DELMON POST LOGO

الطريق إلى استعادة الحقوق المدنية في البحرين

بقلم محمد حسن العرادي

الآن وقد بان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وتحددت المواعيد النهائية للانتخابات النيابية للفصل التشريعي السادس 2026/2022 ، بعد أن وجه جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه الناخبين للمشاركة في الانتخابات العامة في الفترة 12 - 19 نوفمبر 2022 ، فقد أصبحت قضية العزل السياسي والحرمان من الحقوق المدنية بيد أعضاء مجلس النواب القادم.
وعليه فان المرشحين لهذه الانتخابات يجب أن يرتقوا إلى مستوى المسئولية الوطنية، ويضعوا مسألة الحقوق المدنية على سُلم  أولوياتهم وبرامجهم الانتخابية ويثيرونها في لقاءاتهم وندوانتهم الجماهيرية، التزاماً منهم بالعمل على معالجة آثار وتداعيات أزمة فبراير 2011 التي قادت البحرين إلى تراجعات كبيرة في مستوى الحقوق السياسية والديمقراطية، ومنسوب  الحريات العامة والحقوق المدنية والسياسية التي جاء بها المشروع الاصلاحي لجلالة الملك المعظم، وحدد اطارها وأفقها ميثاق العمل الوطني الذي وافق عليه الشعب بأغلبية 98.4%، فكان سقفها الاعلى في منطقة الخليج العربي آنذاك.
وإذا كانت الكثير من القوانين الناظمة للشأن السياسي والديمقراطي قد شهدت تراجعاً وتعديلاتٍ قاسية تحت هاجس تداعيات أحداث فبراير 2011، فإن مُضي أكثر من عقد من الزمن عليها، قد ألغى الكثير من مفاعليلها وتأثيراتها ولم تعد الحاجة إليها كما كانت من قبل على جميع المستويات السياسية والأمنية، مع الإشارة إلى أن الفترة الماضية قد شهدت تضخيماً متعمداً وتهويلاً مبالغاً فيه للمخاوف والهواجس التي قيل بأنها كانت تهدد الدولة واستقرارها.
لقد أثبت نظام الحكم في البحرين صلابته وقدرته على مواجهة التحديات، وأنه يتمتع بكافة أسباب المنعة والقدرة على التماسك والاستقرار السياسي وعبور الأزمات وادارة المنعطفات الحادة، وقد تجاوز الآثار السيئة لما سمي بالربيع العربي والذي ثبت بأنه كان خريفاً أسوداً جلب معه الكثير من البلاء والخراب والتراجعات السياسية في العديد من البلدان العربية التي ضربها تسونامي التغيير المصطنع، الذي خططت له وأطلقته أمريكا ودول الغرب لتحقيق أجندات خاصة بها، وليس لها أي علاقة بتحقيق ونشر الديمقراطية في المنطقة العربية كما زعموا، وخير شاهد على ذلك حجم الدمار الذي شهدته بلدان مثل سوريا وليبيا ولبنان.
وإذا كانت التراجعات الدستورية في مستوى الحقوق السياسية والمدنية قد أُقرت تحت قبة مجلس النواب في الفصول التشريعية الثلاثة الماضية، ضمن شروط اللعبة السياسية التي تفنن اللاعبون السياسيون في توجيهها وتوظيفها، ودون قرارات تنفيذية قسرية على شكل مراسيم ملكية حاسمة، حتى لو كانت السلطة السياسية مشجعاً وداعماً وراعياً لتلك التراجعات والتعديلات التي ضيقت العمل الديمقراطي،
فإن الوقت قد حان للبدء في رحلة العودة إلى السقف السابق لهذه الصلاحيات واستعادتها من خلال مجلس النواب في الفصل التشريعي السادس.
لقد تعهد جلالة الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه بصفته رأس الدولة وقائدها باستمرار التجربة البرلمانية التي قامت على قاعدة مشروعه الإصلاحي عام 2001، والتزم بعدم حل مجلس النواب كما حدث في التجربة الديمقراطية الأولى عام 1975، كما التزم بأن تؤخذ جميع التعديلات وفق الآليات التي أقرها الدستور بما في ذلك تعديل الدستور نفسه و تعديل القوانين التي صدرت خلال هذه الفترة، وبعيداً عن المؤيدين أو المعارضين لما حدث من تعديلات قانونية ودستورية، وبغض النظر عن تقديراتهم وقراءتهم لها باعتبارها تراجعات ومعوقات للعمل السياسي أو النظر لها كضمانات لاستمرار التجربة السياسية، فإن الاستفادة من آلية تعديلها واستعادتها من خلال مجلس النواب ذاته تشكل التحدي الأبرز الذي يجب تجربته خوضه من قبل المجتمع ونشطاءه ونوابه الجدد في المرحلة القادمة.  
من هذا المنطلق فإننا ندعو إلى إنشاء تحالف واسع يضم جميع النشطاء في الجمعيات والتيارات السياسية والحقوقية، والمترشحين لانتخابات مجلس النواب المقتنعين بأهمية العودة عن تلك التعديلات من أجل أن تستعيد التجربة النيابية رونقها وبهائها وتحررها، فالتجارب الديمقراطية قادرة على إصلاح ذاتها ومعالجة اخطائها متى ما اتيح لها ذلك وكتب لها الاستمرار، وتوفرت فرص المراجعات واكتشاف الأخطاء، خاصة وإن جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه، قد بين في أكثر من مكان ومقام إن تعديل الدستور والقوانين والأنظمة ممكن من خلال الحوار والعمل الوطني الهادف والمنظم تحت قبة مجلس النواب، وها هي الفرصة تعود من جديد.
إننا نؤمن بأن الخيار الديمقراطي قادر على التطور وتحسين الأداء مع استمرار التجربة بعيداً عن العنف والصدامات، ونحمد الله إن مجلس النواب في البحرين قد أكمل عقدين من الزمن، ويوشك أن يدلف إلى العقد الثالث من عمره المديد، ولا شك أن الفرصة سانحة لامتحان المرشحين الجدد لهذا المجلس وخاصة أولئك الذين سينالون شرف الوصول إلى مقاعد البرلمان، ونحن اذ نجدد المطالبة بإعادة المكتسبات والصلاحيات والأدوات الدستورية التي فقدها مجلس النواب، إنما نؤكد على إيماننا بالخيار الديمقراطي وثقتنا فيه طريقاً سلمياً مشروعاً ووسيلة للتغير نحو الأفضل.
 
