DELMON POST LOGO

25 أيار..ذكرى انتصار الارادة والكرامة في جنوب لبنان

الكاتب

بقلم: مهدي مطر

قبل شروق فجر الخامس والعشرين من مايو/ ايار عام 2000، حزمت قوات الاحتلال الصهيوني أمتعتها في جنوب لبنان وهربت تحت ضربات المقاومة التي لاحقها وهي تنسحب انسحابا غير مُنظم باتجاه فلسطين المحتلة وتُغلق  البوابات تاركةً وراءها من تعاون معها فترة الاحتلال منذ الغزو الأول لجنوب لبنان عام 1978.
في الذكرى الثانية والعشرين لانتصار المقاومة الوطنية والإسلامية وتحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، نتناول في هذه المقال الدور الذي لعبه الجنوب كساحة متقدمة في حرب التحرير التي بدأت في يونيو/ حزيران 1982 أي بعد الغزو الإسرائيلي الواسع حتى التحرير في مثل هذا اليوم.
في البدء من المفيد تسليط الضوء على الجنوب كمحافظة من محافظات لبنان وهو انموذج للتركيبة السكانية للوطن لبنان، فهناك المسلم السني والشيعي والمسيحي الماروني والكاثوليكي والأرثوذكسي، فضلاً عن المكونات السياسية الأخرى. وفي الجنوب تنوع طائفي ومذهبي وسياسي، والبلدات متداخلة ومتجاورة بتنوع تركيبتها.
المساحة الإجمالية للجنوب 929.6 كيلومترا مربعا، أي ما يعادل 10%؜ تقريباً من مساحة لبنان البالغة 10,452 كيلومترا مربعا.
بدأت معاناة لبنان والجنوب وإبن الجنوب مع نكبة فلسطين عام 1948، باحتلال فلسطين وتهجير الشعب  الفلسطيني من وطنه وإعلان دولة الكيان الصهيوني، وكان لبنان أحد مواطن اللجوء كما الحال مع سوريا والأردن.
في جنوب لبنان تم تشييد مخيمات للآجئين، في مدينة صور وصيدا والنبطية، كما تم تشييد مخيمات في بيروت وشمال لبنان، وجاءت هزيمة يونيو1967 لتفاقم الأمور باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة.
أصبح لبنان والجنوب تحديداً  أصبح هدفاً للاعتداءات الإسرائيلية مع كل عملية للمقاومة الفلسطينية في فلسطين المحتلة.
في الذاكرة الاجتياح الإسرائيلي للجنوب عام1975 وعام 1976 وأصبح إبن الجنوب لا يأمن لا على نفسه ولا على أهله ولا على بيته وحقله..
كانت قوات العدو الصهيوني تستبيح أرض وسماء لبنان بسبب وبدون سبب..
والدولة غير قادرة على التصدي لهذه الاعتداءات وحماية الأهالي، والمجتمع الدولي يُراقب ويُعبر عن قلقه..
في ذاكرةالأيام إحدى الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب مطلع السبعينات،عندما توغلت قوة تابعة للجيش الإسرائيلي في إحدى البلدات الحدودية وقتلت سبعة أفراد من عائلة واحدة، هنا نستحضر كلمات لشاعر لا يحضرني إسمه والأغنية التي غناها الفنان اليمني جابر علي أحمد:
"يا حادي العيس سلم لي على لبنان
وقبل الجرح واحضن أهله الشجعان
يا حادي العيس سلم لي ولو مرة
سالت دموعي على أخواني السبعة
ودعتهم يوم نكبتهم ولم أرهم
حتى أتاني نعيهم في ليلة الجمعة"..  
مع اشتعال الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، ازدادت معاناة أهل الجنوب واستغلت إسرائيل انشغال الجميع بمجريات الحرب الأهلية فقامت باجتياح الجنوب في 15 آذار، مارس،عام 1978وإقامة الشريط الحدودي والتعاون مع الضابط سعد حداد المنشق عن الجيش اللبناني والذي أسس جيش لبنان الجنوبي عام 1976.
ازدادت معاناة الأهالي مع إقامة الشريط الحدودي، وتكرر مشهد نزوحهم من الجنوب لبيروت، والضاحية الجنوبية شاهدة على ذلك، حيثُ أن أغلب سكانها من الجنوب ولم يسلموا من العدوان الإسرائيلي في عدة مناسبات.
