DELMON POST LOGO

نحو دوائر إنتخابية اكثر عدالة في البحرين (خارطة طريق) - 3

بقلم محمد حسن العرادي
كثيرة هي التيارات السياسية المتنافسة على المشاركة في السلطة واقتسام المغانم والمكاسب الاقتصادية والسياسية، هذا هو أساس الديمقراطية في كل دول العالم التي تأخذ بهذا النوع من الأنظمة، حتى تكتمل العملية الديمقراطية وتؤتي ثمارها،
ولكل تيار من التيارات التي تتنافس على المشاركة أو تطمح لها، أدوات وخطط لتحقيق أهدافه الفئوية غالباً، مستترة حيناً وفاقعة الظهور والوضوح حيناً آخر، وهنا يكون التدافع بين هذه التيارات دون أن يوضع بعين الاعتبار الأضرار التي يمكن أن تحدث على مستوى الوطن والمكونات والفئات الأخرى في المجتمع.
ودون شك فإن هذا التنافس في مجتمعاتنا الحديثة العهد بهذه التجربة يكاد أن يتحول إلى تناحر وصراعات طائفية ومجتمعية غير محمودة، تُسهم في اشعال المزيد من الاصطفافات الطائفية على حساب تعزيز المواطنة الواحدة المتساوية في الحقوق والواجبات وتحمُل المسئوليات.
لقد مضى من عمر العملية الديمقراطية عقدين من الزمان أو أكثر ولا شك أنه قد آن الأوان لتغيير هذا التوجه والسلوك المجتمعي المبني على تقسيم الوطن إلى تحزبات وتيارات مبنية وقائمة على أساس طائفي وفئوي، مما يحُول دون الاندماج الوطني الكامل، وعليه لابد أن يكون هناك توجه وقناعة جادة من الجميع للعمل على التحول من جماعات ومكونات متفرقة إلى مواطنين متساوون في الحقوق والواجبات تحت طائلة الدستور والقانون بعيداً عن التخندق الطائفي والمذهبي.
إن المذهبية واقتسام الحصص واعتبار الوطن غنيمة او كعكة يجب توزيعها حسب موازين القوى، أو وفق الثقل السكاني لكل مكون نظريات عفا عليها الزمن، وهي كانت ولا زالت نهجا للدول الفاشلة سياسياً ووطنياً، ولم يجلب لها هذا النهج سوى الضعف والتشرذم والانحطاط، لهذا يجب أن تتجاوز بلادنا هذه الاصطفافات التي هي غالباً ما تُبنى على زعزعة الثقة في مبدأ المواطنة، ولا سبيل أمامنا سوى نهج المواطنة المتساوية أمام القانون و المحمية بالدستور والميثاق، إن أردنا بناء وطن موحد خلف قيادة واحدة ونظام واحد ودستور يلتزم به الجميع دون امتيازات سياسية تُفضل أحداً على غيره بسبب مذهبه أو عرقه أو لونه أو جنسه أو قرابته، فالمواطنة حق متساوي لجميع المواطنين بدون تمييز كما أكدتها مبادئ حقوق الإنسان.
إن التفكير في التأسيس للمواطنة المتكافئة ليس محاولة أو دعوة لالغاء أحد، ولا يجب أن ينظر لها أحد كمسعى للانتقاص من حقوقه وامتيازاته التي قد يكون حصل عليها بدون وجه حق، اذ أن الحقوق والامتيازات يجب أن تكون مرتبطة طردياً بالانتماء للوطن ومقدار العطاء ومعيار الكفاءة والمعرفة والقدرة على أداء الوظائف العامة والخاصة لخدمة الوطن والمواطنين بدون تفاضل لأي سبب أخر.
ودون شك فإن هذه الدعوة ليست محاولة لالغاء الحريات الشخصية والحريات الدينية والتعبدية للمواطنين، بما تحمله وتضمنه من شعائر مذهبية خاصة وطقوس عبادية لا تسيء للآخرين، بل على العكس هي دعوة للاستفادة من هذا التنوع الثقافي والاثني والاجتماعي الذي تتميز به بلادنا باعتباره عاملاً إيجابيًا يساهم في توفير المزيد من القوة للوطن، ويهيئ الفرص الأفضل للتنافس الحضاري في سبيل النهوض بالوطن.
