DELMON POST LOGO

القمة العربية في الرياض .. نحو نهضة عربية شاملة بقيادة السعودية ..

بقلم محمد حسن العرادي - البحرين
فجأة وبدون مقدمات بدأ العدو الصهيوني العنصري في تفجير الأزمات بالمنطقة، خطوات متسارعة لإشعال الحرائق في كل مكان تصل إليها أذرعه ومؤامراته، إنها طريقته في خلط الأوراق وإرباك الساحات وإشغالنا جميعاً بأنهار من العنف ونزيف الدم المستمر والمزيد من الجراحات في جسد الأمة العربية والاسلامية.
بالأمس القريب فجر الوضع في السودان واندلعت على إثر تدخلاته حرباً ضروساً بدأت تأكل الأخضر واليابس ويُخشى أن تنتهي بتقسيم جديد للسودان، في مسعى واضح لابطاء عجلة التسويات والمصالحات في المنطقة، فكلما أنجزت دول المنطقة خطوة في اتجاه إنهاء ملفات الحروب والفتن، فتش الصهاينة ونظام الابرتهايد عن صواعق تفجر الأمن والسلم، لذلك فإن علينا أن نكون يقظين دائماً، منتبهين لتسارع الأحداث فلا شيء يحدث بالصدفة أبداً.
إن دور "دولة الاحتلال" المزروعة بين ظهرانينا، يهدف بشكل أساس إلى ضمان تفرقنا وتمزقنا واندلاع الحروب والفتن فيما بيننا، حتى لا نتوجه إلى التنمية أو نسعد بالاستقرار والطمأنينة ونهنئ بخيراتنا وثرواتنا الطبيعية، وعلى هذا الأساس فهي لن تهدأ ولن تتراجع عن إشعال الحروب وتفجير الأوضاع والدفع بها بعيداً عن الاستقرار والسلام.
في الأيام الماضية وبُعيد الإنتهاء من توقيع إتفاقيات السلام بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران برعاية صينية، تم تفجير الحرب في السودان، وهي لا تزال تحرق مقدرات الشعب السوداني وتهدد وحدة أراضيه وتشغل دول المنطقة عن إستكمال التسويات وبسط التهدئة بعيداً عن الهيمنة الأمريكية والغربية والصهيونية، وعندما بدأت بوادر الانفراج تلوح في الأفق بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وبدء مرحلة من المصالحات بين دول المنطقة، فجر نظام الفصل العنصري، قضية الشهيد الأسير المضرب عن الطعام الشيخ خضر عدنان، وأصرت على التعنت في رفض مطالبه بالإفراج عنه والغاء التوقيف الإداري غير القانوني وغير الإنساني بعد أن أكمل 85 يوماً من الإضراب عن الطعام، لقد كان الهدف من قتله بدمٍ بارد تفجير الأوضاع في المنطقة.
وعندما إستطاعت جمهورية مصر العربية وبعض الوساطات الدولية تهدئة الأوضاع، والسير في طريق إعادة سوريا إلى الجامعة العربية تمهيداً لدعوتها لحضور القمة العرببة المقررة في الرياض بالمملكة العربية السعودية، سارع نظام الأبرتهايد إلى تفجير الحرب على غزة، ومارس إرهاب الدولة المنظم في استعراض فاحش للقوة والعنف، من خلال إرسال أسراب من طائراتها الحربية والمسيرة بلغ 40 طائرة حسب الإعلام الصهيوني، لتغتال ثلاثة من قادة سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الاسلامي في غزة، مع أكثر من 10ضحايا من المدنيين من الأطفال والنساء.
إنها شهية المجرمين الصهاينة للدم والارهاب، ورغبتهم في الانتقام والقتل وإثارة الفوضى، وفي ذات الوقت التلويح بالقوة، ذلك أن إغتيال ثلاثة قادة عسكريين لا يحتاج إلى أفواج من الطائرات المغيرة على غزة، فقد عودتنا "اسرئيل" أن تتسلل فرقها وأجهزة إستخباراتها أو إحدى طائراتها في الظلام لتنفيذ عمليات الاغتيال تحت جنح الظلام كما حدث في عشرات الإغتيالات السابقة، لكنها أرادت هذه المرة أن ترسل رسائل مفزعة تعبر عن إنزعاجها من التوجه نحو التسويات والاستقرار الذي تقوده المملكة العربية السعودية باقتدار وكفاءة عالية.