في 4 يونيو/حزيران، عام 1982 بدأ العدوان الصهيوني واسع على لبنان تحت عنوان عملية " سلامة الجليل" والهدف المعلن إبعاد قوات منظمة التحرير الفلسطينية مسافة 45 كيلومتر عن المستوطنات الصهيونية في فلسطين المحتلة، لكن الحقيقة كانت واضحة وهي إخراج قوات الثورة الفلسطينية من لبنان..
اجتاحت قوات العدو الصهيوني الجنوب  حتى وصلت على مشارف بيروت، هنا بدأت مرحلة جديدة بانطلاق المقاومة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي في سبتمبر/ايلول من نفس عام الغزو، وبدأت بعملية مقهى الويمبي بمنطقة الحمرا عندما أطلق مُسلح "مقاوم" النار على ضابط إسرائيلي وأرداه قتيلاً وجرح جنديين، وسبق ان تناولتُ هذه المرحلة في عدة مقالات نُشرت في موقع " الديمقراطي" التابع لجمعية "وعد"، ومنصة "ديلمون بوست"، البحرين.
كان جنوب لبنان يشكل الخط الأمامي في مواجهة العدوان الإسرائيلي ،فضلاً عن انتفاضات شعبية رافضة للإحتلال، وفي ضوء المقاومة المتصاعدة، قرر جيش الإحتلال الانسحاب من بيروت وضواحيها والإبقاء على المنطقة العازلة في الجنوب وكان ذلك في 16 فبراير،شباط عام 1985، وهنا  وجب التنويه، أن أغلب الأراضي اللبنانية بلدات ومدن ومرافق تعرضت للعدوان الإسرائيلي ولم يسلم لا البشر ولا الحجر على مدى عقود من الاعتداءات الإسرائيلية، ولكن الجنوب نال حصة الأسد من الاعتداءات الإسرائيلية، على سبيل الذكر لا الحصر، مجزرة قانا الأولى التي حصلت في 18 ابريل/ نيسان عام 1996 ونتج عنها ارتقاء 106 شهداء وعشرات الجرحى بسبب غارة إسرائيلية على مبنى للأمم المتحدة لجأ اليه الاهالي في الجنوب.
ومجزرة قانا الثانية في 30 تموز، أغسطس، 2006 وكانت نتيجة العدوان 55 شهيداً، منهم عدد كبير من الأطفال.
نزور الجنوب ونتوقف مع المعلم السياحي الذي أُقيم عند تلة مليتا، والمعلم شاهد على تضحيات المقاومة وصمود الأهالي في الجنوب إبان فترة الاحتلال الإسرائيلي ويحمل رسالة "حكاية الأرض للسماء"، وسبق لي ان كتبت عن هذا المعلم بعد زيارة عام 2017.
الجنوب الهب خيال الشعراء ، فهو أيقونة الصمود والتحرير، وتغنى بهذا الصمود والتضحية الفنانون،
السيدة فيروز وأغنية "إسوارة العروس"
وديع الصافي " الله معك يا بيت صامد بالجنوب"
مرسيل خليفة وفرقة الميادين رسموا ملاحم وصور الصمود، منها أغنية مهداة إلى الشهيد علي شعيب التي تقول كلماتها:
"يا علي..ياعلي
نحن أهل الجنوب
حفاة المدن نروي سيرتك
على أضف البرك والأودية".
والفنانة الوطنية جوليا بطرس، صوت المقاومة التي صدحت:
" نرفض نحنا نموت
ألولو راح نبقى
اهلك والبيوت
والشعب اللي عم يشقى
هو النا ياجنوب
يا حبيبي يا جنوب".
اليوم وبعد عشرين عاماً ونيف من التحرير، ينعم الجنوب بالهدوء والأمان بفضل انتصار المقاومة.
وسيظل الجنوب في الذاكرة الوطنية اللبنانية والعربية،
جنوب السيد موسى الصدر الذى أسس حركة المحرومين (أمل)،
جنوب الشهيد معروف سعد، الذي استشهد في مظاهرة، في صيدا عام 1974،
جنوب الشهيد أحمد قصير، عريس الجنوب،
جنوب الشهيدة سناء محيدلي، عروس الجنوب،
جنوب سها بشارة، زهرة الجنوب،
وكافة شهداء المقاومة الوطنية والإسلامية الذين صنعوا نصرا بدمائهم وتضحيات اهل الجنوب ولبنان ليصنعوا نصراً يفخر به لبنان وشعوب الأمة العربية.
ويبقى مشهد عودة الأهالي إلى بلداتهم عام 2000 بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي عالقاً في الذاكرة عندما تحدوا كافة الأخطار وكانوا جزءا فاعلا في الانتصار الكبير على جيش الاحتلال.
بعد انتصار لبنان