ولا يعتمد الأمر على القوى المجتمعية فقط بل يحتاج إلى خطوات جريئة تقدم عليها الحكومة بقيادة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء لإحداث نقله نوعية حقيقية في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لنا كمواطنين بحرينيين، وذلك لن يتحقق ما لم تتغير الأولويات التي تُنظم حياتنا وتعاملاتنا، وفي سبيل ذلك فإننا نقترح اتخاذ عدد من الخطوات العملية والفاعلة - واعتبارها مشروع خارطة طريق مقترح كالتالي:
1- تطوير المناهج التعليمية باتجاه تعزيز المواطنة والقيم الوطنية العليا التي تُعلي شأن المساواة في الحقوق والواجبات للجميع على حساب الانتماءات المذهبية والطائفية والفئوية، وتنقية المناهج من كل ما يثير النعرات والخلافات بين أبناء الوطن وخاصة الشعور بالأفضلية أو التمييز لفئة على حساب غيرها، أو الاضطهاد الديني أو الاجتماعي والسياسي فالانتماء يكون أولاً وأخيراً للوطن.
2 - اعتماد معيار الكفاءة والاخلاص والقدرة على الابداع لخدمة الوطن في جميع الوظائف الحكومية بعيداً عن المحسوبيات والواسطات المبنية على القرابة أو المعرفة أو الانتماء الطائفي فالولاء للوطن أولاً وأخيراً، او التملق والتسلق والوشاية بالآخرين لاية أسباب كانت.
3- إعادة النظر في طريقة بناء كافة الأنظمة والهياكل الإدارية والأجهزة الرسمية والهيئات والمؤسسات التي ربما بنيت بشكل طائفي خلال الفترات السابقة لاي سبب من الأسباب، والبدء بتفكيكها بهدوء وعناية حتى لا تثير اية ارتدادات مجتمعية سلبية، وإعادة بناءها على أسس وطنية وحسب الكفاءة والانتاجية فالوطن لجميع أبناءه دون تمييز.
3- اعتماد مبادئ الشفافية والحوكمة وحقوق الانسان في إدارة كافة وزارات وهيئات ومؤسسات الدولة، ووضع المعلومات والبيانات بشكل واسع في متناول الباحثين والدارسين وتعزيز الثقة بين المواطنين والحكومة بعيداً عن نشر ثقافة الشك والريبة والطعن في النوايا، التي تتنامى بسبب الحجب والمنع من الوصول إلى المعلومة التي لا يمكن بالأساس حجبها في عالم اتصلت جوانبه وتلاحمت مكوناته بفضل الثورة المعلوماتية التي تتسع آفاقها يوماً بعد يوم.
4- التخفيف من الهاجس الأمني المسيطر على عمل الأجهزة والمؤسسات المعنية بحفظ النظام وحماية أمن البلاد، وتعزيز ثقافة الأمن الوطني الجماعي من خلال إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية، بما يسمح بمشاركة جميع المواطنين في حماية البلاد على أساس وطني بعيداً عن المذهبية والفئوية والتعامل مع المواطنين وفق ادائهم وليس وفق مذهبهم.
5- تعزيز المنظومة القضائية والعدلية واستكمال المؤسسات المرتبطة بها بما يساهم في تعزيز استقلال السلطة القضائية ويُنظم عملها بعيداً عن أي تداخل مع السلطات الأخرى، وخاصة السلطة التنفيذية، مع تكريس الشعور بالعدالة والإنصاف بين جميع المواطنين بشكل متساوٍ ومسئولٍ وتحت سقف وطائلة القانون.
6- تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة بين مختلف مناطق البحرين، وتوفير كافة الخدمات وفق استراتيجيات وخطط إدارية وبرامج وتنموية عادلة ومتزامنة، فليس من المعقول أن يحظى مواطنو محافظة معينة بخدمات صحية، اسكانية، تعليمية، بلدية، تنموية، اقتصادية، أفضل أو أقل من نظرائهم المواطنين في المحافظات الأخرى، لان ذلك سيؤجج الشعور بالتمايز وعدم المساواة بين المواطنين.
