DELMON POST LOGO

نحو دوائر انتخابية توفر تمثيل أكثر عدالة - 1

بقلم محمد حسن العرادي

اكثر من خمسين عاماً مضت منذ تأسست الدولة الحديثة في البحرين ولا نزال نتلمس طريقنا نحو الديمقراطية، يتم تجريب أنظمة انتخابية متعددة كل حين، ثم نرى ونسمع بالتغيير فقط لأنه لا يلائم الممسكين بتلابيب القرار السياسي في البلاد، فيقومون بتغييره دون استشارتنا ودون أخذ رأينا في الحسبان، ونبقى أسرى تردد وتجاذب وتخوف وتشكك وتشكيك عبر عمليات أقدام وإدبار لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
حين ترك المُستعمر البريطاني البحرين وبقية دولنا الخليجية، طواعية بعد أن التغير الكبير للواقع الجيوسياسي في منطقة الخليج والهند بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية، خرج الانجليز من الباب ليسلموا عبر ترتيبات بينيه المنطقة برمتها لأمريكا المنتشية بالانتصار في الحرب ليس فقط على المانيا ولكن حتى على حلفائها في اوروبا.
لقد انتهجت امريكا سياسة بريطانيا بالإمساك بكامل خيوط السلطة والسيادة وواصلت اتباع ذات السياسة (فرق تسد) حتى صارت تقليداً راسخاً، وبعد أن ترسخ (للأسف) أنقسامنا وتقوقعنا إلى مكوناتنا الطائفية والمذهبية، وتأكد بأن بيننا وبين أن نُصبح مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات سنوات ضوئية بسبب ما رسخ فينا من ثقافة الكانتونات والمجتمعات المحافظه والمتقوقعة على ذاتها، رحل الاستعمار المباشر وعاد بطرق غير مباشرة لترهق دولنا الفتية الحديثة العهد بالاستقلال الحقيقي،
أطمئن إلى نجاح خطته في انتظار ان يرى زرعه يؤتي أوكله يوم الحصاد فلا تقوم لنا قائمة ولا امجاد وهذا ما تحقق بأيدي أبناء المنطقة العربية للأسف.
ولكي تكتمل الصورة الكرنفالية خرجت المانشيتات الاعلامية تُعلن الاستقلال والتحرر، وتم قبولنا عضواً كاملاً في جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة، التي جاءت لتخرج إتفاق ايران وبريطانيا إخراجا سينمائياً مقبولاً، فاتخذت الخطوات اللازمة للإعلان عن ولادة دولة جديدة اختار شعبها الحرية والإستقلال بمحض إرادته ورغبته، وبعد أن أُنجزت كافة المراسم والاتفاقات اللازمة تم إختيار تاريخ 14 أغسطس 1971 لإعلان الاستقلال التام.
كان عدد سكان البحرين في ذلك الوقت أقل من 250 ألف انسان، ولم تكن نسبة الوافدين تتجاوز 6% من السكان (يتجاوز سكان البحرين حالياً مليون وسبعمائة ألف نسمة وقد إرتفعت نسبة الوافدين لأكثر من 56% في حين انخفظت نسبة المواطنين الى 44% فقط بعدد لايتجاوز 720 ألف نسمة مع المجنسين)، ولا زلت أحتفظ وأعتز بصورة والدي رحمه الله وهو يهتف للبحرين في مسيرة يوم الاستقلال تحت حرارة شهر اغسطس اللاهب غير عابئٍ بالمرض العِضال الذي كان يعاني آلامه بصمتٍ وصبرٍ نادرين.
ورغم أنني عايشت لحظة الإعلان عن إنتخابات المجلس التأسيسي الذي وضع أول دستور لدولة البحرين، وبعد ذلك تابعت أخبار تشكيل المجلس الوطني في العام 1973 بوعي أكبر، إلا أنني أسجل أن التوزيع الطائفي كان بصمة لافتة منذ اليوم الأول لتلك العملية الديمقراطية التي لا نزال نحلم باكتمالها.
لقد تم تقسيم وترسيم الدوائر الانتخابية بشكل طائفي منذ التجربة الأولى للعملية الديموقراطية وعلى سبيل المثال فإن عراد والدير والسماهيج وضِعت في دائرة واحدة بسبب انتمائها لذات المذهب، وليس بسبب وجود أي رابط جغرافي بينها، بينما تم تقسيم بقية الدوائر في مختلف مناطق البحرين بذات المقياس الطائفي الذي رسم دائرتنا في العام 1971.
