DELMON POST LOGO

د. لوتاه في منتدى جمعية المنبر التقدمي : غالبية العاملين في مجال الإعلام المرئي في بلداننا العربية يعانون من افتقار إلى ثقافة الصورة

ضعف عناية الصحف المحلية بالشأن المحلي وقضاياه إلا في الميادين الإخبارية مما جعل مكانة الصحافة المحلية ضعيفة نسبياً في محيطها

خمس اوراق عمل تم تقديمها في المنتدى الفكري السنوي العاشر – دورة احمد الشملان الذي ينظمة المنبر التقدمي ، ثاني تلك الاوراق كان للدكتورة  حصة لوتاه من الإمارات العربية المتحدة وبعنوان " تراجع الصحافة المقروءة وتحديّات زمن الصورة "  وفيما يلي ملخص الورقة .

علّنا لا نجافي الحقيقة حين نقول إن هيمنة الإعلام الحديث قد أثرت بشكل كبير على تراجع مكانة الصحافة المقروءة في معظم البلدان في العالم، بما ذلك البلدان العربية، وبلدان الخليج تحديداً.  لكنه من المشروع أيضاً أن نسأل أنفسنا حول إن كانت هناك أسباب أخرى، غير تلك الهيمنة الرقمية، قد أثرت في تراجع مكانة الصحافة المقروءة.

ولطرح هذه النقاط سأنقل هنا، في هذه الملاحظات القصيرة، وربما غير الوافية، تجربتي الشخصية كأستاذة في قسم الإتصال في جامعة الإمارات، في زمنٍ لم تكن وسائل الاتصال الحديثة قد هيمنت بشكل كبير على حياة البشر فيه، حيث بدأتُ العمل في الجامعة، وفي قسم الإعلام تحديداً، في العام 2000 الميلادية، وكان أن وجدت فيه، أن أقلّ فروع ذلك القسم التحاقاً من قبل الطلبة كان فرع الصحافة المكتوبة (جدير بالذكر هنا، أن الفرع الأكثر استقطاباً للطلبة، والطالبات كذلك، كان فرع العلاقات العامة)، مما دفعني للملاحظة والتساؤل حول أسباب ذلك العزوف عن دراسة الصحافة.

ومن أول النقاط التي كوّنتها في ذلك التساؤل كان:

- تسمية الصحافة بـ "مهنة المتاعب"، وهي تسمية لا تتناسب كثيراً مع بعض القيم الثقافية التي بدأت في الظهور في مجتمعات الخليج تحديداً، وكانت تركز على قيم الراحة، أكثر من تركيزها على قيم العمل وبذل الجهد.

- على عكس مرحلة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، حين كانت الصحف المقروءة أكثر انتشاراً في المجتمع، تراجع الاهتمام بالصحف بشكل كبير.

- ضعف اهتمام الصحف بشكل عام  بتدريب كوادر مواطنة في العمل الصحافي، وعدم الاهتمام بتدريبهم تدريبا صحيحاً، وهذا يعود لبعض الأسباب التي ستناقش في المنتدى.

- ضعف عناية الصحف الصادرة محلياً أيضاً بالشأن المحلي وقضاياه، إلا في الميادين الإخبارية، مما جعل مكانة الصحافة المحلية ضعيفة نسبياً في محيطها.

- ضعف اهتمام غالبية الكادر التدريسي كذلك بهذا القطاع.

- والنقطة المهمة كذلك، والتي لا نستطيع تجاهلها، ضيق مساحة التعبير والسعة في طرح الآراء بشكل عام وسيادة الطرح "المحايد" نسبيا.

- ظهور ثقافة الصورة وهيمنتها، من خلال سيطرة ما سمي بالسوشيال ميديا، خاصة في أوساط الشباب.

معضلة الصورة في فضاءنا الإعلامي:

نحن في "زمن الصورة"، حقيقة تحدث حولها الكثير من المفكرين والكتّاب، وأهمهم المشتغلون في ميادين علوم "الدلالة"، كونهم نظروا إلى الصورة كحقل مستقل بذاته، ويستدعي "تفكيك" الرموز المحمولة في فضائه، وليس كحقل ملحق بالكلام، كما نظن نحن حين نرى الصورة في الصحف، أو في أي فضاء آخر. ولعل أهم من قدم لنا قراءات متعمقة في ميدان "الصورة"  في زمننا الحالي المفكر الفرنسي جين بودريارد، والذي اعتنى بدراسة هيمنة الصورة على عالمنا المعاصر، وخلص إلى أن عالمنا اليوم تشكّله صورة لا مرجعية لها، وبها يتمثل.  

من جانب آخر، أظن أننا  لا نجافي الحقيقة، بشكل كامل، لو قلنا بأن غالبية العاملين في مجال الإعلام المرئي في بلداننا العربية، يعانون من افتقار إلى ثقافة الصورة، والكيفية التي يستقبلها بها الدماغ البشري، وكيف تتدخل في تشكيل الوعي فيه. فنحن، وعلى الرغم من تلك الهيمنة التي تحدث حولها بودريار للصورة، ودورها في تشكيل معرفتنا ووعينا بالعالم، إلا أننا نفتقر لثقافة  معرفية وعميقة لها. وهذه  المعضلة أظنها تحيلنا إلى جذر مهم من جذور ثقافتنا العربية، وهو الجذر المرتكز على مدلولات تلك الثقافة.

إن النظرة المتعمقة في البعد الثقافي لهذه الإشكالية، في نظري، نجد أنها تحيلنا إلى إدراك أننا  أمة لا نستند على البصر كمرجعية معرفية، كما هو الحال في الثقافة الغربية المعاصرة، والتي تعتبر أن البصر  يشكل "المرجعية الأساس" للمعرفة (seeing is believing). فنحن، في مرجعياتنا الثقافية المتجذرة فينا، شأننا شأن الكثير من الثقافات الشرقية، لا نعتبر البصر المرجعية المعرفية الحقيقية لنا، بل ربما يكون البصر عندنا منظور إليه كأداة من أدوات إدخالنا في "عالم الوهم"، أو ربما "عالم الضلالة". وقد نختصر هذه الجدلية في القول إننا، تاريخياً، أمة أعلت من شأن البصيرة، في مقابل البصر.

لكننا مواجهون اليوم بأن نتزود بالمعرفة التي تساعدنا على قراءة مدلولات الصور ورموزها، حتى نكون قادرين على قراءتها وانتاجها بشكل أفضل.

الخلاصة، أنه في مجال الإعلام المرئي، يفتقر معظم العاملين، والمتخصصين فيه، بشكل عام،  إلى المعرفة بثقافة الصورة ودلالات مكوّناتها، وإلى معرفة تأثيرها كذلك في الدماغ البشري وتشكيل وعيه. وهذه المعضلة تتطلب منا الاشتغال على التخلص منها، حتى نستطيع، ليس فقط القراءة المتعمقة للصور، إنما أيضاً انتاجها بشكل أفضل.