DELMON POST LOGO

تجربتي مع العزل السياسي

بقلم محمد حسن العرادي

يخطئ من يعتقد بأن العزل السياسي يمثل حلًا للمشكلة السياسية في البحرين، ويخطئ من يعتقد بأن العزل السياسي قادر على منع المعارضين من حقهم في ممارسة الحياة العامة، واسمحوا لي هنا أن أروي لكم جانباً من تجربتي أو لنقل قصتي مع العزل السياسي، التي تعاملت معها بروح إيجابية تحركها العزيمة والصبر، حتى أصبحت لا أشعر بالضيق من هذا الطوق الذي صار يقيد العديد من النشطاء، بل  وجعلهم ينسحبون من الحياة العامة وينزوون في زوايا النسيان والترقب.
ودعوني أوضح قبل كل شيء بأنني ضد قرارات العزل والاعتزال السياسي وضد الإبعاد والابتعاد عن قضايا الشأن العام تحت اي ظرف كان، فالدستور يعطي المواطنين حق العمل وممارسة كافة انواع الأنشطة السياسية والإجتماعية، ولا يجوز عزل مواطن او منعه من ممارسة حقوقه إلا بموجب حكم قضائي يصدر ضده بشكلٍ فرديٍ مسبباً وباتاً، أما بشان أحكام العزل الشاملة والعامة، فهي في ظني أشبه بقرارات سياسية يتم إستخدامها لحسم قضايا خلافية وسياسية بشكل متعسف، وفي تقديري أن الوقت قد حان لاعادة النظر بشأنها والتحرر من قيودها لانها لا تتناسب مع اطروحات الديمقراطيات العريقة وانظمة وقوانين حقوق الانسان.
لكنني وللحق أسجل بان قرارات العزل السياسي التي صدرت في البحرين، هي قرارات فضفاضة وغير حاسمة بل ويمكن التعايش معها بشكل إيجابي، والتعاطي معها بروح ابداعية للذين يريدون ان يستمروا في العطاء وممارسة دورهم في الحياة العامة، ورغم انني أقف مع حق المعزولين المطالبة برفع اسمائهم من قوائم العزل السياسي، إلا انني أرى أن من واجبنا جميعاً عدم الإستسلام والابتعاد عن ممارسة دورنا الحقيقي، واطالب المشمولين بقرارات العزل التعامل معها باعتبارها معوقات ومنغصات سياسية يجب التعايش معها حتى تأتي اللحظة المناسبة لالغائها أو تخفيفها وتجاوزها، ولقد تعرضت شخصياً لعدد من قرارات العزل السياسي والأهلي، لكن ذلك لم يمنعي من القيام بدوري بالقدر المستطاع، وفي السطور التالية أستعرض معكم بعضاً من محطات العزل التي تعايشت معها ولا أزال في إنتظار ان تعود الأمور الى وضعها الطبيعي.
قرار العزل الأول: خلال النصف الثاني من عقد الثمانينات، نجحنا في  تحويل فريق عراد الرياضي والثقافي الذي أسسناه في نوفمبر 1974 الى مركز شباب عراد وذلك في منتصف العلم 1991، وكنت المحرك الرئيس لهذا التحول، حتى أصبحت رئيساً لهذا المركز لفترة طويلة إنتهت بقرار العزل الأول في العام 2014 بحجة الانتماء لجمعية وعد والذي حرمني من حق الترشح لمجلس ادارة هذه المؤسسة العزيزة على قلبي.
قرار العزل الثاني: لم استسلم لقرار العزل الأول وقدمت لوزارة الشباب خطاباً رسمياً موقعاً ومعتمداً من ادارة جمعية وعد باستقالتي الجمعية يشهد بانني لست مسجلاً في قوائم اعضاء الجمعية، فتم قبولي لعضوية مجلس الإدارة وأصبحت رئيساً لمركز شباب عراد للفترة 2014 - 2018، وعندما تقرر تغيير مسميات المراكز الشبابية الى مراكز تمكين الشباب وطُلب منها إعادة التأسيس تم رفض وجود اسمي في قائمة المؤسسين ولم يتم الإعتداد بالخطاب الذي سبق ان قدمته للوزارة، وكان ذلك قرار العزل الثاني الذي أتعرض له قبل تطبيق قرارات العزل رسمياً.
قرار العزل الثالث: في الفترة من 1987 - 1998 بذلت مع عدد قليل جداً من الإخوة و الأصدقاء جهوداً كبيرة لتأسيس صندوق عراد الخيري، وحين نجحنا في ذلك إخترنا (انا والاخ العزيز الاستاذ عبدالجليل العرادي) الإبتعاد عن الأطر الرسمية للصندوق لتحاشي بعض الخلافات داخل قرية عراد، واستمر إبتعادنا عن الصندوق طوال 10 سنوات، حتى عُدت نائباً للرئيس في مجلس إدارة جمعية قرية عراد الخيرية (الإسم الجديد للصندوق) عام 2010 ، واستمر عملي في هذا الموقع حتى العام 2021 موعد قرار العزل الثالث.
