل في شؤونكم، وأعيدوا النظر في إتفاقيات التطبيع البائسة المفروضة عليكم، فهذه الإتفاقيات شرٌ مطلقٌ لا يُرتجى منه خير أبداً، وكلما أبعدتم الموساد والأجهزة الأمنية والاستخباراتية والعسكرية الصهيونية عن بلادكم، كلما اقتربتم من السلم والسلام، وتَحَسن الأمن والاستقرار، وإبتعد عن بلادكم شبح الحروب والفتن.
أما طوق النجاة الذي تحتاجونه الآن فليس أعرف به سواكم، وهو عودة العسكر إلى الثكنات وتوقفهم عن التدخل في الشؤون السياسية، بل تركها لقائمة الأحزاب والتيارات السياسية العريقة، والقوى المدنية السودانية الرائدة والقائدة على مدى التاريخ السوداني المجيد من عمال وفلاحين وطلبة، لتأسيس حكومة مدنية قادرة على النهوض بالسودان وإعادة الإعتبار له كقوة إقتصادية وزراعية ضاربة ومؤثرة في بسط الإستقرار والأمن الغذائي في المنطقة العربية والأفريقية.
وتبقى الدعوة المهمة واللازم توجيهها إلى جنرالات الحرب المتقاتلين، لا تنخدعوا بالتدخلات الأجنبية، لاسيما الغربية منها بقيادة أمريكا والصهيونية العالمية، فليس من بينهم من يُحب السودان أو يتمنى له الخير، وليس من بينهم من يخاف على الشعب السوداني ومصالحه واستقراره ومستقبله، بل إنهم يريدون تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ في بلادكم لتسهيل سرقتها والتحكم في خيراتها وقرارها السياسي، فإحسموا أمركم وأوقفوا الاقتتال وعودوا الى ثكناتكم العسكرية ورابطوا بها دفاعاً عن وحدة السودان وحماية لسماءه وترابه وشعبه من أي إعتداء.
سارعوا إلى تسليم السلطة إلى القوى والاحزاب المدنية، وليكن المشير عبدالرحمن محمد حسن سوار الذهب وسيرته العطرة النموذج الذي تقتدون به، في ترفعه عن شهوة السلطة وبريقها وإبتعاده عن بهرجتها ونزاهته في التعامل مع زهوها وغرورها، هكذا تعيدون للسودان وجهه الحضاري المشرق الذي يستحقه شعبكم الكريم، والله من وراء القصد.