إن الصهاينة وأسيادهم الامريكان يتعمدون تفجير الحروب والفتن في المنطقة لا يتحركون بمحض الصدفة أو وفق ردات الفعل، فكل هذه الخطط الشيطانية مرسومة بدقة من أجل أن لا تعيش المنطقة في أمن وأمان، خاصة بعد أن بدأت تتكشف الخديعة الكبرى المسماة صفقة القرن، وتتهاوى فصول التطبيع الذي لم يأتي إلا بالشر والفتن على المنطقة وسكانها حاكمين ومحكومين، وعندما أيقنت " إسرائيل" أن قطار التطبيع لن يصل إلى المحطة المستهدفة وهي المملكة العربية السعودية، وأن محطاته العربية السابقة في طريقها للمراجعة وإعادة التفكير في جدوى اتفاقيات التطبيع، سارعت إلى تفجيرٍ  المزيد من الأزمات من اجل أن تفرض نفسها من جديد.
إن الرد على الصهاينة لايجب أن يتوقف عند إبطاء التطبيع وعمليات التواصل والتشبيك بين الدول العربية المبتلاة بالتطبيع وبين هذا العدو الغادر فحسب، بل إن الخطوات التي تنتظرها الشعوب العربية كرد عملي هي الوقف الكامل لمشاريع التطبيع، والبدء باتخاذ خطوات حاسمة نحو تصحيح الخطأ التاريخي الذي أفضى لتوقيع هذه التفاقيات المرّة التي يرفضها الشارع العربي والاسلامي، وأول الخطوات المطلوبة سحب السفراء العرب من "اسرائيل" وطرد السفراء الصهاينة من العواصم العربية، حتى تكون الرسالة معبرة وحاسمة في إختيار طريق السلام الصحيح مع الجيران الطبيعيين وليس السلام المزيف مع الدولة اللقيطة المصطنعة.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن من المهم الاشارة والإشادة بالخطوات التي إتخذتها مملكة البحرين في وقف التعديلات التي أُدخلت على مناهج التعليم بأوامر عليا صادرةٍ من سمو ولي العهد رئيس الوزراء تؤكد على الالتزام بالثوابت العرببة والإسلامية والدينية، وإستجابة للنداء الذي وجهه عددٌ كبير من قضاة وعلماء وخطباء البحرين تحت عنوان (بيان العلماء والدُّعاة بمملكة البحرين بشأن التَّغييرات الأخيرة في المناهج الدِّراسيَّة الحكوميَّة) والنداء الموقع من قبل الساده أعضاء مجلس النواب، إضافة إلى الكثير من الكتابات والمقالات والمناشدات والتغريدات والنقاشات والمنتديات التي طالبت بوقف تغيير المناهج بما يتعارض مع التزام شعب البحرين بالقضية الفلسطينية، ولا بُد هنا من تسجيل كلمة شكر وعرفان لولي العهد رئيس مجلس الوزراء الموقر حفظه الله ورعاه الذي سارع بالاستجابة الخيّرة لهذه المطالبات والغى التعديلات قبل أن  يجف الحبر الذي كتبت به.
ولا يجب أن يقف الفعل العربي عند هذا الحد من ضبط إيقاع التطبيع ووقف تداعياته السيئة، بل يجب أن توضع هذه المسألة على جدول أعمال القمة العربية القادمة من اجل تحصين الدول العربية من الاستهداف والضغوط التي تمارسها أمريكا لدفع الدول العربية للتطبيع مع الكيان الغاصب كما فعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقبل ان يتحول ذلك الى قاعدة ثابته في السياسة الخارجية الامريكية، خاصة وأن المملكة العربية السعودية هي صاحبة المبادرة العربية التي أقرتها قمة بيروت في العام 2002، إلا أن "اسرائيل" أشاحت بوجهها عن المبادرة ولم تعترف بها، بل ومارست الكثير من الانتهاكات الصارخة والدموية العنيفة ضد الأشقاء في فلسطين وسوريا ولبنان معتبرة المبادرة دليل ضعف وهوان، واليوم بعد مضي أكثر من عشرين عاماً على رفض المبادرة العربية، ليس أقل من ان تُسحب هذه المبادرة من على الطاولة كنوع من الرد على الغطرسة والعجرفة الصهيونية والتمادي في القتل والوحشية.
إن القمة العربية القادمة في الرياض قادرةٌ على تعديل الاعوجاج في العلاقات الدولية التي لا تقيم للأمة العربية وزنها الذي تستحقه، وأول إجراء تستطيع القمة اتخاذه هو استكمال توجهها نحو السلام والاستقرار وفك كافة الروابط مع الكيان الصهيوني، وتعزيز الاعتراف بدولة فلسطين ودعمها في كافة المحافل الدولية وفرض القضية الفلسطينية على الاجندات الثنائية مع كافة دول العالم الذي لا يعترف سوى بالاقوياء، وقد آن للأمة العربية أن تستعيد مجدها وسؤددها ونهضتها بقيادة السعودية انطلاقا من القمة العربية في  الرياض التي نبني عليها الكثير من الآمال والتطلعات، والله من وراء القصد.