DELMON POST LOGO

دعوة لتجديد التسامح والتكامل الإسلامي ..

بقلم محمد حسن العرادي

على أبواب شهر محرم الحرام 1444 يسجل الشيعة حضوراً لافتاً من خلال الشعائر الخاصة التي يمارسونها لإحياء ذكرى معركة كربلاء التي وقعت يوم الثلاثاء العاشر من محرم سنة 61 هجرية، الموافق 680/10/12 ميلادية.
ومع كل موسم عاشورائي تتجدد ثنائية الشيعة والسنة في الكثير من الدول العربية والاسلامية، والتي تتحول إلى صراع دام في بعض البلدان التي تعيش التطرف والعصبية العمياء، حيث يسقط الكثير من الضحايا وتسيل دماء غزيرة نتيجة التفجيرات الإرهابية التي تتعرض لها المواكب والتجمعات الحسينية في الكثير من الدول العربية، بعيداً عن الوعي والتفكر الذي يمكن أن يجعل من هذه المناسبة بوابة لتجديد روح وشباب الإسلام.
إننا ندعو إلى أن يلتقي جناحا الأمة الإسلامية على تبني هذه المناسبة بوصفها محطة تاريخية يتوقف عندها الجميع من أجل المراجعة والتقييم وتنقية الموروث الديني الإسلامي من الشوائب التي علقت به نتيجة تداخله مع الكثير من الحضارات والثقافات التي عايشها على مدى الأربعة عشر قرنًا الماضية، بعيداً عن إلغاء الآخر ، أو تصنيف أي من المذاهب الإسلامية المعتبرة تحت يافطة الحق المطلق أو الخطأ المطلق.
إنها فرصة للإنصات والإستماع وفتح الحوارات بين مختلف المذاهب الإسلامية بحثاً عن المشتركات والإهتمامات العامة، وتفادياً للمنغصات التي من شأنها تنمية روح التطرف والعصبية، بين إتباع أي من المذاهب الإسلامية التي تعبد رباً واحداً وتصلي إلى قبلة واحدة وتتبع نبي واحداً وتعتمد قرآناً واحداً، وتتفق في أغلب الأصول والمبادئ المؤسسة للدين الإسلامي.
وفي هذا المجال من المهم تنقية تراث المذاهب الإسلامية من الإسقاطات السياسية التي تحكم البلدان التي تتعبد وفق أي من هذه المذاهب، فتتوقف الدعوات التي تخلط بين النظم السياسية والمذاهب الإسلامية وما يتبع ذلك من توظيف الدين في خدمة النظام السياسي لهذه البلد أو تلك.
لقد سأمنا من تصنيف بعض الأنظمة وفق منطق المغالبة المستخدمة في الإعلام المسيس الذي يخلط الديني بالدنيوني ويؤدي إلى شيطنة الشعوب بناء على المذاهب الإسلامية التي تتعبد بها، فهذا يدين الوهابية ويتهمها بالإرهاب، وذلك يدين الصفوية ويتهمها بالتطرف، وآخر ينتقص من الأباضية ويتهمها بالتحريف، أو يستهجن الزيدية ويتهمها بالنقص وغير ذلك من التحولات التي شهدتها بعض المذاهب الإسلامية في التسميات أكثر من الامتدادات التاريخية المرتبطة بالمذاهب الإسلامية الحقة.
وفي ذات المجال من المهم أن نجتهد لوقف الجدل العقيم والتناحر السقيم حول من يمتلك الحقيقة المطلقة والدين القويم ومن سيدخل الجنة ومن سيدخل النار، ذلك إن كل اتباع مذهب إسلامي يعتقدون بصوابية مذهبهم وسلامة معتقدهم اصولاً وفروعاً، وغداً يقف الجميع بين يدي الواحد القهار فيحكم بين عباده بالحق ويغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، وكلهم إلى خير أن شاء الله.
