DELMON POST LOGO

الطريق الى تفعيل الحياة السياسية في البحرين - 6

بقلم محمد حسن العرادي

 لم يترك قانون الجمعيات السياسية رقم 29 لسنة 2005 الباب مفتوحاً للخطئ من قبل من يشرفون على إدارة الجمعيات السياسية التي تأسست أو أقلمت أو وفقت أوضاعها تبعاً لمواد هذا القانون، وقد أغلق ذلك المجال أمام أي خطئٍ في تحديد المسئولية القانونية لإدارة الجمعيات السياسية من خلال تحديد آلية إختيار وإستبدال القيادات الرئيسية (القيادات الفاعلة) لهذه الجمعيات، وعليه لا يمكن أن نتفهم إقدام وزارة العدل على تعميم قرار الحرمان والعزل السياسي وحضر حق ممارسة الحقوق السياسية وتحديداً (حق الترشح) المكفول بموجب الدستور على كل المواطنين الذين إنتموا لهذه الجمعيات في يوم من الأيام، والآثار والتداعيات التي وقعت عليهم بموجب التعديلات التي أدخلت على المرسوم بقانون مباشرة الحياة السياسية من قبل مجلس النواب في الفصل التشريعي الرابع 2014- 2018.

 ويتضح ذلك من نص

المادة رقم (18) في قانون الجمعيات السياسية التي تنص على "يجب على الجمعية أن تخطر وزير العدل - بكتاب يودع في ديوان الوزارة مقابل إشعار بالتسلم - بأي قرار تصدره الجمعية بتغيير رئيسها أو أي من قياداتها أو بحل الجمعية أو اندماجها أو بأي تعديل في نظامها الأساسي، وذلك خلال عشرة أيام من تاريخ صدور القرار"

وهذا يعني ان هناك تحديثاً دائماً للمعلومات والبيانات الخاصة بالجمعيات السياسية، وأن الوزارة مطالبة دائماً وبحكم هذه المادة الاعتماد على التحديث الأخير الذي يصلها من هذه الجمعيات، وليس كما فعلت وزارة العدل بالعودة الى أقدم الوثائق الموجود لديها بما يشبه عملية إجتثاث غير مبررة الأمر الذي أدى الى إستهداف أشخاصاً قطعوا علاقاتهم بالجمعيات السياسية المنحلة ولم يعودوا عاملين او فاعلين بها منذ سنوات.

وعليه فإن التعميم الصادر بحرمان جميع أعضاء الجمعيات السياسية المنحلة من حق الإنتخاب في الإنتخابات البرلمانية والبلدية والأهلية بصورة عامة بحاجة الى إعادة نظر وإعادة تفسير وفق منطق حاكمية الدستور على هذه القوانين المقيدة للحريات، خاصة في ظل غياب أو حجب المذكرة التفسيرية للمرسوم بقانون رقم 14 لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية والتعديلات التي أضافها مجلس النواب عليه لاحقاً، كما أن تفسير الجهة المعنية - وزارة العدل- لهذه التعديلات فيها إجحاف كبير بحق المواطنين وخاصة إعتبارها كل من انتمى لأي من هذه الجمعيات السياسية المنحلة بحكم القانون عضواً فاعلاً حتى وإن إمتنع عن حضور الإجتماعات أو توقف عن تسديد إلتزاماته المالية باعتبارها أهم شروط العضوية، والحال أن القاعدة تقول بأن كل من فقد شرطاً من شروط العضوية وأهمها تسديد إلتزاماته المالية تسقط عنه صفة العضو العامل أو (العضو الفاعل) في الجمعية ولا يحق لهذا العضو المشاركة في حضور الإجتماعات الرسمية أو الترشح او الإنتخاب أو التصويت في اي من الهيئات والهياكل القيادية المعتمدة بها.

