DELMON POST LOGO

في الرياح السيئة اعتمدوا القلب ..

بقلم محمد حسن العرادي - البحرين
تمر على الأمة العربية جمعاء رياحاً مظلمة سوداء توشك أن تحيل نهار هذه الأمة إلى ليل دامس عبوس قمطريرا، وبينما ينكفئ المنظرين والمثقفين والثوريين العرب من أجل المحافظة على نقائهم والابتعاد عن التلوث، أو هكذا يظنون، تتلوث الأجواء العربية قاطبة بضجيج التطبيع وبشاعة الانجرار خلف المخططات الصهيونية التي إخترقت جميع  الدفاعات العربية وكادت ان تسقطها بالضربة القاضية لو لا بعض من الصامدين الملتزمين بقضايا الامة الرافضين للتطبيع تحت جميع التبريرات.
في ظل هذه الأجواء البائسة المحزنة يسود الصمت ساحاتنا العربية في إنتظار الهجمات الصهيونية التالية التي تكاد أن تتحول إلى تسونامي يكتسح المناهج التربوية والبرامج السياحية والاعلام والسياسة ويتموضع في أسواق المال والعقار والخدمات الصحية والتعليمية والملء والكهرباء، ونحن في غفلة من أمرنا، أو نشاهده ونحن نشعر بأن لا حول لنا ولاقوة، وكأننا استسلمنا للواقع المذل والمهين الذي تقوده الصهيونية العالمية.
في فلسطين العزيزة على قلوبنا يتم الاستفراد بأشقائنا وأبنائنا الذين أصبحوا يشعرون بالوحدة والخُذلان من أقرب المحسوبين على الأمة العربية، حتى تحولت أيامهم إلى مواجهات غير متكافئة مع عدوٍ مجرمٍ محتلٍ مغتصبٍ يقتلع الانسان وينتهك المكان والزمان ونحن في خبر كان نيام بدون شعور، مخدرون بدون حضور بينما الأعداء يمدون يد الغدر والخيانة لدعم وإسناد إرهاب الصهاينة ويساهمون في تمكينهم من التغلب علينا وقهرنا في كل المجالات.
أمة عربية مفككة مشغولة مهزومة منتهكة، في كل يوم يُقتل شبابنا بدمٍ بارد وحقدٍ زائد ونحن نتابع شاشات التلفزيون بأفواه فاغرة وقلوب فارغة من أي نوع من التضامن والانفعال بدعوى الاعتدال ودعوات السلام البائسة في زمن الإنكسار والإبتذال، وبينما تدعي حُكوماتنا بأنها مغلوبة على أمرها ومُكبلة بالاتفاقيات والقرارات الدولية التي أعطت الصهاينة اعترافاً بدولة مستقلة بموجب القرار181 الذي قسم فلسطين التاريخية إلى دولة عربية وأخرى عبرية، ويكبر تساؤلنا كل يوم أين هي دولة فلسطين العربية الموعودة وماذا قدم لها حكامنا الكرام.
أعوام تجر في أذيالها أعوام وهزائم تحبل بهزائم أكثر وأشد فتكاً حتى أصبح الفلسطينيون يشاهدون ويتفرجون على هدم منازلهم وحرقها أو يُجبرون على تفكيكها وإحالتها الى ركام بعد أن قضوا فيها أياماً وأعوام من الأمل بالعودة والتحرير، وهم يعدون العدة لمستقبل من الاستقرار والأمان الذي طال انتظاره فلم يأتي، عيونهم مشدوهة شاخصة ناحية أشقائهم العرب الذين التزم اكثرهم الصمت التام، واختاروا الركون الى سلام مزعوم ووعود كاذبة لن تدوم، وفي غمرة الهزيمة والاختراق يغيب الأصدقاء ويختفي الرفاق، فلا تسمع لهم رنين ولا حنين.
في هذه الأيام تعود لنا ذكرى التقسيم ويحتفل العالم الذي يدعي بأنه كان حراً ومستقلاً باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يوافق 29 نوفمبر من كل عام والذي اقرته الأمم المتحده في العام 1977 بعد مضي 40 عاماً على صدور قرار التقسيم في 29 نوفمبر 1947 بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 181، لكن العالم الأعور طبق الشق الأول المتعلق بإقامة وطن قومي لليهود وحول الفلسطينيين إلى لاجئين يطوفون حول العالم في رحلة تيه لم تنتهي بعد.