لسنا من أنصار البكاء على اللبن المسكوب، كما أننا لسنا من دعاة نصب مجالس العزاء والنواح على الحقوق والفرص الضائعة، بل نحن من الداعين إلى معالجة الأخطاء بالصبر والحنكة وتدوير الزوايا، والبحث عن النقاط المشتركة التي يمكن أن تجمع مُختلف الفرقاء، وتُؤلف بين القُلوب وتزرع فيما بينها الطمأنينة والثقة، وتعزز الشراكة الوطنية، وتحمي المنجزات الديمقراطية مهما كانت صغيرة ومتواضعة وتبني عليها للمستقبل، فالعملية السياسية عملية تراكمية تحتاج الى وضع المداميك القانونية الصُلبة والثابتة لها حتى يشتد العود ويقوى الجسد.  
إننا في الوقت الذي ندعو فيه جمهور الناخبين لأن يدققوا ويحسنوا الاختيار بين المرشحين، من أجل أن يكون مجلس النواب القادم انعكاسا حقيقياً لهموم وتطلعات الشارع وآماله، فإننا ندعو المرشحين كافة، لاسيما الذين سيفوزون بمقاعد مجلس النواب بأن يكونوا على قدر المسئولية التاريخية لإعادة قطار الديمقراطية إلى مساره الصحيح وذلك من خلال استعادة كافة الحقوق السياسية والمدنية التي تم التراجع عنها أو تكبيلها بالقيود خلال الفترة الماضية.
كما إننا نطالب في هذا المقام بحماية ما تبقى من الحقوق الدستورية والسياسية والمدنية، واستعادة ما سُلب منها عبر  قرارات واحكام العزل السياسي التي صدرت في ظروف استثنائية لم يعد لها وجوداً أو مبرراً مقنعاً في الوقت الحاضر، كما ندعو جميع المواطنين للانخراط في العملية الانتخابية أو من خلال الأنشطة المطلبية السلمية وفق الوسائل المشروعة والمتاحة لاستعادة هذه الحقوق والمكتسبات، وتمكين المواطنين كافة من ممارسة حقهم في الترشح والتصويت في جميع الانتخابات العامة والخاصة - في مؤسسات المجتمع المدني - دون أي تعدي أو مصادرة من قبل أي جهة كانت ما لم يستند ذلك لأحكام قضائية شخصية وحاسمة.
وفي الختام فإننا نجدد الدعوة لكافة المتقدمين للترشح للانتخابات النيابية القادمة لإدراج إستعادة الحقوق المدنية والدستورية والسياسية على سُلم أولويات برامجهم الانتخابية مع مطالبتهم بالعمل على توسيع دائرة الحُريات والحقوق من أجل أن تتطور التجربة الديمقراطية نحو آفاق أكثر اتساعاً حسب ما ينص عليه الدستور وميثاق العمل الوطني، وليس حسب الأهواء والأمزجه التي قادت إلى الانتقاص من هذه الحقوق، وحرمت العديد من المواطنين من حقوقهم المدنية تحت مبررات وقتية آن الوقت لالغائها،
ونختم بالقول المأثور للأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفه أبو الدستور البحريني طيب الله ثراه " إن هذا الوطن كالطائر لايمكن أن يطير إلا بجناحين سليمين " والله من وراء القصد.