وعليه فإن وزارة العدل، أو الجهة المعنية بمتابعة شئون الجمعيات السياسية في هذه الوزارة مطالبة بإعادة النظر في القوائم التي إعتمدتها للعزل السياسي باعتبارهم (الأعضاء الفاعلين) حسب تعديلات مجلس النواب المشار اليها اعلاه، بمعنى آخر فإن هذا التفسير يجب أن ينحصر في القيادات الرسمية القائمة (الحاضرة) للجمعيات السياسية المنحلة وخاصة اعضاء المكاتب السياسية واللجان المركزية وما في حكمها فقط،حتى يأتي الوقت الذي يتم فيه مراجعة و إعادة النظر في هذه التعديلات المضيقة على الحريات والتراجع عنها كلياً.  

أما المادة رقم (20) فقد جاء في نصها "يضع وزير العدل القواعد المنظمة لاتصال الجمعية بأي حزب أو تنظيم سياسي أجنبي ، ولا يجوز لأية جمعية التعاون أو التحالف مع أي من هذه الأحزاب أو التنظيمات إلا وفقاً لهذه القواعد" وهنا نلاحظ بأن القراءة المنصفة لهذه الفقرة تعني بشكل واضح أن عملية التواصل مع الأحزاب والجمعيات السياسية العربية و الأجنبية  متاحة حسب القانون وغير ممنوعة - وفقا للقاعدة القانونية ( لا منع الا بقانون) - وأن دور وزير العدل هو إصدار القرارات التنظيمية التي تنظم هذا التواصل مع الاحزاب والجهات السياسية - التنظيم لا بعني المنع -  فاذا لم يقم الوزير المعني باصدار هذه القواعد المنصوص عليها في القانون فإن ذلك يعني قد يعني تقصيراً في الالتزام بواجباته ودوره التنظيمي يستوجب محاسبته ومسائلته أمام مجلس النواب، وهنا يلاحظ بأن السادة اعضاء مجلس النواب مطالبون بتوجيه أسئلة مباشرة لوزير العدل حول الأسباب التي منعته من إصدار هذه القواعد او حالت دون قيامه بواجبه، كما للمجلس أن يطالب بمناقشة وتعديل هذه القواعد في حال صدورها ونشرها رسمياً، وهو ما افتقدناه في الفصول التشريعية الخمسة المنصرمة.    

أما الفقرة الثانية من المادة رقم (20) فتنص على " يحظر فتح فرع لأي جمعية سياسية أو حزب سياسي آخر من خارج مملكة البحرين بغير ترخيص من وزير العدل" ومرة اخرى يتم رمي الكرة في مرمى وزير العدل الذي ألزم باصدار القواعد المنظمة لتواجد الاحزاب السياسية الأجنبية - مع ملتحظة ان عددا كبيرا من العمالة واصحاب العمل القادمين من دول ديمقراطية قد يكونون منتمين الى احزاب سياسية في بلدانهم ، ويشاع بأن بعض الجاليات الاجنبية والاسيوية منها على وجه الخصوص لديها امتدادات معروفه لتنظيماتها السياسية في بلدانها ، وهنا يبرز السؤال عن حصول هذه الاحزاب على تراخيص بالعمل من عدمه- اما الجمعيات السياسبة القائمة في البحرين فان هذه الفقرة تسمح لها بالتواصل مع الاحزاب الاجنبية طلبا للخبرة والتدريب وإكتساب التجربة والاستفادة من تجارب الديمقراطيات العريقة كما نص على ذلك ميثاق العمل الوطني، وهنا نتساءل عن السبب الذي منع الجمعيات السياسية على إختلاف أيدلوجياتها وإنتماءاتها الفكرية والسياسية علاوة على السادة أعضاء مجالس النواب طوال الفصول التشريعية الخمسة الماضية عن مطالبة الوزير المختص بالوفاء بالتزاماته المنصوص عليها هذه المادة لاصدار التنظيمات والقواعد المنظمه لهذا التواصل.