ما أكثر الظلم الذي وقع على أشقائنا أبناء فلسطين الأصليين الذين طردوا من أرضهم وبيوتهم عنوة وغصباً تحت الحراب والارهاب المدعوم من دولة الإنتداب بريطانيا صانعة شريعة الغاب، التي أحتلت ونهبت وسلبت ثم وهبت ما لا تملك لمن لا يستحق،  وبدعم منقطع النظير من الولايات المتحدة الأمريكية التي تقف الى جانب الصهاينة بدون حسيب او رقيب، وترهب جميع من يرفض مخططاته الاستعمارية،وبينما العالم المنافق يؤسس ويرعى دولة الأبرتهايد المدججة بالسلاح والعتاد لبني صهيون، يقوم بمساعي حديثة بالضغط من اجل التخلي عن (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)، التي اصبحت هي الشاهد الدائم على جرائمه وظلمه وكيله بمكيالين، وكأن تأسيس الأونروا لرعاية اللاجئين الفلسطينيين كان هدفه الرئيسي ضمان إستمرارهم مشردين بائسين يائسين من العودة لوطنهم.
خمسة وسبعون عاماً مرت منذ صدر قرار التقسيم المشئوم عام 1947، ورغم ذلك لا تزال (اسرائيل) تعتدي وتتمدد وتحتل الأرض وتصادر الثروات الطبيعية على أرض فلسطين بكل صلافة ووقاحة، وقد خضعت الحكومات العربية للارهاب الصهيوني تحت مسميات ما أنزل الله بها من سلطان، بدءاً من اتفاقيات السلام، اتفاقيات أوسلو، كذبة حل الدولتين، المبادرة العربية للسلام التي أقرت الموافقة على دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967، لكن الصهاينة وحلفائهم من الدول الاستعمارية لم يعيرونا أي اهتمام، فواصلوا قضم الأراضي وابتلاع وهضم الحقوق الفلسطينية حتى ولدت صفقة القرن المشبوهة التي حبلت باتفاقات إبراهام والديانة الإبراهيمية المختلقة، فعدنا إلى عهد الأوهام وفتحنا بلادنا للصهاينة اللئام.
في ظل هذه الأجواء اليائسة نطالب المواطنين العرب عامة والمثقفين والسياسيين منهم على وجه الخصوص بمغادرة حالة الاحباط والقنوط، وإستعادة المبادرة من أجل دعم الحق الفلسطيني الذي لم ولن يسقط بالتقادم، ونقول لهم كما قال الشاعر العراقي العربي العظيم .. مظفر النواب ..
(بوصلة لا تشير إلى القدس مشبوهة
حطموها على قحف أصحابها، اعتمدوا القلب، فالقلب يعرف مهما الرياح الدنيئة سيئة جارفة.. ) لقد آن لنا أن نعتمد القلب الذي ينبض بحب فلسطين وشعبها ولا يرتضي غير استعادتها كاملة من البحر إلى النهر، فهلموا نعلم أبنائنا بأن حقنا سيعود مهما طال الزمان وسيسقط رهان التطبيع والتتبيع مهما كان بؤس هذا الزمن الرديئ.
وفي الختام نرفع إلى أهلنا وأشقائنا الكرام في فلسطين محبتنا وتضامننا ونقطع لهم عهداً بأننا لن نخون دماء شهدائنا الذين إرتقوا على طريق استعادتها، وسيظل صوتنا لنصرتكم هادراً وقلبنا بحب القدس والمسجد الاقصى وكامل فلسطين نابضاً، لا يضرنا ولا يعنينا في ذلك من فرّط أو تنازل عن فلسطين أو أي شبر من ترابها وبحرها وماءها وسماءها، فنحن مع شعبها في خندق واحد ندافع عن حقه في العودة واسترداد الوطن السليب شاء من شاء وأبى من أبى، ملتزمون بموقفنا الرافض للتطبيع على جميع المستويات ملتزمون بمبدأ بحرينيون ضد التطبيع؛
والله من وراء القصد