7- التقليل من نسب الوافدين في البلاد بعد أن تضخمت أعدادهم بشكل مخيف، وزادت ممارسة الكثير منهم لإعمال هامشية غير ذات قيمة مضافة حقيقية للوطن، ولا تساهم في تنمية الاقتصاد الوطني، اضافة إلى الارتفاع المضطرد في المشكلات المجتمعية والأخلاقية والأمنية التي يتسببون او يكونون طرفا بها،
مع اهمية العمل على تقليص الصلاحيات الممنوحة للشخصيات والشركات ومؤسسات القطاع الخاص والمستثمرين الاجانب الذين يُغرقون السوق بالعمالة الوافدة الفائضة أصلاً وبدون مبرر تنموي أو حاجة حقيقية، وإلزام هذه الجهات بتحقيق نسب ثابتة من توظيف المواطنين كحد أدنى ضمن شروط الترخيص لها بالعمل في البحرين، مع مراقبة وتأييد ودعم برامج البحرنة وفق خطط مدروسة ومعتمدة.  
8- مساعدة الشركات والمؤسسات الوطنية ودعم قدرتها التنافسية وفق نسب البحرنة التي تحققها، واعتبار ذلك أهم معايير الحصول على المناقصات في المشاريع والتعاقدات الحكومية، التي تستحق الدعم والمساندة، مع مراعاة برامج الاحلال والاستبدال التي تؤدي إلى تقليل نسبة الاعتماد على العمالة الوافدة تحت مسميات خبراء ومستشارين في كافة القطاعات الرسمية في حين تتوفر الكفاءات الوطنية القادرة على شغل هذه الوظائف لكنها مهمشة ومستبعدة لأسباب غير مبررة.
9- إعادة كافة الصلاحيات التشريعية والدستورية التي قيدت او سُلبت من مجلس النُواب خلال الفترة الماضية، وأهمها ما يتعلق بالاستجواب وتشكيل لجان التحقيق في محتلف الملفات الوطنية، وحق توجيه الاسئلة النيابية للوزارء ومن في حكمهم وفتح المناقشات العامة، مع تعزيز الحصانة النيابية بما يدعم دور أعضاء مجلس النواب ويُشجعهم على مُحاسبة المسئولين المقصرين، والسماح لهم بتشكيل فرق عمل وكاتب خاصة بهم مدعومة من ميزانية السلطة التشريعية التي يجب أن تتميز بالاستقلالية.
10- إعادة رسم الدوائر الانتخابية وفق أسس وطنية تسمح لجميع المواطنين الذين تنطبق عليهم الشروط المقررة لممارسة حقوقهم الدستورية كافة وخاصة حق الترشح والانتخاب، مع إلغاء قرارات العزل السياسي بشكل تام باعتبارها مثلبة تنال من قيمة العملية الديمقراطية في البحرين وتقود الى خطوات تراجعية في المشروع الاصلاحي لجلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه، وتساهم في التشكيك بها والإساءة الى سمعة البحرين الدولية.
11- دراسة امكانية إجراء تعديل دستوري يُعيد صياغة وهيكلة المجلس الوطني ليكون من غرفة واحدة فقط، كما كان الحال في دستور 1973، ونقترح أن يتشكل هذا المجلس من 60 عضواً فقط، يكون 40 عضواً منهم منتخبين بشكل مباشر حر ونزيه، ويتم تعيين 20 عضواً منهم من قبل جلالة الملك المعظم مناصفة بين مؤسسات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية، مع إلغاء مجلس الشورى والاستفادة من الكفاءات الموجودة في جهازه التنفيذي لتدعيم كفاءة عمل هذا الجهاز لخدمة المجلس الوطني.
12- تعديل النظام الانتخابي لضمان أكبر قدر من العدالة والفرص لمشاركة الكفاءات والفعاليات المجتمعية، على النحو التالي؛
المناصفة بين الدائرة الوطنية الكبرى على مستوى البحرين بمعدل 20 مقعداً وطنيا بينها (كوته نسائية) بمعدل 10 مقاعد، و 20 مقعداً مناطقياً موزعين على المحافظات بمعدل 5 نواب لكل محافظة في الدوائر الصغرى، يتنافس عليها المواطنون دون تمييز واعتماد نظام الفوز من جولة واحدة بالأغلبية وليس وفق اغلبية النصف زائداً واحد المتبعة حالياً.