ولأننا نناقش الأسباب التي دفعت وزير العدل للمطالبة بحل عدد من الجمعيات السياسية - بسبب ما قيل عن مخالفاتها للمصلحة العامة بأن يشرح وينشر هذه الأسباب، وان يعالج ما نتج من تداعيات الحل الفعلي لثلاثٍ من أنشط الجمعيات السياسية في البحرين وربما في منطقة الخليج العربي، الأمر الذي إنعكس سلباً على نجاح التجربة السياسية بشكل عام والتجربة البرلمانية بشكل خاص، بل أدى إلى تراجعها يقيناً، فإن من المهم مطالعة المادة رقم (21) التي تنص على عدم جواز حل الجمعيات السياسية إلا وفق النظام الأساسي لهذه الجمعيات أو بحكم المحكمة الكبرى المدنية، ويلاحظ هنا بان المشرع قد ساوى بين الحق والصلاحية المنصوص عليها في الأنظمة الاساسية للجمعيات السياسية، وبين حكم المحكمة المختصة الأمر الذي يعني أهمية توافق الجهتين في النظر  لموضوع الحل وفي اقل الاحوال البحث عن حوار بين من يمثل الجهتين للوصول الى تسويات ومخارج قانونية تبعد شبح الحل وتتعامل معه باعتباره خياراً اخيراً وليس خياراً مستعجلاً وإقصائياً .

وبرأينا لا يجوز الركون إلى جزء من المادة وإغفال الجزء الآخر كما نلاحظ في النص الذي يفصل في هذا الأمر بالقول " لا يجوز حل الجمعية أو وقف نشاطها أو إقالة قياداتها إلا وفق أحكام النظام الأساسي للجمعية أو بحكم من المحكمة الكبرى المدنية" وبعيداً عن مدى توفر الأجواء المناسية لعملية التقاضي (المنصف) التي تم بموجبها حل الجمعيات السياسية الثلاث (جمعية العمل الإسلامي - امل ، جمعية الوفاق الوطني الإسلامية وجمعية العمل الوطني الديمقراطي - وعد ) بموجب أحكام صادرة من المحكمة المدنية الكبرى، فإن من المهم قراءة التداعيات التي نتجت عن هذه الأحكام والتي قضت بإبعاد عدد كبير من المواطنين النشطين عن ساحة العمل السياسي - يقدرون بالآلاف -  وحرمتهم من حق المشاركة في الإنتخابات البرلمانية وإنتخابات مجالس إدارات الجمعيات والمؤسسات الأهلية وفق التفسير الذي سارت عليه الوزارة المعنية، وتبعها في ذلك مجلس النواب في الفصل التشريعي الرابع عبر إدخال تعديل يقيد الحريات ويضيق هامش العمل السياسي في البلاد، وقد ساهم ذلك في إرباك الساحة السياسية وزيادة منسوب التوتر والتشنج والإحتقان السياسي، الأمر الذي إنعكس سلياً على التجربة النيابية والمشروع الاصلاحي برمته.

من هنا فإننا نطالب بإطلاق طاولة حوار حقيقية بين الجهات المعنية في الدولة وبين القيادات الرئيسية في الجمعيات السياسية المتضررة من تفسير المرسوم بقانون  مباشرة الحقوق السياسية والتعديلات التي أدخلت عليه، كما نطالب بإعادة الإعتبار لقانون الجمعيات السياسية ومنحه فرصة الإختبار والتجربة بعيداً عن أي تعسف في التطبيق أو التفسير، فالبحرين بحاجة ماسة إلى فترة حضانة كافية وملائمة لاختبار هذه القوانين وتطبيقاتها، قبل اللجوء الى تعديلها المرتجلة، خاصة إذا كانت هذه التعديلات تقود إلى مزيد من التضييق في الحريات العام والحريات السياسية التي بني عليها المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه.

في المقال التالي سنتناول المادة رقم 23 من قانون الجمعيات السياسية التي تمنح وزير العدل حق المطالبة بحل الجمعيات السياسية وتصفية أموالها وتحديد الجهة التي تؤول أليها هذه الأموال والممتلكات،  كما سنستكمل قراءة المزيد من مواد قانون هذا القانون فانتظرونا قريباً.