الإمام الحسين عليه السلام سبط رسول الله الصادق الأمين محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه وعلى اله وصحبه الكرام رسول رب العالمين الذي قال " الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا" وقال فيهما أيضا" الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة" فلماذا نختلف حول أي منهما، لاسيما ونحن ندلف إلى ليالي عاشوراء التي تُفتح فيها مجالس العزاء الحسينية لتكون ذاكرة متجددة تعلم الأجيال الإسلامية الجديدة المبادئ والقيم الأصيلة المبنية على التسامح والتكامل، المنطلقة من إيمان عميق بوحدة الإسلام وتعدد مدارسه الفقهية.
إنها دعوة لإعادة ترتيب الأولويات ، ومن بينها معرفة أن الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام تعايشا مع الحكم عشر سنين كاملة بعد أن تنازل الإمام الحسن عن الحكم حقنا للدماء وتجسيداً للوحدة رغم إنه حظي بمبايعة المسلمين في أعقاب اغتيال والده أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام، ثم التزم الإمام الحسين عليه السلام بالإتفاق المبرم بين أخيه الحسن عشر سنوات أخرى، دون أي مناوشات أو خلافات حادة، وكانت تلك عقدين كاملين من السلام والسكينة انتشر فيها الإسلام وتمدد وجوده إلى الكثير من أقطار الأرض.
وبالعودة إلى عشرة محرم الحرام التي إستشهد فيها الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته في معركة غير متكافئة، فإن من المهم الاشارة إلى واقعة كربلاء وهي معركة بين الخير الذي يمثله الإمام الحسين عليه السلام، والشر والضلال الذي يمثله قتلته الذين خرجوا عن مبادئ الدين الإسلامي الحنيف في سبيل التقرب من السلطة والسلطان، غير عابئين بالدماء الطاهرة التي أهرقت ظلما وعدوانا ومانتج عنها من سبي واهانة لبنات الرسول ص واهل بيته الكرام عليهم السلام .
إن من المهم الإستفادة من هذا الموسم الديني الثقافي في تكريس أواصر المحبة والتواصل الاجتماعي بين المكونات الإسلامية والإنسانية النابضة بالحياة في واقعنا الاجتماعي بعيداً عن التوتر والتوجس والعصبية وتبادل التهم والتصيد على الكلمات بسوء الظن، وحبذا لو أن مجتمعنا يستن بالسنة الحميدة التي كانت سائدة طوال عقود من الزمن، فيعود الى تشجيع أبناء المكونات الإسلامية كافة على حضور المجالس والمواكب الحسينية التي تقام في مختلف مدن وقرى ومناطق مملكة البحرين الحبيبة.
إننا نامل بأن تساهم مثل هذه المبادرات في ترشيد الخطاب والحث على تحسين أداء الخطباء والرواديد وتوجيههم للبحث والتحضير الجيد من أجل تقديم مادة ثقافية متميزة تحافظ على النسيج المجتمعي وتقوي من الأواصر الاسلامية بدل استسهال تكرار بعض الروايات المنفرة التي تستهوي بعض الخطباء وتثير حفيظه البعض واستيائهم، مع أهمية الاشادة هنا بغالبية الخطباء والرواديد الذين يبذلون جهوداً كبيرة لتعزيز الوحدة الإسلامية ونشر الفكر المحمدي الأصيل.
ولا شك أن ذلك سيساهم في تسهيل تفهم واستيعاب المفردات والعبارات والروايات التاريخية لدى الحضور من المكونات المختلفة بعيداً عن الشك والريبة، خاصة وأن المآتم والحسينيات اعتادت على البث المباشر لجميع المحاضرات والفعاليات التي تقيمها، الأمر الذي يعزز من الثقة المتبادلة بين المؤسسات الحسينية ومختلف الجهات المعنية، ويساهم في نشر القيم والمبادئ الإسلامية، ويقطع الطريق أمام مروجي الفتن ودعاة الطائفية المسكونين بالخلافات والصراعات دائماً.