DELMON POST LOGO

أيها الممنوعون من الترشح .. لا تتخلوا عن حقوقكم !

بقلم محمد حسن العرادي - البحرين

بدون مقدمات أو تمهيد، وبصوت واضح وصارخ وصريح، أُطالب بالغاء كافة قرارات وإجراءات العزل السياسي، وتمكين جميع المواطنين البحرينيين من ممارسة حقهم الدستوري في الترشح والإنتخاب، بعيداً عن أية أسباب وحجج يتم تقديمها كمبرر لهذا النوع من التعسف في ممارسة السلطة.
لقد كفل الدستور البحريني وميثاق العمل الوطني حق المواطنين في المشاركة أو المقاطعة في الانتخابات بمحض إرادتهم، ودون أن يكون للسلطات الحق في إجبارهم على المشاركة أو منعهم منها، فالأصل في أي انتخابات في العالم هو حرية الاختيار، وأن يكون القرار بيد المواطنين بشكل مستقل ودون تسلط أو تعسف من اي جهة، سواء كانت تلك الجهة حزبية، دينية، سياسية، طائفية أو سلطة تنفيذية.
وإذا كان من حق الدولة إصدار القوانين ومطالبة الجميع بالالتزام بها وعدم الخروج عنها باعتباره اجراءات لازمة لتنظيم وتسيير شئون الدولة، فإن هذه القوانين يجب أن تراعي مجموعة من المعايير الوطنية والدولية والانسانية وأولها ألا تكون مخالفة للدستور، فإذا ثبتت ان بها عوار قانوني او تعارض دستوري، جاز للمواطنين العمل على تصحيحها والمطالبة بإسقاطها واستبدالها بقوانين افضل منها وليس أسوأ منها.
ولنا في اسقاط قانون ومحكمة أمن الدولة نموذجاً على القوانين المخالفة للنصوص الدستورية، حتى أمر جلالة الملك المعظم بإلغائه مع بداية العهد الإصلاحي لتصحيح مسار قانوني، وعليه يجب التأكيد على أن جميع القوانين التي تخالف نصوص وروح الدستور الذي يعتبر الوثيقة الأهم والأساس في صياغة العلاقة بين الحاكم والمحكوم هي قوانين قابلة للتعديل والاستبدال بأخرى أفضل منها واكثر اتاحة للحرية وتحقيقا لحقوق المواطنين.
إن جميع القوانين تشتق من الدستور ولا يصح أن تخالفه، ويجب أن يُراعي عند اصدارها كافة المواثيق الدولية التي تُصدرها الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، وجميع المنظمات الأممية المنبثقة عن منظمة الأمم المتحدة، فضلاً عن كافة المعاهدات التي تكون الدولة طرفاً فيها، مع التذكير بأن القرارات والمواثيق والمعاهدات الدولية يكون لها الأولوية على القوانين الوطنية بمجرد التوقيع عليها واقرارها من قبل أي دولة.
إن لكل بلد من بلدان العالم ولكل شعب من الشعوب مجموعة من الأعراف والعادات والتقاليد الراسخة في الوجدان الوطني والقومي، وهي بمثابة سنن وتشريعات مُلزمة رغم أنها غير مكتوبة،  لكنها أصبحت مع الزمن ذات قوة على الجماهير تفوق قوة القوانين  الوضعية، وصارت من المسلمات التي تستحوذ وتحوز وتحظى بالحصانة المجتمعية باعتبارها أسس وقواعد ثابته لا يمكن تجاوزها أو القفز عليها إلا عبر توافقات مجتمعية تنال رضا الأغلبية من المواطنين والمكونات المجتمعية، ويجب أن تحصل على اجماعٍ وتوافقٍ تامٍ بين كافة المكونات والفئات التي يتشكل منها المجتمع بأكمله.
ومن المؤسف أن بعض القوانين التي صدرت في بلادنا لم تحز على التوافقات المجتمعية والسياسية اللازمة، الأمر الذي خلق شعوراً بالظلم والاستهداف من قبل بعض الفئات والأفراد المتضررين من هذه القوانين التي صدرت في ظروف استثنائية وخاصة بعد الأحداث المؤلمة التي وقعت في البحرين أبان أزمة فبراير 2011، خاصة وأن والكثيرين يعتبرون القوانين والتعديلات المختلف بشأنها أدوات قمعٍ تم سنها وتقنينها لممارسة التعسف ومصادرة الحقوق ضد مكونات، فئات، أو أفراد معينين في هذه البلاد.
وقد يصنف هذا النوع من العسف في بعض الأحيان بالاضطهاد والانتقاص الكبير لحقوق المواطنة، كما حدث من خلال التراجعات الدستورية التي صوت عليها مجلس النواب في الفصلين التشريعين الرابع والخامس، وما ادى اليه من انتقاص واضح لصلاحياته، إضافة إلى الجوانب القانونية التي ضيقت من حرية العمل السياسي وحجمت من الحقوق المدنية، وحرمت أعداداً من المواطنين من حقهم في العمل السياسي والمدني على حد سواء، دون حصولهم على الحق في المحاكم العادلة أو حق التظلم في ظروف طبيعية تمكنهم من الحصول على فرصة عادلة للعودة لممارسة حياتهم المدنية في ظل مبادئ الدستور والميثاق الوطني.