قرار العزل الرابع: في العام 2018 وبالإشتراك والتنسيق مع عدد من الإخوة والأخوات الناشطين في مجالات مختلفة قررنا خوض الإنتخابات النيابية بقائمة مكونة من 15 مرشحاً عابراً للانتماءات الطائفية، وحين قدمنا أوراقنا للترشح للإنتخابات تم رفض غالبية المترشحين على هذه القائمة وكنت أنا من أوائل المعزولين المرفوض ترشحهم بسبب الإنتماء لجمعية وعد، ومن باب قطع الشك باليقين عدت لوزارة الشباب والرياضة بحثاً عن رسالة الإقالة التي إستلمتها من جمعية وعد  في العام 2014 ( قبل صدور قرار حلها بحكم قضائي)، وقدمتها ضمن أوراق التظلم أمام لجنة الطعون، ورغم تأخر القرار الخاص بي لآخر جلسات محاكم الطعن، إلا أن القرار كان برفض ترشحي للإنتخابات ، وكان ذلك قرار العزل السياسي للمرة الرابعة.
قرار العزل الخامس: في الخامس من أكتوبر 2017 أصدرت وزارة العمل والتنمية الإجتماعية قرارها بإشهار جمعية مبادرات البحرين الأهلية التي كانت ثمرة جهود كبيرة عملنا عليها بالتعاون مع عدد من الأخوة حين أطلقنا مبادرة أهلية بعنوان (البحريني اولاً) في مايو 2017، ومنذ التأسيس تسلمت منصب نائب الرئيس لهذه الجمعية، إلا أن الدورة الثالثة لمجلس الادارة قد شهدت استبعاد إسمي من قائمة المرشحين، وكانت تلك هي المرة الخامسة لقرارات العزل السياسي القاضي بحرماني من حق الترشح لمجلس الإدارة في الجمعية العمومية الثالثة لجمعية مبادرات التي عقدت يوم السبت 23 يوليو 2022.
إلا إنني ورغم كل قرارات العزل السياسي الخمسة التي صدرت ضدي حتى الآن، لا أزال أشعر بحرية كبيرة في العمل الأهلي والسياسي وأمارس نشاطي بأريحية كبيرة بعيداً عن التأفف والإبتعاد واليأس والقنوط، من خلال الحراك اليومي او عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وعن طريق الاشتراك في الكثير من الأنشطة الاجتماعية والثقافية والإعلامية والسياسية، ويمكنني القول بإنني رغم كل قرارات العزل السياسي، أجد نفسي حُراً في ممارسة قناعاتي بعيداً عن القيود التي تفرضها هذه القرارات التي لم تغير مواقفي وقناعاتي المبدأية ومن بين ذلك:
1 - استمرار موقفي المؤيد بشكل تام للمشاركة في الإنتخابات النيابية والبلدية، وكنت ولازلت أدعو الجميع إلى المشاركة الفاعلة بعيداً عن دعوات المقاطعة والتي هي لا شك حق طبيعي للمقتنعين بها.
2- إستمرار نشاطي في مركز تمكين شباب عراد داعماً ومرشداً ومسانداً للعديد من الأنشطة والفعاليات التي يقوم بها المركز .  
3- إستمرار نشاطي في جمعية قرية عراد الخيرية من خلال التواصل شبه اليومي مع الإدارة والمشاركة في جميع فعاليات وبرامج الجمعية.
4- إستمرار نشاطي وعملي في جمعية مبادارات البحرين الأهلية، ناشطاً فاعلاً وداعماً أساسيًا لكافة أنشطة هذه الجمعية.
5- استمرار نشاطي عبر كافة وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أكتب مقالات اسبوعية تعنى بالشأن السياسي ومختلف اهتمامات الشأن العام، كما أتابع كتابة وإرسال التغريدات والتعليقات حول مختلف القضايا والشئون المحلية والعربية والعالمية.
6- إستمرار نشاطي الاجتماعي الأهلي كنائب للرئيس في حسينية الحاج عباس العرادي وخاصة التواصل مع الجهات الرسمية، لتسهيل مواكب العزاء الحسينية وكافة متطلبات وفعاليات الحسينية ومؤخراً شاركت في اللقاءات التالية:
▪️لقاء رؤساء المأتم والحسينيات مع محافظة المحرق.
▪️اللقاء التنسيقي مع مجلس الاوقاف الجعفرية.
▪️اللقاء السنوي مع معالي وزير الداخلية.
▪️التواصل واللقاء السنوي مع مركز شرطة الحد المسؤول عن الشئون الامنية في منطقة عراد.
الخلاصة:
إذا كنت مواطناً مؤمناً بأن عليك واجبات وتتحمل مسؤوليات مجتمعية، سياسية، اجتماعية، ثقافية، حسينية ، إقتصادية، رياضية، خيرية، إعلامية ، لا تدع قرارات العزل السياسي تمنعك من أداء دورك والإلتزام بواجباتك ومسؤولياتك، وتعامل معها باعتبارها قرارات إدارية يمكن التعاطي معها بإيجابية، لأن هناك ألف بابٍ وباب للعطاء ويمكن الدخول من خلالها لأداء الواجب والإلتزام بالمسئولية المجتمعية.
أما إذا كنت عازفاً عن ذلك، فأنت لا تحتاج لصدور قرار يعزلك عن مسؤولياتك المجتمعية ، فالمجتمع هو مجموع الأفراد المكونين له ضمن فضاء مكاني وزماني محدد وينتج عن اجتماع هؤلاء الأفراد تفاعل وتواصل وأحياناً تقاطع، لكن دائماً وأبداً هناك احتياج مستمر للعطاء والدعم والمساندة لتقديم ما يعزز استقرار وأمان الوطن والمجتمع ضمن المسئولية المجتمعية المشتركة مهما كانت الظروف، والله من وراء القصد.