ورغم محاولة الجميع التكيف والإنسجام مع التجربة الديمقراطية الجديدة علينا وعلى بلدنا، إلا ان المجلس الوطني خضع للحل والتجميد بعد سنتين ونصف من عمله بتاريخ 23 أغسطس 1975، حين عُلقت المواد التي تنُص على عودة المجلس خلال 60 يوماً، فلا عاد المجلس ولا هم يحزنون، بل زج بعدد من أعضاءه في السجون وهرب بعضهم الى المنافي لنُسجل في بلادنا بداية الضيق بالديمقراطية رغم تبنينا لها كحل، بين تخوف وتشكيك في النوايا وحماس زائد لم تنضجه الممارسة وكان ضحيته التجربة الوليدة!
استمر الحال على هذا المنوال سبعة وعشرون عاماً، تخللتها أحداثٌ وتظاهرات وصداماتٌ وإحتجاجاتٌ عايشناها وشاركنا في بعضها حين كُنا على مقاعد الدراسة تلامذة مدارس وطلاباً جامعيين إلى جانب العمال في القطاعين العام والخاص،
كانت السنوات تتوالى والأعمار تنقضي ونحن نسمع عن مبدأ دستوري ينص على أن الشعب مصدر السلطات، لكننا لم نتلمس ذلك ولم نذق طعم حلاوته التي جربتها شعوب مارست الديمقراطيات العريقة في دول أخرى من العالم لا يتحدثون اللغة العربية ولا يتقنون فن الالتفافات والتراجعات التي تتقنها شعوبنا.
كانت فرص النمو الاقتصادي في منطقتنا هائلة جداً بسبب ارتفاع أسعار النفط عالمياً إلى معدلات عادلة، بعد الانتصارات العربية على المشروع الصهيوني في حرب أكتوبر المجيدة 1973، حين اتخذ المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود قراراً شجاعاً وجريئاً بتحشيد النفط في المعركة القومية الكبرى، فذهب رحمه الله ضحية موقفه وتم اغتياله في العام 1975، وقد وفرت لنا جرأته في اتخاذ القرار فرصة كبيرة لتنمية بلداننا الفتية في منطقة الخليج العربي وتعزيز التنمية والمستوى المعيشي.
لكن الغرب المتربص بنا دائماً اخترع لنا أدوات دمار جديدة تبنيناها كالعادة بدون تروٍ ولا مراجعة حصيفة، فكانت حرب الخليج الأولى (الحرب العراقية الايرانية) التي استمرت ثمان سنوات عجاف، فأكلت الأخضر واليابس على ضفتي الخليج، وحولت الثروة بين أيدينا إلى اسلحة فتاكة نقتل بها بعضنا البعض، ويقبضون هم الثمن مضاعفاً، وكان من تداعيات تلك الحرب أن عشنا جميعاً تحت قاعدة - لاصوت يعلو فوق صوت المعركة - فبلع الجميع السنتهم إلا من رحم ربي.
وبعد أن تهيأت للمنطقة فرص الهدوء والأستقرار على إثر انتهاء الحرب الحرب المشؤومة في العام 1988، حرص الغرب على إندلاع معركة جديدة في المنطقة تمثلت في استغلال الغرور والقوة المفرطة التي تكدست لدى النظام العراقي آنذاك ليقوم بغزو دولة الكويت العزيزة في 2 أغسطس 1990،
وهكذا استمر النزيف البشري والمالي وتوقفت أو كادت كل مشاريع التنمية بدأت الديون تتراكم رغم الغنى والثروة النفطية، وأصبحت المنطقة تعيش على سطح صفيحٍ ساخن يوشك بالانفجار في أية لحظة.  
ولأن من أشعل النار كان يملك خططاً واضحة لادارتها ويعرف كيف يوجهها لتحقيق مصالحه الخاصة، تحول الخليج العربي خلال فترة الإعداد للحرب على العراق إلى قاعدة عسكرية دولية عائمة شاركت فيها جيوش أكثر من 35 بلداً من مختلف دول العالم، وبعد أن اكتملت المسرحية الغربية في المنطقة، تم تحرير دولة الكويت من الاحتلال العراقي، وسُمح بعودة أهلنا وأشقائنا الكويتيين الأعزاء الى بلادهم بعد  تشتتوا في كافة دول العالم، وفي ذات الوقت بدأت عملية ممنهجة لتدمير العراق وانهائه إلى الأبد ليس حفاظاً على الدول الخليجية ولكن حماية للدولة الصهيونية ضمن خطط شيطانية سنأتي على ذكرها لاحقاً، وللحديث صلة.