إننا بكل ثقة نقول بأن هذا التضييق لا يمكن أن يستمر إلى الأبد حيث أن دوام الحال من المُحال، وستسقط الإجراءات التعسفية السالبة للحريات والحقوق كما سقط قانون أمن الدولة السيئ الصيت بعد 27 عاماً من إقراره وتنفيذه، خاصة وأن عهد الديمقراطية والإصلاح والتطلع للتنمية المستدامة لا يستقيم في ظل وجود كثير من المواطنين المكبلين وشبه العاجزين عن الإسهام في الحياة العامة وهم "بحسب تعاريف الأمم المتحدة عماد التنمية ورُكنها الأساس الذي لا تنجح بدونه"!.
إن طبيعة النفس البشرية تواقة إلى الحرية ونيل مساحات أكبر وأوسع من حقوق المواطنة، وهي تبحث دائماً عن التوافقات والتسويات التي ترتقي بأوضاعها وتعمل على إيجاد البدائل المناسبة التي تمكنها من التعويض عن النواقص التي تعاني منها، وتعينها على تجاوز العقبات التي تعترض طريقها عبر نسج وانتاج بيئة طبيعية حاضنة لمزيد من حرية العمل الوطني المشترك الذي يعزز اللحمة الوطنية.
وفيما يخص منع وحرمان عدد كبير من المواطنين البحرينيين من ممارسة حقهم المدني في الترشح أو الانتخاب أو كلاهما معاً، سواءً كان ذلك المنع والحرمان كلياً أو جزئياً، فإن من المهم لنا جميعاً بعد الرفض القاطع لهذا الوضع غير القانوني، أن لا نصل إلى مرحلة اليأس والقنوط، كما يجب أن لا يدفعنا التعسف المتخذ ضدنا للقيام بخطوات خاطئة أو ردات فعل عنيفة أو التخلي عما بقي لدينا من حقوق مهما كانت صغيرة، مع إيماننا بأن مشكلات ومثالب الحُرية لا تُعالج إلا بالمزيد من الحُريات والانفتاح على الآخر !.
ومع الإعلان عن موعد الانتخابات البلدية والنيابية العامة للفصل التشريعي السادس ( 2022 - 2026) اتضح للجميع أن هناك أعدداً كبيرة من المحرومين من حق الترشح، بل إن هناك عدداً كبيراً من الممنوعين من حق الانتخاب أيضًا، وهناك من سقطت أو شُطبت واُلغيت أسمائهم من جداول الناخبين بدون وجه حق، ومن غير سابق إنذار وفق قرارات تعسفية اتخذت من طرف واحد بتوجيه وادارة وضغط من قبل الجهات التنفيذية، والاغرب من ذلك ان يطُلب ممن تم اقصائهم التقدم لتحديث بياناتهم، وعندما يفعلون ذلك، يتم إبلاغهم برسائل نصية رفض طلبهم إعادة أسمائهم لجداول الناخبين بدون أي مبرر أو فرص عادلة للتقاضي.
إن من حق المواطنين الذين واجهوا هذه الأوضاع الشعور بالظلم وانتقاص الحقوق والحريات، كما إن من حقهم التذمر والتظلم والطعن في قرارات استبعادهم والتعبير عن رفضهم لهذه الإجراءات بالطرق السلمية المناسبة، مع عدم ترك خيار ممارسة ما تبقى من الحقوق والحذر من الانزواء والرضوخ للأمر الواقع، خاصة أن سقف الحقوق والحريات متحرك وغير ثابت، وكلما قفزنا إلى الأعلى ارتفع هذا السقف، وكلما طأطأنا برؤوسنا ودسسناها في الرمال كما تفعل النعامة، أو انكفئنا على أنفسنا، كلما هبط هذا السقف وتراجعت الحقوق أكثر وانخفضت إلى ما دون المستوى الذي نتوق ونستحق.
إننا نحن المواطنون الممنوعون من ممارسة حقنا في الترشح والتصويت في الانتخابات العامة (البلدية والنيابية) والخاصة (الجمعيات والمؤسسات الأهلية والخاصة) لن نتخلى عن حقوقنا الدستورية طواعية ولن نتوقف عن المطالبة باستعادتها بكافة الطرق المشروعة، كما أننا مستمرون في المطالبة بإصلاح هذه القوانين المنظمة للعمل العام وتنقيحها لإعادة ما سلب من الحقوق والحريات في لحظات الانفعال وردات الفعل التي سادت المشهد السياسي طوال العقد الماضي.
كما أننا لن نتخذ مواقف سلبية من المشاركة في الشأن العام بمختلف مستوياته، بل إننا سنتكيف مع الأوضاع الجديدة ونتعامل معها، ونقوم بتدوير الزوايا وصناعة الفرص والمسارات الجديدة، حتى يتم إصلاح هذه المنظومة القانونية المختلة ويتم إعادتها إلى أوضاعها الطبيعية المعتادة، فنحن من أنصار الشعار (خذ وطالب) ولسنا مع القائلين (أما كله وأما خله)، نؤمن بأن الحال سيتغير، لذلك سنستمر في العمل الوطني المسئول والمطالبة بعودة حقوقنا المسلوبة كاملة دون نقصان.
وأخيراً، نتوجه إلى جميع المواطنين الممنوعين من حق الترشح أو المحرومين من حق الانتخاب، أو المستبعدين كلياً من جداول الناخبين، ونقول لهم صبراً جميلاً،  وندعوهم لمواصلة المطالبة باستعادة حقوقهم وحرياتهم، وفي ذات الوقت المساعدة على اختيار النواب والبلديين وأعضاء مجالس إدارات الجمعيات والاتحادات  والأندية الرياضية والثقافية والمراكز الشبابية، من بين المرشحين المجازين من قبل السلطات الناظمة،  أولئك الذين يتحلون بالمسئولية الوطنية، ويؤمنون بحقوق متساوية وعادلة للمواطنين، ويتعهدون بالعمل على استعادة هذه الحقوق والحريات وإيقاف مسلسل المنع والحرمان وانتقاص الحقوق.