13- انشاء مفوضية عامة مستقلة للانتخابات، يشارك في عضويتها شخصيات وطنية كفؤة تمثل مؤسسات المجتمع المدني المعنية، وإطلاق يدها لوضع الأنظمة المناسبة لضمان شفافية أكبر في إدارة ومراقبة العملية الانتخابية بعيداً عن اي تدخلات واملاءات من السلطة التنفيذية.
14- إعادة دراسة ومراجعة وتعديل قانون الجمعيات السياسية وقانون مباشرة الحقوق السياسية، وقانون الجمعيات الأهلية، واية قوانين تتصل بالعملية الديمقراطية، وتنقيح موادها القانونية من كافة اشكال القيود التي تعوق تطوير العملية الديمقراطية، وخاصة حرية تشكيل الجمعيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، مع التأكيد على حرية الانتماء السياسي والفكري وفق ما يكفله الدستور من حريات وحقوق للمواطنين.  
هكذا من وجهة نظرنا يمكن أن نصنع وطناً آمناً يوجه جهود أبناءه للبناء والتنمية ويضمن حقوق ومشاركة الجميع وفق الشعور بالمسئولية الوطنية، بعيداً عن الاصطفافات الطائفية والفئوية، ولجعل ذلك ممكنا فإننا نقترح أن تتبنى الحكومة تنظيم طاولة حوار وطني شامل، تناقش من خلالها هذه التصورات وغيرها مما تقدمه الشخصيات والقوى والتيارات السياسية الوطنية الأخرى، وتفتح الباب لمصالحة وطنية حقيقية وتسوية ترضي جميع الاطراف، وتعالج الملفات العالقة وخاصة الغاء العزل السياسي بصورة تامة، وتبييض السجون والمعتقلات من السياسيين، عودة المواطنين المبعدين، وقف قرارات إلغاء الجنسية وإعادتها لمن فقدها أو لم يحصل عليها من المواطنين، وتقنين عملية التجنيس ومُراجعة ملفات من تم تجنيسهم خلال السنوات العشرين الماضية من قبل لجنة برلمانية تعرض نتائج تحقيقها على المجلس الوطني وتكون قراراته نافذة بشانها.
إن كل ما سبق هو مجموعة من التصورات والمقترحات لمواطن يأمل الخير كل الخير لوطنه وأهل بلده، تحدوه ثقة كبيرة في نظامنا السياسي بقيادة جلالة الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه، الذي قدم المشروع الاصلاحي وأحدث نقلات نوعية متقدمة في مجال الانفتاح السياسي في البلاد.
كما اننا نضع ثقتنا الكبيرة في صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الموقر الذي نجح في إدارة العديد من الملفات الاجتماعية والاقتصادية والصحية وآخرها ملف مكافحة جائحة كورونا، كما أقدم على تحديث غير مسبوق في مجلس الوزراء والعديد من الهيئات والمؤسسات الرسمية، إن من حقنا أن نحلم بإمكانية تحقق كل تلك التصورات أو معظمها ضمن ترتيب الأولويات والمدى الزمني الممكن والمعقول.
إننا نثق كل الثقة بأن هذه التصورات من الممكن ان تكون أرضية صُلبة لاطلاق عملية حوار وطني ستكون فاعلة بأذن الله، كما أن هذه المقترحات تبقى مفتوحة للتعديل والاضافة من قبل الكتاب والسياسيين، ولاحقاً المشاركين في طاولة الحوار الوطني المرتقب والذي يجب أن يضم كافة مكونات المجتمع في البحرين، شريطة أن تكون الحكومة الموقرة ممثلة وحاضرة بقوة في كافة لجان الحوار، ومُلتزمة بتنفيذ النتائج التي يتمخض عنها هذا الحوار، عبر رفعه إلى جلالة الملك المعظم لاعتماده واصداره على هيئة مراسيم ملكية بقوانين ملزمة للجميع، والله من وراء القصد.